بيان البرلمان الثقافي العراقي في المهجر بشأن مضمون قانون الانتخابات العراقي الجديد
مبادئ الديموقراطية ودستورية القرارات.. في مهب ريح استبداد "الأغلبية البرلمانية"؟!
في استمرار لنهج استغلال أغلبية "أحزاب الإسلام السياسي الطائفية" في (البرلمان العراقي) ولما أفرزته القائمة المغلقة من تمرير ضَعف الكفاءة وهزال الأداء ومفارقته المنطق القانوني الدستوري، أقرّ مجلس النواب قانون الانتخاب الجديد.. ولكل من تابع جلسة الأمس الثامن من نوفمبر تشرين ثاني، يمكنه الحكم على الخروقات القانونية وعلى الأداء الضعيف و(الهرج) الذي مرَّر الإقرار في عُجالة بيِّنة في مظهرها وما نجم وسينجم عنها من مخاطر وتداعيات.
لقد سبق جلسة الإقرار سجالات صاخبة تعمّدت وضع قضية كركوك إشكالا عقديا كيما تستغل الأمر لمطامع انتخابية تضمن التمسك بالأغلبية لجهة فلسفة (الطائفية المرضية) وأحزابها، تلك التي كان الشارع العراقي قد أكّد رفضه لها الأمر الذي أشارت إليه نتائج انتخابات مجالس المحافظات والذي أشار إليه عزوف الشعب بالأغلبية الساحقة عن تحديث سجلاته الانتخابية الجديدة..
إنَّ أمورا إجرائية في مفردات الأداء التي كانت سياقات جلسة الإقرار قد مارستها؛ من قبيل التصويت وإقرار فقرة أو مادة ثم إعادة التصويت وإقرار نقيضها أو صيغة أخرى لها.. ومن قبيل حجب أصوات برلمانية أرادت تسجيل نقاط نظام أو اقتراحات بديلة ومن مثل طريقة إدارة الجلسة وتمرير القانون؛ إنَّ كل ذلك لا يقارن بمقدار الخلل في دستورية ما صدر وفي التراجع عن مطالب ظلت منتظرة من البرلمان!
ففي وقت لم يُصدِر البرلمان تشريع استكمال بنية الهيأة التشريعية كما نصَّ عليه الدستور كفالة لحقوق المجموعات القومية والدينية والمكوِّنات العراقية كافة بعدالة ومساواة ؛ وضمانا لحماية النظام الديموقراطي والفديرالية ومنع الانجراف بعيدا عن العملية السياسية أو الانقلاب عليها، ذهب أبعد من ذلك (في المادة الأولى من القانون) بتقليص عدد المقاعد التعويضية [إلى الثلث: من 45 مقعدا إلى 15 مقعدا فقط!!] وهي المقاعد المخصصة بالأساس للقوائم التي لا تحقق القاسم الانتخابي بمستوى المحافظات (لتفاصيل إجرائية تقنية) في وقت تحققه بل تمتلكه على المستوى الوطني... وهذا ما يسجل [مجددا] تراجعا يسيء للمكونات القومية والدينية بتحجيمها وتهميشها في أقلية (8 مقاعد فقط لا غير!) وهو ما لا يرقى لنسبة وجود هذي المجموعات وطنيا؛ مثلما لا يتناسب عدد المقاعد المتبقية (7مقاعد؟!) مع نسبة تقارب الـ20% من مجموع العراقيين [أكثر من 4.5 مليون نسمة]!
وإمعانا في محاولات احتكار السلطات والانفراد بها، جرى صياغة المادة الثالثة من قانون الانتخاب بما يلغي عمليا حال التعددية وتمثيل التنوع الذي يعبر عن الطيف العراقي، حيث تمّ تكرار منح المقاعد الشاغرة للقوائم الفائزة الرئيسة والاستيلاء على ملايين الأصوات الشعبية وإحالتها عمدا لقوى لا تمثلها ولم تنتخبها أو تصوِّت لها؟! وبخلاف مبادئ الديموقراطية وبالتعارض مع إرادة الناخب ومع أشكال الاحتجاج الشعبي وفي تجاوز فاضح على روح الدستور ونصوص مواده تمّ تمرير هذه المادة لانتزاع آخر المقاعد التي يحظى بها جمهور الناخبين في ظل قانون انتخابي مفصّل بطريقة تحرمهم فعليا من إمكان إيصال ممثليهم إلى البرلمان...
