صوت الآخر: مرآة الجبل و راية الإخاء الأممي وتفاعله إيجابا
أ.د. تيسير عبدالجبار الآلوسي
رئيس جامعة ابن رشد في هولندا
رئيس البرلمان الثقافي العراقي في المهجر
سنوات من مشاق العمل، وأعوام من النجاحات المتصلة.. لم تتعثر المسيرة بل بقيت شامخة ترفع راية التعايش الإنساني وتفاعله إيجابا. كما بقيت المرأة التي تجسّد الجبل هوية تغتني بتعدديتها وبتنوع مصادر خطابها. صوت الآخر من عنوانها هي العقل المعرفي الحرّ الذي يدافع عن حق الآخر في الوصول إلى ما تصل إليه ذات الأنا وفلسفته من جمهور؛ لأنّ هوية (الأنا الأول) تمتلك الثقة بصواب وجودها وحقها في الانتشار والوصول إلى أفئدة أوسع جمهور وهي ستغتني أكثر وتتعمد وتقوى بوجود (الأنا الآخر) هناك حيث من يقرأ يمتلك حق النظر في طرفي الحوار والوجود الإنساني والمقارنة لتدقيق الصواب وتبنيه باعتماد الأمر بثقة تامة حيث تمعّنَ في طرفي الإشكالية واختار مطمئنا..
تلكم فلسفة الصوت وثنائيته، وتلكم هي التجربة التي تقوم على تجسيد معانيها عبر اعتماد الآخر ورؤيته النقدية فيها.. بالتأكيد نحن هنا نتحدث عن آخر يبادلنا التفاعل بنائيا إيجابيا وليس بتسطيحات فارغة جوفاء للإشكاليات الإنسانية ووسائل تناولها ومعالجتها.
اليوم نحتفي معا بمناسبة عزيزة، نفخر بعِشرة وإلفة مع سنواتها التي مرت تتهادى ماضية إلى أمام؛ متدرجة بتؤدة وحكمة في صعودها الجبل نحو قمته نحو مجد ستتحدث عنه أجيال تأتي فلا تجد نفسها في فراغ وأوالية بلا تأسيس. إنها "صوت الآخر" المجلة التي تواصل مسيرة قرن ونيّف من أعوام الصحافة الكوردستانية.
وفي كل عام لا يمر الاحتفال بسمفونيات الأفئدة ومعزوفات تصفيق مستحقة حسب بل يستعيد الكتّاب مراجعات غنية للتجربة بمقارنات مع تجاريب صحافية محلية وعالمية بغية النفوذ من بوابات مشرعة لمن يخطط ويدرس ويتعمق فقط .. وليس فيه من منفذ لمتكاسل بلا قراءة لهفوات واستشراف جديد الغد الأفضل...
إنّ الجديد المؤمل يكمن في أن يتحول استكتاب العقول والخبرات إلى مؤتمر نوعي تجتمع حوله إدارة التحرير ولربما استثمرت الاتصالات الأنترنيتية لجلسات حوار مفتوح تعالج خطة عام آخر من المسيرة الصحافية العامرة بالعطاء.. ولعل من بين الأمور ما ينبغي استطلاع الرأي في استبيانات مدروسة يتم فيها الاستفادة من المتخصصين ومن أقسسام الصحافة في الجامعات في مراسلات مباشرة ينتظر أنْ تنطلق اليوم ليجري تعبئتها والإجابة عنها من الجهات المتخصصة وذات التجربة والمعرفة الدقيقة...
ولربما كان من بين وسائل التقدم، فتح صفحة تفاعلية بموقع المجلة؛ تتلقى الملاحظات المخصوصة بكل مفردة من أبواب ثابتة ومن كتابات ودراسات وملفات. كما يمكنها أنْ تتلقى التفاعلات بالمعالجات والمضامين على أن يجري نشر الإحصاءات الرقمية بشأن الدخول العام لموقع المجلة ولكل كاتب ولكل باب ونافذة وصفحة أسبوعيا وشهريا وفصليا وسنويا... ولربما أتاح النشر بصيغة الـ PDF للمجلة بأكملها ولكل صفحة بعينها مع صيغة النشر الحالية فرصا إضافية بخصوص ظهور تلك الإحصاءات والمتابعات. وهي بالتأكيد فرصة لاستقراء الأمور بدقة وموضوعية أوفى وأغنى...
