التحالف الاستراتيجي بين العرب والكورد والتطورات في كوردستان
باحث أكاديمي في العلوم السياسية
رئيس البرلمان الثقافي العراقي في المهجر
عبر التاريخين القديم والوسيط كانت العلاقات العربية الكوردية من الرسوخ والعمق ما دفع بمئات من منتجي المعارف والعلوم الكورد لصبّ جهودهم باللغة العربية إغناء لمسيرة إنسانية مشتركة.. وفي العصر الحديث واصل المشوار خيرة من قادة الثقافة الكوردية جهودهم من منابر القاهرة وبيروت وبغداد فساهموا في الإبداعين الأدبي والفكري وبمسيرة التحديث وتمتين جسور العلاقة بين الأمتين والشعبين...
وكانت حركتا التحرر العربية والكوردية واعية لدروس النضال من أجل الانعتاق والانتصار لعدالة مطالب الشعبين منذ مطلع القرن المنصرم ومرورا بمراحل الثورات الشعبية وما صادفهما من عقبات كأداء من النظم السياسية الشوفينية ومن قوى العنصرية والقمع التي تحكّمت بالمشهد العام عقودا طويلة..
ولقد جرى التنسيق بطريقة أو أخرى وإن كان بوتائر مختلفة بين الفينة والأخرى بخصوص مطالب الكورد العادلة التي تعرضت لمواقف دولية كثيرا ما كانت غير منصفة.. وكان من بينها تقسيم أرجاء كوردستان بين إيران والعراق وتركيا وسوريا.. وتبع الأمر وقائع سياسات شوفينية وأعمال حربية قمعية خطيرة ليس أقلها جرائم ضد الإنسانية بمختلف أجزاء كوردستان وجرائم الحرب ضد المدنيين العزّل بالمواكبة مع سياسة الإلغاء القومي كما بسياسة التتريك والتفريس والتعريب..
اليوم، يجد التحالف العربي الكوردي صورته البهية ساطعة في صيغة الاتحاد بدولة عراقية فديرالية يتمتع فيها الكورد بحقوقهم القومية والإنسانية في أجواء توجه نحو بناء الديموقراطية واحترام التعددية والعمل على إزالة آثار الماضي البغيض من أعمال قمعية شوفينية وجرائم إبادة بأشكالها..
لكن الاستقرار في إقليم كوردستان وتقدمه الحثيث، لم يرُقْ لكل من الدولتين إيران وتركيا فوجدنا مواصلة واستمرار لنهج استعلائي قمعي وسياسة حربية باتت اليوم من السعة والهمجية ما أدى لارتكاب جرائم حرب ضد المدنيين العزّل حيث تقتل الطائرات المقاتلة والمدفعية والدبابات عشرات المدنيين وتهجرهم من مدنهم وقراهم وتخرّب ممتلكاتهم وتنهبها بحجج وذرائع لا يقرها قانون ولا شرعة دينية أو مدنية...
لقد اخترقت القوات الإيرانية والتركية الحدود العراقية بعمق عشرات الكيلومترات وهي تصل إلى أعماق بعيدة متذرعة بوجود (مخربين) كورد تطاردهم!! فيما المنطق والقوانين الدولية لا تسمح بمثل هذه الخروق ولا يسمح قانون بقتل المدنيين أو تخريب ممتلكاتهم وتهديد أوضاعهم الإنسانية مهما كانت الاتفاقات التي أُبرِمت بين أية دولتين، والسمو في النهاية للقانون الدولي الضامن للحقوق كافة..
والأصل في أي اتفاق ضمان الأمن وخلق تفاهمات وأعمال تنسيق لا تتعارض من جهة مع سيادة الدول ولا تتقاطع مع القانون الأسمى بحماية المدنيين في ظل الحروب وبحظر جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية المرتكبة اليوم..
إنّ العمليات الحربية الجارية اليوم من طرفي كل من إيران وتركيا ترتكب كل هذا وغيره ومن ثمّ فإن البُعد الأخطر في العمليات يتمثل في زعزعة استقرار إقليم كوردستان واحتلال أراضيه وممارسة أعمال مرفوضة في القانون الدولي والإنساني ومن ثمّ فهي اعتداء على دولة العراق الفديرالية وعلى التحالف العربي الكوردي وطعنه في الصميم كما تشكل تلك الجرائم اعتداء على القانون والمجتمع الدوليين..
