اليوم العالمي لحرية الصحافة
أوضاع مأساوية لصحفيي العراق تتطلب موقفا تضامنيا حاسما
أ.د. تيسير عبدالجبار الآلوسي
رئيس البرلمان الثقافي العراقي في المهجر
تتعاظم مكانة الصحافة والصحافيين عالميا.. كما تدخل الحريات الصحافية في صميم الأولويات في قائمة الحريات العامة التي تسجلها قوانين حقوق الإنسان والقوانين الدستورية المعمول بها في الدول الديموقراطية.. وتجري أعمال التنبيه والمتابعة من المنظمات الدولية لمسيرة العمل الصحافي وتصدر التقارير الدورية بالخصوص..
في عالم جديد ومرحلة متقدمة للديموقراطيات الحديثة؛ بات من نافلة القول: إنّ هذا العالم يتطلع لسيادة الشفافية والوضوح، وتعميد الحريات العامة ومن ذلكم حرية التعبير ورقابة السلطة الرابعة للأوضاع عبر أنشطتها المخصوصة التي ينبغي أن تتمّ بكامل الحرية وتمامها..
وفي متابعة متفردة ومركزة على العراق الجديد، سنجد أنَّ الأوضاع قد دخلت في مرحلة التحول من سلطة مركزية دكتاتورية إلى سلطة جديدة مختلفة على الأقل فرضيا أو كما في الضمائر والأماني والتطلعات.. وبرحيل عنف سلطة الفرد والمركزية المقيتة، بات العراقيون يتطلعون لبناء بديل نوعي مختلف جوهريا.. إلا أنّ الأجواء الجارية أشرت اتجاها مخالفا لتلك التطلعات...!؟؟
فمبدئيا تسطو على الشارع فعاليات إرهابية تطاول الجميع، لكنها ليست عمليات اعتباطية في عشوائيتها ولا هي عشوائية غير موجهة في برامج تنفيذها.. فالإرهابيون لهم أجندة وأسبقيات إذ نالوا من العقل العراقي أولا في أكاديمييه ومثقفيه وفي إعلامييه وصحفييه بقرار مقصود متعمد..
وبالتركيز على الوضع العراقي العام سنجد أن العراق وعلى وفق التقارير المحلية والدولية من بين أسوأ البلدان مكانا وأخطره عالميا للصحافيين.. وفي السنوات الثماني الماضية تمّ اغتيال عشرات من الصحافيين وإصابة مئات من العاملين في الوسط وفي محيطه...
إنّ أول تهديد طاول ويطاول الصحافيين العاملين في العراق هو التهديد في حيواتهم؛ بعبارة أخرى تهديدهم بالاغتيال والتصفية الجسدية، وهو الأمر الذي تم بالفعل بحق عشرات من العاملين مع الفضائيات والصحافة المحلية والدولية.. كما يأتي الابتزاز بعمليات الاختطاف وما يرافقها في رأس القائمة أيضا...
وغير إشاعة الرعب والتصفيات الدموية، هناك عمليات ابتزاز لا تقف عند الصحافي المحرِّر، الكاتب أو العامل في داخل الصحفية وإنتاجها.. إذ هناك أمورا أخرى طاولت الصحافة وحرياتها منها مهاجمة المباني وإعمال التخريب فيها وفي المطابع.. ومنها التضييق على الموزعين وأشكال وصول الصحف لجمهورها والتمميز فيما بين صحافي وآخر وصحيفة وأخرى في ضوء الخضوع لمطالب الجهات الضاغطة..
إنّ وضع بعض الصحافة العراقية في قائمة سوداء أو حمراء يشيع تهديدا مفضوحا حتى لمن يقرأ تلك الصحيفة الموجودة في قائمة التهديد والابتزاز.. ويصبح من المعقد على الرصد الحقوقي تبيّن مثل هكذا عمليات محاربة للحريات الصحافية بإشاعة الرقيب السري.. وما يعقب الأمر من عمليات بلطجة..
وليس من قبيل المصادفة أن يجري توزيع الإعلانات ومصادر الدعم المالي بتمييز فاضح والعمل على فرض أشكال الحصارات القاتلة من هذا القبيل.. وما يراد تسجيله هنا يكمن في أشكال الحرب الجارية ضد الحرية الصحافية في العراق الجديد!!
وهذه فعاليات ممنهجة ولا تظهر مصادفة حتى منها تلك المتعلقة بالبلطجة المافيوية في وضح النهار.. ولطالما تعرض أبسط موزعي صحف بعينها لاعتداءات جسدية ولأشكال تخريب في أمكان بيعه من محلات وغيرها..
ولا يغفل المتابع المتخصص عن مسائل الضغوط والتدخلات بحق النقابيين ومنظمات العمل المهني الصحافي ولا عن العراقيل وأشكال التدخلات السافرة بشأن تشريع قوانين المهنة ووضعها موضع التنفيذ.. و أية عوامل تقف وراء تلك التدخلات!؟ وطبيعة الجهات [الرسمية] و [غير الرسمية] التي تقف وراءها؟؟
إنّ حالات إغداق المال السياسي سواء من المال العام أم من غيره من الأموال هو جوهر الفساد الذي يريد التغطية على الفساد الأخطر والأكثر شمولية المستشري في طبيعته بمختلف مجالات الدولة.. وهذا يمثل جزءا من ممارسة شق الصف الصحافي من جهة وتشويهه من جهة أخرى فضلا عن توليد وسائل ضغط من أنماط غير معتادة على الصحافيين العاملين بضمير ووعي يحترمان شرف المهنة...
