أشكال التضامن المنتظر مع الحراك الشعبي في المنطقة؟
أنشطة كوردستانية تضامنية مشرقة
باحث أكاديمي في العلوم السياسية
رئيس البرلمان الثقافي العراقي في المهجر
تتصاعد، في عدد من دول المنطقة، ما تمت تسميته بربيع الشعوب؛ وفي إطارها تتضخم أعداد الضحايا بطريقة جنونية. فالنظم السياسية القمعية لم تكتفِ بالامتعاض من هذا الحراك الشعبي ووصمه بالعمالة والتآمر والعمل على محاصرته، بل دفعت بكل قواها القمعية وآلتها الهمجية بدموية أفعالها لمصادرة حقوق الإنسان وطمس هوية المجتمعات الثائرة بسعة وجودها القومي والديني والاجتماعي و تنوعه..
وبالتوقف عند مجريات الثورة في سوريا الأكثر التهابا اليوم، سنجد ذات المشهد يتكرر ببشاعة وجه النظام حيث عدم اكتفائه بقواه البوليسية القمعية بل بزجه لقوى الجيش وأسلحته الثقيلة في معركته مع المدنيين العزّل، وهو الأمر الذي تجلى في معارك حمص الأخيرة.. لكن المرء لا يَعدَم، بعد اهتزاز ثقة النظام بقواه التي سخرها لخدمته، أن يرى استجلاب قوى البلطجة من الشبيحة من مجرمي السجون القتلة ومن عناصر ميليشياوية مدربة على معارك الشوارع والقمع من دول إقليمية معروفة...
والنظام ما عاد يوفر في حربه الهوجاء مدينة أو قوة أو فئة في سوريا فالجميع محتجزون عبيدا يُشيع التقتيل العشوائي فيهم.. ولقد غادر النظام مرحلة الاستثناءات والمناورة العبثية باستصداره قرارات شوهاء في بداية الانتفاضة الشعبية حاول فيها ذرّ الرماد في العيون واللعب على حبال الانقسام الشعبي.. فالكورد بوصفهم القومية الرئيسة الأخرى لمكونات الشعب في سوريا لم يُمنحوا الجنسية أو الهوية الوطنية على الرغم من قرارات المناورة سيئة الصيت تلك... وليس من أحد من مكونات الشعب قد حظي بحقوقه سوى حصته من الدم وأعمال الثأر الوحشية التي تجابه مطحنة الآلة الجهنمية العمياء!
ولكن إذا كان للنظام قوى إقليمية تسنده، من ميليشيات حزب معروف بسلاحه التهديدي للأمن الوطني اللبناني وللاستقرار والسلام في المنطقة ومن قوات إيرانية فضلا عن تسريبات وأشكال لوجستية مرّت وتمر عبر الحدود، فــ مَن للشعب في سوريا؟ ومن للمسيحيين بأطيافهم؟ ومن للكورد بقواهم التحررية؟
إنَّ أداء شعبيا ورسميا فعليا ميدانيا ينتظر ظهور رده، إجابة عن تلكم التساؤلات الإنسانية الحقوقية المشروعة. ذلك أنّنا لا نتفرج على أفلام وهمية من خيال مرضي، تُعرض على شاشات التلفزة بل نحن نحيا يوميا صباح مساء أعمال التنكيل من استباحة كرامة ومن اغتصابات ومن أفعال مشينة بحق السوريات والسوريين، كما أنَّنا نعيش القصف اليومي العشوائي للمدنيين العزّل إلى جانب استمرار العبث بمقدرات الأطياف السورية باللعب على محاولات ضربها بعضها ببعض..
إنّ من أولى أشكال الرد هي تلك المهام التضامنية اليوم التي يُنتظر أنْ تتأتى من حركات جماهيرية واسعة في بلدان الجوار؛ تعلن الصوت عاليا تعاضدا مع نضالات الشعب بسوريا.. وتفرض موقفا رسميا يتناسب وجهود وقف عاجل وفوري لجرائم حرب ومحارق المدن.. وكوردستانيا ينبغي أن تعلو أصوات أكثر وضوحا وفاعلية في التفاعل مع الثورة السورية بعامة ومع القضية الكوردية بسوريا كونها واحدة من أبرز القضايا الإنسانية الحقوقية التي تنتظر الحل الحاسم وكونها قضية حق تقرير مصير ومطلب اعتراف بهوية الكورد القومية من جهة وبحقهم في الوجود الوطني وحمل الوثائق الرسمية التي تحفظها لهم كل الشرائع والقوانين الإنسانية الأممية والمحلية..
