جرائم بحق الفقراء.. ما الردّ الموضوعي المناسب؟

قرار إلغاء البطاقة التموينية نموذجا

أ.د. تيسير عبدالجبار الآلوسي

رئيس المرصد السومري لحقوق الإنسان

رئيس البرلمان الثقافي العراقي في المهجر

tayseer54@hotmail.com

 

 

هل يشارك الفقير في تقرير السياسة العامة  في العراق؟ للإجابة عن الأمر نقول المشاركة تأتي من شخص غير أميّ يعي دوره  ولا يكتفي بمعرفة حقوقه بل يدرك وسائل حمايتها التي تمر عبر العمل الجمعي وضمان احترام خياراته مع  تلبية ما يرسمه عبر الأنشطة المجتمعية المدنية الأنضج تناسبا وتعقيدات تركيب الدولة الحديثة وآليات اشتغال مؤسساتها.. فهل يتوافر هذا لفقراء العراق؟

الإجابة بقراءة نسبة الأمية التي تشكل نصف المجتمع العراقي وهي ترتفع بين النساء لتصل أكثر من ثلثيهنّ ولأن نسبة الفقر في العراق كما تعلنها المؤسسات الدولية الرصينة قد وصلت حوالي ثلث السكان فهذا يعني أن الفقراء طبقة فوق كونها معدمة اقتصاديا هي أمية أبجديا وحضاريا.. فكيف للعامل الذاتي هذا أن يُفعَّل؟

الطبقة السياسية الحاكمة [ولا أقول النخبة لأن النخبة تعني الفئة الممتلئة الغنية فكريا معرفيا، بخلاف الطبقة التي كثرما تكون فارغة سلبية] تعرف لعبتها وتستغل لتمرير جرائم الفساد هذا العامل، أي الفقر المعرفي أو الأمية. ولستُ أعرف ديموقراطية وعدالة بوجود الجهل والأمية وظواهر التخلف... ومثال تمرير الأمور استغلال الدجل وتقمص الورع والتقوى والقدسية الدينية زيفا لكي يتم التحكم بالوعي الجمعي وتسيير الكتلة الكبيرة تلك كقطيع  يرتعد من ذاك الذئب المفترس،  خانع لسطوته  لا ردّ له يصد الجريمة والافتراس!

من جهة أبعد تفصيلا حتى لو وجدنا أن نخبة صارت توضح الأمور وتفضحها وتكشف الطبيعة الإجرامية وآليات التصدي فليس هناك من يقرأ وإن اكتشف من يقرأ و\أو حتى إن تعرف وأدرك فهو مشلول بهول رعبه أو استسلامه [لقدَره] الذي لم ينطق به دين ولا قانون ولكنه يسوَّق له على أنه (قَدَر) لا مناص منه بإسقاط القدسية عليه بالفتاوى السياسية المسلفنة ببرقع ديني كاذب كما يُفرض عليه بسلطة العسكرة والتجييش كما  باستغلال المادة 4 إرهاب والميليشيات التي تجسد البلطجة السياسية، ونحن نعيش يوميا تصفيات مَن يقول: لا للجريمة، بالكواتم وبالمفخخات واللواصق المتفجرة وبالتسميم الذي لم يُنتبه إلى عودته بثاليوم الأمس أو بالسجن وتلفيق القضايا بحجوم مختلفة تستوعب حجم الضغط المطلوب على الشخص وما يطلب منه قسرا...

أما ابتزاز جمهور الفقراء فبقرارات من مثل ألاعيب التحكم بالعملة وبالميزانيات وضبطها على مقاس جرائم الفساد؛ وفضلا عن ذلك نشهد قرارات تثير الجدل والفوضى والاعتبارات التي تدير رأس المواطن وتحيره؛ فيما تضعه تحت مقصلة الضغط حدّ الإماتة والتصفية بطريقة الإبادة الجماعية...