إنَّ سجل السنوات المنصرمة من استبداد [الأغلبية] البرلمانية التي جاءت بآليات لم تهيِّئ المساواة في فرص التنافس الانتخابي قد أوضحت بما لا يقبل الشك سياسة [استبداد الأغلبية] وخرقها الدستور وانتقائيتها في سنّ التشريعات والقوانين ومنع استكمال الهيئات التشريعية التي تعبر عن المكونات العراقية القومية والدينية وحرمان الطبقات والفئات الاجتماعية العريضة من إمكانات المشاركة الفعلية الكاملة والتضييق على تشكيل تنظيماتها.. كما حجّمت من دور المحكمة الدستورية وتجاهلت قرارات قضائية وحاولت تجيير القضاء في بعض حالات؛ هذا فضلا عن سياسة المحاصصة في التعيينات وشغل مناصب الأجهزة التنفيذية بعيدا عن مبدأ الكفاءة والوطنية ومشاركة أطياف المجتمع.
إنَّ القوى الديموقراطية المدنية من العمال والطبقة المتوسطة ومن النساء والشبيبة وهم الأغلبية الحقيقية لمجتمعنا ما زالوا جميعا محجوبي الإمكانات المناسبة عن دفع ممثليهم إلى (نصف الهيأة التشريعية التي سيجري انتخابها) فيما القسم الآخر الذي يمثلهم مباشرة ما زال بلا إقرار لقانون يَشرع في تنفيذه لاستكمال الهيأة التشريعية.. وهكذا يحرم الشعب العراقي من التعبير عن تركيبته المدنية المعاصرة ويجري حصر التمثيل في قوى فوقية مفروضة تعبر عن تمثيل مشوّه للتركيبة الطائفية التشطيرية المرفوضة شعبيا وغير المتناسبة مع طبيعة الدولة المعاصرة ومع منطق الدستور المدني لعراق ديموقراطي فديرالي متطلع إليه...
إنَّ إجراء الانتخابات بأقل من خُمْس الناخبين لن يبقى بحدود الإجراء الشكلي الفوقي فقط، ولكنه سيفضي إلى تداعيات أخطر من عزوف الناخب عن التصويت وتشكيل مجلس نواب بعيد عن التمثيل الصادق لإرادة الشعب. ومن هنا فإنّنا هنا ندعو [على وفق الإجراءات القانونية المتبعة] مجلس الرئاسة لرد القانون لإجراء التعديلات المناسبة المنتظرة من أجل صياغته بما يكفل الانسجام مع الدستور والمصداقية والإتيان بتمثيل حقيقي سليم للتعددية والتنوع وما ينسجم وتركيبة المجتمع العراقي المدنية المعاصرة؛ كما نطالب قوى المجتمع المدني الديموقراطية بالاستعداد القانوني للتقدم بطلب رسمي إلى المحكمة الاتحادية لحسم الموضوع عند الضرورة..
مثلما نأمل أن تعي القوى الديموقراطية وتنظيماتها طبيعة ما جرى ويجري حولها فتتحد وتضع البرامج الإجرائية الكفيلة بقيادة التعبيرات الشعبية الصائبة الملائمة وأن تكون الفعل لا ردّ الفعل في مسيرة تفعيل العملية السياسية وتصويب مسارها الذي بات ينحرف أكثر فأكثر بعيدا عن تطلعات الفئات الشعبية في الممارسة الديموقراطية..
إننا نعمل ونتطلع إلى تعاضد الجهود للنهوض بمهام عقد ندوات جماهيرية واحتفاليات شعبية وأشكال للتظاهر السلمي والأنشطة المدنية التي تفضح حال التراجع والنقوص عن مسيرة تعزيز العملية السياسية وتطويرها واستكمال بناء مؤسسات الدولة العراقية الملبية لما أقره الشعب العراقي في الدستور.
ونثق بأن قوى الخير والديموقراطية هي المنتصرة في النهاية لأنها وليدة الإرادة الشعبية ولأنّ ظهيرها المكين يكمن هناك في الوسط الجماهيري الأوسع والأكثر وعيا بمهام المرحلة وآليات العلاج والبناء وإعادة الإعمار وطنيا... واثقين من أن القيادات التحررية الوطنية والديموقراطية المدنية وقوى الثقافة التنويرية الشعبية ستلتحم لتعالج الموقف بالحكمة وبما يوجهها لخدمة مصالح الشعب والوطن...
أ.د. تيسير عبدالجبار الآلوسي
رئيس البرلمان الثقافي العراقي في المهجر
مستشار رابطة الكتّاب والفنانين الديموقراطيين العراقيين في هولندا
لاهاي هولندا التاسع من نوفمبر تشرين الثاني 2009