في اليوم العالمي للغة الأم
مطالب بتفعيل مشروع أممي يعالج الأمية باللغات الأم؟
وأخرى بتشريعات حماية اللغات ورعاية التعددية والتنوع فيها
رئيس البرلمان الثقافي العراقي في المهجر
chancellor@averroesuniversisty.org
تحيا المجتمعات البشرية، أمما وشعوبا، في حال من التداخل ويتضح هذا بشكل ملموس بحالين بارزتين: الأولى بمجتمعات التعددية القومية حيث المجوعات القومية الأثنية الأصيلة التي في الغالب تسمى الأقلية نسبة لحجمها الكمي وربما لدواعي أخرى ليست إيجابية، ولكن ما نريد معالجته هنا هو وجود التعددية في اللسان تأسيسا على التعددية اللغوية لاحتفاظ تلك المجموعات البشرية بلغاتها الأم. والحال الثانية الأبرز لوجود ظاهرة اللغة الأم تتجسد بوجود الجاليات المهاجرة في كنف مجتمعات مضيِّفة تتخاطب بلغة موحدة للمجتمع المضيِّف ولكن تلك الجاليات تبقى محتفظة باستعمالها لغتها الأم في أكثر من مجال ومستوى..
وهنا تبرز إشكالات عديدة بخصوص اللغة الأم. بعضها يعود لهموم سلبية كالمصادرة والاستلاب حيث تمارس الدكتاتوريات إجراءات قمعية وتشيع فلسفة شوفينية تدعم ممارستها حال مصادرة الآخر حقه في استخدام لغته الأم. وفي بلدان الديموقراطيات تطفو مشكلات من نمط الحاجة لأولوية تعلّم اللغة الجديدة للبلاد المستضيفة فيما تجابه مسألة تعليم اللغة الأم وممارستها ظروفا معقدة ربما ليس من بينها سياسة قمعية أو استئصالية ولكن أمورا من نمط تباعد أماكن السكن وتفرق أبناء الجالية بين مدن عديدة لا تجمعها مواصلات سهلة أو رخيصة الثمن فضلا عن محددات مادية [كعدم استخدام التكنولوجيا الحديثة] ومعنوية [كالأحوال النفسية والاجتماعية من احباطات وقيم أو تقاليد ماضوية] وطبيعة القوانين والمنظمات الداعمة وظروفهما، كل ذلك يقف عقبة بوجه اللغة الأم..
إنّ بحثنا في موضوع اللغة الأم لا يعود لقرار رسمي متخذ في منظمة دولية أو في اتفاق لمجموعة من البلدان ولا حتى لكونه من بين مفردات القوانين واللوائح الحقوقية المسجلة نظريا؛ ولكنه يعود لتعاظم أهمية استخدام اللغة الأم من جهات عديدة، منها على سبيل المثال لا الحصر: أن يكون استخدام اللغة الأم فرصة لتعزيز تعلم اللغات الأخرى ومحو الأمية بالأولى هو ما يساعد على محوها في اللغات الأخرى ومن ثمّ في التنمية البشرية المكينة. كما أن مخاطبة شخص بلغته الأم تسهل عليه التفاعل الأنضج بأرضية متينة تستند إلى هوية لغته وأسلوبها التعبيري ومن ثمّ تحسن الخطاب وقدرات الاتصال مع الآخر والأقتراب منه سلوكيا شعوريا...
ومن هنا ولأسباب ودواعي أخرى كان الاحتفال باليوم العالمي للغة الأم فرصة للتذكير بأهمية العمل من أجل إنضاج القوانين الراعية والإجراءات العملية المساعدة في الوصول إلى أفضل استخدام وأكثره نفعا للغة الأم. إن الاحتفاء بالقرار (30 C/DR.35) المتخذ في المؤتمر العام لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكوUNESCO) في شهر تشرين الثاني نوفمبر 1999 يشكل خطوة مهمة في مسيرة الأمم. وفي أيار مايو 2007، دعت المنظمة الدولية UN بقرارها A/RES/61/266 ، الدول والمنظمات للــ ’’تشجيع على المحافظة على جميع اللغات التي تستخدمها شعوب العالم وحمايتها‘‘. ثم أعلنت، في القرار ذاته، عام 2008 بوصفه عاما دوليا للغات من أجل إعلاء مفهوم الوحدة في التنوع وتعزيز وسائل التفاهم الأممي عبر تعدد اللغات التي تعكس التعدد الثقافي وتعدد الهويات مع وحدتها إنسانيا. وهكذا فقد بات يُحتفل بيوم 21 فبراير شباط من كل عام بوصفه يوما أمميا دوليا للغة الأم منذ شباط/فبراير 2000 تعزيزا للتنوع والتعدد اللغوي والثقافي.
