أزمات متعاقبة تغطي الواحدة على الأخرى ومجموعها يُستغل للتغطية على المشكلة الجوهرية في العراق
رئيس المرصد السومري لحقوق الإنسان
رئيس البرلمان الثقافي العراقي في المهجر
منذ العام 2003 بُني النظام السياسي العراقي على طريقة تقسيمية للوجود الوطني العراقي استندت إلى خطاب طائفي مرضي. وقد تم هذا في ضوء قراءة مغلوطة افترضت أن المشكلة العراقية تكمن في تناحر (طوائف) منفصلة مغلقة! وهو ما لم يكن يوما موجودا في أرض الواقع العراقي. فمنذ عشرينات القرن المنصرم انطلقت انتفاضات الشعب وثوراته بأسس وطنية جمعت بين أتباع الديانات والمذاهب في إطارها بلا تمييز أو فرقة أو علامات تناقض (طائفية).. ولم يجر الحديث يوما في إطار ما جابه العراق عن مشكلات من هذا النمط وتصنيف الشعب العراقي بوصفه (لملوم) من رعاع جماعات مصطرعة متناقضة كما يجري توصيفه اليوم لمآرب باتت مفضوحة!!!
إنّ مجريات الوضع، تتعقد وتستغلق يوما بعد آخر، ولكنها تأخذ رتابة تعاقب اصطناع المشكلات أو الأزمات أو توظيفها بما يجعل أطرافا بعينها تهرب إلى الأمام، لتخرج من نتائج منجزها المرضي الواقع في خانة الإضرار بمصالح المواطنين والوطن. وبالخلاصة فإنّها وصلت خط النهاية الأول حيث انتخابات 2010 وها هي تقترب من الوصول إلى خط نهاية جديد لمرحلة أخرى من حكمها وتحكمها بالأوضاع منفردة لمصلحة نشوء طبقة كربتوقراط وضعت البلاد ومؤسساتها في صدارة دول العالم في الفساد حتى باتت المؤسسة الحكومية محكومة بآليات الفساد عموديا أفقيا بامتياز لا يمكن حتى للأعمى ألا يراه!؟
إنّ القضية اليوم ليست في لعبة مغادرة أزمة بدخول أخرى في مشاغلة للقوى الوطنية الفاعلة. فهذا افتضح أمره بما لا يقبل ريبة أو شكا. ولكن القضية في مواصلة اللعبة بما بات واضحا أن القوة التي عملت على الانفراد بصلاحيات توجيه جهود الحكومة، تبغي العودة مجددا لرحلة ثالثة تواصل بها مشوار البيع والشراء في الوطن والمواطن بمنطق الفساد الذي عمّ بظلال مثل هذا التحكّم!
ولا حياء ولا تردد وليس من خجل من انهيار الأوضاع كافة بكل تفاصيلها، يمكنه أن يمنعهم من الحديث عن ترشحهم لولاية جديدة!! وهم في استباق لموسم الانتخابات صاروا يعزفون على خطاب تحميل الآخر المسؤولية ومحاولة التنصل من المسؤولية ووضع الأمور إن لم تكن على الآخر فبتقاسم المسؤولية على أساس أن هذا الآخر هو (شريك) في إدارة الحكومة الاتحادية وهي بهذا تطمس حقيقة انفرادها بصلاحيات كل الوزارات السيادية الأمنية منها والعسكرية فضلا عن حصر الصلاحيات الأخرى بمكتبها ومسؤوليه المقربين من الحاشية التي تتربع على سدة القرار فوق الحكومة نفسها!!
حسنا، إذا لم يستقل المسؤول الأول في ظل تدهور أمني شامل وهو ليس المسؤول الأول حسب بل المسؤول وكالة بعدد من الوزارات الأمنية كما هو معروف، وإذا لم يستقل المسؤول الأول على الرغم من فضائح الفساد التي طاولت وزرائه المنتمين لسلطته المنفردة بالقرار بل على الرغم من أن تلك الفضائح نالت منه مباشرة كما في صفقة التسلح الروسية وكما في تصريحاته عن دور ابنه وتكليفه بمهام فوق القانون! وإذا لم يستقل على الرغم من انهيار الخدمات ومن استعصاء الأزمات وعبورها بلا حل يُذكر؛ فعلى أقل تقدير يغادر ولا يجري الحديث عن عودة ثالثة بطرق ملتوية........
لقد ملّ الشعب ما يجري فمن جهة تعمَّقَ حفر خطاب الطائفية واختلاق صراعات على أسسه وتنحية كل ما هو وطني وطعنه في مقتل.. ومن جهة أخرى ساد آليات الفساد في اشتغال مؤسسات الحكومة بأعلى مستوياتها إذ ليس من المعقول أن يكون من ينهب الثروة الوطنية هو موظف هامشي صغير في دائرة حكومية بمدينة نائية!؟ ومن جهة ثالثة تفشى الإرهاب وعاد مجددا بقوة أكبر بعد أن عاد خطاب الميليشيات وجرى تفعيلها وأنشطتها الإجرامية بالتفاعل مع سياسة إقليمية أوقعت البلاد في ورطة التدخل ضد مصالح لا الشعب العراقي حسب بل وشعوب المنطقة في ثوراتها كما بالموقف من ثورة الشعب السوري.....