أما الملفات فلقد سبق أن تمت الإشارة إلى ضرورة التخطيط السنوي الدوري لملفات فصلية أربعة يمكن أن ترفق بالمجلة بإصدارات مستقلة مجانية.. مع فسحة لملفات أخرى تستجيب للأحداث الضرورية المستعجلة التي تفرضها الأحداث والوقائع الآنية.
لربما كان ملفا الربيع والصيف متخصصين بالسياحة وملف الخريف متخصصا بالاقتصاد وملف الشتاء متخصصا بالآداب والفنون والثقافة. ويمكن الحديث في تلكم الملفات عن تحقيقات ميدانية وأخرى بلقاءات وحوارات واستعراض رؤى للآخر مع تفاصيل أخرى تدرسها هيأة التحرير باستطلاعات رأي نخبوية وجماهيرية..
من جهة ستغتني الأبواب الثابتة للمجلة عندما تتجه إلى المنظمات الثقافية كاتحادات الأدباء والكتّاب والفنانين لتلقي الضوء على ندواتهم وموضوعاتها من جهة؛ ولتستكتب المتداخلين بصيغة نصوص يكتبونها فيما تناولته الندوات.. ويمكن للمجلة أن تعقد ندوة فكرية أو أكثر سنويا في إشكالية مثل الثقافة وخطاب التعايش السلمي والفديرالية وقضايا الحريات وحقوق الإنسان وتقرير المصير...
ولعل حالات الانفتاح الأوسع مؤملة في خطط العمل كما في الانفتاح على الجاليات في المهجر سواء من جهة وصول المجلة وتوزيعها أم بشأن تغطية الحدث الثقافي الاجتماعي بتنوعاته ويبقى من الأهمية بمكان أنْ تسعى المجلة لأنْ تكون جسرا آخر بين أجنحة الوطن والمهجر وبين ضفتي القراء على مدى انتشار قراء النص الذي يوظف العربية أداة أخرى لصوته...
أما الندوات المحلية التي يمكن الإشارة إليها فلربما باشرتها "صوت الآخر" في أروقة الثقافة وبمقرها على أن تخطط لنقلها عبر شبكة الإنترنت توسيعا لجمهور المشاركة وبما يكفل أبعد مشاركة فاعلة بين الأصوات المعنية بمادة هذه الندوة أو تلك.. نشير هنا إلى أنّ مقر الندوات يمكنه أن يكون في أقسام الصحافة وكليات الإعلام بمختلف الجامعات، تعزيزا للاتصال بين الصحافيين العاملين وبين جهات الدرس التخصصي أكاديميا علميا، أما ورش التطوير والعمل المهني فهي مسؤولية جدية منتظرة لتطبيع العلائق الإيجابية بين مؤسسة العمل والقسم العلمي المتخصص بالجامعة؛ وسيعمل قسم الصحافة بجامعة ابن رشد على ترتيب ندوة مخصوصة في سقف هذا العام ويقترح إقامة دورة تطوير الأداء وتحديثه...
إنّ تجربة مجلة "صوت الآخر" بوصفها مجلة كوردستانية ناطقة بالعربية تظل تجربة مهمة وجسرا إنسانيا حيويا يجب إدامته بل ينبغي أن يشهد اغتناء بصدور دوريات أخرى تستفيد من وجود هذا الصوت وتجربته؛ إذ من المفيد إشادة تلك الجسور تعريفا بالقضايا المشتركة وبمستقبل العلاقات بين شعوب المنطقة، وطبعا يبقى تجسيد الفهم الفلسفي متمثلا بتعددية الأصوات التي تشترك بتحرير المجلة بخاصة في تركيزها على العلاقات الكوردية العربية من جهة وعلى محو كل الآثار الكارثية السلبية لجرائم وصراعات افتعلتها قوى الشوفينية والتعصب..
وبودي هنا إعادة التوكيد على أنه سيكون جد مفيد أمر تعزيز حجم المجلة كتوسيع الأبواب والتعريف بالفنون والآداب الكوردية وتاريخيها القديم والمعاصر.. وأن تنصب حوارات بعينها على توثيق تاريخ الكورد والخلفية الثقافية الأدبية الفنية تحقيقا لمستهدفات مدروسة من بوابات التوثيق و البحث النقدي المباشر ومن بوابات الحوار الأوسع مع الآخر في إطاري التعريف والتفاعل..
