الرسالة السنوية لمسرحيي العراق
في اليوم العالمي للمسرح 2013
في بيت أكيتو حيث المسرح السومري الأول كانت رسائل الجمال تُصاغ بغنى حراك العقل الإنساني في بواكير ولادته ونتاجه الأول.
واليوم في بيت أكيتو العراقي الجديد: ننشد سمفونية خشوع مع إنحناءة قدسية لموئل مسرحنا (بيت أكيتو السومري الأول) ونقدم، باقات ورود، تحية إجلال لرواد مسرحنا المعاصر في الوطن والمهجر ولأجياله المبدعة الجديدة
بقلم أ.د. تيسير عبدالجبار الآلوسي*
أنا أحلم سنويا بهذا التقليد الاحتفالي الذي أجده يشدني إلى احتفالات مقدسة في بيت أكيتو السومري ووريثه المسرح العراقي المعاصر. ومع الحلم لا يغيب عني واجب تحية مسرحيينا في الوطن والمهجر ولا التعبير عن أصواتهم التي يحاول أعداؤهم مصادرتها واستلابها حريةَ التعبير الجمالي بقيمه الغنية الثرية إنسانيا بعمقها. وها أنا ذا أعود هذا العام بتحيتي ورسالتي عساها تُقرأ بين مسرحيينا بالخير وتزف بشائر انتصار قريب لعودة الأضواء لمسارحنا بهية تزيح غبار الزمن وعتمة تسللت إليها في غفلة. فإليكم بهذا العام بشارة أن الآتي لن يكون سنوات شدة بل أعوام خير والخير في فيكم وعطائكم. ولتسمحوا لي ثانية بتوجيه هذه الكلمة التي توجز عاما آخر من تحدياتنا ومن فرص عطائنا الإبداعي لمسرحنا مزهوة بتحيةِ مسرة وسلام لمسرحيي العالم تؤكد تمسكنا بالأمل وبما نتطلع إليه وإياهم...
وآية التهاني التي يرسلها مسرحيو العراق هذه السنة من الشدائد التي مرّت وتمرّ عليهم، أنها تعبير عن عمق تاريخي أكبر من أن تغتاله فجاجة الهمجية الطارئة، وأنها تجسيد لغنى صلاتهم بمجتمعهم وتعبيرهم عن همومه وطموحاته بجماليات تأخذ وجودها من نتاج العقل الجمعي الوطني بثراء قيمه الإنسانية وتفتحها، وبرفض كل أشكال المحاصرة والتضييق والمصادرة والاستلاب.
ومن هنا فإن تلكم التهاني وآيتها، تمتاح قسماتها من وجود المسرح بسعة عالمنا وبامتداده وتفاعل مكوناته، من الوحدة في التنوع، ومن كسر القيود والحدود المصطنعة بين الشعوب والقوميات المعمَّدة بمدنية الوجود؛ ومن ثمّ بالعمق الإنساني المتفتح للمسرح، مسرح الحياة، ومسرح التجسيد والتعبير وصنع جماليات الدليل لطريق البشرية نحو عالم السلام والحرية، عالم حقوق الإنسان وقيمه السوية. تلكم هي اية تهاني مسرحيي العراق لمسرحيي العالم بعيدهم.
في هذا العام، يتطلع مسرحيونا إلى بوابة قد يصلح عبرها ما خرّبته الحروب والصراعات الدموية وقوى الدمار من ظلاميي زمننا المنتمين فكرا إلى الماضوي الميت، ينبعثُ مشوّها ليحلّ بعتمته وقسوة وحشيته يبابا في ميادين المسرح الجديد! يتطلع مسرحيونا إلى بغداد عاصمة الثقافة العربية كيما تكون [على أقل تقدير!] نافذة لترميم المباني التي بات كل دار عرض فيها مجرد خرابة أو أطلالا تنتظر جرافات قوى التخلف تزيلها لتقيم بدائلها السوقية الرخيصة!
