الدوريات العلمية المحكَّمة، المفهوم والمهمة
مجلة ابن رشد العلمية المحكَّمة نموذجا
باحث أكاديمي
رئيس جامعة ابن رشد في هولندا
يُعدّ ظهور مجلة علمية محكَّمة، إضافة نوعية مهمة بمستويي البحث نظريا وعمليا ميدانيا.. ومن الطبيعي أنْ يَتضمن مفهوم "مجلة علمية محكَّمة" مهمة احتضان البحوث الأكاديمية التي تتسم بالرصانة والموضوعية وبالروح العلمي والجوهر المتمسك بالمنطق العقلي. فالبحث العلمي المحكّم لا يخرج من يد باحث مبدع، بفكره العلمي وتجربته التخصصية، لوحده بل تؤازره هنا في هذا الجهد المعرفي مؤسسة من العلماء والأساتذة والباحثين والإدرايين؛ يُجرون التقويم والتعديل والمراجعة والتبني لكي يظهر البحث بأكثر النتائج رصانة وفائدة ويقدّم لجمهوره المقصود بوساطة تلك الدورية العلمية وأدوات توصيلها..
ويجد مَن يستقرئ هذه الإشكالية الأكاديمية، من الجهة الأخرى عناية بتحفيز التفكير الموضوعي علميا، لمعالجة القضايا والأسئلة التي تجابه العقل البشري سواء في بلد بعينه أم إنسانيا عالميا.. وبهذا يتم تبني اختيار العلم والعقل العلمي حيث حلولهما وإجاباتهما وفي ضوء ذلك يرتقي التكنوقراط مراكب العمل والممارسة بوصفهم محفلا علميا دقيقا لتلك المعالجات، رافضين بفعلهم النوعي هذا أشكال السلبية والتبطل والعطالة التي يراد لهم أن يخضعوا لها في مفردة من مفردات وأساليب عملية تصفية العقل العلمي وفي أدنى الأمور محاصرتهم في إطار عملية تقليدية من الإلقاء الملائي الساذج لمحاضرات مكرورة بلا أداء بحثي متجدد، وهذا شكل آخر لتعطيل الطاقات العلمية وتفريغها من جوهرها ومهامها الحقة..
أما هنا حيث تتبنى جامعة ومراكزها البحثية هذه الرؤية وتلكم الممارسة، نقصد إصدار "مجلة علمية محكَّمة"، فلا أظن بعد ذلك أن حيِّز المتصيدين في الماء العكر سيبقى بذات الاتساع من قدرات التخريب والتضليل والتشويه للجامعة وفعلها ولا لتعطيلها عن أدوارها في الاتحاد مع مسار الفعل الإنتاجي للمجتمع برمته وللدولة بمؤسساتها كافة.. بالإشارة هنا إلى ما تصادفه اليوم كثير من جامعاتنا سواء ذات نظام التعليم التقليدي أم نظام التعليم الأحدث [الألكتروني] من حرب (ظلامية) من (بعض الأطراف) بغية تفريغها واحتواء جهودها العلمية بمسلسل الفساد والاختراق والتدخل الفوقي غير العلمي وبأمور عديدة أخرى لسنا بصددها هنا...
وسيفشل أولئك الشغوفون بتصيّد الثغرات وسلبيات البدايات والمسيرة من محاربي جهود المتخصصين من العلماء والأساتذة؛ بينما سنجد، في ذات الوقت، المتسائلين بصدق والعاملين في الإدارات التعليمية [وزارات تعليم، مجالس تعليم، وغيرهما] متفاعلين بجدية مع هذه الوقائع للاستفادة منها من جهة ولشرعنة وجودها وضمّها فعليا في الحياة الأكاديمية ونظمها التعليمية والبحثية الدراسية المتخصصة...
