أولويات البديل الديموقراطي في العراق
أ.د. تيسير عبدالجبار الآلوسي
باحث أكاديمي في العلوم السياسية
رئيس البرلمان الثقافي العراقي في المهجر
اشتدت ظروف الأزمة الخانقة التي وصلتها العملية السياسية في العراق نتيجة استمرار في اعتماد أسس انطلقت منها تمثلت في المحاصصة الطائفية بديلا للشراكة الوطنية، وبتعمق الفساد بتنوعات محاوره ومستوياته النوعية الخطيرة بما أفضى لتضخم أدوار عناصر بعينها واتجاهها نحو الانفراد بالسلطة ومحاولة إقامة دكتاتورية ربما ادعت الغطاء الديني [الطائفي] هذه المرة، وهذه العناصر هي التي أوقعت مؤسسات الحكومة في التخبط وفي برامج عمل برهنت عجز مَن تقدم بها بها وأثبتت فشل خططه في إدارة الأزمة العامة وخطلها المريع.
وفي ضوء تداعيات الصراعات القائمة في إطار حركات الإسلام السياسي من قوى الطائفية وفلسفتها وآليات تحكمها بالسلطة، شاعت محاولات فرض سلطة أحادية فسحت الفرصة واسعة لاستخدام أساليب قمعية سواء عبر تجيير بعض مؤسسات الدولة أم عبر شرعنة وجود الميليشيات وعبر عسكرة المجتمع مع سلبية وخطل في التصدي للإرهاب فضلا عن استغلال فوضى الوضع في توجيه سهام الأجهزة الأمنية توجيها قمعيا عنفيا لا يمت بصلة لمطاردة الخارجين على القانون ولا بتقديم حلول سوى غير الموضوعية وغير المجدية!
وبالمقابل فإنّ القوى الوطنية والديموقراطية العراقية، وقفت بوجه الانحدار وكان للوجود الفديرالي تأثيره في التصدي البنَّاء. إلا أنَّ مهمة وقف الانحدار ما زالت تعاني من تفكك الجبهة الديموقراطية أو ضعف في وحدتها؛ كما أننا مازلنا نجدها لم تتبنَّ برنامجا نوعيا بديلا بالمستويين الاستراتيجي والتكتيكي؛ أو أنها مازالت ببداية مشوارها العملي بهذا الاتجاه وهي تعمل بطريقة ردّ الفعل في الغالب أو التعامل مع اللحظي الآني ما يشكل عقبة كأداء في انتقال تلك القوى نحو إدارة الأزمة بطريقة موضوعية حاسمة.
وعلى صعيد وحدة القوى الوطنية والديموقراطية، فإن الأمور لم ترق لمستوى مشروع تحالف محدد المعالم. وبقي الوضع محصورا بنداءات من هذا الطرف أو ذاك تكرر نفسها بمقولة الحاجة لوحدة متينة كونها ضرورة في المرحلة وذات أولوية! كما في دعوة بعض أطراف ديموقراطية عراقية للتحالف الكوردستاني كيما يعيد صيغ تحالف ديموقراطي سابقة وهذا اتكاء على استدعاء تاريخ التحالف؛ لا يتضمن لا تفعيلا عمليا للتجربة السابقة ولا بديلا جديدا ومستقبليا..
ومن جهة متصلة فإنّ من دعا لمثل هذا التحالف مارس ويمارس أنشطة تتعارض وإجراءات تبنتها القيادة الكوردستانية استجابة للنداءات الديموقراطية وللمطالب العاجلة في التصدي لمصادر اختناق العملية السياسية وتأزمها، وهذا السلوك السياسي يؤزم الوضع ويقف دون إشادة تحالف ديموقراطي وضد برنامج إجرائي لهذا التحالف، مثلما يتيح لقوى حكومية وهي تلعب في الوقت الضائع أن تعبث أكثر وتبقى بموقع الفاعل مستمرا بسلبيته وآثاره التخريبية\ مثالنا هنا زيارة طرف ديموقراطي معروف للمالكي بتوقيت تعارض مع مبادرة مهمة لسحب الثقة عنه...
