في اليوم العالمي لمناهضة التعذيب
العراقي ما زال يئن من مزيد من مسببات تعذيبه؟!!
أ.د. تيسير عبدالجبار الآلوسي
ناشط في مجال حقوق الإنسان
المرصد السومري لحقوق الإنسان
منذ زمن بعيد عملت القوى الحية على معالجة أسباب التعذيب وآثاره. وتمَّ تتويج النضالات الأممية رسميا وشعبيا في العام 1984 باتفاقية "مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة" التي باتت نافذة في السادس والعشرين من حزيران يونيو 1987.. ولقد نصّت هذه الاتفاقية بمادتها الأولى على أنه: "لأغراض هذه الاتفاقية، يقصد بـ"التعذيب" أيّ عمل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد، جسديا كان أم عقليا، يلحق عمدا بشخص ما بقصد الحصول من هذا الشخص، أو من شخص ثالث، على معلومات أو على اعتراف، أو معاقبته على عمل ارتكبه أو يشتبه في أنه ارتكبه، هو أو شخص ثالث أو تخويفه أو إرغامه هو أو أي شخص ثالث - أو عندما يلحق مثل هذا الألم أو العذاب لأي سبب من الأسباب يقوم على التمييز أيا كان نوعه، أو يحرض عليه أو يوافق عليه أو يسكت عنه موظف رسمي أو أي شخص آخر يتصرف بصفته الرسمية. ولا يتضمن ذلك الألم أو العذاب الناشئ فقط عن عقوبات قانونية أو الملازم لهذه العقوبات أو الذي يكون نتيجة عرضية لها." و "لا تخل هذه المادة بأي صك دولي أو تشريع وطني يتضمن أو يمكن أن يتضمن أحكاما ذات تطبيق أشمل."...
ولكننا على الرغم من تحديد تعريف ثابت للتعذيب وحظره في القوانين الدولية والمحلية، فإنّ كثيرا من الدول ما زال يجري فيها ممارسة علنية وأخرى مخفية لأشكال التعذيب والأعمال القاسية اللاإنسانية. وينجو من يُصدر قرار التعذيب ومن ينفذه ومن يشارك فيه من ايّ شكل للمحاسبة.. وربما حصلوا على نياشين وأوسمة جراء تلك الأعمال الهمجية!!
وبهذه المناسبة، نسلط الضوء على مجريات الأوضاع في العراق في السنوات الثماني الأخيرة. حيث باتت أعمال البطش العنفية القاسية وأساليب التعذيب تتفنن في أدواتها وصورها.. وانتشرت فضائح السجون والمعتقلات سواء تحت سلطة القوات الأجنبية \ الاحتلال أم تحت سلطة الحكومة العراقية.
إذ شهد سجن أبو غريب قصصا مرعبة باستخدام التعذيب بطريقة إشعار المعذَّب بالغرق وبفنون التعذيب الجسدي والنفسي وتعريض المعتقل لأشكال الآلام والاعتداءات.. ولم يكن غريبا على سجون الحكومة العراقية ما تمت تعريته وفضحه من أشكال الاعتداء الجسدي من الضرب المبرح بالسياط والعصي المكهربة وما شابه حتى استخدام فضاعات ((الدريلات)) أو ماكنات الثقب الكونكريتية لثقب جماجم السجناء أو أجسادهم.. إلى أفعال الخازوق والاغتصاب وأشكال السادية في التعامل مع المعتقلات والمعتقلين...!؟
ولطالما سمعنا تصريحات تطمينية من المسؤولين حتى أرفع مستوياتهم، بأنه لا تعذيب في سجون الحكومة وبعضهم صوّر الأمور وكأنها فنادق خمس نجوم ربما في سخرية من السجين!؟ ومثل هذا الأمر الذي يغطي على جرائم التعذيب يعد مشاركة في الجريمة ويحاسب بذات المواد القانونية التي تحاسب مجرمي التعذيب.. ولكن أيا من الحالات التي ثبت فيها اعتداء التعذيب الوحشي لم يجر حتى يومنا فتح ملف التحقيق الرسمي فيها واتخاذ الإجراءات التي ينص عليها القانون..