إنّ حدث ولادة وسيلة إعلامية من فضائية أو صحيفة أومجلة أو غيرها أمر له كبير المعنى فما بالكم والحدث يشير لولادة "دورية علمية محكَّمة"؛ إن ذلك يلفت النظر والانتباه باتجاه هذا الحدث المهم بحجمه النوعي كونه يمثل عملا مؤسساتيا كبيرا يجمع نخبة من العقول العلمية ويتخذ منهجا نموذجيا يلخص آخر الخبرات المعرفية بشريا وفي أرقى مؤسسات البحث العلمي الأكاديمي الأمر الذي سيدعم فعل إطلاق مسيرة بحثية علمية والاتساع بمؤسسات التعليم العالي وجهودها بشتى المستويات والتخصصات، بخاصة منها هنا الجامعات التي اتخذت نظم التعليم الأحدث عالميا [التعليم الألكتروني] وجهود البحث العلمي فيها نموذجا..
فتقويم تسلسل جامعة ما بين نظيراتها عالميا أو محليا يبقى متأسِّسا على الجهود البحثية لأساتذتها وعلى رعايتها الأعمال البحثية.. وبرصد تجربة جامعة ابن رشد في هولندا وهي تجربة فتية سنجد تركيزا موضوعيا غنيا على دفع منتسبيها من الأساتذة والعلماء باتجاه العمل البحثي وعلى ربط البحوث بالواقع العام لبلد الباحث تمكينا من أفضل إفادة واستفادة بالخصوص...
إنّ هذه القراءة السريعة، تود القول: إنَّ تجربة "دورية ابن رشد العلمية المحكَّمة" بمدتها الوجيزة باتت قيمة نوعية جذبت أوسع الاهتمام من العلماء والباحثين ومراكز البحث.. وهي لا تنوي التوقف عند تشجيع الزميلات والزملاء في جامعة ابن رشد على مواصلة البحث حسب بل تؤكد أنَّها ستضع برامج بحثية بمختلف التخصصات بما يخدم مسيرة التقدم والتحديث في خططها المستقبلية متطلعة في جهودها إلى تعاون المؤسسات الجامعية ومراكز البحوث والشركات وقطاعات المجتمع والدولة...
ولربما كانت ورشات العمل المعرفية والمؤتمرات العلمية، طبعا برعاية مباشرة من الجامعة الأم، جامعة ابن رشد، فرصة من فرص مناقشة بحثية لقضايا الساعة وأسئلتها المشتعلة بمجابهة الوعي والنخبة في مجتمعات التغيير..
إنَّ "مجلة ابن رشد العلمية المحكَّمة" التي نظرت بروح إحيائي لعوامل النهضة وبقيم اعتبارية جليلة للعلماء والفلاسفة التنويريين، كما في اختيار اسم علم في الفكر الفلسفي الإنساني (ابن رشد) وكما في تبني المرور على اسم العالم الجليل عبدالجبار عبدالله ورمزيته وكما في خيار العالم الجليل إبراهيم كبة ومن سيأتي في قائمة متصلة مستمرة؛ لا تنظر إلى وراء ولا تكتفي بالاتكاء على وسائد التراث وإحياء مجده ومنهجه المنتج الرصين حسب بل تمتاح من الروح النهضوي ما تستشرف به أيضا مستقبلا مضيئا عبر علمائها وباحثيها الجدد نساء ورجالا.. وهي أي "مجلة ابن رشد العلمية المحكَّمة" تضع أيضا في برامجها لا الملفات الأولية التي تحتل جانبا من مساحة جهودها بل تتجه لأعداد خاصة في قطاعات بحثية معرفية وحياتية مهمة.. تُخْرِج النظري من صومعة المكتبية وتضعه في ميادين العمل والإنتاج وخدمة مسيرتهما..