على أننا نتابع تفاصيل سلبية معرقلة أخرى، فالتيار الديموقراطي مازال في جهوده التنظيمية دون المستوى المنتظر منه. بحيث نرى أنّ حملات بمستوى وطني مافتئت تنطلق من فروع التيار الديموقراطي وليس من قيادته الموحدة، وربما جرت بأساليب عمل فردي بطريقة ((العونة)) و ((الفزعة)). الأمر الذي لا يمكن الاكتفاء به من جهة ولا يمكنه أن يرقى لمستويات نوعية منتظرة.
لقد سبق أن طرحنا سواء بدراسات وقراءات قدمناها شخصيا أو عبر البرلمان الثقافي العراقي في المهجر وعبر مراكز البحث المتخصصة بجامعة ابن رشد جملة من الخطط المستهدفة ومعها حزمة من الإجراءات والآليات التي تفعّل العمل الميداني، مستندين لمنطق يقوم على سحب الثقة من حكومة المحاصصة، حكومة الانحراف باتجاه الانفراد وإشاعة سياسات تتقاطع وتتناقض مع آليات الديموقراطية..
ذلك أن موضوع سحب الثقة قد طرحته بالأساس الاحتجاجات الشعبية منذ أول مظاهرات 25 شباط فبراير قبل أكثر من عام، كما أن واجب تقديم البديل لابد أن يقوم على مشروع مستقل نقي يتنزه عن حكومة اتسمت بفلسفتها الطائفية وبالفساد المستشري لأعلى مستوياتها وبالعجز عن التصدي للإرهاب وعن توفير المطالب والحاجات الشعبية الضروروية ولا حديث عن الكمالي في الأمر.
أما حل الأزمة جذريا أو بالمعنى الاستراتيجي الأشمل فما زال يقتضي مسبقا الإيمان بأنه لن يأتي بمنحة أو مكرمة حكومية ولكنه يأتي بنضالات شعبية بأوسع تعبئة مؤملة، ويقتضي الحل تبني البرنامج الإجرائي الآتي:
1. العمل من أجل تشريع قانون الانتخابات والنضال من أجل إصداره بأقرب أجل.. وعلى التيار الديموقراطي تقديم صياغة تامة كاملة بطريقة تلغي أشكال القصور فيه وتستجيب لنظام انتخابي ديموقراطي يمثل الوضع العراقي بظروفه المخصوصة..وألا يكتفي بالمطالبات العامة وأن يكون لديه وسائل الوصول للهيأتين التشريعية والقضائية العليا بالخصوص...
2. العمل من أجل سنّ قانون للأحزاب وعلى التيار [أيضا] تقديم صيغة بالخصوص تقوم على أسس مدنية وعلى وفق المتعارف عليه في الديموقراطيات الحديثة وعدم الاكتفاء بمطالبة عامة ما سيضيّع الأمر.
3. القانون الثالث الذي يلزم المطالبة به لدخول أيّ انتخابات هو قانون مجلس الاتحاد حيث نصّ الدستور على أن البرلمان يتشكل من مجلس النواب ومجلس الاتحاد وينبغي تكليف متخصصين بكتابة مشروع مجلس الاتحاد ومن دون هذا القانون الذي يعنى بشكل مباشر بالمجموعات القومية والدينية والمحافظات والإقاليم التي تذبح يوميا لا يمكن الدخول إلى انتخابات حقة.. وستكون جريمة أن يدخل دعاة الدولة المدنية بكوتة الترضية التي يصفها العراقيون بمصطلحهم بالـ ((قشمريات)) والضحك على الذقون.. في وقت يتطلع الشعب وجميع مكوناته وأطيافه إلى المساواة والعدل وإزالة آثار الضيم والاستلاب والمصادرة وحالات التهميش والإقصاء، إن قضية المكونات وأوضاعهم ستبقى عقدة تخريب الثقة بين الأطياف وممثليها ما دمنا نكرر تشكيلة البرلمان من دون جناحه الرئيس الثاني ممثلا بمجلس الاتحاد ومن العبث دخولنا باتجاه نصف هيأة تشريعية.. وهذا المطلب يكاد يكون مغفلا من أغلب الأطراف والحملات الوطنية الديموقراطية! في وقت يعبرهذا المطلب يعبر عن تطلعات العراق التعددي الغني بتنوعه ومن ثمّ لا صواب لوجود تيار ديموقراطي من دون تلبية مطالب هذه التعددية والتعبير عنها وتجسيدها مؤسسيا بمصداقية وبأفضل ما يكون.. وهنا بهذا الجهد سيلتحم الجمهور الواسع ومجموع الأطياف العراقية مع هذا التيار ودوره في قيادة إرادة التغيير..
