قراءة طبيعة الأزمة في العراق وتحديد السبب الجوهري والتحول إلى البديل الأنضج والأمثل؟
رئيس البرلمان الثقافي العراقي في المهجر
باحث أكاديمي في العلوم السياسية
تصدر تصريحات وتكتب تحليلات كثيرة لما يجري في العراق. وعدد منها يصل إلى صورة دقيقة فوتوغرافيا للأزمة؛ ولكنه لا ينفذ إلى جوهرها ولا يستطيع أن يلج إلى ما يختفي وراء المظاهر الخارجية لها. وهنا يصاب المواطن في إحباط مقصود وحيرة وتوهان!؟ إذ يتساوى في قراءة أزمته اليميني واليساري، والطائفي الذي يستغل الخطاب الديني والوطني الذي ينتمي إلى خطاب العلمانية ومنطق العقل المتجه لبناء الدولة المدنية!
فالأول يقدم الصورة الفوتوغرافية تأسيسا لخطاب مخادع مصوّرا نفسه وبرامجه على أنها دفاع عن فئة عريضة من الشعب ولكنه يبرر الفشل بعقبات لها أول وليس لها آخر حيث يلقي المسؤولية على كتف ما يبدو في ظاهر الصورة من دموية وبشاعات.. فمرة يتهم الإرهاب ومرة أخرى يتعكز على وهم تقسيم المجتمع ويشرعن من يدعي سنيّته أو شيعيته وجودهما بترحيل المسؤولية وتقاذف الاتهامات بينهما....
ولكن بين هذا وذاك من قوى الاستغلال والجريمة يمكن وضع الأصبع عليهما كليهما وتشخيصهما بوصفهما أصحاب خطاب كاذب حتى من قبل المواطن البسيط العادي.. المشكلة عندما تأتي بعض قوى البديل الوطني بخطاب مأسور بمحدودية تقف عند تلك الصورة الفوتوغرافية المعروفة التي لا يحتاج المواطن من يصورها له فهو مكونها الأساس وهو يعي كل ما فيها بل يعاني من أوجاعها وجراحاتها وهو الضحية الوحيدة فيها.. إنه يتطلع لمنقذ مخلِّص من تلك الصورة؛ يتطلع للبديل وللآلية التي تخرج به من إسار الجريمة وليس من يكتفي بمغازلته ومشاركته بعض ما يدغدغ مشاعر الضحية لفظيا...
هنا بالضبط ينبغي على قوى البديل الوطني الديموقراطي ألا تقف عند تصوير الوضع فوتوغرافيا لأنها ستساهم في مزيد من الاحباط ومن التشويش على قرار المواطن في الاختيار.. وستخدم خطاب التضليل وما يضيّع المواطن في حسم قرار خياراته. إن وضوح برامج البديل وآلياته ستكون السبب المقنع لإخراج المواطن من عباءة التعمية والتجهيل ومن سطوة قوى أعدائه وأعداء حقوقه وحرياته ومصالحه..
وعلى سبيل المثال لا الحصر، إذا كنّا نتفق مع تحليل بعض الشخصيات المنتمية لقوى البديل الوطني في أنّ السياسة الحكومية القائمة هي البيئة الحاضنة فإننا نذكّر أيضا أنّ هذا الأمر باتت حتى (قوى حكومية) استغلالية تتحدث عنه كما أسلفنا بشأن خداع خطاب تلك القوى وآلياته؛ وعليه فالأدق صحة وصوابا في تشخيص من يقف وراء ((الأزمة)) يكمن في أنّ الخطل في البرامج المنتجة لتلك الأزمة والمعمول بها أصبحت اليوم، أبعد من مجرد برامج فشلت فشلا ذريعا في رفع الدمار وهي أبعد من كونها جاءت نتيجة خطأ غير متعمد أو نواقص أو ثغرات أو نتيجة لعدم التمكن من إدارة الأزمة؛ إنها أزمة بنيوية تمثل جريمة متكاملة يتحمل مسؤوليتها جهة بعينها.
بمعنى أنّ إدارة الحكومة نفسها ما عادت مجرد قوة عاجزة مشلولة وهو أضعف أو أدنى مستويات الحقيقة وإنما باتت فعليا شريكة ومساهما رئيسا في الجريمة، سواء بأشكال مباشرة و\أو غير مباشرة؛ وهذه هي الحقيقة الأخطر!
وهنا يتطلب هذا التشخيص تغييرا فيمن يتوجه إليهم النداء الوطني؛ بما يفرض البديل الأشمل (لا الترقيعي المؤقت). أي أن المطلوب للحل هو البديل المنقذ (الوطني الديموقراطي) لأنه لا رجاء في أن يتحول من عجز، طوال عقد من الزمن، عن لملمة الأمور ومعالجة الجراحات إلى طبيب.. وبصيغة أخرى لن يتحول الطائفي الفاسد مِن كونه بيئة حاضنة للإرهاب وشريكا متسببا في أسوأ مفردات الأزمة إلى بديلها وبصيغة أخرى لن يتحول من متحالف جوهري مع قوى الوحشية والجريمة إلى متحالف مع الشعب ومصالحه.