إنّ جملة من الأسئلة ينبغي أن يجاب عنها من قبل المسؤولين المباشرين عن السجون وحقيبتي العدل والداخلية والجهات التشريعية المسؤولة عن استدعاء المعنيين ومحاسبتهم حتى رأس الحكومة عند الاقتضاء.. إذ نقول بسؤالنا الأول: ما درجة نضج دورات حقوق الإنسان ودراسة القوانين بخاصة منها المتعلقة بسلوك المسؤول في السجن وفي العدل والداخلية وطبعا وبالتأكيد في وزارة حقوق الإنسان ذاتها..؟ وما نتائجها؟ والسؤال التالي: يتمثل في درجة انضباط المعنيين بهذه القوانين وما الفلسفة الحقيقية المتبعة في السلوك العملي داخل السجن؟
وإذا كانت القوات المسؤولة عن الأمن تمارس كل تلك الأعمال التي تتضمن (القسوة) و (واللا- إنسانية المهينة) التي تحط من كرامة البشر وتمتهنهم أمام أعين الجمهور؛ فما بالك خلف أسوار السجون والمعتقلات؟ وهنا نسأل ما مبررات الأفعال المهينة التي تنتهك الحرمة والكرامة الآدمية بشكل سافر لدى هؤلاء في ظل خطاب اسمه العراق الجديد والتوجه لبناء الديموقراطية [عن أية ديموقراطية يتحدثون]؟
فبالإشارة إلى ما جرى ويجري في التعاطي مع حرية التعبير فإن القوات الأمنية مارست أعمالا قمعية قاسية وتعتدي على كرامة المتظاهرين فضلا عن انتهاك القوانين والحقوق بممارستها عمليات الاعتقال بطريقة الاختطاف والتغييب وحتى بالتصفية الجسدية البشعة مثل تلك التي جرت أيام الحكم الفاشي الدموي في بلدان كالأرجنتين وتشيلي وفي عدد من النظم القمعية المعروفة بسوء السمعة والتاريخ الأسوَد..
وبدلا من محاسبة من قام بهذه الأفعال أُطلِقت تصريحات (لأرفع المسؤولين) سخرت من عقول الناس ولم تستحِ من تضاربها في تلفيق التهم وإحالة المختطفين بسلوك الأجهزة القمعية إلى القضاء بمَحاضر جرت تحت التعذيب من جهة وبعيدا عن الإجراءات القضائية وبأوراق ليس عصيا إثبات تلفيقها ببساطة نظرا لسذاجة ما جرى ويجري تلفيقه للطلبة والشبيبة الأبرياء فضلا عن التناقضات والتضارب في التلفيق... مثال ذلك ماجرى بحق المتظاهرين في شباط آذار المنصرمين من انتهاك فض بشع وتعذيب ترك بصماته على أجسادهم الغضة في محاولة لانتزاع اعترافات على قضايا لم يرتكبوها ولن يرتكبها أشخاص من المبدعين المثقفين العلمانيين وتحديدا مَن ترك منهم بلدان المهجر وعاد ليشارك في عمليات البناء وتحديث مؤسسات الدولة وتعزيز دور القانون واحترام الحقوق!
والمثال التالي مسخرة حمل وثائق مزورة [المختطفون المعتقلون الشباب الأربعة] والجديد الذي بات تقليدا اختطاف العناصر الديموقراطية المعارضة بسلطة المادة 4 إرهاب كما جرى لأحد الأساتذة الذين رفضوا قبول وثائق مزورة لرجل أمن؛ فاختُطِف جهارا نهارا وبلا استحياء والله أعلم فقط وجدران المعتقلات وحدها هي التي تعرف ما جرى ويجري له بعد ما طاوله من تهديد سافر وعلنا وبعد عملية اختطافه اللا قانونية والمتعارضة وكل الشرائع والقيم!
ومثل هذا الضغط والتهديد والاتهام في محاصرة الناشط سامر عامر موسى من سوق الشيوخ واعتقاله بتهمة 4 إرهاب أو أن يتخلى عن المشاركة في التظاهرات.. ويرافق كل هذا أخذ التعهدات بعدم المساهمة بالمظاهرات الشعبية الاحتجاجية في حكومة تدعي التزامها بالديموقراطية وآلياتها وتسمي نفسها حكومة منتخبة!!!