إن اللغة الأم هي الأداة الأمتن لحفظ موروثنا ولتناقله جيلا بعد جيل، وهي وسيلة مهمة لضمان التعليم الأفضل للجميع ولتسهيل قدرات الاستيعاب.. وفي ضوء ذلك فإن العناية بها، لن تساعد على تعزيز نشر اللغة الأم ذاتها فحسب وإنما ستساعد أيضا على محو التمييز مع إقامة حوار جدي مفيد يشيع فلسفة احترام التنوع والتعدد اللغوي وما يستتبعهما من غنى ثقافة التعددية، وهو ما يكون سببا في إنضاج وعي أمثل يالتقاليد اللغوية والثقافية لشعوب العالم الأمر الذي سيدعم فلسفة الوحدة الإنسانية والتضامن بين الشعوب والأمم المبني على أفضل صيغ التفاهم والحوار...
يقول نيلسون مانديلا: "إن التحدث مع شخص بلغة يفهمها أمر يلامس عقله، أما التحدث معه بلغته الأم، فإنه أمر يلامس قلبه"وعليه فإنّ تعليم الناس بلغتهم الأم ثم بعد ذلك باللغات الأخرى سواء كانت لغات وطنية أو غيرها، سيكون أساسا متينا لإبراز مبدأ المساواة وإشاعة ثقافة التعايش الإنساني السلمي وخطاب التسامح والعدل وبدوره هذا سيكون سببا للدمج الاجتماعي على أسس إيجابية رصينة.
ولقد أقرت اليونسكو على وفق كلمة مديرتها السيدة إيرينا بوكوفا [Website: www.unesco.org/new/en/unesco/about-us/who-we-are/director-general/] بأنّ استخدام تكنولوجيا التعليم الأحدث بوساطة (التعليم عن بُعد باستخدام الإنترنت) على سبيل المثال سيكون عاملاً محفزاً للتعليم الجامع إذا ما رافقه اهتمام حقيقي بالتعددية اللغوية. ونحن نشير هنا إلى محاولات جدية لتوثيق تراثنا الإنساني الذي يوجد حوالي نصفه باللغات المحكية المرشحة للانقراض إذا ما استمر إهمال ما يقارب الـ 3000 لغة وهو ما يمثل نصف لغات العالم تقريبا.
إنّ التنوع الثقافي بعدد لغات العالم يجسد أهمية كأهمية تنوعنا البيولوجي الذي ينبغي أن نحميه خدمة للتوازن الطبيعي وحماية لوجودنا الإنساني والإحيائي بعامة، على أن نلتفت إلى أهمية إدارة النظم الإيكولوجية ومعطيات التوازن التي من بينها ثقافتنا وامتدادها اللغوي في الصحة النفسية والصحة العامة لأبناء مجموعة لغوية أو أخرى بالإشارة إلى التوازن الأيكولوجي المشار إليه...
ومن الطبيعي أن نؤكد على أنّ حيوية لغة ما وقدرتها على البقاء والإنتاج يعتمد على مجموع الناطقين بها ومستخدميها وإجراءاتهم لحمايتها. وقد وعدت منظمة اليونسكو بدعم هؤلاء ومحاولة رعاية خططهم عند وضع السياسات التنموية ورسم السياسات التعليمية.
على أننا لا ننتظر تطبيقات ما ربما تكون هزيلة أو رمزية غير كافية بل نعتمد ايضا على مبادراتنا الفردية والجمعية وعلى قوة تاثير تلك المبادرات لجذب قوى فاعلة لصالحها.. ونحن نضرب مثلا في مشروع محو الأميتين الأبجدية والثقافية في أوساط بنات جالياتنا وأبنائها في المهجر سواء ما خص اللغة العربية أم لغات المجموعات القومية الأخرى كالكوردية والسريانية والأمازيغية، متطلعين إلى تفاعل جدي ملموس ودعم مادي يرتقي بالمشروع لمستوياته المنتظرة حيث مئات ألوف المقيمين هنا في المهاجر بلا وسائل مناسبة لتعليمهم لغاتهم الأم..
إننا ندعو بهذه المناسبة جميع الجهات المعنية للتفاعل مع مشروع ابن رشد لمحو الأميتين الذي بادرت به جامعة ابن رشد في هولندا والمعهد الأوروبي لدراسات العربية التابع للجامعة.. بأمل تفعيله وتنشيطه ومنحه الحيوية الوافية لمهامه وتطلعاته.. ويمكن الاطلاع على تفاصيل هذا المشروع الذي يعنى باللغات الأم في المهجر الأوروبي والذي يحدد جهات الدعم بالدول المستضيفة والاتحاد الأوروبي وبالمراكز الثقافية ووزارات التعليم والجهات المجامع المعنية باللغة في بلدان المنطقة من عربية وكوردية وسريانية وأمازيغية وغيرها...
بمناسبة اليوم العالمي للغة الأم، وللاطلاع على مشروع ابن رشد لمحو الأميتين اللغوية والثقافية يرجى التفضل بدخول هذا الرابط:
http://www.somerian-slates.com/p587edu.htm