حق تقرير المصير ثابت لجميع الشعوب.. الكورد في سوريا نموذجا
رئيس المرصد السومري لحقوق الإنسان
رئيس جامعة ابن رشد في هولندا
باحث أكاديمي في العلوم السياسية
في وقت تتواصل مستمرة الثورة الشعبية السورية، وفي وقت ينشغل السوريون جميعا بكل أطيافهم، في ترتيب إجراءات الثورة وخطواتها لحسم المعركة مع نظام دموي قمعي؛ تطفو إشكالات مهمة وذات أولوية هي الأخرى. فالمواقف التي يوصم بها الثوار خطيرة إذا ما تمّ تمرير التشويه والتضليل بحق الثورة، مثلما يتعلق الأمر بحديث قوى إعلامية مضللة عن أشكال التخريب والتقتيل والاعتداءات التي تتجاوز على المواطنين وإلصاقها بالمعارضة وقوى الثورة.
ونحن نعرف بالضبط أنّ النظام الفاشي أطلق لقطعانه من الشبيحة العنان كيما يمارسوا أشكال الجرائم والاختباء والتخفي. كما أن بعض الأطراف المتشددة وتلك التي أصيبت بأمراض زمننا بخاصة القوى التي تتمترس خلف الفكر الطائفي، إنما يقوموا بأفعال تخدم النظام وتعادي الشعب بتناقضها وآليات الثورة والثوار. ومع ذلك فهذا التضليل يكاد يكشفه الشعب بسهولة ويعرف أن الثورة نقية لأنها تنبثق منه وإليه فهو الأعرف بوجوده وأهدافه...
غير أن المشكل الذي نحن بحاجة لمعالجته اليوم قبل الغد، يكمن في مواقف بعض قوى الثورة من داخل المجلس الوطني السوري تجاه موضوع مكونات الشعب السوري وتركيبته التعددية القائمة على التنوع القومي والديني.. الأمر الذي ينبغي توكيد احترامه ووضعه في حسابات الثوار وتوجهاتهم ومنطق برامجهم المستقبلية لما بعد هزيمة النظام..
إنّ وحدة قوى الثورة ستتعزز وتزداد تماسكا إذا ما تم تجنب لغة الاستعلاء والإلغاء والإقصاء التي لا تعترف للآخر غير العربي بحق الوجود والهوية واستقلالية القرار التي تبدأ بالإنسان وحرياته وحقوقه مواطنا سوريا وتمر عبر منع التهميش والإقصاء للهويات التي يتركب منها المجتمع حيث العمق والهوية القومية كما وجود الكورد في سوريا.
وإذا كان مفهوما موقف النظام الفاشي الدموي من جهة الإلغاء عندما كان الكوردي لا يمنح الجنسية السورية فإن الأمر لن يكون كذلك في مواقف المجلس الوطني السوري أو بعض أعضائه. إذ ينبغي أن تكون القضية محسومة لمصلحة الاعتراف النهائي والحاسم وعلى وفق الشرعة الدولية التي تنص على حق تقرير المصير لكل الشعوب ولا استثناء هنا ولا تفرقة ولا مجال للمناورة..
إن الكورد من جانبهم أبدوا أعمق الاستعداد لخيار العيش في الوطن السوري المشترك ووضعوا سقف تقرير المصير بحقوقهم في إطار الوطن والتداول وطنيا بشأن الفديرالية مستقبلا.. ومثل هذا الخيار يلزم أن يُقابل بخطوة إيجابية بالمثل.. فالوضع لا يحتمل أي انقسام في المعارضة الوطنية كما أن القضية التي نحن بصددها ليست قضية تبحث لأول مرة إنسانيا أمميا بل هي من القضايا التي حسمها المجتمع الدولي المعاصر بالاعتراف بحق تقرير المصير للشعوب.. كما منح للشعوب التي لا تحيا بدول مستقلة عضوية في المنظمة الدولية عبر ممرات ومنافذ شرعية وهي تخضع لقوانين ملزمة للجميع..