إن الانشطار بين الممارسة الفعلية والأقوال والادعاءات بهذا المستوى الخطير من أفعال إرهاب الدولة بمشاركة عريضة من تهديدات ميليشيات زعران الشوارع بعمائمهم البيضاء والسوداء وغدَّاراتهم وخناجرهم وبلطجتهم ، إن ذلك ليس بداية للاستبداد بل ولوج بعيد في سلطة استبدادية لا يمكن القبول باستمرارها.. فقد سقطت عنها شرعية الانتخاب والتمثيل الشعبي الرسمي وبات لابد من ردعها عن غيِّها وطغيان ممارستها الإجرامية..
إنَّ مراقبة الشارع العراقي وأوضاعه ستطلعنا على الآتي:
1. ممارسة أفعال تعد من القسوة واللا-إنسانية مما ينتهك ويمتهن الكرامة البشرية ويحط منها..
2. ممارسة أساليب التعذيب الجسدي والنفسي في إطار تحويل الوطن إلى سجن كبير يخضع فيه المجتمع لإرهابَي الدولة والمافيات الميليشياوية..
3. ممارسة أعمال التعذيب على الهوية وتحقير السكان الأصليين من أبناء المجموعات القومية والدينية المختلفة.. وإخضاعهم لقيم دفع الجزية والدونية والتبعية قهرا وتعنيفا وامتهانا للكرامة.. ويجري هذا تحديدا في المحافظات التي تتحكم بها قوى الإسلام السياسي سواء بما يسمى الحكومات المنتخبة أم بالميليشيات والمافيات وتتم ممارسة العنف واشكال التحقير والتعذيب بأساليبه واشكاله بحماية بطلجيتها..
4. ممارسة أساليب التعذيب الهمجي جسديا نفسيا في السجون والمعتقلات حتى تحولت تلك الأماكن من أماكن لحجز المجرمين وإبعادهم عن تهديد المجتمع إلى مختبرات لإجراء أبشع استغلال للأبرياء وابتزازهم بوساطة التهديد بالتعذيب البدني والعقلي و\أو ممارسته فعليا عليهم.. حيث لم يصدر اي حكم قضائي بحق عشرات الآلاف وربما أكثر من هذا الرقم بكثير حيث لا يوجد إحصاء رسمي معتمد ونهائي ولا قيمة لاسم الإنسان ولا لرقمه..
ويمكننا الحديث بأمثلة بالمئات والآلاف عن التعذيب النفسي والحط من الكرامة الإنسانية تجاه المواطن العراقي من بنات وأبناء المجموعات القومية والدينية ممن يسمونهم تهميشا وإذلالا الأقليات.. وأبعد من ذلك تعريض هؤلاء للابتزاز والتهريب للترحيل والتهجير أو التعرض لأشكال العذاب ما يصل حدّ التصفية الجسدية!!
ولقد جرى ويجري ذلك من دون توقف حتى تمّ عد الجريمة في بعض المحافظات بجريمة تطهير فعليا حيث تم إخلاء أماكن الإقامة التاريخية منهم.. ولتحقيق ذلك جرت عمليات الاختطاف وأخذ الجزية! والفدية والاغتصاب المتكرر بقصد الاستمرار بالإذلال واستيلاد المغتصبات من المغتصِبين الوحوش إيمانا منهم بأنهم يكسبون أنفارا (لدينهم!؟) والتتويج لكل هذا يكمن بالتقتيل بكل أشكاله الفردية والجماعية حتى ينتهوا من تطهير الأماكن واحتلال البيوت وسبي النساء واختطاف الأطفال والسطو على الأموال وهدم الكنائس والمعابد.. ولم يبدر للمسؤولين إجراء واحد يوقف الجريمة...ولاعجب هنا والفطِن أدرى
يمكننا الحديث بعد التطهير قوميا دينيا مذهبيا طائفيا عن التطهير من القوى الديموقراطية المدنية العلمانية وهي المرحلة الجديدة وهي لا تجري خفية بل (عيني عينك) وبكل قباحة، وإن كانت تدريجا وعلى مراحل.. لكنها كما يلاحظ المتابع الحقوقي بدأت بمحاصرة المقرات وإحصاء أي اتصال بين المواطن والحركات الديموقراطية والتضييق عليه ومحاصرة إعلامه وصحافته وممارسة أشكال تهديد وابتزاز وإرهاب المجتمع بالتكفير الصريح للديموقراطيين وباتهامهم ووصمهم بشتى التهم الأخلاقية والدينية.. وبتضليل الناس بشأن الحقائق..
