بين العراقين المدني المنتمي لزمنه والظلامي المتوهم عيشه بكهوف الماضي!؟؟
رئيس المرصد السومري لحقوق الإنسان
رئيس البرلمان الثقافي العراقي في المهجر
تجري الأمور في عراق اليوم بطريقة قدرية! يُترك كل شيء تقريبا بلا قرار إرادي لحل يُنهي تراجيديا التداعيات. فيوميا عشرات ومئات القرابين لجريمة التقتيل الإرهابية! حتى وصل الأمر أن يجري تهريب مئات من عتاة قوى الإرهاب والجريمة في ليلة وسويعات من تمثيلية باسم هدم الأسوار قام بها نفر من القتلة بمجابهة ما لا يقل عن 70000 سبعين ألف شرطي وحارس!!! ولا تساؤل عما وصلت إليه الأمور من انحدار!؟ ومثل تلك الجرائم تجري حيث يُقبض على أبرياء بسطاء أو يعرقل سيرهم وتنقلهم بين الضواحي والمدن فيما ينفذ المجرمون السوقة!!؟ فأين المؤسسات المسؤولة!؟ لقد وصل الأمر حدا أن المسؤول لم يعد بحاجة حتى لتبرير ما يجري، حيث لا سلطة لمن ساءله، وكأنه قدر منزل واجب الإذعان والصمت عليه!!! هل هذا المسؤول نبي معصوم لا يجوز تغييره؟ وإذا كان مختارا للعصر فلماذا أوضاع الشعب بهذا الوضع المزري المأساوي الكارثي!!؟
فإذا ما أردنا استعراض مشهد الجريمة ففي جريمة أخرى سنجد بيئتنا الخراب: حيث مياه الصرف الصحي تلوّث تلك البيئة وهي في مستوى أداء يكاد يطفح على حيوات الناس برمتها فيقضي عليها ولكن ما من احتجاج من أحد حتى من المحاصرين بطفح المجاري وتكسراتها، في العشر العجاف الماضية!! والتصحر يزحف على القرى حتى بات يحاذي المدن ويخترقها، والماء في شح حتى بات المواطن يشري مياها للشرب وهو يعلم أنها ليست صالحة ولا صحية!! ولا احتجاج طبعا ولا معالجة ولا من يعالج!!؟
ليست البيئة وجغرافيا المكان في خراب كهذا بل بيئة الثقافة والمعارف والعلوم هي الأخرى في انحدار، وها هي بيئة الثقافة انحدرت حتى شاعت الأمية في بلد محا الأمية قبل عقود! وعندما يطبع كتاب وينشر فإنّ ليس كتابا علميا منتظرا بل صار يوزع بديلا ممثلا بكتب الخزعبلات والخرافات والأدعية التي يكتبها مخادعون دجالون وظلاميون تضليليون!! وليس من احتجاج ليس من مسؤول جاهل أو ظلامي فاسد بل حتى من بعض من ينتمي لطبقة تعلمت وتنورت طبعا ممن أفسد ووصله مرض الكليبتوقراطية!!؟
وفي مصيبة أخرى من مصائب الوطن والناس؛ تمّ تهجير المجموعات والمكونات القومية والدينية والمذهبية من البلاد وجرى ويجري تصفية دموية بشعة بحقهم في جريمة إبادة جماعية فيما تجري جريمة أخرى بتصفية بالتهجير والإقصاء والتهميش لطبقة متوسطة هي الطبقة التي تحمل المعارف والعلوم ومنطق العقل.. وليس من موقف من مسؤول نراه بالضد من الجريمة!؟
والفقر يغزو البلاد والعباد فالثروة منهوبة وتوزيعها لا يصل لمواطن بقسطاس ولا عدل، وهذا الفقر اللعين يسرق لا الثروات بل يسرق حيوات الناس وينهش بوجودهم! وليس من موقف من مسؤول ينظر في حال الجياع!!!
من يسمونهم وجهاء القوم [الفارغين من كل شيء إلا من المكر والخديعة ومانهبوا من المال العام] هذه الشلة ممن أثرى بزمن الفساد واستولد طبقة (الكربتوقراط) بديلا للـ (تكنوقراط) هي خلطة ترتدي جلباب التدين الموهوم تارة وبدلة التمدين المزعوم تارة أخرى، هؤلاء لا يؤدون حتى زكاة تطهر جرائمهم.. إنهم يشرون الفلل والقصور وحتى القلاع في بلاد يسمونها تضليلا (بلاد الكفر) فيما أبناء الوطن وأصحاب تلك الثروات المنهوبة بلا مأوى وبلا زاد في خرائب تحيط بمنطقة تحتضن أولئك الذين يديرون دفة السفينة!!!