إن التحالف العربي الكوردي سيكون الركن المكين لانتصار الثورة السورية والتعجيل بحسم المعركة. فيما سيكون الانقسام فرصة للنظام وقواه الإرهابية لمتابعة اللعب على حبال التمزق والتباعد بين أطراف الثورة. كما نبقى بحاجة هنا للقول: إن الانعتاق من إسار الضغوط الإقليمية المعروفة طريقا لربح الوطن والشعب ولربح حرية الاختيار.
إن قرار وحدة المجلس الوطني الكوردي والمجلس الوطني السوري سيشير بحق إلى انعتاق القوى الوطنية المعارضة من أوامر وتدخلات إقليمية معروفة من مصلحتها قمع الكورد وكبح فرص حصولهم على حقوقهم التاريخية الثابتة التي أقرتها لهم الشرعة الدولية..
إن أسبقية تحالف كوردي عربي تبقى ذات أولوية على أية تحالفات أخرى.. كما أن التحالف والوحدة الوطنية السورية لا يناقش فيها أحد لصالح أية أجندات خارجية. أما من يريد أن يدعم الثورة السورية فلا يمكنه أن يضع عليها شروطا وكيفيات لا تخدم الشعب السوري ومنطق الاعتراف بمكوناته وحقوقها في الحياة الحرة الكريمة..
إن الثورة السورية لم تقم للقمة خبز مسمومة بإرادة أجنبية لدولة تحاذي سورية أو تقف منها بالمرصاد عبر أدواتها. ولم تقم الثورة لمطلب فرعي باستبدال شخص بآخر ولكنها قامت من أجل سوريا للسوريين جميعا .. سوريا يتحقق فيها العدل وتتمتع بآليات الديموقراطية ودولة مؤسسات تحتكم للقانون ومن ثم لتطبيق كل المواثيق الدولية التي تحترم هويات مكونات الشعب وتلبي مطالبها..
ولعل الشعب السوري بقواه الثائرة صاحبة القرار والخيار لن تتخلى عن أي مكون من مكوناتها بما يلبي تمتين الوحدة والتفاعل القائم على حرية الاختيار وليس على الفرض والقسر والإكراه كما كان في ظل النظام الذي يتهاوى تحت ضربات الشعب السوري وهو قاب قوسين أو أدنى من لحظة الرحيل لتتجه المعارضة الوطنية إلى الشعب بكل أطيافه كيما يختار (ديموقراطيا) نظامه ودستوره ومفردات برامجه في ظل سوريا جديدة...
فهل يقبل الشرفاء من ثوار سوريا أن يجري بعد كل التضحيات الجارية والتي تجري أن يمنحوا قوى أجنبية حق أن توجه إراداتهم وخياراتهم؟ وهل يقبلون ضيما يسومون به أخوتهم في الوطن والإنسانية؟ أجدني أشدد على إلزامية خيار الاعتراف بتنوع الوجود السوري الوطني، طريقا لأمتن وحدة وطنية يتطلعون إليها.. وإلا فإن سياسة الفرض والإقصاء والإلغاء التي تنذر بموعد الرحيل لا يمكن لها أن تعود من شباك لا القوى الأجنبية المتمددة عبر عناصرها ولا الداخلية المرتبطة بمرجعيات غير وطنية..
وسيكون انتصار الثورة الحقيقي مبتدئا بوحدة الاختيار الوطني مع أعلى سقف لاحترام الآخر السوري بهويته القومية والدينية والمذهبية في ظل دولة التنوع والتعددية المؤملة في سوريا الجديدة، دولة تطبق احترام حق الشعب الكوردي في تقرير مصيره بلا مجال لتردد أو خنوع لية توجهات معادية فهي لا تعادي الكورد في سوريا بل تعادي السوريين جميعا يوم تدعو للتنكر لذياك الحق القومي الأصيل المكفول في كل الشرائع والقوانين.