إنّ تحايانا في هذا العيد، هي احتفال بالأمل الذي يحيا أبدا فينا، ولكنها أيضا صرخة استغاثة لما يحل لا بالمباني حسب بل بالمبدعات والمبدعين من جرائم تصفوية وحشية بلا وازع من ضمير. وإذا كانت التصفية تخْفتُ بين الحين والآخر بدمويتها من جرائم قتل واغتيال بشعة فإنها في حقيقتها تتواصل بأشكال أخرى، عبر إهمال متعمد لدُور العرض وعبر محاصرة الفرق والمحاولات الشابة من تقديم أعمالها بشتى الطرق كما بفتاوى التكفير والتحريم وحظر إقامة الاحتفالات في أيّ من الأماكن العامة، دع عنك أشكال التعكز على اختلاق التهم والعراقيل التي تمنع المسرحيين من تقديم منجزهم...
إن نداء مسرحيي العراق اليوم يستصرخ الضمير الجمعي تجاه طغيان الفساد من جهة وقرينه الإرهابي من جهة أخرى وهما [أي الفساد والإرهاب] يستظلان بخيمة فكر ظلامي قمعي تسلطي لطالما تمظهر زيفا بادعاء القدسية الدينية في مختلف مراحل تاريخ البشرية وشاهِدنا سطوة ظلام القرون الوسطى ومحارقها الكارثية المعروفة.
إنّنا نستثمر لقاء مسرحيي العالم وتبادلهم كلمات التضامن وتأسيس سبل مواصلة المنجز الجمالي المسرحي لعالم جديد سعيد، يخلو من كل تلك الآلام ومسبباتها لنضع مجددا صورة لما يحياه مسرحيو العراق وما يتطلعون لإنجازه في مسيرتهم مجسدة بالآتي:
1. وأول الأمر ما شهد لمسرحيي العراق به كل من اطلع على منجزهم من أنهم برهنوا في مسرحهم الحديث على عمق صلاتهم الحيوية بالشعب ومكوناته القائمة على التعددية والتنوع، فكانت نصوصهم وعروضهم الأكثر تمسكا بمعالجة القضايا الأشمل لكل الصراعات الدائرة بمستوياتها المخصوصة والعامة وبتلك التي تعنى بكينونة الفرد والأخرى التي تنشغل بالشخصية المعنوية التي تمثل الطبقات والفئات والمجموعات القومية والدينية المكوّنة للمجتمع العراقي المعاصر.. ولعل فهرس المسرحية العراقية يوثق سجلا حافلا بمئات الأعمال التي تناولت البطولات الوطنية والانتصارات التاريخية المجيدة. ومن هنا فإنّ مهمة شاقة تنتظرنا لتوثيق تلك النصوص والكشف عن المتبقي مما أفلت من محارق القوى الظلامية وأفرانها التي التهمت النصّ ومبدعه!!
2. إنّ محاولات طمس كل ما ينتمي للتمدن وما يمتّ للتنوير في ظل شيوع سطوة ظلامية لقوى التخلف والجهل تدفع مسرحيي العراق إلى التمسك بالوفاء لعهد (بيت أكيتو) والعمل على تلبية حلم إعادة بناء هذا المبنى الأول في التاريخ المسرحي عالميا.. مع حلم بأن يتم الاحتفال الأممي لمسرحيي العالم بين جدران مسرح أكيتو السومري العريق، منبهين لمخاطر إهمال المباني والآثار الشاخصة حتى يومنا وتركها لعوامل الخراب والتدمير.. ومثل ذلك نؤكد مثابرتنا من أجل أن يكون لكل مدينة وقرية ومدرسة ومؤسسة مسرحها الخاص...
3. وبخلاف ما تنعق به غربان الجهل من تشويه فإنَّ قيمنا المسرحية ليست جماليات فارغة أو لهوا وتزجية للوقت بل هي الركن المكين في مهمة إعادة إعمار الروح الوطني وتفعيل مبادئ الوطنية والمواطنة في إطار الدولة المدنية لا الدينية المنكوبة بالادعاء والتضليل والمزاعم الواهية الكاذبة... ومن أجل ذلكم سيواصل المسرح العراقي رسالته الثقافية الجمالية والأبستمولوجية البانية لقيم الروح الإنساني، مؤكدين التجسيد الأمثل للطيف العراقي بتعدديته وتنوعه قوميا دينيا وسياسيا وبمستويات التركيبة الاجتماعية العميقة من طلبة وشبيبة ونساء وعمال وفلاحين ومثقفين وأكاديميين...