وهنا نرصد دراسات ستصدر بمؤلفات مستقلة تتبع مؤسسة ابن رشد جامعةََ ودورية علمية؛ الأمر الذي دعونا وندعو أساتذتنا للاشتراك فيه، والمساهمة الفعلية الناشطة بتلك الأعمال البحثية المستندة للإحصاءات والقراءات الرياضية الدقيقة في مجتمعاتنا.. وسيكون الأمر أروع بمساهمة مؤسسات وجامعات أخرى بالتعاون مع ابن رشد في هذي المشاريع الكبيرة، وهنا دعوة مفتوحة للجميع من أجل التعاون في تلك المشروعات..
ويمكن للمؤسسات العامة والخاصة أن تتقدم بطلبها مباشرة لإدارة جامعة ابن رشد وهيأة تحرير الدورية العلمية والمراكز البحثية، طلبا للتعاون ولمعالجة إشكاليات في المجالات الإدارية والمالية المحاسبية وفي الاقتصاد والإشكالات الاجتماعية والنفسية والتربوية وفي مجالات قانونية وبنيوية تخص الهيكلة والتحديث وفي العلوم النظرية والتطبيقية المختلفة على وفق برامج العمل المتاحة عند إدارة ابن رشد... ويمكننا الحديث بهذه المناسبة عن مشروعات دراسة مجتمعية في كوردستان العراق وأخرى في المناطق الغربية والجنوبية منه وعن دراسات في الديموقراطية والمؤسسات الدولتية ومؤسسات المجتمع المدني الجديدة في عدد من البلدان مثل تونس ومصر وعن دراسات في شؤون المرأة ونتاجاتها الأدبية وغيرها وأدوارها كما في الجزائر وسوريا وليبيا، وعن موضوعات بحثية قانونية وإدارية في هذه البلدان...
وبهذه المناسبة هنا، لا يسع المرء إلا أن يحيِّي أعضاء هيأة تحرير "مجلة ابن رشد العلمية المحكَّمة" والهيأة الاستشارية فيها التي ضمت أساتذة بمختلف التخصصات العلمية؛ ينتشرون في مختلف الجامعات بدول العالم من تخوم وسط آسيا حتى غرب أوروبا والأمريكتين مرورا بدول الشرق الأوسط... وجامعة ابن رشد في هولندا بهذا الجهد تستحق لا الثناء وحده بل التفاعل إيجابا من نخبة العلم والجهود الأكاديمية الجامعية البحثية ومن المعنيين في البلدان التي تنوعت الباحثات العلميات والباحثون العلميون في حالات انتسابهم وطنيا ومشاربهم فلسفيا معرفيا بحسب وجود تلكم البلدان في وسط آسيا وغربها وفي شمال أفريقيا والأمريكتين...
وبالتأكيد تتضمن هذه الإشارة ما تحياه بلداننا من ظروف التغيير بربيع ولوجها عصر التمدن والتقدم بعيدا عن الهزات الراديكالية وقسوتها وعميقا حيث منطق العقل والحكمة والاستقرار والبناء في ظروف السلم الأهلي؛ وبجدية مسيرة البناء في تلك البلدان وتطلعها نحو متغيرات بناء علمي مكين، مثلما حدث ويحدث في تونس ومصر وفلسطين وسوريا والعراق ومثلما تلك الرعاية والفاعلية في علماء الجزائر والمغرب والسعودية والإمارات وقطر ومساهماتهم بمجلة ابن رشد وغيرها.. وإنه لـَـ يهمّ الباحث وجميع المعنيين هنا، توجيه تحية مخصوصة إلى أولئك المساهمين في أعداد المجلة التي صدرت حتى الآن ومن خلالهم تحية إلى جامعاتهم وبلدانهم وما يحظون به من رعاية البحث العلمي في تلك البلدان..
وفي قراءتي الموجزة هذه، اسمحوا لي بهذه المناسبة أن أقول: إنّ هذه المجلة التي صدرت ألكترونيا اليوم، وتَعِد بأنها ستكون قريبا بين المطبوعات الورقية الأكاديمية، لم تكن لتصدر لولا تضافر جهود العلماء والأساتذة العاملين في "جامعة ابن رشد في هولندا" والمؤازرين لجهودها إلى جانب إدارة علمية متمكنة، نأمل هنا لهم جميعا التوفيق والتقدم..
