دلالات توديع كوكبة أخرى من الأطفال ضحايا جريمة جينوسايد الأنفال
الأستاذ الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي
باحث سياسي أكاديمي\ناشط في مجال حقوق الإنسان
رئيس البرلمان الثقافي العراقي في المهجر
جرت بالأمس مراسم توديع رفات 104 أطفال و امرأتين من ضحايا جينوسايد الأنفال إلى مثواهم الأخير في جمجمال. وهذه ليست المرة الأولى ويبدو من السياق ليست الأخيرة في سلسلة ما يكشف عنه ثرى الوطن من ضحايا حاول مجرمو النظام السابق طمطمتها تحت التراب! ولكن انهيار سلطة الموت والجريمة وهزيمتها التاريخية أتاح المقدمة المهمة لفضح الحجم الخطير الذي نجم عن تلك الجرائم من ضحايا بشرية لم يكن لهم من ذنب سوى كونهم (كورد) يتمسكون بوطن الآباء والأجداد (كوردستان)...
إنّ صفحة مفتوحة من الآلام والمعاناة تجري كأنهار من دم وهي مستمرة فاغرة لا تندمل حتى تتم معالجة الأسباب التي أدت إليها؟ فلقد ارتكب نظام الطاغية الدموي أشكالا من الجرائم انفرد بها عن غيره في ارتكابه بشاعات أقل ما يمكن وصفها كونها جرائم إبادة جماعية دلَّت على سادية واستهتار بحق الشعب والإنسانية...
إذ تفنـَّن دكتاتور الدم في تعامله مع ضحاياه فقتل فرديا وثنائيا وبأنفار بشرية وبمجموعات تؤكد مراسم توديع كوكبة الأطفال و النساء على أنه لم يردعه في جريمته حتى التوقف أو التردد ولو للحظة تجاه براءة الطفولة!!
ولأنَّ حقده تشرَّبه جسده فقد فاض على عقله ليتفتق عن جريمة بحق شعبنا الكوردي الذي تمسك بهويته وبقيم الحرية والعيش الكريم فكان ذلكم سببا كافيا للطاغية كيما يباشر الجريمة التي ما عادت الكلمة بمستطيعة التعبير عنها لأنَّها جريمة من نوع فضاعة لم تـُرتـَكـَب في عصر من العصور... إنَّها وصمة العار التي أطلق عليها عمليات الأنفلة أو الأنفال!!؟ وأذكر هنا كل من يحاول التنصل من الجريمة وإيجاد المبررات للتوقف اليوم هنيهة وتبيّن الحقيقة الصارخة في أنفلة الأطفال كون ذلكم دليلا خطيرا ودامغا يشير إلى الطبيعة السافرة للجريمة..
و الأنفال التي قرأناها وسنقرأها عبر سلسلة كبيرة من المقابر الجماعية وسلاسل أضخم من عمليات مسخ إنسانية البشر وإعادتهم لعصر الرقيق والعبودية وكل ذلك هو جزء من تراجيديا كارثية لم تشهدها إلا عيون الضحايا وأدوات الجلاد أما لمن يريد أن يشيح ببصره فعليه أن يصغي لأصوات الطفولة التي نشيعها اليوم...
إنَّ ((يوما للحداد)) في بلادنا على ضحايا كل واقعة في تلك الجريمة سيظل مهما لزرعه في الذاكرة الجمعية العراقية كي تحذر من كل محاولة إلى حيث أي احتمال لعودة المجرمين والجلادين بقبعات جديدة وأقنعة أخرى. لكن يوم حداد لجرائم عمليات الأنفال لن يكون بكافِ ِ ولن يرتقي لمستوى التذكير بها وبمخاطر الاحتفاظ بعلامة تشير إليها من استهتار بشع بالحقوق الآدمية الأولية!
لذا يجب أن يكون هذا التوديع (التراجيدي) اليوم منطلقا لنرفع راية الحب والسلام لكل اسم من أسماء الضحايا ولنشرع فعليا بجهود عملية بافتتاح مؤسسات (التوثيق) للجريمة ولما سيتكشف لاحقا من جديد الضحايا.. ولافتتاح مراكز دراسات أكاديمية علمية تتناول الجريمة من مختلف زواياها ولتسميتها قانونيا بـ ((الجينوسايد)) كما حقيقتها المهولة.
وينبغي أن نقول في هذا الموقف كلمة حق تاريخية لشعبنا الكوردي: أن لا عزاء في ضحايانا ولكن إعلاء لمجد الذكرى ولتكن تلك الآلام آخر المطاف في ظل عراق فديرالي يحتفظ فيه الكورد بكامل حقوقهم في الحياة الإنسانية بعيدا عن الوصايات والفوقية والاستعلاء والاستلاب والمصادرة التي كانت جزءا خطيرا من أسباب تلك الكارثة المهولة الخطيرة...
إنَّنا لا يمكن أن ننسى أنَّ جريمة الأنفال لم تقف عند حدود القتل والتصفية والإخفاء وما يُدعى قانونيا جرائم الإبادة الجماعية ولكنها فوق ذلك تضمنت جرائم ضد الإنسانية من جهة الحجز التعسفي وتحقير السكان والتمييز العنصري وما تفاقم في ضوء تلك الجريمة من إرهاب وما كان يثيره من قلق وخوف وخلق الرقيب بأشكاله فالاعتداء النفسي هذا هو جزء خطير آخر من تلك الجرائم التي شخصتها اتفاقية ضد التعذيب الدولية..