إن العراقيين اليوم بسفينة تقترب من غرق بسبب تلاطم أمواج العصف بمحيطات معتمة مظلمة، وهم بمواجهة انفلاش كينونتهم وفنائها إذا ما استمرت الأمور بهذه الصيغة!!!
فمن يتحكم باتجاه سفينة العراق اليوم؟ وكيف يجري هذا؟ وهل من أمل في معالجة ظروف من يحيا بسفينة الوطن وإنقاذهم؟ وما الحل لترسو سفينة العراق في ميناء أمان وسلام؟ وما المنتظر في شعب الثورات المجيدة؟ وما المنتظر في طبقة التكنوقراط؟
الواقع المزري ليس بحاجة لوصف، فالعراقي يعيش أزمته ويدرك تفاصيلها وهو بحاجة لمن يقرأ السبب بدقة ويجيب بحل موضوعي ويأتي بالبديل.
فأما الإجابة عن السبب في الأزمة العراقية؛ فلن يكون باجترار عبثي لعقود الدكتاتورية والطغيان وما جرّته من مآس وخيبات، فالاكتفاء بهذا هو اتكاء مقصود على هذا الماضي ليكون مبررا تضليليا يخفي جريمة الحاضر! وجريمة الحاضر بيّنة واضحة من خراب شامل في تفاصيل اليوم العادي للمواطن المبتلى.
لقد قيل لهذا المواطن إن لم نكن خيارك فإن بديلنا هو طاغية الأمس! وقيل له إن لم نكن نحن خيارك فإن الله سيغضب منك لأننا السادة المرجعية ممثلي الله على الأرض ومالكي مفاتيح جنانه!! وقيل له إن منجاته في اتباع أحزاب الطائفية حماية له من عدوه الطائفي المتوهم المزعوم! وبهذا تم توجيه دفة السفينة توجيها طائفيا فكانت الطائفية التي تتحكم اليوم باتجاه السفينة اتجاها انتحاريا مقلوبا رأسا على عقب!
ولأن الطائفية لا تحيا في النور بل في الظلمة ولأن الظلمة تعني الأمية والجهل فقد تم إشاعة كل ما يؤكد قيم التخلف ضد قيم المدنية بوساطة أحط أشكال الفساد وأكثرها دجلا وتضليلا. فكان حليف الطائفية وأداتها في توجيه دفة السفينة هو تمكين الفاسدين المفسدين من كراسي المسؤولية فخلقوا طبقة كربتوقراط أي طبقة الفساد بديلا عن طبقة التكنوقراط الوحيدة التي يمكنها أن تبني حقا في عصر التكنولوجيا والعلوم.. وهكذا فنحن أمام الاسم الثاني من ثلاثي من يتحكم بدفة السفينة أي الفساد! وصار عندنا اثنين معروفين من ثلاثة هما الطائفية والفساد...
أما ثالثة الأثافي بعد الطائفية والفساد مما يجب أن نعرفه، فليس غير ما يحتاجه هذا الثنائي من دفاع عن تمسكهم بالكراسي وسلطتها وبرقاب الناس وبتوجيه دفة السفينة، إنه العنف ومن ينهض به، أي الإرهاب. وهو مصطلح يضم مافيات الدم وتجاره، ممن يختطف ويغتصب ويقتل بدم بارد فالإرهابي يقوم بالقتل الفردي فيغتال برصاص وبسكاكين الغدر الإجرامية وبكواتم وأسلحة لها أول وليس لها آخر بتنوعاتها وهو يقوم بالقتل الجماعي فيفجِّر في المدارس والمعامل والملاعب والميادين والشوارع والبيوت وفي الحافلات والقطارات والسفن والطائرات لا يهمه من يكون الضحية وكيف ومتى ستموت ما يهمه أداء الجريمة في مسلسل دموي ترفضه حتى كهوف الماضي!
وبهذا تكتمل حلقات ثلاثي ((الطائفية الفساد الإرهاب)). هؤلاء هم من يتحكم بالمشهد اليوم ببغداد. إن عدم وجود استقالة من المسؤولين الكبار السياديين لا يعود إلا لسبب وحيد هو ألا يمنحوا البديل فرصة محاكمتهم والانطلاق بالسفينة باتجاه موانئ الاستقرار والسلام.
وعليه فالبديل في بغداد، لا يمكن أن يأتي بترقيعات لا تغير جوهر الوضع. وجوهره هو في استفحال سطوة أحزاب الطائفية السياسية واقتسامها الغنيمة على حساب الدم العراقي! بمعنى عراق الظلام هو ما نحياه ونجتر به زمن الكهوف وتخلف فلسفتها فيما المقابل النقيض أي المقابل المدني التنويري المنتمي لعصرنا، مازال في الضمائر الحية المؤمل مجيئها بديلا فعليا بالاستناد إلى إرادة الشعب وقواه الحية...
