التضييق على النقابات العمالية في العراق؟!!
جرائم بحق التنظيم النقابي تمثل علامة فاضحة على استعادة آليات الدكتاتورية والطغيان
تيسير عبدالجبار الآلوسي
رئيس البرلمان الثقافي العراقي في المهجر
في وقت تتعقد الوقائع المحيطة بالمشهد العراقي، يدعو مسؤولو الحكومة المواطنين لدفع ضرائب جديدة لمسيرة العملية السياسية لوحدهم ومن أعمارهم وظروف عيشهم، ومن بين القرارات الجائرة المتعارضة مع الدستور ومع جوهر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ومع تطلعات الشعب في عراق جديد مختلف عن عقود الاستلاب والاستغلال، صدر عن (معالي) وزير النفط والكهرباء وكالة قرار بحلّ جميع النقابات العمالية بالوزارتين وإغلاق مكاتبها..
وبهذا فإنّ النقابات الأربع العاملة في وزارة الكهرباء [تلحق بمثيلاتها في النفط] وهي هنا: نقابة عمال وفنيي الكهرباء، ونقابة ذوي المهن الهندسية، والنقابة المستقلة، ورابطة منتسبي الكهرباء، تعدّ محظورة وغير رسمية ولا يجوز لها ممارسة أية أنشطة تتعلق بالجهد الجماهيري العمالي ودوره في البناء وإشادة العراق الجديد.. وبخلاف دور النقابات الإيجابي في تنظيم الجهود وإدخالها في تعزيز مسيرة العمل يرى قرار معالي الوزير بأن العمل النقابي يتعارض ويتقاطع سلبيا مع العمل الإداري والفني للشغيلة وأكثر من ذلك يرقى لمستوى العمل الإرهابي..!؟
ولم يفسر لنا القرار خلفيات صدوره.. فإلى أي المواد والبنود الدستورية استند؟ وبأي الصلاحيات جرى اتخاذ قرار حلّ النقابات؟ وكيف يمكن لفرد أن يتصرف ويتخذ مثل هكذا قرار لا يوجد له أي غطاء قانوني دستوري بل يتعارض مع ما أقره الدستور للعمال من حقوق في تشكيل نقاباتهم للنهوض بجهودهم ومسؤولياتهم عبر تنظيماتهم القانونية المشروعة؟ وكيف يمكن لفرد مهما كانت مسؤولياته ومناصبه التي يحتلها أن ينوب عن جماهير العمال وأعضاء النقابات لاتخاذ قرار الحل المحصور حقا لهم وعلى وفق الأنظمة الداخلية للنقابات؟؟
إنّ قرارا بهذه الآلية وبهذا التحدي للقيم والمبادئ التي يتطلع الشعب لترسيخها أسسا لمسيرته الجديدة، يمثل تعسفا صريحا واستغلالا بشعا للظروف التي تمر بها البلاد بخاصة منها تلك التي ترتبط بمسيرة النضالات المطلبية المهنية والسياسية العامة كما بظروف أفرزتها أوضاع أنجبت انتفاضة الكهرباء. والقرار يأتي عقابا جماعيا يوجهه معالي الوزير بمنصبيه في النفط والكهرباء لا لنقابات العمال في الوزارتين بل إلى الشعب العراقي الذي انتفض ضد أوضاع الفساد والخلل التي لم تنتج سوى مزيدا من الهدر في الثروة الوطنية أكثر سوءا، وتقصيرا خطيرا في الخدمات المقدمة للمواطن!
وبدلا من محاسبة المسؤولين على التقصير الفاضح في خدمات الطاقة بشقيها النفطي والكهربائي وبدلا من تغيير وإزالة مسببات الأزمة ومعالجتها بما يلبي الحاجات الحقيقية للمواطنين المنتفضين يجري تهديد الشعب وكل من (تسول) له نفسه في تنظيم مظاهرات الاحتجاج ضد (مسؤولي الفساد) كما يجري معاقبة النقابات ومنعها من العمل وإغلاق مقارها ومكاتبها كافة! ولا ننسى هنا مشاغلات معالي الوزير الشهرستاني بتصريحاته السلبية تجاه الجهود الإيجابية في إنتاج النفط بكوردستان وتعمده عرقلة أية جهود تمضي إلى الأمام! الأمر الذي يمكن أن يكشف بوضوح فلسفته بالمحصلة ومستوى أدائه الفعلي...
