في اليوم العالمي للاجئين 20 يونيو حزيران 2011: من يتحدث عن هموم اللاجئ، إشارات واجبة؟
باحث أكاديمي في الشؤون السياسية
ناشط في مجال حقوق الإنسان \ المرصد السومري لحقوق الإنسان
ملايين جديدة تدفعها ظروف الاضطرار إلى عالم اللجوء وطلب الحماية من اضطهاد أو تهديد في موطنها الأصلي.. ولربما كانت طبيعة غاضبة من براكين وزلازل تسببت في لجوء لإيواء مؤقت ببلد سببا ولكن الكوارث التي نتحدث عنها هنا تتعلق بتهديدات مباشرة أو غير مباشرة لحيوات الناس لأسباب تتعلق بمعتقداتهم أو فلسفاتهم السياسية أو ما شابه من ظروف ترتبط بالجنس أو القومية أو اللون أو أي سبب للتمييز مما سجلته قوانين حقوق الإنسان..
ويوجد اليوم ملايين من الأفارقة والآسيويين والأمريكيين اللاتينيين في مخيمات بأوروبا فضلا عن مخيمات اللجوء التي تنتشر في بقاع العالم.. وسنشير هنا إلى اللاجئين الجدد الذين اجتازوا محنة البحر المتوسط والتهمَ القرش بعضهم فيه؛ ممن نجا بالوصول إلى الشواطئ الشمالية بإيطاليا وغيرها هربا من جحيم الحرب بليبيا والأزمات الأفريقية بعامة.. كما نشير هنا إلى آلاف اللاجئين السوريين الذين دخلوا الأراضي التركية وأغلبهم اليوم بمخيمات على الحدود فيما آلاف أخرى لم تجد لها مأوى يحميها من مطاردات الجيش السوري والقوى القمعية (الأمنية) للنظام... ولا نغفل اللاجئين العراقيين الذين باتوا اليوم بين حانة ومانة بين البقاء في ظروف الاقتتال والصراع المأزوم ببلدان كما ليبيا وسوريا واليمن وبين العودة غير المأمونة وغير المكفولة ولا المتاحة أيضا...
وعشرات آلاف اللاجئين الذين يقفون في طوابير على قوائم الانتظار أمام مكاتب الأمم المتحدة بعدد من العواصم الشرقأوسطية، وليس من يتحدث عنهم بمستوى المأساة الإنسانية والعذابات التي يتعرضون لها يوميا.. ولابد هنا من أن نتذكر مخيمات لاجئين باتت هي ذاتها مصدر تهديد لحيوات المحتمين بها!! فبين تجارة الابتزاز وتجارة البشر وربما ممرات للرقيق والمخدرات هناك كوارث تحتبئ في ظلال تلك المخيمات...
في مثال صارخ لمخيمات اللجوء، تطاول أيادي السلطات الإيرانية الفارين من جحيمها بمخيم ((أشرف)) وترسل بشكل شبه يومي عناصرها القمعية وبلطجيتها إلى محيط المخيم لممارسة أشكال التجاوزات والاعتداءات تحت أنظار ما يسمى قوات الحماية العراقية.. وهذه في الحقيقة فيها من الاختراق ما يكفي لتلك الجرائم البشعة التي ارتكبتها في الصيف الماضي بقتل العشرات وإصابة المئات وتعريض حيوات السكان لخطر الموت بسبب الحصار الطبي وغيرها من أشكال الحصارات التي أودت بحياة عدد من المرضى فعليا! لقد بات المخيم ليس مكانا للحماية وإيواء اللاجئين ولكنه مكان لمزيد من الضغط وتعريض سكانه لمشكلات وآلام مضافة لا تحصل حتى في السجون والمعتقلات.. وربما مثلهم يُطارَد كثير من الإيرانيين من طالبي اللجوء بمختلف البلدان...
المخيمات في آسيا وأفريقيا تفتقر للسلامة وللشروط الأممية في توفير الحماية من جهة وتوفير الغذاء والدواء وتفاصيل العيش يوميا.. ولكنها بأوروبا ليست فنادق خمس نجوم.. إن الحد الأدنى من حماية وإيواء وعدد من التفاصيل المتعلقة بالغذاء والدواء موجودة هنا بمخيمات دول الاتحاد الأوروبي للاجئين.. ولكن؟؟؟!
ينبغي التذكير بمناسبة اليوم العالمي للاجئين بأن تأخير حسم طلبات اللجوء وإطالة مدة الإقامة بالمخيمات لتدوم سنوات بين الخمس والعشر سنوات أمر يخلق مزيدا من التعقيدات والأمراض النفسية والاجتماعية بين اللاجئين.. ويثير مشاعر الغضب والتمرد على المجتمعات الإنسانية وقوانينها برمتها...