من هنا فإن الأمل يكمن في تغيير فعلي نوعي في خطاب القوى الوطنية الموجودة في داخل مؤسسات الدولة وتلك القوى المدنية الشعبية الملقاة بعيدا خارجها والمهمشة والمبعدة عن إدارة تلك المؤسسة كي تلبي تحالفا مكينا للتغيير يمتلك آليات مناسبة لتحقيق ذاك التغيير المنشود.. وعليّ هنا أن أؤكد أنّ إشارتي للمهمشين كونهم الأغلبية الصامتة من أبناء الشعب وليس جهة طائفية أو أخرى كما يطفو في ممارسات صراعات قوى الطائفية اليوم.
ولعلنا هنا نتحدث بالضبط عن (التيار الديموقراطي) وجمهوره الأوسع من أصحاب الأيادي النظيفة والبرامج القائمة على منطق العقل العلمي والجوهر الوطني الإنساني، بديلا تتطلع الأغلبية إلى أن يكون هو خيار الشعب للانتهاء من دوامة الأزمات.
إذ أننا اليوم في لحظة هي الأشد حراجة وأزموية، فأما نكرر الخيار الذي وضعونا فيه، فننتكس بالانتقال من عواصف الأزمة إلى أعاصيرها ومن هاوية إلى أخرى أشد وطأة، يحل فيها دمارنا الشامل لا يعصمنا منها سوى أن نختار البديل بوعي وجرأة وبانتفاض على تقسيماتنا المرضية التي علَّبونا فيها لننتقل إلى الحل والشروع بمسيرة سلام ومدنية تعبر عن حقيقة وجودنا وعن تطلعاتنا في البناء والتقدم..
وفي ضوء ذلك فإنني أشدد على الآتي:
1. قراءة الأوضاع بدقة موضوعية رصينة أي بالوصول لصورة تكشف للمواطن ما خلف كواليس ما يراه يوميا.
2. تعريف القوى المعادية واشخيصها بعيدا عن مصطلحات استطاع إعلام الطائفية السياسية أن ينشرها بخداع وتضليل شديدين!
3. عدم المهادنة بما يسمى دبلوماسية الخطاب مع قوى ترتكب الجريمة من داخل مؤسسات الدولة بالمعنى الأشمل لمصطلح مؤسسة والانتهاء من لغة المجاملة على حساب دماء الضحايا.
4. فضح ما يجري ليس بوصفه قصورا حكوميا ولا بوصفه جهدا حكوميا محجوبا عن الإنجاز بسبب عراقيل مصطنعة بوجهه أيا كان وصفها بل بوصفه أيضا في حقيقته جريمة مقصودة من قوى تتحمل مسؤولياتها الجنائية أمام الشعب.
5. إن شجاعة العمل السياسي وجرأة الاشتغال تبقى مطلوبة لاستكمال خطاب القوى الوطنية ووضوحه ووصوله إلى الناس وجذبه لهم نحو البديل الأنضج والأمثل.
هذه في الحقيقة ممثلة في محاولة متواضعة أخطها لتتناول زاوية من زوايا واقعنا وممارستنا العامة؛ جاءت نتيجة قراءتي تفسيرات و\أو بيانات قوى وطنية لم تستكمل ندائها بالتغيير الفعلي النوعي الأشمل، واكتفت بوصف ملامح الحال من دون تشخيص الوجه المخفي للجريمة ولا كشف أوجه لابسي الأقنعة من المجرمين الذين يعايشون الناس نهارا ويغتالونهم في عتمة الليل حتى صارت سرقتهم ونهبهم واستغلالهم وابتزازهم تجري تحت جنح عتمة غبار النهار حيث العواصف المفتعلة وغدا لن يبقى بهذه السلطة سوى إعصار الاستبداد المطلق يسيطر من جديد!!!
ولا نقبلنَّ من القوى الوطنية سوى خطابا صريحا قويا يقطع الصلة مع أي احتمال للدبلوماسية \ المجاملة. أما المؤتمر الوطني والتحالف الوطني والبديل الوطني فلن يكون نقيا ما لم يُخرج قوى المرض الطائفي قوى الفساد والإرهاب من صفوفه.. فلا تنتظروا مساهمة من حسم أمره وانقلب على الشرعية الدستورية واعقدوا العزم على قرار وطني شجاع.
هذا ما أريد الوصول إليه.. أولا في خطابنا وثانيا في ممارستنا.. فلقد أمعنت حكومة تحالف (الطائفية الفساد الإرهاب) في جريمتها ولابد من بديل جوهري مستقل ولا تنسوا، أؤكد مجددا، أن قيادة الحكومة قد أتمت انقلابها وهي لا تخجل من المجاهرة به بل أن قوى طائفية أخرى صارت تتحدث عن هذا فيما قوى مدنية وطنية مترددة من الوصول إلى هذا التشخيص!
ولا تردد، لنقطع الصلة مع قوة لم تأت سوى بالأزمات للبلاد والعباد والبديل لن يُصدر أحكام إعدام أو إلغاء الآخر لكنه سيعمد لوقف تخريب القوى المرضية والعاجزة وقوى العداء للسلم الأهلي ومسيرة البناء وسيأتي ببديل سلمي يعالج الأوضاع؛ ولكل من يريد ولوج طريق السلام والديموقراطية والتقدم أن يحيا في أجوائه ولكن من بوابة قيادة وطنية تدير برامج الإنقاذ بأفضل الآليات وأسلمها وأنجعها...
فهلا انتبهت القوى الوطنية النبيلة السليمة إلى دقة النداء المنتظر وسلامة صياغته عمقا ووضوحا؟