4. ومثلما العالم الفسيح في دول الديموقراطية والتقدم ومجتمعات التمدن والحضارة الحديثة، سيواكب المسرحيون العراقيون الجهود بأشكالها من أجل تحقيق حرية الإبداع ووقف جرائم المصادرة والاستلاب والتصفيات الإجرامية الهمجية البشعة...
5. وتعميقا لجهودهم وتوحيدها ودعما لصلاتهم الأممية بمسرحيي العالم فإن مسرحيي العراق، يعملون على مضاعفة الجهود من أجل استعادة المركز العراقي للمسرح فاعليته وطنيا وإقليميا ودوليا. وسيكون جهدهم المؤثر عبر اتحاد مسرحي فاعل وروابط تخصصية للممثل ولنقاد المسرح ولكل بُناة العملية المسرحية إبداعا جماليا حقيقيا...
6. ونحن لن نبخل جهدا من أجل تعزيز المساعي المنتجة المثمرة لتحقيق إقامة الاحتفاليات ومهرجانات الإبداع ومناسباته، احتفاء وتكريما وعناية بروادنا ومجددينا.. مؤكدين هنا بأن أوسمة بأسماء مبدعات ومبدعي مسرحنا: زينب والرماح والشبلي وجلال والعبودي والعاني وعبدالحميد ستطوق رقاب مبدعي المسرح ليس بعيدا مع اكتمال الجهود لمرسوم تلك الأوسمة المهمة وطنيا وإقليميا وعالميا...
7. ونجدد بهذه المناسبة الكبيرة لمسرحيي العالم، رسالة مسرحيينا العراقيين التي تؤكد على مساعي الخير لأجل تحقيق مبادرة عملية بكتابة مشروعات قوانين تعالج أوضاع المسرحيين وعرضها بأقرب سقف زمني متاح وبشكل استثنائي على البرلمان لتشريعها واستصدارها وعلى الحكومة لتطبيقها بوجه عاجل..
8. وإننا لندعو برسالة عامنا هذا جميع الجهات الأكاديمية والمختصة إلى تأسيس صحافة ورقية وألكترونية مسرحية ودوريات بحثية علمية متخصصة في الجامعات والمعاهد العلمية مع تعزيز أعمال التوثيق والنشر بسلاسل لمسرحياتنا التراثية والحديثة والمنتخبة أو سلاسل بحسب تبويبات مناسبة معروفة..
8. وإذا كنّا نقرّ بفشلنا في تأسيس الهيآت الأكاديمية المتخصصة الوطنية والمحلية والإقليمية المتخصصة، حتى اليوم، فإننا نجدد التنادي (الأكاديمي) اليوم من أجل الإسراع بهذا التوجه الواجب.
9. ونحن نواصل المشوار للارتقاء بفرص العيش الكريم لمسرحيينا والعناية بأوضاعهم وتحسين ظروف تفاصيل يومهم العادي..
10. مع اهتمام مخصوص بمسرحيينا الذين مازالوا يعانون في غربة المهاجر والمنافي، إذ نسعى من أجل لفت الانتباه وتعزيز تلك الرعاية المؤملة لتخصيص يوم للمسرح العراقي المهجري نتطلع فيه لأنْ يدعى إليه مسرحيونا للاحتفال في أروقة مسارحنا في بغداد وأربيل وبقية محافظات الوطن البهية، مثلما دعمه في بيئته المهجرية لمزيد من التفاعل وتبادل التأثير الإبداعي بهويته الإنسانية المتفتحة..