فنحن نجد تباطؤا متزايدا في حسم الملفات بل واتجاها أكبر في رفض الطلبات والإعادة القسرية أو التهديد بسيف الترحيل على مدى سنوات فضلا عن حالات الطرد خارج المخيمات والدفع بمئات وآلاف من طالبي اللجوء إلى الشارع.. الأمر الذي يخلق الأرضية لسوق الجريمة وإثارة مشكلات جديدة بين المجتمع وهذه المجموعات من اللاجئين...
ولأولئك اللاجئين من المقيمين لسنوات الانتظار في مخيمات اللجوء الأوروبية سنلاحظ قصورا في متابعة الأحوال النفسية وما ينجم عنها من مشكلات معقدة ولكن ما ينكأ الجراح تلك التعاملات العنصرية عندما تبدو من عنصر أو أكثر في إدارة المخيمات أو في محيط المخيم بخاصة في ظروف العزل القسري لسكان المخيم الأمر الذي تضاعف بعد تقليص الميزانيات المخصصة..
حيث نشهد الازدحام في المخيمات الجديدة الموحدة من عدد من تلك الملغاة تقتيرا وتوفيرا ماديا.. وحالات السكن المضغوط في الوحدة السكنية، الصغيرة أصلا، ما لا يمكن قبوله بخاصة إذا ما تبينا أن تلك الوحدات السكنية لا تصلح للسكن لمديات زمنية طويلة كسنوات العيش في المخيمات (الكامبات) الممتدة طويلا؛ فهي تُشعِر الإنسان بالمهانة والتحقير بخلاف كل النصوص الحقوقية التي تلزم بمعالجة عاجلة وحسم أمور طالبي اللجوء في مديات زمنية تحترم شروط العيش الكريم..
إنّ كل هذه النواقص ناجمة عن تضاعف الصراعات السياسية على مستوى البلدان وإهمال النظم القمعية لمواطنيها بل قمعها لهم في ظروف الاستبداد والطغيان.. وهي ناجمة عن كوارث تقف وراءها قوى المافيا والميليشيات المصطرعة وضحاياها من المواطنين الأبرياء وحتى تلك الزعامات والأحزاب والقوى التي ترى في تمسكها بالسلطة أمرا مبدئيا لا يمكن التخلي عنه على وفق الأيديولوجيا المتحجرة مضحية بعشرات آلاف البسطاء في أجواء صراعها من أجل كرسي السلطة.. وطبعا الأزمة الاقتصادية العالمية ونتائجها من مختلف الأمراض والمشكلات المعقدة وعدم الوصول إلى حلول بشأن الهجرات الجماعية من الجنوب إلى الشمال بحثا عن مأوى آمن.. كل ذلك من الأسباب التي تُضاعِف أعداد اللاجئين كما تعمِّق أزمة التعامل معهم في المخيمات وباتت مخيماتهم هدفا للابتزاز في دول آسيوية وأفريقية فيما هي قاصرة ومثيرة للمشكلات والأمراض النفسية والاجتماعية وغيرهما في مخيمات الإقامة القسرية لمدد طويلة في ظروف غير ملائمة..
والحل بحاجة لدعم التغييرات الديموقراطية في بلدان العالم الثالث ودعم مسارات التنمية والإصلاح الاقتصادي الشامل كذلك في عقد مؤتمر دولي دوري سنوي يناقش بجدية حلولا جوهرية مختلفة نوعيا عن فلسفة الاستقبال بالمخيمات المؤقتة [المفروض أنها مؤقتة ولكنها واقعيا باتت دائمة كما بمخيمات اللاجئين الفلسطينيين] وبالتأكيد بشأن هذه المخيمات ذاتها لابد من العمل على إلزام السلطات المعنية بحسم القضايا بأسقف زمنية بين الأشهر والسنة في الحد الأقصى وإعادة إسكان اللاجئ أو طالب اللجوء خارج المخيمات بعبوره السنة الواحدة، فضلا عن توفير شروط الحد الأدنى من العيش الكريم والرعاية بتفاصيلها لطالب اللجوء..
وعلى المنظمات الأممية والدول المعنية مباشرة وتلك الواقعة خارج إطار موضوع اللجوء أن تضع ميزانية أممية لمعاضدة الجهود وعدم ترك دولة أو أخرى في خانق ضغط حجم اللاجئين لديها ما يحيل لمثل تلك الحالات من القصور والآلام التي تقع على حساب اللاجئ وليس غير..
