رمضانيات 2012: تهنئة بشهر رمضان الفضيل ودعوة لحملات المصافحة وإشاعة خطاب التسامح
بمناسبة حلول شهر رمضان الفضيل، نتقدم منكم بأحر التهاني والتبريكات متطلعين وإياكم لأن يكون هذا الشهر، فاتحة صفحة مهمة لقويم الأعمال وصحيحها. ولأن يكون فرصة مراجعة جدية لمسيرة سنة من الأنشطة التي ربما وقع بعضها في أشكال من خطأ التشدد والمغالاة و\أو خطاب التطرف أو خطابات التضليل والتكفير.
متمنين هنا أن يكون رمضان، وهو يحلّ بيننا برحمته، فاتحة عام من الآمال بسيادة خطاب الوسطية والاعتدال، خطابا للعمل بقيم التآخي والتعايش السلمي البنّاء؛ توكيدا لاحترام التعددية بين متنوع المذاهب والفرق التي تحيا في كنف وحدة الاعتقاد والدين، بما يوقف أساليب التضليل التي تختلق التناحر وتفتعل الصراعات بين الطوائف التي تعمل بعض القوى على انغلاق وجودها وانفصامها وتعاديها.
إنّ الدين لله، بخاصة هنا فريضة الصيام عند المؤمنين الحق؛ ومن هنا فلا مجال لخلط الأوراق واستغلال المناسبات [كما يفعل بعضهم] في إشاعة خطاب سوداوي يُفضي إلى إِعمال الحزن وسطوة أو سيادة تراجيديا الموت والآخرة، ما يتناقض وركن مهم في الحديث النبوي الذي يذكرنا بدنيانا فريضة صحيحة هي الأخرى بقوله الشريف: "اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا...". إن قوى التأسلم السياسية هي من يؤوّل الخطاب الديني ويأخذ منه أنصاف الآيات ومعانيها ويُسقط عليه المعاني التي يريد.. ومن ذلك اختلاق أجواء الحزن وإشاعة سوداوية العيش على مدار العام، ومنه خطاب التضليل في التكفير من جهة وفي اختلاق منغلق الطائفيات التي باتت اليوم تُستغل لانقسام بين المؤمنين بدين واحد أو في وسط شعب، فيفتعلون بهذا حروبا دموية بشعة. إنهم مشعلو الحرائق من فاشست عصرنا الذين لا تربطهم بدين وعبادة أية رابطة، سوى ادعاءات ظلامية مضللة!
أما عموم الناس ومنهم المؤمنين بالدين الحق وبما بينهم والمقدس الإلهي، فإنهم مقصودنا في هذه الرسالة التي نتمنى أن تكون بإيجازها ذات وقع لدفعهم إلى ممارسةِِ، لا تقوم على الاكتفاء بالانقطاع عن طعام صياما، فذلكم تفريغ لمعاني الصيام الواسعة الشاملة بل تقوم على إعمال محاسن السلوك وصائب الأعمال بالاتجاه اليوم لحملات بين الأفراد والعوائل وبين المؤسسات والمنظمات المعبِّرة عن الجماعات والمذاهب والفرق والاجتهادات.. حملات تضع أولوياتها هذا العام في ((خطاب التسامح والتعايش السلمي)). لنمدَّ جميعا أيادينا للمصافحة التي تطلب المغفرة وتعلن الاعتذار عمَّا [ربما] بدَرَ من خطأ حتى لو جاء عن تأويل أو سوء فهم أو بسبب دخول عناصر بث الفرقة وإشاعتها. وليكن كل منا المبادر في هذا الخطاب إذ حسنة المبادرة، كبر الأنفس وصفاء النية وحكمة الأفئدة والاحتكام لمنطق عقلي مستنير..
لنسعى معا وسويا كي نجعل من رمضان الرحمة مناسبة للمراجعة الشاملة الحقة لسلوكنا مع أنفسنا وبعضنا تجاه بعضنا الآخر، ولنوقف من حاول التحكم حتى بشعائرنا التعبدية وإحالتها إلى مناسبة لاستغلالنا وليس في هؤلاء من مرجع ديني، لكنهم في حقيقة وجودهم، مراجع سياسة معادية لوجودنا الإنساني الصحي، متناقضة مع معاني التراحم والتوادد والتسامح والمغفرة التي أعلاها رمضان الرحمة بقيم التسامح والعلاقات الأخوية السليمة..
إن لنا في عوائلنا صلات رحم.. وفي أسرنا صلات قرابة.. وفي أحياء المدن وضواحيها صلات جيرة.. وفي بلداننا صلات إخاء وطني.. وفي وجودنا الأممي صلات إنسانية؛ وكل تلكم الصلات هي ما ينتظر منا إعلاء ((خطاب التسامح والسلم الأهلي والإخاء بين الشعوب والجماعات والمذاهب))...