والآن ما القول الفصل في موضوع الهروب من مسؤولية ما وصلت إليه البلاد؟ هل نقول: إن السبب يعود لمارد وهمي خرج من باطن الأرض فأوقع كل هذا الخراب في البنى التحتية أم أنّ أمرا ما نزل من السماء في غفلة من المواطنين الفقراء فنهب ما نهب وترك الأرض يبابا!!؟
هل نتهم زلزالا أو بركانا أو هزة أرضية بمجمل التخلف وانهيار الأوضاع العامة؟ لم نسمع بأيّ شيء من هذا وما حصل باليابان ها هي اليابان في مدة أقصر من رمشة عين أعادت ما خربه أكبر تسونامي بمقاطعة فيها.. فماذا يمنع حكومة الخطب الروزخونية من البناء في بلد يمتلك من الثروات ما لاتمتلكه مجموعة من دول المنطقة العامرة بمدنها بلا ثروات يمتلكها العراق!؟
إنّ الكارثة تكمن في أن يغمض المواطن عينه عن مسؤوليته لا في التعرف إلى توصيف حاله المرضي المبتلى به بل بالتعرف إلى السبب وإزالته وتغيير أوضاعه بإرادته وبخياره.. فأما السبب فلا يمكن ان يكون عائدا لمواطن فقير مبتلى سرق الدخل القومي وواردات البلاد وأملاك العباد و فرَّ بها متهما وزراء السيد!؟ وفساد بحجم ما يجري لابد أنه يعود لمستوى مسؤولية جد متقدم يوجب على المسؤول الأول أن يتخذ إجراء أو يتنحى عن المسؤولية مع قبول محاسبة عادة ما تجريها الشعوب ومؤسسات دولها بحق الإهمال والتقصير والفشل إن لم نقل الجريمة...
إن العراق المقبل على دورة انتخابية جديدة وجولة انتخابات أخرى، بحاجة لموقف شعبي ينظر بوضوح إلى أهمية توكيد مفردات الدستور واولها الوجود الفديرالي للمؤسسة الوطنية العراقية بديلا لما فُرِض عليه من آليات المحاصصة الطائفية المعبرة عن فكر من تحكم بالوضع طوال العشر العجاف وأبعد الشركاء ولم يستمع إليهم بأمر وهو الأمر الذي مازال يهدد النية الفديرالية حتى أنه أصر فعليا على لغة التسلح واصطناع قوات همها الرئيس التعرض للشريك الوطني في العراق الفديرالي... بمثال قوات دجلة الموجهة ضد كوردستان!! وهذه كانت إحدى الشماعات المختلقة التي تفتعل أزمة للهروب من سابقاتها.
إذن، فاللعبة تبقى بحاجة ماسة لمراجعة جوهرية في سياسة التحالفات وولوج الانتخابات بخطاب وطني يحترم التعددية ويُعلي من الامتياح من تنوع مكوناته ليغتني بها لا ليتعكز على احتراب مفتعل بينها في بقائه على رأس الهرم!
ومن الطبيعي هنا أن تولد تكوينات وطنية واسعة من قبيل تلاحم القوى التنويرية ووعيها بأهمية وحدتها في تيار عريض باسم التيار الوطني الديموقراطي الذي يرقى بمهمة التعبير عن المواطن المغلوب على أمره وليكون وجودا فعليا يقارع قوى ثلاثي الطائفية الفساد الإرهاب..
وهذا التحالف هو من سيتقدم للتعبير عن البديل الوطني، وبقوة جدية وهو من يمكن التحالف بينه وبين حركة التحر القومي الكوردية أو القوى الكوردستانية الموحدة تعبيرا عن الوجود الفديرالي الحقيقي. بمعنى التوجه نحو وجود ملموس لا يتعكز على مقاعد معدودة يقول ها أنا ذا موجود لا تنسوني.. فأما أن يفوز بمقاعد يستطيع فيها أن يقول ها أنا ذا بخدمة تطلعات الشعب وآماله ويمكن للشعب أن يستند لوجودي مدافعا أمينا ومكينا قويا وأما أن يخذل المواطن بآليات لا تحظى بالمنتظر منها في البديل الكبير المؤمل...
إن التفكير بخطط للفوز من اجل وضع برامج البناء والتقدم ، برامج التغيير الجوهري موضع التنفيذ هي المهمة المنتظرة. وهي مهمة تتعلق بآلية وصول إلى الشعب وقواه الحية وإزالة حال الاحباط والياس الناجمة عن الانفصال بينه وبين الشعب سواء العائد لعوامل ذاتية أم لأخرى موضوعية..
إن توجها جديا يقابل صفاقة التوجهات المستندة لاستغلال المال السياسي المتأتي عن النهب والسرقة وعن بلطجة المجتمع والدولة من طرف بعينه، هو التوجه الذي سيحسم المعركة مبكرا ويدير دفة السفينة نحو البديل نحو الحل نحو بناء أسس الدولة الوطنية ومؤسسات توجهها المدني الذي ينهي مهزلة الورع والتدين المزيف ولعبته الطائفية السياسية المفضوحة..
إن إسقاط ورقة التوت بحاجة لجهد شعبي جماهيري واسع يصل إلى البسطاء ويعرفهم بالبديل ويمنحهم الثقة بأنه القوة المنتصرة بفضل قرار حازم وحاسم من المواطن لا يمكنه اتخاذه من دون شرارة يرسلها التيار الوطني الديموقراطي...
فهلا تنبهنا إلى اللعبة التي بدأتها قوى الفساد باكرا؟ وهل احتكمنا للرد الأنجع؟ ذلكم ما ستسفر عنه الأسابيع القيلة القابلة وإن غدا لناظره قريب.