إن تعريض المجتمع لمثل هذه العذابات بالتهديد بعذاب الله وعدم دخول الجنة وبدخول النار ومن يغضب عليه المرجع سيغضب عليه آل البيت ومن ثمَّ سيغضب عليه الله وكذلك بالغضب السياسي حيث (من ليس معنا فهو عدونا) وهو إرهابي وهو بعثفاشي واختلاق عُقـَد احتراب بين الناس واختلاق أسباب للذعر والهلع بالإيقاع بين المواطنين والعزف اليومي وبكل ساعة على لعبة الطائفية وحروبها وإعادة كل شيء إليها بما هدد بتقسيم المجتمع بعد التقسيم القسري بتطهير المدن والضواحي والقرى.. إن كل ذلك هو شكل من أشكال القسوة والعنف المسلط على رقاب الناس وخلق المشاعر القهرية والألم النفسي بينهم.. ومثل هذا، المسؤول الأول عنه هو إعلام الحكومة وأحزابها الحاكمة وسياساتها المضللة وفلسفتها وأدائها..
أما حكاية التعذيب لانتزاع مطلب لصالح موظفي المؤسسات المعنية وعناصر فيها.. فالحديث عن تفاصيله لا يتخيله عقل بشري في عصرنا.. وتكفي الصور التي إن نطق الصخر لنطق صراخا من هول الجريمة.. إذ كيف يمكن تصور تقطيع أوصال الجسد والتلذذ بإطفاء المواد الساخنة المشتعلة به.. كيف يتحمل الجسم الغض لشبيبتنا أو لأطفالنا أيا من تلك الأشكال.. [لن أضع علامة استفهام] .. كيف لإنسان أن يتحمل (الدريل) في بدنه وفي جمجمته.. كيف يمكن تحمل التعليق بالسقف باشكاله وألوانه مع الضرب المبرح .. كيف يتحمل التعذيب بالكهرباء والماء المغلي والمثلَّج وبالخنق بأكياس وبترك الكلاب المتوحشة [ربما عض الكلاب أرحم من وحشية عض الحيوانات الآدمية] تنهش الجسد المتهالك تعذيبا!!!!!
في المادة الثانية من اتفاقية ضد التعذيب نقرأ: أنّ الدولة "تتخذ إجراءات تشريعية أو إدارية أو قضائية فعالة أو أية إجراءات أخرى لمنع أعمال التعذيب في أي إقليم يخضع لاختصاصها القضائي." و "لا يجوز التذرع بأية ظروف استثنائية أيا كانت، سواء أكانت هذه الظروف حالة حرب أو تهديدا بالحرب أو عدم استقرار سياسي داخلي أو أية حالة من حالات الطوارئ العامة الأخرى كمبرر للتعذيب." و " لا يجوز التذرع بالأوامر الصادرة عن موظفين أعلى مرتبة أو عن سلطة عامة كمبرر للتعذيب."
فماذا فعلت الحكومة العراقية؟ لقد استمرت بمسارين إلحاق الجريمة الجارية بالآخر الإرهابي؛ أما أين دورها حتى في وقف هذا الإرهابي فلا إجابة ولا هي تقبل إعلان عجزها واستبدالها بالكفء لتحمل المسؤولية ولا هي تتحمل المسؤولية وتقوم بدورها وما بيدها سوى العبث بأرواح أخرى من المواطنين وبتغييرات في الهوية وبتطهير واسع النطاق يجري في البلاد!! وباستمرار أعمال التعذيب بحق عشرات آلاف الأبرياء فيما المجرم يسرح ويمرح بحمايتها وبوسائل نقلها وبأسلحتها ككواتم الصوت وبأموالها أموال الشعب المنهوبة.. وكما نرى فإن هذه المادة لا تقبل ذرائع الأوضاع الاستثنائية كما لا تقبل للتعذيب في السجون الخضوع لأوامر عليا.. وإلا فليفسر لي مغتصبو النساء في السجون التي صارت سياسة ثابتة وواسعة محمية ما يعقِّد وسائل رصدها وفضحها!! فلا السلطات الحقوقية تصل ولا النسوة اللواتي مازال أمامهن سنوات أخرى بمستطيعات الإفصاح تحت تهديد الآتي في حال الكشف عن الجريمة، فضلا عن عوامل معروفة بخصوص الحديث عن هذه الأمور..............