4. أما المهمة الرابعة فهي ممثلة بمطلب تغيير مفوضية الانتخابات حيث ينبغي أن تستبدل بأخرى تتسم بالنزاهة والاستقلالية الحقة بما توافق عليه جميع القوى والحركات الوطنية من داخل البرلمان وخارجه ممن يؤمنون بالعملية السياسية وبالخيار السلمي للمسيرة..وإلا دخل التيار الديموقراطي على مقلب بمساهمته في انتخابات غير مضمونة الإدارة وسيجلب بذاك الهزيمة لقوى التغيير والإصلاح... إن اختيار المفوضية يلزمه حضور فاعل ومؤثر لمنظات المجتمع المعنية ولقوى الحركة الديموقراطية المبعدة خارج العمل المؤسسي العام.
5. إجراء إحصاء سكاني شامل لجميع أقاليم البلاد ومحافظاتها.. مع توفير أسس إحراء الإحصاء من أدوات تنفيذية ومن نماذج مكتملة تأخذ بنظر الاعتبار معالجة ما اختلقته الإحصاءات السابقة من تغييرات ديموغرافية أو من اعتداء على الحقائق والهويات الفرعية... مع الالتفات إلى بعض المفردات التي يراد إدخالها بطريقة تتعارض ومنطق الإحصاءات ومستهدفاته الموضوعية...
على إنَّ هذه المستهدفات الخمسة تحتاج إلى إجراءات ضامنة، يلزم النضال من أجل تلبيتها.. ويمكن تلخيصها بالآتي:
1. إنهاء الإدارة المركزية الأمنية الموجودة اليوم بيد رئيس [مجلس] الوزراء أو [شخص السيد المالكي] وتوزيع المهام على أسس الكفاءة والشراكة الوطنية.. على أن حكومة انتقالية تظل مطلوبة وهي تتشكل بسحب الثقة واستبدال القائمة ببديل نوعي وطني \ مع الإشارة بالخصوص إلى عاشرا من هذه المهام...
2. وحصراحتكار السلاح بيد الحكومة، وتطهير الجيش والأمن من عناصر الميليشيات ومن الاختراقات بتنوعات مصادرها وأشكالها.
3. بناء جهاز إعلامي بحجم مهام التيار الديموقراطي وصوته وتوفير ضمان فعلي لحقوق الصحافيين والإعلاميين ووقف مطاردتهم ووسائلهم الإعلامية ووإنهاء ما يجري من قمعهم من جهات متعددة منها جهات رسمية حكومية..
4. العمل على تحقيق استقلالية حقيقية للقضاء وتمكينه من أداء مهامه على أمثل وجه للعدالة فمن الخطورة بمكان أن نترك المحكمة الاتحادية والقضاء والهيآت المستقلة هي الأخرى تخضع لشخص رئيس الوزراء ومكتبه!
5. والمطالبة برفع الحصانة عن قيادات الأحزاب والمسؤولين الحكوميين وطلب إحضار المتهمين منهم أمام القضاء العراقي ومساءلتهم ومحاسبتهم قانونيا قضائيا، سواء بشأن الفساد أم بغيره مما ارتكبوه..
6. العمل على تفعيل هيأة النزاهة قضائيا إجرائيا بأن تستطيع إصدار قرارات قضائية حاسمة..
7. ثم مهمة تطبيق خطة مناسبة لتعبئة تنظيمية شعبية ولحشد جماهيري تضامني وجذب القوى الشعبية والرسمية الدولية للتضامن مع التيار الديموقراطي...
8. إنضاج صيغة مشروع تحالف ديموقراطي بمستويات تنظيمية مركبة يضم في إحداها شكلا من التنسيق الثابت مع حركة التحرر الكوردي ممثلة بالقيادة الكوردستانية...
