دروس التجربة المصرية في كشف أوراق التأسلم السياسي؟
رئيس المرصد السومري لحقوق الإنسان
رئيس البرلمان الثقافي العراقي في المهجر
لسنة خلت جرت الانتخابات المصرية التي جاءت بالسيد مرسي لسدة الرئاسة. وطوال تلك السنة تراجع الاقتصاد المصري وطفت مشاكل وعقبات في المشاهد العامة حتى وصل الأمر بالشروع بوضع أسس استبداد جديد من قبيل الإعلان الدستوري الذي حصر السلطتين التشريعية والتنفيذية بين يدي رئيس ثار بشأن انتخابه سجال بلا منتهى سليم، فيما حاول مصادرة القضاء وتعطيله عن ممارسة مهامه ووجه سهام طعناته إلى الإعلام بمحاولة أخرى لمنعه من أداء رسالته السامية، وذلكم ملخص لمنجزات الرئيس الأخواني مقدمة لقراءة التجربة المصرية.
لقد رفض (الرئيس الأخواني) ممارسة مهام رئيس الشعب وشرع بوضع مؤسسات الدولة والمجتمع حكرا على جماعته (الأخوان المسلمون) ورفض أي حوار هدفه وقف ممارساته في أخونة الدولة والانحراف بعيدا عن مسار بناء مؤسساتها على أسس الديموقراطية وقوانين الدولة المدنية. وواصل بتسارع مرعب أسلمة أو بالضبط (أخونة) مفاصل الدولة الرئيسة أي أنه لم يكتفِ بإبعاد القوى المجتمعية بل فرض سطوة سلطة حزبية لـ(لأخوان) حتى على حساب فصائل التيار الديني الأخرى!
وصار يستهدف كل المعارضين فيضعهم في سلة التصنيف الذي مارسه.. فهؤلاء فلول وأولئك أعداء (ديموقراطية الانتخابات) التي أتت به وغيرهم حاقدون وعلمانيون كفرة وأعداء الأخوان المساكين المظلومين طوال عقود وجودهم؛ وما شابه من الـتُهم التي تطلق جزافا للتضليل. وطبعا التباكي بطريقة المعارض الذي لو ملك السلطة لجعلها جنة وعندما يذكرونهم أنهم الآن يحتكرون السلطة يقولون إنهم ورثوا خرابا ويحتاجون لعقود من أجل تطمين حاجات الناس، أي بعد رحيل جيل أو جيلين!؟ إذن هم يعتاشون على التباكي التبريري ولكل منقصة عندهم مبرر.. إنهم لا يحيون بلا تبرير ودجل خطابه!
إن التجربة التي أتت بالإسلامويين للسلطة في مصر أفضت إلى جملة حقائق لابد لشعوب المنطقة أن تدرسها بوضوح وهدوء وموضوعية كيما تتجنب المرور بذات اللعبة الكارثية التي نُكِبوا بها:
1. فتلك الدولة الكبرى في المنطقة [مصر] باتت قزما هامشيا منكفئا على مشاكله ونهبا لتدخلات خارجية إقليمية ودولية.
2. إن الشعب المصري بات منقسما بل ممزقا انشطر وتشظى تحت سطوة مجاميع وشراذم مقتتلة متناحرة على الكرسي الغنيمة.
3. وبعد أن كانت مصر لقرنين من الزمن موئل انطلاق النهضة الحديثة في المنطقة، بات يسودها خطاب ظلامي يحمل كل نتانة عصر الكهوف وفلسفته القروسطية المهجنة بسوداويات الوحشية والهمجية.
4. انهار الاقتصاد المصري وباتت الخزينة بتراجعات تعتاش على قروض تكبل مصر لا لسنين بل لعقود وربما أبدا لا تستطيع الفكاك منها إذا ما استمر تراكمها.
5. انهارت الخدمات الأساس فتراجعت الصحة وتفاقمت أزمات الطاقة وانهار التعليم ولا كأنك بدولة أنجبت علماء ومفكرين وسجلا حافلا من العلامات المضيئة في عالمنا الحديث.