وفي المادة الثالثة نقرأ أيضا: "لا يجوز لأية دولة طرف أن تطرد أي شخص أو أن تعيده ("أن ترده") أو أن تسلمه إلى دولة أخرى، إذا توافرت لديها أسباب حقيقية تدعو إلى الاعتقاد بأنه سيكون في خطر التعرض للتعذيب." والحكومة العراقية مارست أشكال الاعتداء والتعذيب الجسدي والنفسي بحق سكان مخيم أشرف وهي اليوم تفاوض لمحو هذا المخيم من الخارطة بطريقة لا تتفق ومصالح سكانه ولا مع قوانين حمايتهم ولا مع اتفاقية ضد التعذيب!
وماذا فعلت الحكومة العراقية مع مرتكبي أفعال القسوة والحط من كرامة المواطن والتعذيب في داخل السجون وخارجها؟ هل استجابت لنص المادة الرابعة بجعل "جميع أعمال التعذيب جرائم بموجب قانونها الجنائي" وهل تابعت التحقيق ومعاقبة من "ينطبق الأمر ذاته على قيامه بأية محاولة لممارسة التعذيب وعلى قيامه بأي عمل آخر يشكل تواطؤا ومشاركة في التعذيب."
وماذا بشأن المادة الخامسة بتفاصيل إجراءات المحاسبة والعقاب لمرتكبي جرائم التعذيب؟ هل اتخذت " ما يلزم من الإجراءات لإقامة ولايتها القضائية على الجرائم المشار إليها في المادة 4 في حالات ارتكاب هذه الجرائم في أي مكان يخضع لولايتها القضائية وبحق أي مرتكب للجريمة من مواطنيها وحماية أي من الأشخاص عندما يكون المعتدى عليه أحد مواطنيها..
وماذا بشأن مدة الاحتجاز وامتدادها خلافا للقوانين على وفق نص المادة السادسة بأن " يكون الاحتجاز والإجراءات القانونية الأخرى مطابقة لما ينص عليه قانون تلك الدولة على ألا يستمر احتجاز الشخص إلا للمدة اللازمة للتمكين من إقامة أي دعوى جنائية أو من اتخاذ أي إجراءات لتسليمه. وسواء جرى الاحتجاز بسلطة الدولة أم خارجها وسواء جرى لمواطن أجنبي عندها أم لمواطنها بدولة أجنبية فإن كل ذلك من مسؤوليتها ويؤسفنا أن الحكومة العراقية بدل ذلك وقَّعت على اتفاقات إعادة قسرية لمواطنيها المهددين وزادت عذاباتهم وسقط نتيجة ذلك ضحايا لم يجدوا من يتحمل مسؤوليتهم...
وإنه لمن السخرية أننا لا يمكن أن ننظر لتنفيذ مواد مثل العاشرة والحادية العشرة والثانية عشرة من اتفاقية ضد التعذيب التي تضمن قيام سلطات الدولة المختصة بإجراء تحقيق سريع ونزيه كلما وجدت أسباب معقولة تدعو إلى الاعتقاد بأن عملا من أعمال التعذيب قد ارتكب في أي من الأقاليم الخاضعة لولايتها القضائية. وأن تضمن "لأي فرد يدعي بأنه قد تعرض للتعذيب في أي إقليم يخضع لولايتها القضائية، الحق في أن يرفع شكوى إلى سلطاتها المختصة وفى أن تنظر هذه السلطات في حالته على وجه السرعة وبنزاهة." في وقت تشتهر الحكومة باللا عدل وبانعدام النزاهة وسلطة القانون.. أما بشأن المادة 13 فإن السخرية ستمعن في آلامنا إذ عن أي إنصاف نتحدث بشأن سنوات العمر والخسائر والتضحيات النفسية والمادية والمادة تقول: تضمن كل دولة طرف، في نظامها القانوني، إنصاف من يتعرض لعمل من أعمال التعذيب وتمتعه بحق قابل للتنفيذ في تعويض عادل ومناسب بما في ذلك وسائل إعادة تأهيله على أكمل وجه ممكن، وفى حالة وفاة المعتدى عليه نتيجة لعمل من أعمال التعذيب، يكون للأشخاص الذين كان يعولهم الحق في التعويض."