وسيكون استقطاب رؤى ومعالجات خارج عراقية تسجيلا لفتوح صحفية مؤملة عندما تلج الصوت الآخر، السوق العربي الأوسع وكم هي حاجة هذا الميدان لتعزيز رسائل الصحافة الكوردستانية الموشحة بتوكيد القامة الشامخة في احترام التعددية وفي التفاعل الثابت مع الآخر من منطلق الثقة بالنفس ومنطلق صدقية التعايش والتحالف الإنساني مع المحيط بكل ألوانه وأطيافه.. ولعله مهم وضروري الاستفادة من قدرات الاتصال لأصدقاء الشعب الكوردي بمختلف توجهاتهم ومنظماتهم...
ومن الشؤون التي سبق ظهورها وتمّ اقتراحها، ضرورة وجود أبواب مفتوحة لأسطر يكتبها القراء في قضية أو إشكالية أو حدث، وسيلة لجذب التنوع في "صوت الآخر" وبحثا عن هذا الآخر وصوته وعملا على وضعه في ميدانه المؤمل؛ الأمر الذي سيكون مساهمة جدية في تعزيز آليات الديموقراطية بمنطق التقريب بين الرؤى والأفكار وفي تطمين الحوارات النقدية الصحية الصحيحة.. وقد يكون المشرف الصحفي في المجلة ملاحظا ومشيرا إلى ما يلمع من آراء مهمة ومعالجات متميزة. أو ربما التصويب والتفاعل إجابة أمرا منتظرا..
وفي ختام هذه المعالجة الموجزة أجد ذكرى التأسيس وانطلاقة المجلة فرصة لتحية إدارة تحريرها التي تعبر عن العمل الذي يتعمد بسمة الجهد المؤسسي الجمعي لا الفردي، والذي يتسم بشجاعة رئاسة التحرير وإدارتها في استيعاب الرأي الآخر ونقده الموضوعي البناء، وهي فرصة لتحية لمعاني التجديد والتحديث سواء في رايات هيأة التحرير حيث سلم العزيز الأستاذ ماجد الدباغ راية الأداء للعزيز الأستاذ سعيد الخطاط وهو ليس غريبا على المجلة حيث كان انطلق بها ومعها في بواكير الجهد. وها هي اللمسات الطيبة تتبدى متجسدة في جديد المجلة إخراجا فنيا وبنية ومضامين...
أسجل هنا تقديري لجهود الأيادي المتحدة المتعاضدة وتمنياتي لمجلة "صوت الآخر" بدوام التقدم وتوسع الجمهور وارتقاء عطائها لميادين جديدة في عام جديد آخر وأزجي هنا أطيب التهاني بذكرى الصدور الأول. وأمنيات متجددة بالخير وبأن يكون للمجلة احتفالية سنوية تجمع كتابها بجمهور "صوت الآخر" بوصفهم ممثلي جسور الاتصال الراسخ ومنافذ الحوار بين أطياف التعبير والكلمة، ولتكن تلكم الاحتفالية مناسبة مجيدة للفرح والمسرة ولأعياد تجذب الإنسان حيث الامتلاء وجماليات الثقافة الإنسانية الحية وهذا الصوت الكوردستاني النبيل جدير بهكذا فعاليات كبيرة مميزة..
واسمحوا لي بعد هذا، أنْ أجدد تمسكي بمسيرة الكلمة الطيبة الحرة مع مجلة أعتز بمواصلة المسيرة فيها ومعها لأنها الترنيمة الكوردستانية الملأى بالجمال، الغنية بالفكر والثقافة. وإنّي لأتمنى أن يكون احتفال المجلة تقليدا دوريا لكرنفال عربي كوردي مشترك بمؤتمر سنوي يناقش في كل عام محور وإشكالية للعلاقات الكوردية العربية. فتسمو الأهداف النبيلة للمجلة وتعلو رايات رسالتها بوساطة صوت الآخر أداة للتفاعل وجسرا للتواصل. عيدا مجيدا لكم أيها الصوت الكوردستاني النبيل وكل عام وأنتم بنجاحات متجددة...