الانتخابات خيار بين مؤسسات تخدم الجميع وأفراد يصادرون الوطن والناس
رئيس جامعة ابن رشد في هولندا
رئيس البرلمان الثقافي العراقي في المهجر
توطئة: من أجل ثقافة انتخابية صحية، ومن أجل ممارسة سليمة، ومن أجل خيار صائب؛ ينبغي الارتقاء بوعي الناخب من جهة وبإشاعة المعلومة الصحيحة ونشرها بين الجميع. فهدف الانتخابات النهائي يتمثل في إيصال الأكفأ والأجدر لقيادة دفة السفينة لمرحلة بعينها وعلى وفق برنامج تقرُّهُ الأغلبية التي تصوّت لحركة أو حزب أو طرف في ضوء ما تقدم به من برنامج...
والأسئلة الجوهرية، عند الناخب العراقي اليوم، لا تكمن في وقوفه مع الطائفية أم ضدها، ولا في ممارسة الفساد أم إنهائه، ولا في الخنوع للإرهاب وبلطجته أم في اتخاذ موقف التحدي والقضاء على أسبابه فهذا أمر محسوم وواضح اتجاهه.. ولكن الأسئلة تكمن في التعرف إلى مَنْ جلب هذا الثلاثي ((الطائفية، الفساد، الإرهاب))؟ وفي التعرف إلى مَنْ يتخفى في الانتخابات بأسماء وممارسات تضليلية؟ ومن الذي يخادع الناس في شعاراته وخطاباته؟ وما دور الانتخابات الجديدة ومهمتها الرئيسة في التغيير؟ وسنأتي في معالجات متتابعة على إجابات مناسبة بالخصوص؛ مع أننا نعول بثبات على وعي المواطنة والمواطن وتوظيفه خبرات العيش اليومي وتفاصيله، في التعرف إلى الحقيقة والوصول إليها من جهة وفي الاختيار الأنجع..
المعالجة: أما هنا بهذه المعالجة، فلربما كان هدفنا الرئيس ينصب على الإجابة عن السؤال الأخير الذي انتهينا إليه.. وللإجابة عن دور الانتخابات القابلة وهدفها نرى أنها ستكون في أمرين رئيسين الأول يتجسد في الاختيار بين الوطني (بجوهره: المدني الديموقراطي) والطائفي (بجناحيه من فساد وإرهاب).. والأمر الرئيس الثاني: يتجسد في دور الانتخابات وأصوات المواطنات والمواطنين في تحديد الخيار بين دولة مؤسسات ودولة أفراد يصادرون الوجود المؤسسي من جهة ويتحكّمون في رقاب الناس ويستلبون حرياتهم وحقوقهم ويوجهون دفة العمل باتجاه مصالح أنانية لنظام كليبتوقراط [نظام الفساد] بما يحمل من خلفية طائفية وبلطجة إرهابية تظل رديفة طبيعية لمثل هذا الخيار...
لقد تأكد العراقيون بأنّ خيار الدولة المدنية هو الخيار الأنسب لهم. لأنّ التجاريب العالمية تؤكد هذا ولأن تجاريب دويلات الطوائف أمميا كانت دائما مَجلبة للحروب الكارثية ولنزيف دم همجي، ومن ثمّ فدولة دينية ليست نموذجا سليما للبناء والتقدم ولا تخدم مصالحهم، ولن تكون خيار لأغلبيتهم التي تبحث عن دولة يحيون فيها بكرامة وبتمام حقوقهم وحرياتهم.
ونحن سنركز على موضوعة دولة المؤسسات هنا، لفضح ما جرى ومن تسبب بكوارثه وتوضيح الخيار البديل. حيث لا تستطيع دولة إنجاز مهامها لمواطنيها ما لم تكن بمستوى المسؤولية مؤسساتيا. ومن أجل ذلك فإنَّ دولة المؤسسات، تعني بالضرورة سلامة بنيوية كاملة للسلطات الرئيسة الثلاث وبنيتها أو مؤسساتها: التشريعية والقضائية والتنفيذية ومعها السلطتين الرابعة والخامسة مجازا بالإشارة إلى الإعلام والمجتمع المدني. فلم يعد في ظروفنا المعاصرة العيش في ظلال حكم الفرد أو مجموعة من الأفراد وآليات الفردنة وسطوتها المرضية...
