أين يقف كل منا؟ وما دوره في كلِّ فعلٍ سواء كان للهدم أم البناء؟
توطئة: هذه ثقتي تامة أمحضك إياها، لكنني أطالب ثمنا لها، أن تشرع بسؤال نفسك، هل تسير بإرادتك؟ أم سلَّمتَ نفسك تابعا وربما عبدا تأتمر لقيادة حزب أو حركة دمرت وتدمر حتى سيصل الدور إليك يوما! أمنحك ثقتي كاملة، ولا أطالب سوى بأن تُعْمِل العقل والإرادة والضمير، وتنظر بعين البصيرة صادقا أمينا لترى ما يجري من حولك، ومَن هو السبب في كل هذا الخراب!؟؟؟
معالجتي المقترحة:
أبدأها بسؤال: هل يكفي الادعاء بأننا ننتمي لحركة تعلن دفاعها عن المظلومين لنكون أخيارا وأصحاب ضمير؟ ولنقولَ: إننا اخترنا الانتماء الأكثر صوابا؟ وهل من الصائب التخندق مع أحزابنا مغمضي الأعين؟ ما المطلوب منا عندما يتعلق الأمر بالشان العام؟ ألا تترتب علينا واجبات عندما نكون شركاء في جهد عام مثلما عضويتنا بحركة أو حزب؟؟
جرى دائما، تعبئة الجمهور بسلوك الوقوف مع أخيه ظالما أو مظلوما.. وبثقافة تنصر من ينتمي إليه من حركة أو حزب بصرف النظر عن خطأ سياسته من صوابها! إنها فكرة التخندق القتالي حيث الآخر عدو يجب تصفيته قبل أنْ يصفينا!!
ولكنني هنا، أدرك كم هي مراوِغة خادِعة تلك القوى التي تدعي الخير واستهداف خدمة الناس؛ فيما الحقيقة غير ذلك. ومن جهتي عندما أتحدث عن أعضاء الحركات والأحزاب المختلفة، فإنني أقدِّمُ ثقتي بجمهور الأعضاء في حديثهم عن قيم الخير، وفي اعتقادهم أنهم يدافعون عن السلام والإخاء والحرية عبر انتمائهم لهذا الحزب أو تلك الحركة..
إنما أطلبُ منهم مقابل ثقتي هذه أنْ يتمعَّنوا في برامج الحزب الذي ينتمون إليه، وأنْ يدققوا بما فيه؛ ومن ثمّ أن يسألوا، أولا: هل في تلك البرامج خطوات عملية للبناء والتقدم وخدمة المجتمع؟ وإنْ وُجِدت فهل هي بحق تمتلك الخطط الكفيلة بتلبية الحاجات والمطالب الملحة للأكثرية بخاصة من الفقراء؟
ثم أطلب سؤالا أخيرا: هل جرى ويجري تنفيذ تلك البرامج فعليا ميدانيا بأرض الواقع أم هي حبر على ورق؟؟ وإذا وُجِد سبب للتأخر في تلبية مطلب فهل هو سبب موضوعي أم مجرد ذريعة تخفي أمرا ما؟
ودائما لا أبدأ اتهام الآخر بأنه عدو المجتمع حتى عندما ينتمي لحركة تعادي سياساتها الإنسان وتتخفى بعباءة التبتل ومحبة الفقراء! وبدل الانشغال بالاتهام، أطالبه بتشغيل عقله وإعمال فكره النقدي فيما يتعامل وإياه. فهو لا ينتمي في حركة ليصير عبدا لزعيمها أو خادما مطيعا وجنديا مؤتمِراً بكل الأوامر الصادرة عن قيادته، فالمفروض أنه يدخل الحركة أو الحزب من دون أن يفقد حق الحوار والمناقشة والمشاركة في اتخاذ القرار.. وهو لن يكون كذلك حرا إلا عندما يمتلك حقه الكامل في مناقشة البرامج وأسباب عدم تلبيتها.. وحقه في المغادرة وترك العمل وقدرته على ذلك من دون ىثار عقابية عليه عندما يكتشف الحقيقة ويقرر المغادرة وترك الحزب....