لقد اختار الشعب العراقي في سياق خيار أممي لشعوب المعمورة أن يمضي بنضاله السلمي رفضا لمن يريد له أن يستمر بدروب العنف والدم. ومن هنا فإن بديل الشعب الذي يريده لن يأتي بالعنف المضاد أي لن يأتي بميليشيا وقتال ودم. ولكنه يأتي بانتفاضة شعبية (سلمية) تفرض مطالب الشعب في إدارة عملية انتخابية سليمة تدفع بخيارات الشعب لسدة الحكم سليمة صحيحة.
ولأن الانتخابات ليست صندوقا نضع فيه أصواتنا ونمضي إلى بيوتنا. فإن المطلوب لمن يضع صوته في الصندوق أن يستكمل فعل الاختيار بأن يدافع عن صوته. والدفاع عن الصوت هو دفاع عن الخيار (المدني السلمي) الذي يبني لا الذي يهدم. كما أنه من السذاجة الاعتقاد بأن من سرق الكرسي ونهب الثروة واستبد وطغى يمكن أن يضع القوانين التي تبعده عن السلطة. ولأن الانتخابات النزيهة التي يستهدفها الشعب تتطلب تلك القوانين التي لا يمكن للحاكم الآن أن يضعها فلابد من موقف شعبي يستمد قوته من سلميته ومن خياره المدني.
ولإن خيار الطائفية جلب كل من الفساد والإرهاب مثلما جلب فكرا ظلاميا ودجلا تضليليا وفلسفة كهوف الموت والسواد، فبديلنا هو البديل (المدني) الذي يحمل التنوير إزاحة للظلام؛ ويحمل مصداقية مشاريع البناء بديلا للهدم والخراب، مثلما يحمل وسائل إنهاء الفساد والإرهاب ومافياتهما الإجرامية. إن البديل المدني يحيا يومه وحاضره وينتمي للحداثة والعصر ولأدوات البناء في زمننا بينما أكد تحالف ثلاثي الطائفية الفساد الإرهاب انتماءه لكهوف الظلام الماضوية المقيتة.
فهل سيقبل عراقي أن يقاد بهذه الفلسفة الماضوية الظلامية التضليلية؟ وهل يقبل باستمرار تمكين قوى ((الطائفية الفساد الإرهاب)) من إدارة السلطة؟ أم سيعود لفرض خياره والتحول بمطالبه من مطالب نقابية وأخرى خدمية محدودة إلى مطالب سياسية؟ أما لماذا نتحول من المطلبي المحدود إلى السياسي العام؛ فإنّه سر القضية وسببها كون أزمة البلاد لا تكمن في توزيع مياه ملوثة ولا في ترقيع مشروعات صرف صحي عتيقة وبناء بيوت طين أو صفيح ولا مدارس من جريد النخيل بل تكمن في أن مجموع مطالبه تلك لم تتضخم إلا بسبب من يوجه دفة السفينة اليوم وانتمائه لمجاهل كهوف الظلام. والإجابة تكمن في خيار تحالف قوى بناء الدولة المدنية وركنيها المكينين وطنيا ممثل في التيار المدني الديموقراطي وعراقيا فديراليا ممثل بنموذج كوردستان المدنية وهي تقارع محاولات أسلمتها بمعنى اختراقها من قوى الظلام الطائفية وحلم أسرها كما هي بغداد بكهوف ماضوية متخلفة لا تنتمي لعصرنا ولا لتنويريته ولا لسلمية البناء المدني!
إن المعركة القائمة اليوم بأغلب بلدان المنطقة هي بين التيار المدني الديموقراطي وبين تيار الأسلمة المزعومة المتوهمة. وهو ذاته ما يجري في العراق بين نموذج ينتمي للحداثة والبناء والتقدم حيث توزيع الثروة وبناء الدولة المدنية التي تنتمي لعصرنا وترقى به بين بقية الشعوب الحية؛ ويحق لنا أن نفخر أن إقليم كوردستان الفديرالي مازال بيد الشعب وقواه المدنية على الرغم من كل محاولات التخريب لقوى التأسلم الظلامية.
بين عراقين مدني وظلامي، ينبغي أن يكون الدرس حاضرا باذهان الجميع كيما نرتقي بتحالفاتنا من جهة ونعززها ونقويها وكيما ننتصر لإرادة التقدم والسلام. فهلا تنبهنا إلى خطورة ما يجري في الوطن بجميع أقسامه وبجميع مكونات شعبنا؟؟؟