لقد مرت منطقتنا وبلداننا جميعا بهزات راديكالية ولربما تنامى في بعضها نجم الحركات [الدينية] وأغلبها من تلك التي ادّعت المرجعية الدينية زعما وزورا وبهتانا لسبب واحد بات معروفا، هو أنها دفعت الشعوب لانقسامات طائفية تناقضية وافتعلت احترابا وأشعلت حرائق وخرابا ما أنزل الله بهما من سلطان.. إن قوى التكفير والتضليل الطائفي من فرق الإسلام السياسي ليست الدين ولا الوصي على اعتقادات إنسان ولا وجود لوسيط بين الله وبين الإنسان المؤمن سوى سرّ الإيمان والخطاب القائم على صواب وصايا العقيدة وفرائضها. وجميع تلك الوصايا تقوم على الإخاء والتسامح وطلب الغفران وعلى علاقات التراحم والوداد...
وفي وقت نتمنى لكم صياما مقبولا ورمضان الخير يشملكم بواسع الرحمة والغفران؛ نتمنى عليكم جميعا مراجعة ما فات من أعمالكم وما ربما وقع في تفصيل خطأ أو اتباع طرف أراد لنا طريق افتعال مما تناقض وسليم القيم وصحيحها وصائب وصايا الدين، وأن تكون نتائج تلك المراجعة حملات مصافحة الخير وطلب الغفران بشجاعة المبادرة وبروح التسامح..
لكم كل الخير والسلام.. ونلتقيكم بأصابيح خطاب تنويري متفتح يرفض سوداوية التضليل وظلاميته.. نلتقيكم في حملات المصافحة والمسامحة.. وسنكون في عيد رمضان القابل، أمة وسطا لا تكتفي بحمل رسالة السلام بل تقيمها فعلا في كنفها.. حيث ربوع بلداننا تبنيها السواعد السمر لأبنائها مشمِّرة عن عزيمة كبرى في هزيمة الظلام وكنس قواه، ولا يبقى في النهاية إلا إنسان أكرمه الله في عقله مستنيرا لا في ظلمة فؤاد واستكانة لكائن من كان ممن يجرنا إلى الاحتراب.
ليقل كل منا: إنَّ أولويتي في إخائي مع أهلي وجيراني وأصحابي، مع كل الفئات من أتباع مذاهب وفرق تتنوع في اجتهاداتها ولكنها تلتقي في وحدانية الدين والعبادة. ولتكن أولويتي ما أتبعه مقدما على ولاء لطرف يشقني على أخوتي في الدين وفي الوطن. لأكن بشجاعة ترك قيادات أو زعامات متوهمة وأحزاب اصطنعت لي الفرقة والاحتراب بأي مبرر أتتني وبأي تأويل جاءت.. لأن الأصل أن نحيا يدا بيد نعمل ونبني ونخلق أجواء عالمنا معا وسويا..
أنتم اليوم أدرى في زمن فضاء المعلومات المفتوح، أن الظالم المستبد لا يقوم على دين حق ولكنه يقوم على قبولنا بخطاب التضليل الذي يأتي به فنرفعه على أكتافنا، وندافع عنه بطعن أخوتنا في الدين وبقبول أن نحترب في ليل وظلام مع قوى هي منا ونحن منها.. فهل يعقل أن نواصل خطئية الانتحار لأجل سواد عيون ناهبي ثرواتنا ومشعلي الحرائق في بيوتنا! أم نستثمر رمضان الرحمة والخير والعطاء بقلوب مؤمنة بحق ترى وصايا الدين بجوهرها وتنتهي عما نهت وتأتمر بما أرادت وتلتجئ غلى صحيح الفعل من أجل حاضر البناء ومستقبل الخير والعطاء...
أيتها السيدات والآنسات.. أيها السادة، لنترك خطاب التكفير دينا وسياسة ولنبحث في برامج الإخاء ولندرس تفاصيل يومنا العادي على وفق منطق ما أكرمنا الخالق فيه اي العقل ومنتجه علوما وحلولا لمشكلاتنا وقضايانا فيصلا نهائيا نبني به عالمنا نسعد فيه ونحتفي بأعياد متصلة مستمرة للفرح لا بكأداء أحزان مفتعلة مصطنعة.. ونحن نعرف يقينا أن لا عزاء فوق ثلاث وبعضهم يريدنا أن نحيا الدهر في عزاء ونعرف أننا خلقنا واستخلفنا على الأرض لتعمرها وبعضهم يريدنا معطلين عن البناء ونعرف أن العمل عبادة حيث الحديث الشريف يقول عامل يعمل خير من ألف عابد وبعضهم يمنعنونا عن العمل ويشيعون ببرامجهم البطالة.. ها نحن بعقل علمي نرى أنَّ من العبادة أنْ نفصل بين الدين صائبا صحيحا وبين التأويلات التي تسيّسه في ارتداء لجلباب التعمية والتضليل..
فهل منا من يستقبل رمضان بتلك الأوراق الممجوجة التي أشاعت التقتيل في الناس!؟ أم نستقبله بوحدة الكلمة وبخشوع للحق وتعاليمه وأوامره ونواهيه؟ حيث إعلاء كلمة السلام بإعلاء العقل متنورا وفعله مجتهدا عالما....
سلمتم وإنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى.. لكم صادق النيات ومشرقها
وكل عام وأنتم بالخير ترفلون وبخطاب التسامح والسلم الأهلي تعيشون.
أ.د. تيسير عبدالجبار الآلوسي
رئيس جامعة ابن رشد في هولندا
رئيس البرلمان الثقافي العراقي في المهجر