ربما سيكون لهذا اليوم ما يحتاج لدراسات مطولة وتفصيلية لمجريات الأوضاع في العراق وفي اعتقادي أن الوضع بات بحاجة لإحالته إلى للجنة الدولية لمناهضة التعذيب بعد أن أفلت زمام الأمور من الانضباط وبات التعذيب سياسة ثابتة في السجون والمعتقلات وأماكن الاحتجاز وبعد أن بات عشرات ألوف من المواطنين بين عذابات الاحتجاز في خارج العراق لسنوات ممتدة تحت سمة طالب لجوء في الانتظار وتطارده اتفاقات مجحفة تجريها حكومته وفي داخل العراق حيث مطاحن همجية تستبيح السجناء برعب ما بعده رعب أو هلع أو هول جريمة..
إن العراقي مستباح تحت المهانة والإذلال والتهميش والمطاردة والابتزاز والتهديد اليومي بالاختطاف والاغتصاب والتصفية وهو لا يأمن على نفسه حتى في خارج البلاد حيث ترد التهديدات بالتعرض له وتصفيته أو مطاردته بشتى الحجج والذرائع والتهم المختلقة.. وباتت الحكومة أكبر مصدر للتزوير وافتعال التهم المجانية والإتيان بإثباتات ووثائق كانت تشتهر بها أسواق التزوير كسوق مريدي وغيره في بغداد، فيما دخلت الحكومة ومؤسساتها على خط التلفيق وتسقّط الأخطاء للمطاردة والضغط والابتزاز والأعمال العنفية القاسية...
ولم يسلم من القسوة والعنف حتى الأطفال في العراق الجديد.. ويبدو لي أن انفلات الأجواء وتفشي حالات الرعب دفع حتى بالعوائل إلى ممارسة حجب لبناتهم وأبنائهم وربما استخدام أفعال وممارسات قاسية بحقهم في تصور منهم أنهم بهذا يحمونهم من جريمة أكبر وأبشع.. وبات العنف والقسوة مشهد مكرور في تفاصيل اليوم العادي..
وفي هذا لابد من حملة وطنية للتعريف بآليات القسوة والعنف والقهر النفسي والجسدي وكيفية معالجة الأمور سلوكيا في حيواتنا ويومياتنا وكذلك آليات التصدي لعنف السلطة والقوى التي تتسيد المشهد في الشراع اليوم..
إن إعلامنا والجهات الحقوقية ومراصدها والمسؤولين المعنيين يتحملون واجباتهم على وفق نصوص القانون والقيم الأخلاقية السامية التي تدعونا لواجبنا وتحفيز الضمير لأعلى نشاط يوقف مثل هذا الامتهان لكرامة البشر ولمثل هذا الاعتداء الفض الهمجي تحت أساليب تعذيب بشعة..
وإنني أرى أن أي ضمير حي ومسؤول يزعم تمسكه بحقوق الناس سيستقيل من فوره ويعلن براءته مما يجري من آلام وجرائم تعذيب.. ويتحمل هذا أعلى مسؤول للحكومة العراقية ولا يعفيه القانون ولا تعفيه اتفاقية ضد التعذيب من مسؤوليته الجنائية كما أوردنا من بعض مواد هذه الاتفاقية المهمة..................
فهل من وقفة لأنسنة حياة العراقي واحترام حقوقه وتبجيل وجوده وكرامته؟ وتجنيبه شقاء القسوة والعنف والعذابات؟؟؟ أم سنبقى بإطار فضح جريمة بلا محاسبة المجرم الحقيقي؟؟؟ السؤال موجه للقوى الحية بمجتمعنا والمجتمع الدولي المدعو لمتاعة مسؤولياته تجاه شعب يخضع لجريمة منظمة منذ عقو وتعقدت أكثر منذ ثماني سنوات!