6. باتت الثقافة وتفاصيل خطابها في خبر كان؛ فـ تحت خطاب ماضوي ظلامي صرنا نشهد التحريم والتكفير وصارع (الرئيس) أو من وجد نفسه في سدة الرئاسة للتمكن من الإعلام وضبط اتجاهاته ومصادرة حرية الكلمة والتعبير وتشويه مساره. وأقفلت المسارح القومية والجماهيرية وحوصرت الأنشطة الجمالية بشكل حرب دمار شامل عليها!
7. وفي السياسة الخارجية بات الغزل مع دول ترعى اتجاه جماعة الرئيس فيما استعدى دولا أخرى وترك لثالثة فرص السخرية وامتهان المصالح العليا كما حصل مع موضوع شريان حياة مصر (النيل) وقطع أبرز منابعه عنه وتغيير اتجاهه!!
كل تلك الجرائم بحق مصر والمصريين مورست لسواد عيون سطوة الأخوان وتدرجهم في فرضها لمآرب مرضية انتهازية خاصة. لكن الشعب المصري ليس قطيعا خانعا، فكان له طوال العام تصد لتلك العملية التي كانت تتم في ليل. فنَظَّم أشكال الأنشطة التي تقترح الحل البديل ديموقراطيا.
إلا أن الرد الأخواني كان يشيح بوجهه بعيدا عن أي حوار مقترح، فأما قبول بفكرة أن فوز الأخوان و(رئيسهم) هو بيعة أبدية أو تسليما لمصر ورقاب شعبها بصفقة بيع وشراء للأخوان! أو لا حوار. وطبعا لم تكن الانتخابات يوما نظاما مكرورا للبيعة كما يتداولون المصطلح وهم [أي الأخوان] بهذه المصطلحات يتدرجون في استعادة نظام خلافة ليس إيمانا بدين وبنظام سابق له بل لتوريثه في إطار الأخوان جماعة أو تمظهرا بحزب بمسمى أو آخر...
فكيف يمكن للديموقراطية ولممارسة الانتخابات دوريا أن تتحول لبيعة!؟ وكيف يمكن الاعتقاد بأن الانتخابات تفرض إلزاما وقسرا استكمال مدة دورة إذا ما ثبت فشل من جاء بها!؟ تلكم هي اللعبة التي يتمترس بها الإسلامويون .. على حساب استغفال جمهور من الأميين والهامشيين الذين لا يعرفون دينا ولا منطقا غير لقمة تكفيهم يومهم، وحتى هنا يجري الكسب بالتضليل وبآليات الظلاميين في استنطاق الهمجية والوحشية، وفي إمعان بإذلال الناس وربطهم بهم!!
وعندما يثور الناس لافتضاح الحقيقة ولانطلاقة وعي؛ فإنهم يتمترسون خلف (الشرعية) بتأويلها على أنها بيعة إن لم تكن أبدية فهي لمدة انتخابية بينما يهملون مصدر السلطات [الشعب] ومن منحهم الشرعية ويلغونه ويضعون أنفسهم بدله ينصبون أنفسسهم بديلا ومصدرا للشرعية بقلب الأمور هنا رأسا على عقب..!!!
إنّ الأصل في تفكير الإسلام السياسي وتجربة حركة الأخوان المسلمين بمصر تؤكد أحادية مفرطة ونظرة فوقية استعلائية بل شوفينية مختلطة بفاشية دموية تجاه الآخر تخترق كل تفاصيل الخطابات الإنسانية وتنوعات تفاصيل اليوم العادي للمواطن المغلوب على أمره في ظلال تحكمهم بحياته!
وبمجرد خروج أكثر من 33 مليون مصرية ومصري إلى الشوارع للثورة واسترداد السلطة ممن نهبها بليل ويريد تمزيق الشعب وفرض البلطجة عليه، ردّ الأخوان بمن بقي لديهم من أسرى ظلامياتهم وأضاليلهم بالتخريب والتقتيل في أوسع مساحة من المدن المصرية العامرة بأهلها.
ها هم يستغلون سياسة إرهاب الناس كي لا يدافعوا عن ثورتهم وعن انتصارها وكي يستعيدوا ما فقدوه بافتضاح أمر جرائمهم بسنة فما بالك لو استمر حكمهم لأكثر من تلك السنة وما بالنا إذا ما استطاعوا إنجاح مؤامرة الثورة المضادة والعودة لسرقة السلطة!!؟
إنهم يروعون الآمنين والمتظاهرين السلميين بالسكاكين والبنادق وزجاجات المولتوف الحارقة وبالاعتداءات الهمجية من أعمال اغتصاب وتحرش وافتعال كل ما يشين ومحاولة إلصاقه بالآخر تضليلا. إن وسيلتهم الرئيسة وجوهر سياستهم هي إرهاب الناس ومحاولة إرعاب الآخر وشله بالعنف بهراوات التخلف والهمجية...