مثالنا قرار إلغاء البطاقة التموينية الذي لا ندري مستوى دراسة تأثيره على العملة من جهة التضخم وقدرتها الشرائية ومن جهة حجم استجابتها لمطلب الفقير الحياتي اليومي أمام ارتفاع الأسعار الجنوني الذي عادة ما يرافق زيادات الرواتب الأدنى من متواضعة تجاه واقع السوق!

لا ندري كيف لشخص، بمسؤوليته رئاسة حكومة دولة بعشرات ملايين المواطنين، كيف له أن يبرر الإلغاء بمكافحة الفساد!! أي فساد الذي يكافحه بإلغاء البطاقة التموينية؟ البطاقة ملأى بالثغرات ولكنها ظلت علاجا ليس لوضع الفقير حسب بل لوضع الدولة المنهوبة قبله حيث لاحصة للفقراء من ثروات الوطن سوى هذا الفتات! فكيف سيعالج إلغاءُ ما تبقى من فتات، فسادَ النهب والسلب على أعلى مستوى؟ نحن نتحدث عن سرقة مئات مليارات الدولارات وليس عن دينار أو 15000 دينار بعد طُعم الثلاثة آلاف دينار زيادة!!

كيف نقبل لرئيس وزراء ووزرائه أن يحسبوا الأمور بدولة بهذا الحجم ((حساب عرب)) يعني حساب أميين يعدون أمورهم على أصابع الكف!! ويخرجون بقرار بحاجة لدراسات الاقتصاديين ومفكريهم ومؤسسات ومنظمات متخصصة وإحصاءات لا يتوفر منها  أي إحصاء وطني سليم منذ عقود!؟

القضية ياسادة، أنّ من يطالب بالبطاقة التموينية ينبغي أن يعرض دراساته بأرقام وقوانين معرفية دقيقة يفضح فيها قرار إلغائها وخلفيته غير المدروسة، غير المنصفة، غير الحكيمة. ومن يطالب بالبطاقة التموينية فإنه لن يحصل عليها باكتفائه بتصريح صحفي أو إعلامي ولا بالسخرية من القرار المشؤوم بإلغائها بل لابد من موقف حازم يتصدى للقرار ويجعل المسؤول عنه يتراجع.. التصريحات والحوارات وما يصدر  على مواقع التواصل الاجتماعي هي بارومتر المواطن البسيط ولكنها ليست مهمة القادة والنخب فهؤلاء عليهم واجبات أخرى أكبر وأدق.

فلكل من أصدر بيانا يتبرأ فيه من القرار ويكتفي بالإشارة إلى سلبياته التي تسيء لمن هم تحت خط الفقر ومن هم فوقه، نحن لسنا بحاجة لمواساتك (السكتاوية) لا حاجة للفقراء المبتلين لصراخ الصمت الأخرس فقد ولَّى طغيان الدكتاتورية وتم كسر حواجز الخوف؛ وكما ترون فقد نزل البسطاء في احتجاجات عفوية سبقت القيادات والأحزاب.. فهل مازالت تلك القوى لا ترى هذه الحقيقة؟

 الفقراء اليوم في ظروف تكالب الهجمة وقوة تنظيمها وتمترس الأزمة خلف بلطجية بحجم أجهزة دولة وميليشيات مدربة ومافيات منظمة، بحاجة إلى قوى وطنية مقتدرة، فإذا كان لدى تلك القوى من موقف عندها فلحظتها نقول مع الفقراء المغلوبين على أمرهم: انزلوا إلى الشارع، إلى ميدان التحدي؛ وقولوا كلمتكم بالفعل والعمل.. عندها سنؤمن بأنكم مع الفقراء بحق ومع حل همومهم المتراكمة وبمستوى التحدي والمسؤولية.. وطبعا الفعل المشار إليه هنا يعني أن تتجه القوى الوطنية إلى التظاهر السلمي بشعار واحد سيهدر به ملايين الفقراء: كفى إمعانا في استغلال الفقراء.. كفى تجويعا لهم..