إنَّ هذه الكشوف الخطيرة كتلك الكوكبة من الضحايا من الأطفال المؤنفلين لتدعو إلى مواصلة الحملات الوطنية والدولية من أجل فضح الجريمة الكارثية الكبرى ممثلة بعمليات الأنفلة؛ واتخاذ الإجراءات الكفيلة بتفعيل مؤتمر بانعقاد سنوي ولجنة متابعة لإقرار الطبيعة القانونية للجريمة كونها جريمة تقع تحت طائلة القانون الدولي بوصفها من جرائم الإبادة الجماعية الجينوسايد ولابد من عدم إغفال التفاصيل الأخرى من جرائم ضد الإنسانية كما في أمور السحق النفسي والحرب ضد الهوية القومية للكورد كجريمة إبادة للجنس البشري ومظاهرها في الإبادة الجسدية والإبادة البيولوجية وهناك الإبادة الثقافية من اعتداء على الثقافة القومية وعلى الهوية المخصوصة.. وهكذا فقد وقعت الإبادة المادية بالقتل والاعتداء الجسماني والإبادة المعنوية كالاعتداء النفسي والإخضاع لظروف العيش المهينة والنقل لظروف معيشة مختلفة لغة وتقاليدا...
من جهة أخرى يلزم التذكير بعواقب إغفال نتائج الجريمة وإهمالها ولابد هنا من تصنيف عواقب مثل تلك الجرائم ممثلة في:
1. عواقب أخلاقية تربوية: وما تركته الجريمة من آثار نفسية حفرت عميقا في الأنفس بما يتعارض وحقوق الأبناء والزوجات وعند مجموع الشعب الكوردي..
2. عواقب قانونية دستورية: فجريمة الأنفال هي مجموعة متنوعة من الجرائم من جرائم الإبادة وجرائم ضد الإنسانية وجرائم تعذيب وهي من ثمَّ ليست جريمة عادية بسيطة وهي جريمة لا تنتهي بالتقادم الزمني إذ ما زالت وستبقى آثارها ما لم تجرِ معالجتها معالجة جدية بمستوى خطورتها وحجمها الحقيقي..
3. عواقب سياسية: حيث ستفضي حالة إهمال دراسة الجريمة وآثارها إلى تعاظم دور طروحات رفض الفديرالية ومن ثمَّ رفض الحقوق القومية العادلة للكورد.. بينما لن يضمن تلك الحقوق إلا العيش في ظلال اعتراف مسؤول بحق الكورد في الوجود القومي المخصوص بهويته عبر إجراءات سياسية محددة ومنتظرة اليوم قبل الغد...
4. عواقب إنسانية : إننا هنا بصدد جريمة كبرى مركبة جرت بحق مئات آلاف الضحايا وبحق شعب بأكمله فأين التعويضات الحقة المناسبة التي تسد جانبا من بقايا آثار الجريمة وهي لن تـَرُدَّ القتلى إلى حيواتهم ولكنها معنويا تعيد حقوقهم وماديا للشعب المُضام ما يُنتظـَر من تعويض جدي مسؤول...
5. عواقب قومية: تلك التي تقوم على جلد الذات وتأنيب الضمير القومي تجاه عملية التجاهل من الآخر والسكوت عليه من قوى القومية الكوردية ما يفضي إلى قطيعة تحفر مزيدا من التطرف القومي..
وينبغي أنْ يظهر بمقابل ذلك وبوضوح إدانة للسياسات الماضوية الخاطئة وللجرائم المرتكبة بالأمس وفي راهن أوضاعنا وفي اعتماد خطط موضوعية تمنح الحق لأهله من حيث نقطع الطريق على التدليس والمزايدة والأقنعة والبراقع وإلى أنْ يجري تطوير التشكيلات التشريعية والقضائية والتنفيذية على أسس وطنية توحد لا تفرّق يلزم لنا أن نعمل بشكل جدي فاعل وبتوحيد لجهودنا بعون مؤمل من القوى الدولية لكي تضغط وتمنع الأصابع المرضية في مجتمعنا من ممارسة أدوارها التخريبية ولابد من:
أ. تطبيع الحياة العامة وإتاحة الفرص الديموقراطية الواسعة والحقة...
ب. توفير الفرص للثقافة القومية الكوردية بهويتها المستقلة بطبع الكتب والنتاجات بلا قيود و لا مصادرات.. وسيكون لتحفيز الأنشطة الثقافية والإعلامية وجذب العنصر الدولي المناسب دوره الفاعل المنتظر ومن ذلك على سبيل المثال الإفادة من اليونسكو والمنظمات المعنية في توفير قواعد مناسبة لتعويض أزمة البدايات واختناقاتها...
ت. منح العناية الوافية برعاية اللغة وتعليمها وبأبنية تُعنى بهوية الشعب في كوردستان...
ث. الإفادة من مؤتمرات وطنية ودولية دورية يجري إعدادها بالخصوص
ج.
تفعيل تجاريب
عدد من
الحركات
السياسية
والثقافية والاجتماعية
ولمؤسسات
المجتمع
المدني معالجتها
القضية
القومية
خ.
إزالة مصطلح
أقليات التهميشي
الظالم
نهائيا
واستخدام
أسماء
المجموعات
القومية
والدينية
بوضوح...
د. تعويض ضحايا جرائم الاعتداء المباشر وغيره وجرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة الجماعية والهولوكوست الشوفيني التي جرت بحق الشعب الكوردي كل حسب الظرف المباشر المخصوص في علاقته به...
وبعامة
فإنَّ
الجريمة لن
تسقط بغير
معالجة عادلة
منصفة تزيل كل
رواسبها من
الذهن الوطني
والقومي بل
والبشري
عامة...
http://www.sotakhr.com/2006/index.php?id=10482