إن تطوير المؤتمرات التي تنعقد بمستوياتها الشعبية والرسمية واحتضان تلك المؤتمرات الكوردية ورعايتها بكوردستان العراق سيبقى علامة إيجابية مهمة للتسريع بحقن دماء الأبرياء من جهة ولتعزيز مسيرة الثقة بين شعوب المنطقة والتأسيس لمستقبل يقوم على وحدة المصير وتوكيد وحدة حركة التحرر الكوردية من جهة ووحدة حركة التحرر الوطني الديموقراطية لمجموع الأطياف في دول المنطقة..
بخاصة هنا أن النظام يخطط لحربه البشعة في وجوده بسدة الحكم وهو يخطط كذلك لمواصلة التخريب في مراحل لاحقة تلعب على أوراق التمزيق وإثارة الاقتتال وانعدام الثقة بين أطراف وأطياف العمل العام في البلاد. كما تتحين الفرص قوى ظلامية نبتت في أدغال نظام الاستبداد والتطرف الأمر الذي يدعو لاستعدادات القوى الوطنية الديموقراطية بتحالفات متينة واستراتيجية منذ اللحظة..
إن التوكيد الكوردستاني لأنشطة التضامن ستؤكد هنا أيضا حقيقة الحريات والحقوق التي حظي بها الكورد في إقليم كوردستان العراق وتعلن أنه مكسب فعلي لا صورة شوهاء على ورق، وسيكون التلكؤ في الأعمال التضامنية إشارة لمثالب عديدة لن تكون نتيجتها إيجابية على مستقبل حركة التحرر. وفي ضوء هذه الحقيقة الساطعة تجري مسيرة واضحة من العمل بكل المستويات والصُعُد لدعم جدي مسؤول لنضالات الكورد في سوريا ولدعم وحدة راسخة لوحدة القوى الديموقراطية الممثلة لأطياف المجتمع السوري...
أما المنتظر للخطوة التالية فسيكون في إطار وحدة الصوت الكوردستاني في العراق في حركة الدعم والتفاعل لأخوتهم في القومية وفي الإنسانية والمصير بسوريا. وتعزيز خطاب إعلامي صريح وقوي يقف إلى جانب انتفاضة شعبية سلمية مستحقة المطالب، والتعريف بالقضية الكوردية وبالهوية القومية وبسقف المطالب في إطار سوريا ديموقراطيية ونظام مدني جديد فيها يلبي مطالب الشعب ويستجيب لحاجاته المادية والروحية والحقوق الإنسانية بكل مستوياتها الفردية والجمعية ومنها الاستجابة الصريحة دستوريا وتطبيقيا عمليا لحقوق المجموعات القومية والدينية في الإنصاف والعدل والتعايش السلمي على أساس من الإخاء والمساواة.
إنّ هذه السياسية الإيجابية الفاعلة تستند إلى قوة الوجود المؤسساتي المدني بكوردستان العراق وإلى صواب اتجاه العمل الرسمي ومستهدفاته العامة بخاصة بشأن العلاقات الكوردية الكوردية والكوردية العربية حيث المزيد من ترشيخها وتمتينها لمصلحة جميع الأطياف المتآخية.. على أننا هنا ندعو لاتساع مساحة تلك الأنشطة لترتقي إلى مستوى المهام المؤملة فيها في ظرف يحيا فيه أخوتنا بسوريا بحمام الدم اليومي الأمر الذي يستدعي تطويرا نوعيا لأشكال التضامن محليا وإقليميا ودوليا...
إن الدعوة لمؤتمر قومي كوردي ولمؤتمرات المجموعات القومية والدينية المضطهدة في المنطقة الشرق الأوسط ودولها ولمؤتمرات تضامنية شعبية ورسمية عاجلة تبقى من أولى مهام التضامن وتفعيله ليحقق نتائجه بإنقاذ أرواح الأبرياء.. وتلكم مهمة ممكنة في كوردستان التي تحيا أنسام الحرية وباتجاه الأوضاع العامة فيها إلى حيث النظام المدني الديموقراطي وترسخه وارتقائه في التمسك بقيم الحرية والتقدم والتنوير وإزاحة بقايا محاولات قوى ظلامية ماضوية...
ولابد من كلمة تأكيد أن حياة إنسان وحياة أمة وحياة شعب لا تنتظر الاختلافات المؤدلجة والضقايا الحقوقية لا تنتظر التسييس ولا مجاملات دبلومساية أو خضوعا لمحددات متكلسة تنظر للشكلي وتدير الحوارات ومطاطيتها ومناوراتها على حساب حيوات الناس، حيث في كل لحظة تزهق أرواح بريئة ولم يعد الوضع يحتمل الانتظار.. فإلى مزيد من العمل الإنساني الحقوقي التضامني حتى تغيير الأوضاع واستقرارها لمسيرة نوعية جديدة في سوريا السلام والديموقراطية...