9. العمل على تلبية المطالب العاجلة في الحقوق والحريات وضمان الأمن وسلامة العمل العام وتلبية المطالب الخدمية العاجلة فورا وتأمين إطلاق سراح المعتقلين غير المحكومين بقضايا الإرهاب وحماية أشكال التعبير ومنها حق التظاهر من دون اجترار السياسات القمعية لنظم الدكتاتورية
10. استقالة الحكومة وتشكيل حكومة تكنوقراط تعد باستكمال إجراءات حل البرلمان والدعوة للانتخابات على وفق الاستعدادات الفعلية المكتملة التي تقرها جميع القوى الوطنية بمشاركة ملموسة وفعلية لقوى التيار الديموقراطي المبعدة حاليا قسرا من العمل العام.. وتنهض بمهام تصريف الأعمال في الآتي من المحاور:
أ. إلغاء نتائج التقسيمات وأشكال التمييز بخاصة منها تلك التي تقوم على أسس طائفية، ومنح النظام العام حيوية الأداء ومنه منح المحافظات صلاحياتها الوافية، وتوكيد الاتفاق على صلاحيات الإقليم الفديرالي..
ب. وضع برامج جدية لكل من الأمن الوطني والجيش وحظر الميليشيات وأشكال السلاح خارج إطار الدولة والتطهير من الاختراقات وتثبيت المرجعية المهنية في إطارهما..
ت. إطلاق عمليات إعمار البلاد بخطط استراتيجية تركز على البنى التحتية والأمور الخدمية وفي مجالات الكهرباء، الصحة، التعليم، البيئة، المياه والزراعة، الصناعات الثقيلة والتحويلية بما يتلائم ومطالب الشعب وحاجاته الفعلية بالتساوي بين جميع أقسام الوطن..
ث. إطلاق الحريات وحماية الحقوق وصيانة التنوع القومي والديني المذهبي ورعاية جميع المكونات والأطياف على أساسين فردي يعزز مبدأ (المواطنة) وجمعي يحترم (الهويات المخصوصة قوميا دينيا ثقافيا) بالموازنة بينهما على أسس قانونية دستورية..
إنّ جوهر الحركة السياسية والمطلبية اليوم يقوم على أساس حسم الأمر نهائيا باتجاه سحب الثقة من المؤسستين التنفيذية والتشريعية لعجزهما عن أداء مهامهما وفشل برامجهما في تلبية تطلعات الشعب؛ ومن ثمّ الطلب إليهما بنضالات مؤثرة قادرة على انتزاع المطالب وفرض تلبيتها في جملة الخطة البرنامجية للتيار الديموقراطي ومشروعه البديل الذي يعالج جوهريا الفشل في مسيرة العملية السياسية ويجابه قوى الإرهاب التي تترصد تطلعات الشعب في الاستقرار وبناء السلام في دولة مدنية قادرة بمؤسساتها على الاستجابة لكل تلك المطالب الشعبية.
وسيكون جذب القوى الشعبية وتوحيدها ممكنا مثلما الاتصال بالقوى والعناصر النزيهة في مؤسسات الدولة وفي التحالفات الوطنية والأممية التي يمكنها أن تدعم الجهد وترقى به لمستوى البديل الموضوعي الفاعل المؤثر..
ولكن السؤال النوعي يتمثل في: هل سيتمكن من يقود التيار الوطني الديموقراطي اليوم أن يتجه نحو مثل هذه التطلعات إجرائيا؟ أم ستبقى الأمور مقصورة على طروحات نظرية و\أو محاصرة بحدود موضعية متقطعة لا ترقى للمنتظر؟
والإجابة تبقى بيد القوى الديموقراطية ذاتها، سواء المهجرية أم الموجودة في داخل الوطن.. وسواء الموجودة بجمعيات وروابط تخصصية أم الموجودة بقيادة تنظيمات القوى الديموقراطية.. وإن فاصل حوالي السنة ليس كبيرا لتجهيز كل هذه المفردات ودفعها للتنفيذ إجرائيا.
يرجى هنا تفعيل حملة وطنية تتفق وجوهر ما سبق لنا أن عالجناه واقترحناه في أكثر من قراءة وندوة وتداخل تلفزيوني وإذاعي وهي متضمنة بهذا الرابط مع التقدير:
http://al-nnas.com/al-nnas_petition8/index.php
آملا هنا التحول لحملات وطنية موحدة تشتمل على كل المطالب التي يتم الاتفاق على تجسيدها بأسقف زمنية وبآليات يرسمها من يقترحها ولا يتركها لنداءات قابلة للضياع والإهمال كما غيرها. أجدد التوكيد أن المطالب تنتزع بالنضالات ولا تُنتظر لتُقدم منحة من قوى المحاصصة والفساد والانفراد بالسلطة والجنوح لآليات القمع.