الانتخابات بين تطلعات شعب كوردستان وخياره المدني والخطاب الدعائي للحركات الإسلاموية
رئيس المرصد السومري لحقوق الإنسان
رئيس البرلمان الثقافي العراقي في المهجر
تتجه كوردستان بعد أيام نحو إجراء انتخاباتها بأجواء إقليمية مضطربة تتصاعد فيها صيحات الحروب والصراعات الدموية، ويلعب في تلك الصراعات عامل التطرف الإسلاموي وقواه الإرهابية التي تطحن هي الأخرى الإنسان وحقوقه وتضع حيوات الجميع في آلتها الجهنمية!
أما هنا في كوردستان حيث تحقق المسيرة منجزها في إشاعة الطمأنينة والسلام فضاء مهما لمسيرة البناء والتقدم فإن الانتخابات تضيف ميدانا فسيحا آخر لتلك المسيرة في التعبير عن إرادة شعب كوردستان وتمكينه من مواصلة تلك المسيرة.
لقد اختار الشعب بالأمس طريقه في بناء أسس الدولة المدنية الديموقراطية، ومن الطبيعي أنْ يجدد هذا الخيار لمتابعة مسيرة البناء والتحديث والتنمية، على الرغم من عراقيل وثغرات تطفو هنا وهناك. وبالمقابل كانت بعض القوى الحزبية تستغل تلك الثغرات والنواقص الناجمة عن جملة ظروف موضوعية ومازالت تستغلها بشكل مضاعف بخاصة في خطابها الدعائي في الانتخابات ، لتضخ التضخيم والتهويل للمشكلات بقصد استمالة الصوت الشعبي إليها طبعا بطريقة المخادعة والتضليل...
ومن أجل وضوح الصورة، نؤكد أنَّ شعب كوردستان تعرَّف إلى الحركات الإسلاموية عبر موضعين هما تجاريب شعوب المنطقة وتجاريبه المباشرة. فأما تجاريب شعوب المنطقة فأبرزها التجربتين المصرية والسورية حيث التجربة الأولى أفضت إلى توجه الحركات الإسلاموية لأخونة الدولة؛ فيما تركوا المصريين للجوع والمرض والفقر وفشلوا في إدارة الأمور لعدم توافر أي خبرة فعلية بهذا الخصوص، وحسم الشعب المصري موقفه بإزاحتهم عن السلطة بعد أن وصل الأمر بما يسمونه القوى (المعتدلة) أن أطلقت نشاط قوى الإرهاب بأوسع ميادينه وجرى تدريبهم في جنح الظلام بسيناء وتزويدهم بالأسلحة والعتاد لمرحلة يسطون فيها على مصر وإعلان دويلات التخلف والتضليل الديني والظلام الفكري السياسي!!! والتجربة السورية جلية فيما تفعله قوى إسلاموية بمختلف ميادين الثورة السورية. إنها أعملت التقتيل والسطو على المدن التي تم تحريرها لفرض قوانين ما أنزل الله بها من سلطان. من نكاح الجهاد وحتى إفساد المجتمع بمزارع المخدرات ومصانعها وبتسليب الناس ونهب ما تبقى لهم عبر بلطجة دموية بشعة!! ولا ننسى هنا أنّ حلفاء الحركات الإسلاموية الكوردستانية التي تستغل الانتخابات هم أنفسهم الذين هاجموا الأشقاء الكورد في غرب كوردستان بالإشارة إلى جرائم جبهة النصرة الإرهابية!!
إنّ البرامج الانتخابية هي تلك التي تتحدث عن بناء الإنسان وبناء الأرض، وبناء الإنسان في عصرنا مقصود منه، بناء عقله وتمكينه من العلوم والمعارف وبناء ثقافته الروحية التي تؤمن بالقيم الإنسانية السليمة الصحية الصحيحة.. أما بناء الأرض فهو زراعتها وإقامة المصانع والمعامل وإشادة المشروعات والمساكن وتشغيل الطاقات. ومثل هذه البرامج وأهدافها ليست من أولويات الحركات والأحزاب الإسلاموية ولا من إمكاناتها بسبب طبيعة تركيبتها وتركيزها على خبرات أخرى تتصل بالجريمة والخرافات والطقسيات التي ما أنزل الله بها من سلطان ولم ترد في أيّ من الكتب المقدسة وتعاليم الديانات ووصاياها! فضلا عن أهمية ما أكدته التجاريب في قضية فصل الدين عن الدولة.
