إدانة التوجهات الظلامية المتشددة التي تشنّ حربَها على ثقافتنا التنويرية
تابع المرصد السومري لحقوق الإنسسان والبرلمان الثقافي العراقي في المهجر، في الأيام الأخيرة تدهورا جديدا وقرارات سلبية خطيرة أخرى تضاف لسجل ماساوي سابق. فقد تابع عددا من الإجراءات التي جرت مؤخرا في إطار ممارسات وظيفية بوزارة الثقافة وعدد من مؤسساتها ببغداد. فقد اطلعنا أولا على قرار إبعاد مدير دائرة السينما والمسرح وتعيين بديل له، على خلفية عرض مسرحي ألماني في قاعة المسرح الوطني، جرى تأويله على وفق منطق قيمي معوج. فيما تمَّ تغليف القرار بمبررات تدعي استنادها لمسيرة زمن من (التراكمات) التي لم توضَّح بدقة وموضوعية.. ولكن جرى تمريرها بعبارة صيغت للفلفة الأمور الحقيقية التي دعت للقرار، مثلما فضحه العارفون من العاملين في الحقل الثقافي مباشرة هناك ببغداد.
وتأتي اليوم حالة مكرورة أخرى للحديث عن تحريم الموسيقا مثلما حصل بالأمس في أحد مهرجانات بابل. واليوم على خلفية رفض المدير العام لدائرة ثقافة الطفل لطلب تجمع [فنانو العراق] وبرنامجهم الذي تقدموا به والذي شمل إقامة عرض مسرحي وآخر موسيقي لأحياء ذكرى الملحن العراقي الراحل طالب القره غلي ومعرض للصور الفوتوغرافية ، وذريعة الرفض هي أن الدائرة المذكورة أعلاه هي دائرة إسلامية، والإسلام (على حد قول من اصدر القرار) يحرم الموسيقا كما أورد هذا إلينا بيان لتجمع فناني العراق.
إننا اليوم، في المرصد الحقوقي والبرلمان الثقافي لنشجب هذه التوجهات التي تخضع لفلسفة حزبية ضيقة يجسدها بضع عناصر احتلت كرسي المسؤولية على وفق منطق المحاصصة وليس الكفاءة ولا التخصص وعلى وفق سياسة يبدو أنها مقصودة ومبيتة بمحاوت من طرف عناصر متشددة لفرض ما يسمى أسلمة المؤسسات والخطابات العامة الثقافية في العراق الجديد؛ وهي بجوهرها وحقيقتها لا تمثل حتى الأسلمة ولكنها تجسد مناهج ظلامية لا تنتمي حقا لفتاوى فقهية صحيحة في الدين ولم تصدر عن دار رسمي للافتاء كما لم ترد في نص ديني مقدس. فضلا عن كونها تنتمي لخطاب أحادي شوفيني يتعارض وما نص عليه الدستور من احترام التعددية والتنوع والارتقاء بخطاب الثقافة التنويري وإدانة الخطاب الظلامي المتشدد.
ونحن ندين أولا عمليات التصفية الجسدية وجرائم الاغتيال التي طاولت صراحة العناصر والشخصيات الثقافية المتنورة المعروفة الموجودة في قيادة المؤسسات. وندين أيضا تلك القرارات التي تعمدت إقصاء كل شخصية ثقافية متنورة واستبدلتها بعناصر متشددة من دون مراعاة للتخصص أحيانا وللكفاءة في أحيان أخرى فضلا عن موضوع الخبرات والعودة للصوت الثقافي الأشمل.
وفي وقت نتضامن بقوة مع مثقفينا الذين تظاهروا في رمز شارع الثقافة العراقي مشيرين إلى وقفاتهم في شارع المتنبي وفي غيره من الميادين، فإننا نطالب بالتراجع عن تلك القرارات ومحاسبة من يتصرف بهذه الطريقة المتعارضة ونص الدستور وروح القوانين المدنية في العراق الجديد الذي اختار شعبه له مسيرة سلمية ديموقراطية. ونؤكد على أهمية وقف (ظاهرة الأسلمة) بخلفيتها الحقيقية القائمة على تمرير عناصر غير مؤهلة أو ظلامية معادية لخيار دمقرطة الحياة ومتعارضة مع ثقافة إنسانية وطنية سليمة تعالج أمراض المجتمع من مخلفات الفاشية والطغيان ومن الظلاميات الكارثية التي تهددنا لا بالجهل والتخلف حسب بل بالفناء في أتون التحضير لأرضية الاحتراب والصراع على أسوأ أسسه.
سلمتم يا مثقفات العراق ومثقفيه، فبجهودكم ونضالاتكم وخطابكم نبني الوطن ونتقدم به. وحالفكم التوفيق والنجاح في مهامكم انتصارا لثقافة العقل العلمي والتنوير ومحوا للظلاميات وروزخونيات المقابر والتخلف وعناصر المافيات وقواها الهمجية.
نحيي هنا وجودكم ومؤسساتكم المدنية، كما نحيي منكم من لازال في دوائر العمل ومؤسسات الدولة يكافح ضد أعمال الإقصاء والإلغاء والتصفية. ونحن بهذه المناسبة ندعو المنظمات الدولية المعنية من حقوقية ومن ثقافية، لما هو أبعد من مشاركتنا الإدانة لهذه الجريمة، بالدخول ميدانيا بقوة وتأثير دعما لمسيرة التحديث والتنوير والارتقاء بعمل المؤسسات الثقافية والعامة ومنع تراجع تلك المؤسسات وانهيارها بسبب تلك الممارسات الظلامية المتطرفة.
أ.د. تيسير عبدالجبار الآلوسي
عن: البرلمان الثقافي العراقي في المهجر المرصد السومري لحقوق الإنسان
لاهاي هولندا 23. 05. 2013