الوحدة في التنوع درس لعلم الجمال وفلسفته الإنسانية الأغنى
وهو درس في العملين الثقافي والسياسي
أ.د. تيسير عبدالجبار الآلوسي
أهل ليبيا أدرى بشعابها، ولكن لابد من كلمة لصديق لهذا الشعب، كلمة تعاضد أولئك الذين باشروا مسيرة العزة الوطنية، مذ أيام الثورة وحتى يومنا؛ وها هم يصلون الليل بالنهار نضالا وطنيا يوحّد الليبيين ويضعهم حيث هم.. حيث مصاف الشعوب التي نالت الحريات والحقوق، وباتت تعمل يدا بيد من أجل التقدم والتحديث.. الليبيات والليبيون ينتمون لشعب واحد؛ وعزة هذا الشعب في وحدته.. ولكن الوحدة التي تتحدث عنها التجاريب الإنسانية، ليست الأحادية وهي ليست العين عليلة لا ترى إلا بزاوية واحدة بل الوحدة الحقة هي تلك التي تغتني وتتقدم وتعلو وتسمو باعترافها بتنوع أطيافها و مكوناتها. وهي تلك التي تقوم على مبدأ احترام الآخر كونه أمرا أساسا لانطلاقة الديموقراطية. وفلسفة التسامح التي أثبتت نجاحها في جنوب أفريقيا ليست غريبة على شعب يعي طريقه جيدا.. شعب يمتلك ثروته ليس في خزين أرضه من الثروات من ماء وبترول بل أيضا بل أولا وقبل هذا وذاك من عقول بشرية من شعب يمتلك قيمه وثروته الثقافية ومن نخبة القوم من العقول الكبيرة المميزة التي يحق لليبيا أن تفاخر وتتباهىى بهنّ وبهم.. ولعل تلك العقول منتجة ثقافة التنوير قادرة على توجيه ما ينبغي رسمه من دستور وقوانين وقيم تضبط منهج بناء الدولة المدنية الحديثة..
ربما سيطرح موضوع الفديرالية وربما سيتم الحديث عن خصوصية إقليم ومنطقة أو أخرى وربما سيدور الحوار بشأن أي الخيارات أنسب.. ولكن في جميع الأحوال لا ينبغي تقديم الاتهامات بين الليبيين بأن رأي فلان أصله إيطالي أو فرنسي أو أمريكي أو غيري من أي مسمى كان ولكن الأولوية أن نستمع ونصغي لبعضنا بعضا، ثم نتحاور باحترام وصبر وحكمة وهي كلها مما يملكها الليبيون.. فقد انتهت مرحلة من فرض الصراعات الدموية وينبغي ألا يتم السماح لأصابع ذات مصالح غير ليبية بأن تشتت الجمع وأن تنخر في وحدة شعب سار بتاريخ عريق معا وسويا ويدا بيد في طريق البناء..
لتمضي السفينة متهادية بعقول راشدة تمتلكها ليبيا وهي إن كانت بشخصية بتغازية أم طرابلسية فمصبها الوطني واحد.. من حق بنغازي أن تتباهى بأنها عاصمة الثقافة ومن حق كل مدن ليبيا أن تشارك وطنيا هذه المباهاة لأن فوز بنغازي بمكانة الشرف الرفيع بنتاجه لم يأت من فراغ بل من رحم الوجود الوطني تاريخا وحاضرا..
ولا تخشوا الفدرلة سواء تم اختيارها أم مورست فرضا ولكن لتخشوا التناحر والتشتت والاقتتال. أيها السادة إن النظم السياسية مذ أول دولة المدينة في التاريخ البشري لم تأت إلا لخدمة السلم الأهلي والتعايش السلمي وتوفير أجواء البناء..
ثقافتكم أصيلة بنغازية هي ليبية وطرابلسية هي ليبية ساحلية أم صحراوية هي ليبية.. امنحوا لكل فرد امرأة أم رجلا حقوقه الإنسانية تلكم أول أهداف الثورة وامنحوا كل جماعة ووجود ليبي مخصوص الهوية حقه في خصوصيته، وحينها لن تفقدوا وجودكم الوطني بل سيتعزز وجودكم الوطني هوية وثقافة ونتاجا بكل خطابات الليبية والليبي..
أتمنى لكم أن تتمعنوا وتسمعوا لمفكريكم وساسة الحرية واساتذة القانون والفكر النيِّر ليكونوا مراجعكم في زمن العقل والعلم ولأمة اقرأ ألا يكون مرجعها جهلة القوم وهامشيي الوجود بخاصة ممن ارتدى الجلباب والعمامة قبل أن يعبّئ ما تحت العمامة حيث العقل يمتلئ بالمعارف والعلوم وليس بفتاوى التسطيح والتفريغ والاعتداء على الدين قبل تزيف امتلاكه ناصيته.. مراجعكم عقول ثقافية معرفية تخرجت في الجامعات والمدارس وحكماء أتقياء من متدينين متمسكين بدينهم الصحيح يعلون من العقل كما أراد الله في تكريمه بني آدم بعقله.
لي فيكم ثقة أن علماءكم يمتلكون الحكمة وأن شعبكم يمتلك الثقة بعقلائه وأنه سيمضي في التقدم على الرغم من منغصات داخلية أم خراجية..
بالموفقية وسلام لأصدقاء من ليبيا أعرف عمق فكرهم وحكمتهم وسداد منطقهم وهم ليسوا حكرا بمدينة بل من مدينتي النور في ليبيا أي بنغازي وطرابلس ولترصدوا وسائل إعلاء شعاع المدينتين نحو كل مدن ليبيا الحرة الجديدة..