ونتطلع بالمناسبة وندعو داعمي المشروعات العلمية إلى تفاعل [واتحاد] رؤوس الأموال المستثمِرة سواء الرسمية أم الأهلية مع رأس المال البشري في هذه الجامعة المشادة في المهجر، لتعلو وتسمو المسيرة، بخاصة أن بلدان المنطقة ما عادت ميدانا فسيحا للاستثمارات في ميادين طفيلية الاقتصاد كما كان الحال في الماضي.
إنَّ جامعة ابن رشد تعتز بهويتها الإنسانية الحضارية المتفتحة وهي تؤكد رفضها الانتساب لهويات ضيقة أو محدودة، لأنها بهذه الهوية تمثل جسرا بين الحضارات وممرا مهما للعلاقات الدولية علميا وانفتاحا على آخر التطورات المعرفية وربما كانت [جامعة ابن رشد] بجهودها ودراساتها وطبيعتها، مفتتحا وتنبيها من أجل الاعتراف بنظام التعليم الألكتروني الذي تتبناه وقدمت وتقدم الدراسات في نطاقه الأمر الذي سيقود إلى تسجيله رسميا قانونيا وتبنيه في بلداننا كافة، وفتح فضاءات العمل المشرعن فيها بأوسع المساحات الممكنة المتاحة في إطاره...
وسيكون التأخر أو التلكؤ في التفاعل مع هذا الأمر عقبة غير طبيعية، لكننا نثق بإرادة القرار الرسمي الحكيم في عدد مهم من بلدان المنطقة معتمدين على العناصر الإيجابية العاملة فيه، مثلا ريادة الأردن [على سبيل المثال لا الحصر] في إصدار قانون نظام التعليم الألكتروني وجامعاته، ومثل هذا التوجه والخيار مطلوب بإلحاح في ضوء خطط تنموية بشرية نوعية كما تلك التي رصدت ميزانية استثنائية ضخمة للتعليم والبحث العلمي في عدد من الدول الخليجية ومثل مَقدم إدارات تعليم عالي جديدة في عدد من البلدان تستند إلى الخبراء والعلماء وتجاريبهم وليس إلى أدوات ماضوية سلبية..
هذه تحية لـــ"مجلة ابن رشد العلمية المحكَّمة" ومفردات النهج العلمي الإيجابي فيها وتطلع لعلاقات تعاون بينها وبين الجهات المعنية تفعيلا للدور ودفعا له باتجاه التقدم ولربما كان من أول مفردات التعاون والمؤازرة وتبني سبيل البحث العلمي، الاشتراك بالمجلة والحصول على نسخ منها لوضعها بين أيدي الباحثات والباحثين وجموع طلبة العلم في مكتبات مئات الجامعات العاملة في بلداننا...
مباركة جهودكم هيأة التحرير والهيأة الاستشارية.. مباركة مسيرتكم جامعة ابن رشد وبالموفقية والسؤدد دوما.
معلومات عن جامعة ابن رشد الجامعة ومجلتها العلمية المحكَّمة:
موقع جامعة ابن رشد في هولندا
http://www.averroesuniversity.org/
يمكنكم الوصول إلى صفحة مجلة ابن رشد العلمية المحكَّمة في موقع الجامعة الرسمي وكذلك الاطلاع على الأعداد الصادرة منها حتى الآن
رابط شروط النشر في "مجلة ابن رشد العلمية المحكَّمة" والمحددات التي تحكم النشر:
وللاتصال بالبريد الألكتروني:
E-mail ibnrushdmag@averroesuniversity.org
وللاتصال الهاتفي وبالفاكس:
Telefax: 0031342846411