وعلى الرغم من أن الثورة الشعبية السلمية التي انتصرت لاستعادة الشعب المصري ثورته وجوهرها في خطاب يشيع السلم الأهلي ويريد تأمين التعددية واحترام الآخر إلا أن الرد الأخواني جاء واضحا معبرا عن جوهر تلك الحركة في ترويع الناس وإرهابهم لإخضاعهم كرها لسطوة بلطجتهم الدموية وسلطتهم العنفية.
وبين سلمية وتطلع للحوار بأجواء السلام وكنف التعايش واحترام الآخر بما حمله أبناء مصر التنوير والمدنية وبين عنفية ومحاولة فرض أحادية شوفينية فاشية دموية؛ بين الحالين تناقض لا يجب أن يمر بلا دروس لشعب مصر ولشعوب المنطقة. فالسماح للعنصرية وقوى الفاشية ممثلة بحركات التأسلم السياسي بالعمل يعني السماح لأعشاب ضارة أن تنمو في حقول وبساتين الخير السليمة ما لا يؤدي إلا إلى خرابها..
إن احترام التعددية والتنوع لا يقبل بمنطق السماح لحركات الفاشية العنصرية الدموية بالعمل بفضاء لا تحترمه هي ولا تلتزم هي بقوانينه وهي لا تقبل به وبآليات الديموقراطية إلا استغلالا لها للنفاذ عبره لكرسي تعده غنيمة ولآلية ترى فيها بيعة أبدية وما أن تصل إلى مآربها وغاياتها حتى تبدأ بممارسة لعبتها بأدلجة الدولة ومؤسساتها وإخضاعها لخطاب سوداوي مقيت ليس للشعب فيه أية مصلحة.
إن الدماء الزكية التي تسيل اليوم في أرض مصر الطاهرة هي دماء الأبرياء المصريين بأيدي بلطجية وميليشيات دموية عنصرية فاشية مدربة بآلات حركة الأخوان لعقود من الزمن. إنهم لا يعرفون طريقا للسلام والحوار والتفاهم والسير على وفق ما تقتضيه قوانين المدنية الحديثة وقوانين الانتماء للعصر، إنهم لا يملكون سوى قوانين ماضوية ظلامية يجترونها من فلسفة الكهوف ووحوشها القروسطيين حيث العنف لغتهم لفرض مآربهم وإذا ما امتلكوا شيئا آخر فليس غير ادعاءات وأوهام للتضليل؛ مثلما يمارسونها بتوزيع أدوار الدجل المفضوحة..
ففي داخل مصر هم آلة إثارة الرعب وإشاعته إرهابا للناس المسالمين وفي خارجها يرسلون رسائل التضليل والتباكي على (شرعيتهم) التي أتت بـ (بيعة) يرونها تمنحهم البقاء في سدة الحكم أطول مدة تمكنهم من أدلجة الوضع وفرض سقمهم على مصر والمصريين. وتلك الجسور التي يمدها الإسلامويين بجسور التعاضد والتآزر من الخطورة بمكان ويجب التنبيه عليها لأنها قد تشملنا يوما!
انظروا أي تراجع في الانتاج، وأي تراجع في الخدمات، وأي تراجع في إنسانية المصري وأي تراجع في أمنه وأمانه وأي تراجع في كل ما يمكن أن يحفظ له كرامته وحقوقه!!! انظروا أي تراجع في الثقافة والانتاج الفني والأدبي وأي تراجع في الانتاج العلمي وبحوثه وأنشطته وأي انهيار في التعليم بكل مراحله وأداءاته... ألا ترون أي حضيض قادوا إليه مصر وشعب مصر!؟؟ إن هذا هو الخراب الذي يمكن أن يأتي مع مجيء الإسلامويين للسلطة عند أي شعب وبلد.. فهل يقبل ذلك شعب لنفسه؟؟
هذه الجرائم المأساوية الماثلة أمام أعيننا، وما زال الأخوان وأنصارهم يتبخترون بإنجازات!!! طبعا، لأن الإسلاموي من شاكلة الأخوان بمصر وميليشياتهم وبلطجيتهم يرون في وجودهم بسدة الحكم منجزا وانتصارا أما أي خدمة للشعب فهي من فتات ما يرمونه في الفضلات للناس وعلى الناس الخنوع!!!