إنّ ما أشرنا إليه من برامج البناء ليست سوى لدى القوى المدنية لأنها صاحبة الإرادة والعزيمة بمسيرة البناء وصاحبة الخبرة فيها وصاحبة القرار الفعلي العملي بتطبيقها والسير بها إلى أمام. ففضلا عن واجباتها يوم قادت الثورة الكوردية التحررية وانتصرت للشعب ولآماله وتطلعاته فإن قوى حركة التحرر القومي الكوردية هي اليوم اللولب الفعلي للتقدم بكوردستان ولقيادتها نحو مزيد من المنجزات ونحو آفاق التطور والتنمية المؤملة واستكمال المعالجات لجديد المهام والبرامج والمطالب الحيوية بحسب أولوياتها..
بينما لا نرى في تجربة الأحزاب الإسلاموية أيَّ ضوء في نهاية النفق كما هي أقرب صورة في كل من بغداد وطهران على سبيل المثال لا الحصر. ألا نرى ما جرى ويجري للشعوب الإيرانية؟ ألا نرى في بغداد انهيارا شاملا للأمن وانعداما للأمان وسطوة للعنف الدموي على حساب السلم الأهلي!!؟ ألا نرى انعدام الخدمات وتراجع حركة البناء ببغداد؟ ولمقارنة بسيطة سنجد أن نسبة الفقر في مدينة عراقية وصل حدودا مهولة بحجم 89% فيما لا يمكن لعاقل إلا أن يرى أن النسبة في أبعدها بكوردستان لم تتجاوز الـ9% فقط ومسيرة المعالجة مستمرة.. إن تلك الظواهر الخطيرة ببغداد هي نتائج وجود توجهات أحزاب الإسلام السياسي التي يكثر صراخها وادعاءاتها ومزاعمها وجعجعة بلا طحن!؟
ومن زاوية أخرى، نجد هنا بكوردستان نفسها، جرائم حركات التطرف الإسلاموية كافة وكيف كانت سيفا مسلطا على رقاب الناس! كما أن قوى ما يسمى بالاعتدال من حركات الإسلام السياسي لم تجد بدا من إرسال متطوعين للمشاركة مع جبهة النصرة وقوى إرهابية إقليمية.. ولم تتوان عن نصرة (الأخوان) بمصر في سياستهم التي حاولوا بها ترويع الشعب بأعمال البلطجة وسفك الدماء من أجل التمسك بكرسي الحكم على خلاف أغلبية بعشرات الملايين صوتت للدولة المدنية وإزاحة أية قوة تحاول بناء دولة ثيوقراطية...
إنَّ التمعن في خطاب الحركات الإسلاموية يجب أنْ ينصبَّ على الحقائق المخفية لهم وليس على عبث اللعب بالألفاظ وتسويق أنفسهم بوصفهم يدافعون عن حق هنا أو معالجة ثغرة هناك وكل ذلك ليس سوى مزاعم تغطي الحقيقة وتتخفى عن كشف الصدقية التي تفضح غاياتهم الفعلية.. والأصل في الدولة المدنية ألا تقبل وجود الأحزاب على أسس دينية هي بجوهرها الفعلي (طائفية سياسية) تستغل الدين للتستر ولتمرير مآربها وما أن تسطو على الكرسي حتى تعلن مشروعها المأساوي وتسفر عن وجهها الحقيقي الذي نشير إليه هنا...
إنّ الدول الثيوقراطية هي ذاتها التي أوقعت بالبشرية أخطر المآسي والكوارث الدموية البشعة.. كما كانت تجاريب أوروبا الوسيطة ومثلما هي تجربة الضياع والخسارة لدويلات الطوائف الأندلسية! فهل سنقبل بأن نعيد الكَرَّة مجددا ونضع بيضنا في سلة تلك الأحزاب التي لن تؤدي بنا إلا إلى مهالك الخراب وإلحاق كوردستان الاستقرار والسلام بما يجري ببغداد وبدول الجوار من دمار وخراب!؟
إنّ الكوردستانية والكوردستاني هما مواطنان بدولة مدنية وبخيار مدني ديموقراطي، لا يمكن أن يحيدا عن خيارهما لأية افتراضات متوهمة ومزاعم تهويلية للمثالب والثغرات. إن جوهر الخيار في انتخابات اليوم يكمن في استراتيج أن نختار قوى مدنية أم طائفية سياسية تدعي تمثيلها الله على الأرض افتراء على الدين نفسه!؟ وفي ضوء ذلك لا مساجلة مع التفاصيل. فالمواطنة والمواطن الكوردستانيان يختاران بشكل حاسم القوى المدنية قوى قيادة حركة التحرر القومي الكوردية بكل فصائلها وتنوعاتها، القومية التحررية والليبرالية واليسارية، ولكنهم يرفضون قبول خيار حركات الإسلام السياسي بما تحمله من محاذير ومخاطر ومهالك ليست محتملة بل محيقة بالتأكيد بنا جميعا..