إن محاولات إفساد العمل ووسطه هي لعبة وسخة من ألاعيب الضغط على الحريات الصحافية وليس بعيدا عن هذا أعمال حرمان عدد كبير من الصحافيين من الهويات النقابية ومن إدخالهم بقوائم الحقوق المادية والأدبية التي تخص الصحافيين.. سواء في مسائل المساكن وقطع الأراضي الموزعة والمكافآت والحقوق المختلفة الأخرى..
إن فعاليات العنف بأشكاله ومستوياته، وفعاليات الضغوط المالية المادية بأشكالها ومستوياتها وكل فعاليات الابتزاز والتهديد والتقتيل والاغتيال والتصفية والمضايقات بشؤون الرخص والتسجيل وحرية الحركة، لهي أمور ممنهجة للراصد الموضوعي الرصين...
ويمكن بهذه المناسبة أن نستذكر مئات المذكرات والقضايا الحقوقية والقضائية وتلك التي صدرت ببيانات وبلاغات محلية ودولية.. وأن نسجل كل تلك الفبركات الخطيرة بوصفها وثائق إدانة للسياسة العامة التي اتبعتها الحكومات المتعاقبة أغلب السنوات الثمانية المنصرمة..
وبديلا عن العمل من أجل توفير الحماية الحقة للصحافيين، راحت مؤسسات تابعة لرئاسة الوزراء مباشرة وبتجاوز على كل القوانين والأخلاقيات، تصدر القرارات العرفية بمصادرة العمل الصحافي الحر.. وتم منع عدد من الفضائيات من دون وجه حق وهو أمر تصدت له الجهات الصحافية والقوى الديموقراطية الحية في العراق، لكن من دون جدوى بسبب العودة لفلسفة مركزة السلطة وأوامرها ..
فما زال قيد الاعتقال التعسفي وبلا قرارات قضائية وبلا محاكمات عدد من الصحافيين.. كما إن قرارات المنع التي تطاول الفضائيات والصحافة كما في مثال البغدادية وما جرى بحق جريدة المدى وجريدة العالم وجرائد وصحف وصحافيين آخرين هي أمثلة صارخة بوجه من يتحكم اليوم بالسلطة وبالشارع السياسي بوساطة استغلال المنصب العام وبوساطة ميليشيات ومافيات البلطجة المنظمة..
إننا في اليوم العالمي لحرية الصحافة، لندعو إلى إعادة نظر في مجمل القوانين والتشريعات والعمل في ضوء مقترحات الصجافيين العراقيين بشأن إقرار الصيغ القانونية المنتظرة بشكل ديموقراطي سليم.. كما نتطلع ونعمل معا وسويا من أجل ضمان حرية حقيقية للصحافة في بلادنا كونها السلطة الرابعة التي تمثل أحد أخطر أشكال حريات التعبير في البلاد وتتابع بوضوح وشفافية مجريات الأوضاع وتقف بالمرصاد للجريمة وأشكال الخروقات في العراق الجديد..
إن وجود حرية صحافية في البلاد هو أحد الأركان الأربعة في السلطات التي نتطلع لبنائها على أسس دستورية صحيحة.. كما تعني المؤشر الأنجع لنجاح الشعب في ولوج آليات ديموقراطية ناضجة، لا تتعكز على ادعاءات تضليلية ولا تعميات مفتعلة من نمط صرخات بعض الطبالين القائلة ما حاجتنا لمنظمات حقوقية وما حاجتنا لمراصد صحفية في ظل حكومة منتخبة؟ وهم على حق إذ ما حاجة البلاد لمرصد صحافي ولصحافة حرة في ظل أوضاع مختلة جوهريا؟ إذ من سيمرر الاختلال واشكال الفساد حينها؟؟
لا ديموقراطية في بلاد لا حرية صحافية فيها.. ولا ديموقراطية في بلاد يشكل العمل الصحافي فيها خطرا داهما على صاحبه.. لابد إذن من البحث في كفالات العمل الصحفي في العراق الجديد.. ولعل أول كفالة بالأمر النظر في آليات عمل السلطتين التنفيذية والتشريعية في البلاد وواجب أن تتصدى السلطتان لواجباتهما على وفق الدستور والقوانين الحقوقية الدولية المعروفة..
تحية لصحافيي العراق وهم يمضون في أسوأ ظرف للعمل الصحافي دوليا.. ونحن نجدد تضامننا معكم وسنواصل التكاتف والتعاضد حتى تنتصر التشريعات والآليات التي تكفل العمل الصحافي الحر بحق.. ومباركة جهودكم الصادقة الأمينة ونشد على أيادي المخلصين في مؤسساتنا الوطنية بعامة إذ لا تخلو المسيرة من عناصر النزاهة مثلما تخترقنا لأسباب وظروف معقدة عناصر الفساد والخطر.