إن من بين المفردات التي تهدد الأمن القومي للمنطقة برمتها هو التقدم على محاور متعددة من بين أخطرها تلك الجارية في قضم الحدود العراقية من الشرق والشمال وفي اختراق منطقة كوردستان والتقتيل بشعبها وهو ما ينتقل حتما إلى أجواء غير مستقرة أصلا في مجموع بلدان المنطقة..
ويعرف العرب تحديدا أن إخراج العراق من ثقله الاستراتيجي ومن تحالفه الإقليمي الصحيح هو مقدمة لقلب موازين القوى لصالح العسكرتارية التركية والعنجهية الإيرانية. ومن هنا بات على الصوت الرسمي العربي أن يستجيب للتحالف الشعبي العربي الكوردي وأن يرتقي لمستوى المهام المنتظرة منه في إعلان كلمة شجاعة ضد التدخلات السافرة بأرض كوردستان العراق سواء بموقف من الجامعة العربية بطاقمها الجديد أم من بلدان الخليج ومجموع بلدان المنطقة..
إن استقرار إقليم كوردستان العراق واحترام سيادة العراق هو مقدمة مهمة لوقف أصابع إثارة القلاقل التي تحاول استغلال ثورات الربيع العربي لمزيد من التقدم على حساب الأمن القومي لبلدان المنطقة.. وهي قضية نظر استراتيجي بعيد المدى إن لم يجر الالتفات إليه اليوم سيؤدي لكوارث غير محسوبة في المدى المنظور...
وبناء على مجمل الأوضاع والأحداث التي جرت حتى الآن وبناء على نُذُر أعمال حربية واسعة يجري الإعداد لها بكل الأدوات الحربية المخابراتية فإن الموقف العراقي والعربي بعامة ينبغي أن يرتقي لقرار بدعوة مجلس الجامعة العربية للانعقاد بشأنه وأن يجري ترتيب خطط قريبة وأخرى بعيدة تتصدى لمثل تلك الخروق ولأية احتمالات لأعمال جنونية من قيادتي الدولتين تزعزع الاستقرار والسلم في الإقليم ومن ثم في المنطقة..
وينبغي وضع كل من قيادتي تركيا وإيران في مواضع العلم بأن التحالف الاستراتيجي العربي الكوردي يمكنه أن يقلب اتجاه الفعاليات الجارية وأن يتجه إلى المجتمع الدولي الأوروبي والأممي كيما يكون التصدي أبعد أثرا وأكثر حزما وحسما..
فيما سيكون التغاضي عن هذه الحقائق فرصة لتطاول آخر من الاندفاعين الإيراني التركي على حساب العراق ومجموع دول المنطقة بخاصة هنا الخليجية والشامية.. مع تذكر أن هذا لن يكتفي بآثاره السلبية اليوم حسب بل سيتجه لآثار تطعن في التحالف العربي الكوردي مستقبلا وتخلق حساسيات غير محسوبة النتائج..
ومن الصحيح والصائب توكيد أن هذا التحالف يبقى ركنا جوهريا من تحالف أوسع على مستوى الشرق الأوسط الكبير بكل شعوبه ىوهو عامل معاضدة لشعوب إيران وتركيا في مسيرتها من أجل تحقيق الديموقراطية ومسيرة السلم والتقدم والتعايش بين شعوب المنطقة ودولها على اسس من الإخاء ومسيرة البناء بديلا عما تعمل نظم البلدين من إثارته في حروب مفتعلة تصديرا للمشكلات وقطعا لطريق الحل الجوهري بالاعتراف بحقوق المجموعات القومية على وفق الشرعة الدولية وقوانين حقوق الإنسان المعمول بها..
فهلا تنبهنا لما يدور هنا من مخاطر مهولة ومن إعصار ربما يأتي على كل ما تحقق من تقدم؟ التساؤل موجه لكل القيادات والقوى الرسمية والشعبية الكوردستانية أولا بحملة منتظرة منها محليا ودوليا والعراقية بما عليها من مسؤوليات واجبة وملزمة.. وليكن التحالف العربي الكوردي من المتانة بما يرتقي لمسؤوليات الحل السلمي الحاسم بوجه أية أعمال حربية أو شبيهاتها مما يحضّر له في ليل...!