إن أكثر من يتعرض لأزمات مضاعفة وأشكال من الاستغلال وربما المتاجرة بهم هم النساء والقاصرون من الأطفال وغيرهم وهذا لا يعني عدم وجود حالات ابتزاز للرجال في ظروفهم الاضطرارية القاسية.. ومن يقع في بلادهم تحت وطأة ظروف القهر ربما يضاعف آلامهم بتلك الضغوط التي تنظر إلى اللاجئ وكأنه في جنات النعيم فيما هو تحت مقصلة الاستغلال بكل أشكاله من ذلك مطاردة سلطات بلاده أو مشكلات أهله وشعبه..
وتلكم القضية التي ينبغي لنا جميعا التفكير بحلول مخصوصة بكل بلد وأخرى مشتركة أمميا عالميا.. وينبغي معالجة أشكال الادعاء والتظاهر والمتاجرة بهذي القضية الإنسانية كما يحصل من بعض النظم والحكومات وبالذات بشأن تصفية الحسابات بين القوى المصطرعة وأعمال الثأر والانتقام التي تقع على عاتق اللاجئ وحياته.. بخاصة ما يجري في أروقة مخيمات اللجوء ببلدان الشرق الأوسط ومحيطها الآفرو آسيوي.....
ولابد من التذكير في هزال جهود عدد من منظمات حقوق الإنسان المحلية والدولية واختراق عناصر فيها بتأثيرات سلبية وأمراض تسييس القضايا الحقوقية وإدخالها في معمان الأحزاب وسياساتها وصراعاتها حيث يجب رفض تسييس القاضايا الحقوقية نهائيا.. وينبغي هنا أن يجري البحث في عضوية المنظمات الحقوقية وفي آليات عملها وبرامجها وتطوير الأداء والارتقاء به بما يجعله بمستوى القضايا الحقوقية.. إذ كثيرا ما صار العمل في منظمات حقوقية أو تشكيلها تجارة ودعاية سياسية لحزب أو آخر ووجاهة في الوسط المعني.. وعلى سبيل المثال لا الحصر شكلت حركات الإسلام السياسي وأحزاب أخرى منظمات حقوقية تابعة لها وهي ليست سوى واجهة إن اشتغلت حقوقيا فستعمل على أساس الانتقاء والتمييز بين لاجئ وآخر وهي تتصيد للكسب في الوسط عبر أنشطتها.. بينما لا حلول جدية تتناول أوضاع اللاجئين الذين يجب أن تتجه إليهم تلك المنظمات؟!
وفي التجربة العراقية لبعض عناصر يقودون منظمات حقوقية أنهم رفضوا التدخل في متابعة شؤون اللاجئين على ادعاء أن ذلك ليس من اختصاصهم ولا من اختصاص منظماتهم الحقوقية!! وانظر إلى مستوى الوعي الحقوقي في الوسط العام ودرجة تفاعلنا معه..
إن بلدا كالعراق يجب أن يضع ضريبة وطنية تعادل كذا دولار لكل مواطن يدفعها سنويا للمساهمة المادية في إغاثة اللاجئ العراقي ولكن قبل ذلك وأبعد منه في خلق صلة بين أبناء الوطن والتعريف بمشكلات المنفيين في الغربة وتحت رحمة ابتزازها وآلامها..
إنني في وقت أحمّل المجتمعين المحلي والأممي، الرسمي والشعبي مسؤولية التعامل مع هذه القضية الإنسانية الكبيرة بأولوية متميزة أجد أن الأمور لا تمر بإدانة طرف أو تعزير آخر وانتقاد قصوره بل ستحل وتحسم بمؤتمرات دورية سنوية متخصصة وبتضافر جهود الجميع ولعل وجود اليوم العالمي وأيام وطنية وإقليمية للاجئ هي للتعريف بطريقة موضوعية مناسبة بثقافة حقوقية متناسبة وقضية اللاجئ إنسانا بكامل الحقوق في العيش الحر الكريم...
وتحية بهذه المناسبة السامية، لجميع أخواتي وأخوتي في مخيمات اللجوء وفي منافي الشتات والغربة وإنهم لجرح فاغر بيننا حتى يندمل بعلاج حاسم ونهائي.. وتحية لكل من مدّ ويمد يد المساعدة ولو بكلمة طيبة في هذا اليوم بحق اللاجئ.. وشكرا لكل من عمل ويعمل من مختلف المنظمات والمؤسسات والدول .. إن عملكم نبراس للروح الإنساني الأكثر أصالة.. ويكفي رضاكم وتمسككم بالقيم السامية في هذا الخصوص.. عشتم وسلمتم تعلّمون (الغير) مشاعر إنسانية نبيلة.. وسيكون طبطبة على أكتاف تحمل الأعباء ومسحة على قلوب تمتلئ بالأوجاع فتزيل عنها كربة يوم أمر له فعله في بناء عالمنا الجديد.. ومباركون جميعا في أعمالكم الإنسانية تلك ..........