وليس من فرق بين أسلاموي وآخر سواء تزيا بطائفية سنية أم بطائفية شيعية فلا جلباب التخفي السني ولا جلباب التخفي الشيعي بمستطيع إخفاء أن لا علاقة بين الدين أصلا وبين تلك الحركات (السياسية) العنصرية الفاشية بطابعها الدموي العنفي الذي يفتضح دوما بأن تركيبته تقوم على آليات عمل ميليشياوية مافيوية وببلطجتها الدموية البشعة، إنهم ليسوا أحزابا بل ميليشيات متخفية بأردية أو قمصان الحزبية إيهاما وتضليلا...
إنهم يحللون سفك الدماء التي حرمت كل الديانات المساس بها فـ((لا تقتل)) هي أول الآيات والوصايا منذ البوذية والطاوية والأيزيدية والمندائية ومرورا باليهودية والمسيحية وحتى الإسلامية وغيرها من كل الديانات والمذاهب.. فعلى وفق وصايا وتعاليم أي دين ومذهب يبيحون سفك الدم الحرام ولأولئك الأخونجية يسفكونه في الأشهر الحرام أيضا! فهل بعد ذلك يبقى من يؤمن بصدقية لهم وبسلامة لمأرب من مآربهم؟؟
مصر مذ كانت وُصِفت ببلد الأمان والسلام والمدنية، حتى جاءت حركة الأخوان لتمحو من وجه النيل صفاءه ومن وجه مصر استقرارها ومن وجه شعب مصر بهاءه وأمانه... ولهذا جاءت ثورة الشعب المصري لتكنس من ظنت بهم خيرا وتبدلا وأمنت لهم بخطابهم (الجديد) وتبين أنهم يظهرون ما لا يضمرون ويفعلون بما أضمروا للناس من شر وجريمة.
وفي بلادنا وطوال عقد من تسليم البلاد لأحزاب الطائفية من المتأسلمين كادت التجربة تقضي على كل أمل بالاستقرار والسلم الأهلي ولولا كوردستان الاتحادية بإشراقتها بشمس سومرية مستنيرة ما وجد ورثة شعوب سومر البهية موطئ سلام في عراقهم الاتحادي الجديد.
ومن هنا فإن التجاريب الغنية تتحدث بوضوح عن نفسها ولا يمكن لشعب كوردستان أن يقبل لنفسه سماحا باتساع أنشطة قوى التضليل ففكرها وسياستها عبارة عن خزين كامن لعفن القروسطية الظلامية ولمتفجرات إذا ما ضربت الناس دمرت وطنهم الآمن وقتلت بالجملة في أبناء شعبهم المسالمين!!
فليشرع شعب كوردستان بمحاصرة بؤر تشكيلات العنف ممثلة بمن يتمسكن اليوم ليتمكن في الغد من الشعب وحقوقه وحرياته.. إن استغلال ثغرة أو نقص وتضخيمهما ليس بسلامة نية بل للوصول لمأرب السطو على كرسي حكم الناس وسَوْسِهم خانعين لمآرب رخيصة لقوى ظلام.. أما جلباب التدين فليس هؤلاء من مرضى السياسة مَن يمكنه أن يعلِّم الناس الطيِّبة دينها وقد عاشت بسلام متصالحة مع نفسها ومع تقاليدها وقيمها الروحية الدينية المتفتحة لا المنغقلة على رؤى دنيوية دنيئة مسلفنة مغلفة بالتدين المزعوم الكاذب.
ولتكن دروس التجربة المصرية مكينة لمصلحة التعرف إلى حركات التأسلم من أخوان بأردية ملونة أخرى وبمسميات أخرى وتحاول السطو على كوردستان البهية ناشرة مرضها من بغداد باتجاه أربيل.. لكن شعب كوردستان من الوعي ما سيلفظ تلك الحركات ويحجمّها حتى يتخلص من شرورها ومن أحابيل خطاباتها التي يحيكون.