11. ورسالتنا المسرحية هذه، تؤكد أهمية العناية بمسرحنا بلغات الوطن ومكونات شعبه: العربية، الكوردية، السريانية، التركمانية، وغيرها وبخطاب مسرحي تنويري معرّف لدى جمهوره المتنوع.
إنّنا لنوجه رسالتنا المسرحية اليوم، في ظروف معقدة تكتنف أوضاع الوطن وتتهدد شعبه؛ الأمر الذي دفعه لانتفاضة تتجدد في ميادين الوطن الفسيحة بمواجهة التهميش والإقصاء واستمرار دوامة المصادرة والاستلاب وأعمال التصفية الدموية والوحشية الظلامية المستندة لسلطة الطائفية السياسية وقواها المريضة وبمواجهة الفساد والإرهاب. وبهذه المناسبة العزيزة، نخطّ رسالتنا، في ذات الوقت الذي يحدونا الأمل فيه وطيدا بإمكان التغيير وبمواسم نتاج مسرحي بهية بمنجزاتها الجمالية الغنية بمضامينها ورسائلها الإنسانية..
ونحن مسرحيي العراق إذ نستقي الدروس من واقع الإنسان في بلادنا والعالم، وإذ نشارك مسرحيي العالم تجاريبهم الإنسانية ومسيرتهم من أجل الانعتاق لنؤكد عملنا المشترك معا وسويا، لرفع مخلفات الظلاميين وإنهاء وحشية عنفهم الهمجي المفرط ومعالجة بؤس أمراض التخلف وتنحية من يقف وراءها من الضلاليين من مسعوري زمن الجريمة ومافياته، مانحين الثقة بكل صوت نبيل أينما كان وجوده..
ونتشارك مع جموع مسرحيينا في المهاجر والمنافي معاضدين جهودهم الإبداعية وروعة ما يقدمون عبر ملتقياتهم وروابطهم المكافحة من أجل إزالة كل عوامل الاحباط واليأس وتثبيط الهمم...
إننا في اليوم العالمي للمسرح، نقف إجلالا لشهداء مسيرة صنع الجمال المضحين من أجل إشاعة فلسفة التسامح وقيم السلام خيمة للإبداع والحوار على ركح الحياة بين مكونات وجودنا لتحقيق أفضل فضاءات العيش وسبل تلبية المطالب الإنسانية.
ونقف احتراما مع انحناءة قدسية لجهود الرواد الذين مازالت أنظارهم التي عشقت المسرح تتطلع لعطاء الأجيال الجديدة ودروسها؛ كما ننظر بثقة إلى الجيل الجديد يسمو ويرتقي بالمنجز بهوية مضافة لسجل احتفل بهويات نوعية كبيرة لعمالقة مسرح الإنسانية الذين يحيون إيقونات تاريخية باقية في الضمائر الحية..
وهذه أسمى آيات التبريك لشعوب منطقتنا والعالم بمنجزهم الحضاري وبإبداعات مسيرتهم ونحن نشاطرهم الاحتفال جميعا بإضاءة الشموع في محاريب بيت أكيتو السومري العراقي توكيدا لقدسية حقة تفرضها تضحيات طرزتها أجيالنا الجديدة في انتصارها لقيم الجمال على القبح والحرية على العبودية...
وإننا لنضع رسالتنا هذه وثيقة رسمية معتمدة تسجل تطلعاتنا ومشاركتنا مسرحيي العالم في أحلامهم ومطالبهم إلى جانب تقديمنا تحية محبة وإجلال للمسرحيين المشرقين أملا وجمالا في أرجاء المعمورة وهم يوقدون سنويا مشاعل السلام والحرية.. فبورك في أجيال العطاء المسرحي.. ولتسلم إبداعاتهم شموشا مشرقة في دروب الحرية والحياة الكريمة في العراق والعالم، ولتتكاتف الجهود جميعا ومعا وسويا نمضي إلى عالمنا الجديد... وكل عام ومسرحيونا كافة بألف خير.
* رئيس جامعة ابن رشد في هولندا \ رئيس الجمعية العربية لأساتذة الأدب المسرحي