وللحكومة نقول: لتنطلق قاطرة البناء والعمل وإزالة البطالة وليتم التحكم بالسوق الشره في امتصاص دمائنا ليل نهار. ولنبدأ حياة إنسانية كريمة حرة منعتقة من كل أشكال الاستبداد والاستغلال .. أعيدوا البطاقة التموينية وليس لكم حق إصدار قرار فيما أنتم ما عدتم أكثر من حكومة تسيير أعمال حتى يصوّت الشعب لخياره الجديد الأكيد.. واشرعوا بقبول الدراسات العلمية للوضع الاقتصادي العام بتفاصيله كيما نستطيع الوصول إلى التحرر من هذه البطاقة اللعنة في حياتنا.. أوقفوا الفساد الذي ينتقل اليوم من العبث بمواد البطاقة إلى العبث بأموال البطاقة وبغيرها من ثروات بل بابتزاز الفقراء أكثر واستغلالهم بصورة أشدّ..

إنّ حكومتكم التي عجزت عن معالجة قضية، الحكومة التي بات العراق فيها بوابات مشرعة لكل أشكال الفساد والنهب والسلب فإن الفقراء تحديدا يصرخون اليوم: لتسقط تلك الحكومة، لأنها ليست سوى طبقة مصطنعة اعتاشت طفيليا على تعكزها على الوهم لتبرير فسادها وظلمها ولتأتِ حكومة الفقراء التي يمكنها أن تلبي مطالبهم وتعالج مشكلاتهم التي ما عاد يمكن تحملها..

فإلى ميادين التظاهر ضد القرار، ليس حصرا فيه بل فضحا لمجمل جرائم مثلث (الطائفية الفساد الإرهاب) وما يمارسونه بحق ملايين الفقراء.. أما غير هذا القرار فلن يكون سوى ممارسة  تدخل في ميدان التنفيس لمصلحة حكومة الفساد لا غير..

إذن القضية ليست كدية لبطاقة التموين وللقمة العار التي استهانت بالبشر وحقَّرتهم طويلا القضية  هي ما يستتبع من مشكلات متنوعة اقتصادية اجتماعية وما سيكون من وضع مستجد لا يمكن العودة عنه إذا ما طُبّق القرار...

وبانتظار مواقف القوى السياسية المعبرة بحق عن فئات المجتمع وطبقاته بتنوع أطيافها بما يوقف القرار لابد من وقفة شعبية من الجميع إعلانا رسميا وشعبيا في قرار تنحية رئاسة حكومة بغداد عن صهوة جواد السلطة التي باتت تنفرد بها بخطط لا تقدم سوى الخطل تلو الآخر وبما يوقعنا بمآزق متعاقبة تتراكم سلبيا بمخاطرها وكوارثها ونوازلها...

وتحية لفقراء الشعب

 

 

*  إلى أولئك المحرجين من النقد الموجه إلى الحكومة ورئاستها تحديدا، نهمس في آذانهم: إن عشرات الحكومات تسقط وتستبدل في دول العالم كافة ولا مشكلة في الأمر.. لأن الثابت في الحياة البشرية هي الشعوب وليس الحكومات ولا الشخصيات.. ولم يفسر أحد سقوط حكومة بأنه انتقاص من الحقوق المدنية والسياسية لشخص رئيس وزرائه ولكنه لا يعرض الشعب لمزيد من آلام وكوارث وأزمات لتغليبه محبة زعيم أو شخصية على حساب الناس..!! ثم لماذا نضحي بالشعب العراقي وتحديدا فقرائه لسواد عيون أية شخصية؟ فكفى إعادة إنتاج لخطاب الزعامات البطولية والقادة الضرورة المنزهين، دع عنكم أن (دولته) منذ دورتين وهو لا يراوح في مكانه حسب بل ينزل بالوطن والشعب إلى حضيض الكوارث وهاويتها.. فهل بعد نهب كل الميزانيات السنوية بلا مشروع ولا رغيف خبز ولا أمن ولا أمان نعود نتباكى ونرتعب أو نُحرج من انتقاد (دولته) والمطالبة ال؟؟ أرجوكم أما تتنحوا عن اختيار الناس أو تحكِّموا العقل ومنطقه في واجب بات هو الضرورة حيث التغيير الجوهري المنتظر.