وبقراءة الوضع الاتحادي العراقي [مع استثناء للنموذج الكوردستاني الموفق] سنلاحظ أن ما جرى ببغداد الفديرالية يؤكد أنّ السلطة التشريعية ظلت منقوصة طوال الدورات السابقة دستوريا بسبب من تغييب وجود المجلس الاتحادي؛ الجناح الآخر للبرلمان وعمل البرلمان بجناحه الأول فقط.. ألا وهو مجلس النواب. وحتى يومنا تتجه الأمور لانتخاب مجلس نواب ولا مجلس اتحاديا في الأفق حيث لم يتم تشريع قانونه ولا التفكير الجدي به وما حصل ليس سوى مناورات لتحجيمه ومنع أن يكون المعبِّر عن المكونات والأطياف العراقية بروح المساواة بين الجميع..! من جهة أخرى لم يلعب مجلس النواب دوره بوصفه مؤسسة تشريعية وكثرما خضع لابتزاز السلطة التنفيذية أو بأفضل الأحوال لاستهانة من طرفها حتى بات مجرد جهة تصطرع سلبيا بمحاصصة مع التنفيذية على بضع مكاسب أو غنائم لهذا الطرف أو ذاك، فضلا عن الاختزال ببعض الزعامات ما عطَّل العمل بصفة مؤسسة ذات مهام وطنية تشريعية كبرى وحجب أية فرصة على العناصر الإيجابية أن تقدم فعلا إيجابيا مناسبا!!
والسلطة التنفيذية بقيت بدائرة مركزية التوجيه وسطوة طرف على أبرز الوزارات مع مصادرة صلاحيات ما تبقى منها بخاصة التي توجد بأيدي ما يُفترض أن يكون الشركاء وفي ضوئه جرى تعطيل فرص العمل التكاملي الحقيقي. وشهد الشعب حالة بروز أعمال الأفراد الذين تحكَّموا بهذه السلطة من رأسها حتى تفاصيل وجودها بدوائر الدولة ومؤسساتها الأدنى بل وصل الأمر إلى مستوى حكم بغداد و(الاتحادية) من طرف بعينه؛ فحصر الأمر بأفراد بعينهم حتى أن ابن رأس الحكومة مارس مهاما خارج القانون بسبب ذاك التعطيل الذي جرى لمؤسسات الدولة وعملها القانوني!!
فيما السلطة القضائية تتجاذبها سطوة التنفيذية وابتزازها وعناصر غير مهنية أو خضوع لتجاذبات سياسية حزبية بحتة! والخطورة أن يفتقد بلد لهذه السلطة فيخضع لاستبداد يهلك الأخضر بسعر اليابس. وطبعا ما كان ليتهيأ الانحراف بهذه السلطة لولا تعميد سطوة العمل الفردي وسلطته وآلياته على مجمل الأداء حيث تمّ محق العمل المؤسسي لصالح الفردي ومن ثمّ جرى ويجري تمرير ما يراد تمريره في ضوء الموت الأكلنيكي للمؤسسات لصالح الفردنة وأمراضها...
وهكذا، فلقد جرى توكيد خطاب الفردنة على حساب المأسسة.. ودائما كانت فروض الصراعات واقعة بدائرة محاولات أطراف معروفة في فرض شخوصها أولا على حساب البرامج، وأبعد من ذلك فرض شخوصها بلا برامج موضوعية للبناء. وكانت النتيجة ومازالت بحث تلك الأطراف عن إعادة زعامات وأفراد إلى سدة التحكم والسطوة لولاية ثالثة!! وليس لديهم حوار بشأن البرامج أو المعالجات لما جابه العراق والعراقيين من تحديات بقدر ما لديهم من انشغال مغرق ومشاغلة للآخر في موضوعتهم الأثيرة، موضوعة إعادة شخص أو آخر للسلطة!؟
هذه المسألة تترافق مع وعود وعهود بين هذا الشخص وبين من يقف وراءه في تثبيتهم بكراسي المسؤوليات بديلا للوجود المؤسسي. وهذه ليست سوى دائرة مفرغة من أيّ معنى لخدمة مسيرة البناء والتقدم التي ماعاد يمكن أن تمضي بقدرات الفرد حتى لو كان البلد في جزر الواق واق.. ففي عصر التقدم التكنولوجي العاصف وفي عصر التعقيدات المركبة لقوانين الحراك في أي بلد بات واضحا أن الجهود لا تنجح من دون عمل مؤسسي. من دون بناء مؤسسات وأبعد من ذلك يجب أن تكون ناضجة يمكنها إدارة مفردات العمل على وفق قوانين التحديث والعصرنة...