إن مثل هذه السياسات والقرارات إذا ما تكررت ((وستتكرر بوجود من أصدرها)) وإذا ما تمّ تمريرها والاستمرار بإجراءات التنفيذ فإنها لا تعني ضربا للحريات النقابية بل تمهيدا صريحا لخلق الدكتاتورية والطغيان مجددا.. وتجربة العراقيين ليست بعيدة مع نظام البعثفاشية المهزوم عندما سطا على النقابات وجيَّرها لصالحه ومنع أي عمل نقابي حر وعندما ضرب اتحادات الطلبة والشبيبة والنساء فحقق لنفسه وسائل السيطرة على أي شكل للتعبير الشعبي بأية قضية تخص مطالب الناس وحاجاتهم... ومن يومها كانت الدكتاتورية قوية عتية قادرة على تنفيذ مآربها لعدم وجود التنظيمات الجماهيرية القادرة على تحريك الشارع خارج سلطتها وأوامرها ونواهيها! فهل سنعيد الكرَّة ونسمح بمروقنا مجددا في هذه الطريق التعسة؟؟
إن أول إجراء ينبغي أن يتم هو عدم الالتزام بتنفيذ قرار إغلاق المكاتب واستمرار النقابات في العمل مع اتخاذ الإجراءات الكفيلة بإلغاء القرار رسميا عبر الآتي:
1. المفاوضات المباشرة مع ممثلي الوزير والوزارة بخصوص مطلب إلغاء القرار ومنع تكرره.
2. نقل الحوار إلى المحاكم الإدارية الدستورية المختصة لاتخاذ قرار يكون تأسيسا لمنع مثل هذه الممارسات اللاديموقراطية..
3. الاتصال بالمنظمات الوطنية العراقية المعنية والإقليمية والدولية لكسب التضامن والتدخل المباشر بالخصوص.
4. تهيئة الأعضاء وجمهور الشغيلة من عمال وزارتي النفط والكهرباء للتحرك والتظاهر ضد القرار..
5. العمل على تنسيق الجهد الشعبي الأوسع للمطالبة بإقالة المسؤول الحقيقي عن تعطيل العمل وتشويه أساليب التعاطي مع إدارة الوزارة ومؤسساتها بطريقة سليمة نزيهة شفافة.
إننا هنا نود التوكيد لا على قانونية العمل النقابي العمالي حسب ولا على دستوريته وشرعيته بل على أن عملية سياسية بلا نقابات مهنية وبلا منظمات مجتمع مدني ستعني ضحكا على الذقون وعودة إلى نهج الدكتاتورية والاستغلال وتشويها بل منعا صريحا لأية فرصة للتقدم نحو العمل الديموقراطي الحق..
فالديموقراطية ليست عملية انتخابية [لربما يكتنفها التزوير أيضا] بل جهدا مؤسساتيا تديره وتقوده منظمات مجتمع مدني مستقلة تتخذ قراراتها بإرادتها ولا يسمح بأية تدخلات في أنشطتها وجهودها دع عنك حظر قرارات وقفها ومنعها من العمل الحر..
وسيكون من الخطورة بمكان أن نترك كل نقابة تجابه ظروفها لوحدها وأن نترك من يمتلك سلطة القرار الفوقي حرا في نهجه الثابت وفلسفته وسياساته وإجراءاته في ذبح التنظيمات المستقلة والسطو على لاحقا على إعادة ترتيبها على وفق مناهج (طغاة) جدد... وإذا كان قرار (معالي) الوزير قد جاء قصورا في إدراك الأمور أو ربما تضليلا وتشويها متعمدا لها بزعمه أن العمل النقابي يمثل إرهابا فإن الحقيقة أن نتائج القرار الجائر هو إرهاب للنقابات وإرعاب لكل من يفكر في التصدي لخطأ أو جريمة أو تقصير وفساد فالإرهاب ليس بالتفجيرات حسب بل بالعوامل النفسية وبالممارسات التي تضغط على المواطن المغلوب على أمره وتلكم هي مفردة باتت نهجا خطيرا تكرر أكثر من مرة في وزارة النفط تحديدا.. حيث جرى التهديد باستخدام الجيش في قمع أي تحرك نقابي مثلما جرى التهديد باعتقالات لأي ناشط في التعبير عن مطالب المواطنين!!
ومن هنا فإنّ منظمات الداخل ومعها منظمات العراقيين في مهاجرهم كافة لا تقف عند إدانة هذه القرارات ولكنها تتخذ الإجراءات المناسبة وتدريجا في اتصالاتها وجهودها لوقف الهجمة (الرسمية) المجافية لحقوق العراقيين والمعادية لتطلعاتهم ومطالبهم وللتحول إلى قرار جديد يتيح للحريات النقابية كل ما تتطلبه وبلا أي شكل للتقصير والتهاون في تلبية مطالب النقابات الحرة المستقلة..
كما ينبغي العمل الجاد لتنسيق الجهد من الآن فصاعدا بين جميع المنظمات والنقابات في الداخل والخارج كيما تولد الآليات الدفاعية المناسبة الضامنة لثبات خطوات التقدم نحو تعزيز فلسفة المجتمع المدني وتنظيماته ومؤسساته وإزاحة أشكال الإرهاب التي باتت نوعيا لا تقف عند حدود إرهاب التفجيرات بل وصلت أعلى مستويات الأداء الحكومي السائد...
وتبقى دعوتنا للتنسيق والرد العاجل أبعد من تمنيات تمر مرور الكرام بأمل أفضل الحلول الناجعة لاستفحال أزمات القرارات وتعاظم مخاطرها...