وعلى سبيل المثال من ينتمي للحركات الإسلامية ربما يعتقد أنه ينتمي إليها لأنها تمثل الدين! فهل سأل نفسه يوما: هل صحيح أنها تمثل الدين بحق أم هي تتخفي برداء التدين لأمر سياسي؟ وعليه أن يمتلك أدوات الإجابة أو يستعين بمن يحقق له الإجابة السليمة، وإلا فإنه يغمض عينيه بقصد غض الطرف عن الحقيقة...! وعليه أن يسأل هل برامج تلك الحركات تلبي مطالب الناس؟ وإذا وجدها تلبي مطالب الناس ليسأل اين الخطوات الإجرائية لتحويلها إلى واقع حال وتطمين حاجات الناس؟
ولأنّ الحركات الإسلامية اليوم تتحكم بالسلطة وبيدها مقاليد الحكم. فلينظر المنتمي إليها ويتمعن في واقعه المحيط هل هو واقع مزدهر وبخير أم بمآسي ونكبات وكوارث كما هو حال العراق فعليا؟
ليسأل نفسه: لماذا المدن بلا صرف صحي؟ لماذا المدن بلا كهرباء؟ لماذا المدن بلا خدمات؟ لماذا القرى بلا سواقي الزرع ولا أدوات مناسبة؟ لماذا البلاد بلا مستشفيات متطورة وبلا خدمات صحية وافية؟ ولماذا التعليم يتدنى وينهار؟ ولماذا البلاد بلا صناعة ولا زراعة؟ ولماذا يشيع الفساد حتى وصلت البلاد إلى المراتب الأولى عالميا بالفساد؟ ولماذا الإرهاب يتفشى ويحصد أرواح الآلاف شهريا والعشرات والمئات يوميا؟ ولماذا الفقر بهذه النسب المهينة؟ ولماذا كل هذه الأعداد من الأرامل والأيتام وأطفال الشوارع بلا مأوى ولا حماية؟؟؟؟
أين إذن الأموال الهائلة؟ هل يُعقل أن يكون الموظف البسيط هو من ينهب كل تلك المليارات؟ وإذا كانت الحكومة جادة في لجان التحقيق والنزاهة وتحترم القضاء؛ فلماذا نُحفظ التحقيقات ضد مجهول؟ هل يُعقل أن يكون سارق المليارات مجهولا؟ ولماذا حين تفتضح جريمة يجري تهريب المجرم ولا يجري متابعته ولا استعادة الأموال التي نهب ولا إيقاع الحساب بحق جريمة قتل ارتكب!!؟
هنا ومرة أخرى، أنا أجدد ثقتي بالآخر، وأؤكد هنا، الآخر الذي ينتمي لأي فكر وأي حزب وأية حركة ليس لي أي اعتراض على حق الانتماء لأي اتجاه سياسي يخضع لسلطة أدبية اسمها حقوق الإنسان.. لكن المهم عندي هو أن يقبل لا الحوار معي بل على اقل تقدير، أن يفتح حوارا بسيطا مع نفسه.. ويسأل نفسه تلك الأسئلة التي وضعتُ بعضها هنا؛ ثم يقرر ويحكم.
ولا أطالب أحدا بالتخلي عن انتمائه. ولكنني أطالبه فقط بمراجعة حساباته مع رفاقه وزملائه تلك المراجعة لبرامج الجهة التي ينتمي إليها وما تمّ وضعه من خطط تنفيذ وعمل تلبي ما جعله ينتمي لتلك الجهة.