إنّ تركيز زعامة بعينها مالت للانفراد بالسلطة ومركزة الأمور واستغلال العنف والتجييش وعسكرة الممارسات الحكومية العامة وتوظيف خطاب القطعات العسكرية في الحوار الداخلي مع الآخر من مكونات المجتمع العراقي التعددي وبنية العراق الفديرالي، إنّ كل ذلك لا يعني سوى خطاب الفردنة وإعلاء صوت سطوة الأفراد على حساب البنية المؤسسية وعلى حساب قوانين العمل الجمعي المؤسسي وعلى حساب إدخال البلاد بعصر الحداثة وما يتطلبه من مأسسة ومؤسسات...
إنّ أيّ حل ممكن لهذه الإشكالية لن يقبل بهذا التمسك الأعمى بأهمية فرد وبإلزامية إعادته إلى دورات متكررة في السلطة.. ذلك أن شعبا يطمح لمأسسة وجوده وإنضاج عمله الجمعي المؤسسي هو من يمكنه الانتصار لمسيرة دمقرطة الحياة وتقدمها فيما مشاغلة الشعب بصراعات بين أفراد وبأيهم أحق في المكوث أطول على كرسي المسؤولية أمر يبقى سر وقف مسيرة التغيير واية إمكانية للتقدم ولتلبية مطالب هذا الشعب.
إنّ كثيرا من القوائم أو ما يسمى قوائم هي انعكاس لمآرب شخص فرد يوضع في صدارة من غير وجه كفاءة أو حق ومن هنا فتلك القوائم تلعب ألاعيبها لتسرق الصوت وتأسره في خانتها لإعادة إنتاج ذات الوجوه حتى لو تغيرت الشخصية فالقضية قضية آلية عمل بين الفردي والمؤسسي.. وهذا ما يجب أن نفضحه منذ الآن؛ قبيل أن نصل مشوار الاختيار والانتخاب، من أجل ألا تطحن ماكنة اللعب والعبث أصوات الناس وتبتلعهم قبل أن يلجوا ميدان الاختيار..
يجب أنْ نعلنَ موقفنا وأنْ نختار وأن نفعِّلَ أرضية تغيير ما توجه إليه بعضهم من اختيار يعيد إنتاج مثلث الجريمة (الطائفية، الفساد، الإرهاب) وإن كان ذاك الاختيار يتم ربما عن غير قصد وعن غير وعي وعن غير معرفة. وهذا التغيير لن يأتي إلا بتعريفهم بالحقائق كما هي بجوهرها.. ولعل من أول الأمور فضح من وقف ضد استكمال بناء المؤسسات وعطّل آليات تشغيلها بصورة موضوعية ناضجة سليمة.. ولا يتم الأمر إلا بفضح أولئك الذين كانوا على راس العمل الفردي وآليات الفردنة والانفراد بالسلطة حيث السطو عليها بطريقة ملتوية سواء بالادعاء والتضليل أم بسلطتي المال السياسي وفسادة أم عصا العنف وإرهابه.
وهذه الكلمات إن هي إلا مقدمة حملت رسالة ندرك أنها تصل لضمائر بنات الشعب وأبنائه.. لأنهم يرون ما يحيق بهم من عقبات كأداء ومشكلات عويصة وأمراض عضال.. ويتبقى قراركم الحازم والحاسم بوعي لنعمل معا وسويا من أجل حاضرنا وسمتقبلنا عبر بناء مؤسسات فاعلة ناضجة مكتملة بمختلف مستيات وجود الدولة. وعسانا أضفنا قطرة ماء عذب زلال إلى قطرات أمواه المخلصين وكوَّنا معا وسويا بحيرات الفراتين تروي عطاشى الوطن وتمنح الحياة مجددا.. وإلى لقاء مع الود والفخر بتلاحمنا.