وستكون كوردستان في هذه الانتخابات هي أول علامات هزيمة تلك الحركات الظلامية التضليلية بعد أن كنستها التجربة المصرية وفضحت مآربها وجوهر اشتغالها! لقد كان شعب كوردستان دوما الأنضج وعيا تجاه ما يجري وفي خياراته. ومن هنا فإنه إذ يختار اليوم من يضعهم في سدة الحكم وإدارة مؤسسات الدولة فإنه يضع أولئك الذين خبرتهم التجاريب في كرسي المسؤولية الأول... إنهم قادة الحرية والثورة الخالدة التي ضفرت بحق شعب كوردستان بالانعتاق من سطوة جرائم الإبادة الجماعية وجرائم التقتيل والموت الأسود. ولن يقبل شعب كوردستان طرفا يمكن أن يعيده لتلك الجرائم وتاريخها الأظلم الهمجي في التعامل مع حيوات الناس...
إن تحرير كوردستان يتلاحم مع حريته من الخضوع لعبودية لبشر يدعون تمثيل الله على الأرض ونيابتهم عنه في حكم الأرض! وهي عبارات كفر يراد استغلالها لفرض سطوة إجرامية تخريبية... لن تعود المرأة الكوردستانية وهي نصف المجتمع الذي حمل رايات السلام وشارك رجال الثورة مسيرتها من أجل الانعتاق؛ لن تعود لأيام الضيم ولن تقبل التعامل معها بدونية ولن تقبل أفكار الدجل والظلمة تطارد وجودها وتغتال فيها إنسانيتها.. لن تقبل المرأة الكوردستانية أن تنتخب قوى عنفية، قوى التكفير، قوى التضليل، قوى صراخ المزاعم وانعدام أعمال البناء لمصلحة إشاعة العنف والجرائم!
تلكم هي الحركات الإسلاموية لا أمان يؤخذ لها. وشخوص تلك الحركات تتمثل بشخصية موتورة عنفية دموية همجية الطابع والممارسات.. ولعبة التزلف للناس من بوابة مطالب بعينها ليست سوى تضليل الناس من أجل الوصول إلى كرسي السلطة وإن هي إلا مدة قصيرة ليجد الناس أنفسهم مستعبدين لهم تابعين أذلاء وهو الأمر الذي لا يقبله كوردستاني حر ولن يحصل...
بالخلاصة الأولية، فإن الناخب الكوردستاني أمام سؤال جوهري قبل الدخول في سجال ولا حتى حوار مع أي طرف والسؤال الجوهري هو: مَن يوفر له كوردستان السلام والحراك البنيوي باتجاه التقدم؟ مَن يوجِد له الطمأنينة وبناء الدولة المدنية؟ مَن يحقق مستقبل الديمقراطية؟ أهي القوى التحررية التقدمية أم القوى الظلامية الإسلاموية؟
والإجابة واضحة هنا من تجاريب حية مباشرة نحياها اليوم. سواء منها تلك التي تجري إقليميا بمحيط كوردستان أم في العراق الفديرالي أم في كوردستان نفسها.. إن تلك الأحزاب الإسلاموية هي الأرضية لصراعات الدم والهمجية ولإطلاق خطاب التضليل والظلام والجريمة، فتلك طبيعة تركيبتها وفلسفتها وآليات عملها...
وبناء على هذه الإجابة المهمة وذات الأولوية سيختار الشعب قواه المدنية من بين صفوف حركات التحرر القومي الكوردية وقيادته التاريخية التي برهنت التجاريب على صواب وجودها في مقدم شعب كوردستان من أجل الحياة الإنسانية الحرة المستقلة الكريمة..
وللمعالجة بقية تخطها بصماتكم لتؤكد الخيار الأنقى الذي يعيد قوى التحرر الكوردستانية بنسبة ساحقة لقوى العداء بنسبة تقول أن شعب كوردستان موحد في خياره ويقف مع قيادته حتى يستكمل البناء والتقدم لكوردستان التي تزهو وتنمو في ظل السلام والحرية والديموقراطية، وبهذا الخيار سيتمكن شعب كوردستان من البرهنة على وعيه من جهة ومن التصدي لأعدائه وللزلازل التي تحدث اليوم بالمنطقة من جهة أخرى.