بمعنى أن يوجِد المقدمات التي يُنهي بها أية ازدواجية بين الخطاب المعلن وبين الواقع العملي الفعلي.. لأن ذلك أي وجود مفارقة وازدواجية بين النظرية والتطبيق بين الادعاء والحقيقة، لا يعني سوى المخادعة والتضليل وتمرير مآرب معادية للإنسان..
وعليه أما أن يتخذ هذا الاتجاه فيكون جنديا بفيلق أعداء الشعب ومصالحه، أعداء الإنسان وحقوقه ومطالبه أو أن يتخذ قرارا يغيِّر فيه تلك البرامج والخطط نحو الصائب الصحي الصحيح فإن عجز فعليه مغادرة تلك الحركة إذا كان صادقا مع نفسه ومع الآخرين...
اليوم، نحن بحاجة لتوظيف العقل والضمير من جهة واستعادة إنسانيتنا وقيمنا السامية النبيلة من جهة أخرى. وهو ما يفرض واجب التغيير أو النأي بأنفسنا عن خدمة أعداء الشعب ومصالحه والإنسان وحقوقه ومطالبه وحرياته...
هذه مجرد رسالة بسيطة، أقدمها هدية بين يدي كل من ينتمي لحركة سياسية أو حزب أو منظمة كيما يفعِّل دوره ويساهم بتوجيه سياسة من ينتمي إليهم توجيها سليما صحيحا وأن يُنهي حال الادعاء والزعم والازدواجية . فلا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم. والتغيير لا يأتي من فراغ ولا يعود حق بلا فعل مطالبة وتخطيط لأسس تلبيته...
ليسأل الجميع معا وسويا: إذا كانت كل الأحزاب العاملة وطنية فمن هو الطائفي؟ وإذا كانت كلها نزيهة فمن أين الفساد؟ وإذا كانت كلها تحمل برامج بناء فمن الذي يهدم اليوم؟ وإذا كانت كلها مع التقدم فلماذا كل هذا التراجع والتخلف؟ وإذا كانت كلها ترفض الميليشيات وتؤمن بدولة القانون فلماذا كل هذه الميليشيات؟ وإذا كان كل شيئ على مايرام كما يقول الإعلام الرسمي للحكومة وللأحزاب الحاكمة فماهذا الذي يعيشه المواطن المغلوب على أمره من مرار وبائس العيش والفقر والدمار؟
انتبهوا أيها السادة، إلى ساعة لات مندم! واسرعوا بسؤال أنفسكم جميعا بلا استثناء.. وليكن اللقاء الوطني والإجماع الوطني والإخاء الإنساني بكل تنوعات الهويات القومية والدينية والمذهبية هو سر الرد والحل والحسم.
فهل وصلت رسالتي؟ وهل أثارت في أحدكم فرصة ليمارس حوارا ذاتيا ويسأل نفسه؟ إليكم في كل الأحزاب والحركات، تدارسوا الموقف فالتخندق المسبق مغمض الأعين لن يؤدي إلا إلى استعبادنا جميعا لمصلحة تستجيب لمآرب مستبد أو طاغية أو فاسد أو مخطئ نفترضه معصوما ونتلقى أوامره بقدسية نسقطها عليه متناسين أنفسنا قبل الآخرين ومسلِّمين رقابنا لعبودية لا تجوز بكل المعايير!!
ولأن القضية ليست قضية سجال أو حوار ولا حكاية الآخر المنتصر، فإنني أنستثمر المناسبة لتوجيه التحية والتقدير لكل مختلف قبل المتفق معي فكرا وسياسة وربما ممارسة وسلوكا.. عسى تكون تحيتي ورسالتي هذه فرصة ليراجع كل منا نفسه اليوم حيث حل الخراب بالبصرة وبغداد والبلاد برمتها ولم يبق سوى أن يستكمل الاستبداد مجددا إجهازه علينا في فاجعة لن نجد عندها وقتا لتدارك أمر لأننا سنكون في خبر كان!!! وأكرر الرسالة انتبهوا ايها السادة واشرعوا بسؤال الأنفس.......