بمناسبة اليوم العالمي للعمال المهاجرين وأسرهم: ماذا فعلنا لمؤازرة شغيلتنا في المهجر؟
أ.د. تيسير عبدالجبار الآلوسي*
أكاديمي عراقي \ ناشط في مجال حقوق الإنسان
وضعت المنظمات الدولية تواريخ احتفالية لمختلف الفئات الإنسانية ولكن المعنى الرئيس يبقى واحدا في مقاصد تلك المناسبات.. إنه محاولة جذب أفضل أشكال الدعم والمؤازرة لحل المعضلات والعقبات التي تجابه الجميع حياتيا والدفع باتجاه غد أفضل للبشرية...
وفي إطار سلسلة من الأيام الاحتفالية بما يتعلق بحقوق الطفل وبالسلام العالمي وبرفع أشكال التمييز ضد المرأة، يُحتفى في الثامن عشر من كانون أول ديسمبر الجاري باليوم العالمي لحماية العمال المهاجرين وأفراد أسرهم.. الذي يمثل الذكرى 19 لصدور الاتفاقية الدولية لحماية حقوق العمال المهاجرين وأفراد أسرهم المقرة من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة في 18.12.1990 والتي دخلت حيز التنفيذ في تموز يوليو 2003... ومن بين الدول الشرق أوسطية لم توقع الاتفاقية المعنية حتى اليوم سوى ست دول عربية هي موريتانيا والمغرب والجزائر ومصر وليبيا وسوريا من بين 23 دولة..
العراق من بين الدول التي لم توقع بعد على اتفاقية حماية الشغيلة في المهجر على الرغم من أن الجاليات العراقية صار تعدادها اليوم بالملايين، وعلى الرغم من أنّ هذي الجاليات تضم بالأساس ملايين من الشغيلة وأفراد أسرهم الذين يبقون بحاجة إلى الحماية القانونية الوافية.
فبدءا من شروط العمل والتمييز بالأجور بين عمال الدول المضيفة والمهاجرين توجد أمور كثيرة يصطدم بها العامل منها كيف يحظى بالرعاية الصحية وكيف يدبر أمور سكنه وعائلته وكيف سيجد الغطاء القانوني لعيشه وأفراد العائلة بما يؤمِّن لهم الخدمات من تعليم ورعاية صحية ومن تأمين نهاية الخدمة وإعانة البطالة بخاصة في ظل الأزمات الاقتصادية والظروف المالية المعقدة عالميا.. ومعروف كيف تتزايد اليوم نزعات التمييز والعنصرية وكره الأجانب، إلى جانب أوضاع العمل المزرية؛ وتعرض نسبة كبيرة من الشغيلة للاحتجاز والإهانة والممارسات التي تحط من الكرامة الإنسانية وتتصاعد الأمور سوءا بقدر تعلقها بالنساء والأطفال بما يعرضهم لشتى أشكال الاستغلال والعنف الجنسي وحتى تعرضهن لجرائم القتل بذريعة غسل العار فيما يجري تركهن في حالات أخرى ليقعن ضحايا بأيدي شبكات التهريب والاتجار بالبشر ومنهم الأطفال القاصرين. ولطالما ابتلعت مياه البحر مئات العراقيين المهاجرين ولطالما تعرض مئات ألوف منهم لمآسي الهجرة القسرية ونتائجها بمجابهة مع معضلات البطالة والفقر والعوز والتمييز العنصري ومختلف أشكال الابتزاز والاستغلال؛ هذا بخلاف مشكلات الإقامة التي يزداد بشأنها تضييق الخناق على المهاجرين واللاجئين وأضافت إلى أزماتهم أزمات جديدة اتفاقاتُ (الحكومة العراقية) بشأن إعادتهم قسريا من دول اللجوء والهجرة، بدل البحث في قضاياهم بطريقة إنسانية جدية مسؤولة. وغير هذا وذاك يُحرم المهاجرون من المشاركة السياسية على الصعيد الوطني ويجري وضع تشريعات تحد من حقوقهم وتصادرها كما حصل في مضامين قانون الانتخابات الأخير.
وإذا كان عراقيو المهجر قد غسلوا أيديهم من النظام السابق بسبب من كون معظمهم أساسا خرج لأسباب ودواعي (أمنية) أو للمطاردات السياسية التي عانوا منها، فإنّ أغلبهم اليوم وهو يقارع شروط العيش المعقدة في منفاه أو مهجره، ينظر بقوة إلى ما يمكن أن يؤازره في بحثه بل صراعه من أجل البقاء والنهوض بأعباء معيشة أسرته...
ولكن، كيف هذا وزملائه من شغيلة الداخل يئنون من بقايا القوانين المتخلفة التي ألغت وجودهم الطبقي بتحويلهم إلى مسميات (الموظفين) الأمر الذي تسلح به معالي وزير النفط في معركته ضد شغيلة حقول النفط المطالبين بحقوقهم النقابية وما يتبعها وهذا على سبيل المثال لا الحصر..
كيف يمكن لشغيلة المهجر أن ينتظموا في نقابات وروابط واتحادات وجمعيات وهم لا يحظون بأي شكل من أشكال الدعم الأدبي والمادي من ظهيرهم في داخل الوطن؟ كيف ستصلح الأمور ويستطيعون المطالبة بحق وليس لهم من نصير أو مؤازر؟ إنهم العرضة الأولى لأي استغناءات وحالات طرد وفصل من العمل وهم الأكثر عرضة للشروط المجحفة المذلة في التشغيل والأكثر عرضة للأجور المتدنية لمجرد كونهم من العمال الأجانب...
ولأنّ هؤلاء يخدمون ويعيشون في المهجر اليوم في ظروف مخصوصة معقدة وصعبة فإن دراسة حالاتهم دراسة دقيقة موضوعية شاملة منتظرة من الجهات الرسمية والنقابية المعنية.. وسيتطلب من القوى والعناصر المتخصصة أن ترفع الصوت عاليا بمطلب التحقق من أوضاع العمال المهاجرين والتعرف إلى مطالبهم عن كثب وتلبية ما يمكن تلبيته بشكل فوري عاجل بخاصة عند تعلق الأمر بشؤون مصيرية طارئة تحيق بحيواتهم وتتهدد وجودهم...
ولعل من أولى الأمور أن يجري إحصاء دقيق لعراقيي الخارج وحصر لمهنهم المؤقتة والدائمة.. وأن يجري تسجيل ظروف إقاماتهم وطبيعتها وقراءة احتمالات عودتهم في ضوء أسباب العيش في المنفى أو المهجر القسري أو الاختياري..
كما ينبغي أن توجد مراكز دراسات متخصصة لقراءة ظروف العيش وتأثيراتها الاجتماعية والنفسية والعلائق بالوطن الأم وبتطورات الأمور الخدمية من نمط خدمات التعليم والصحة والتأمينات اللازمة للطوارئ..
ولنا أن نذكِّر بأن طلبتنا الموفدين الذين مازالوا بذمة متابعة الجهات الرسمية في داخل الوطن قد وقعوا في ضوائق مستمرة ماليا وحُجب عنهم مرتباتهم ومستحقاتهم المالية، فكيف الأمر باولئك الذين فروا في ليلة ظلماء تحت جنح التهديد بالموت وبعذابات ضغوط الميليشيات والمافيات والعصابات المسلحة!؟
مع ذلك يجب التذكير هنا، بأن على النقابات العمالية العراقية أن توجد منافذ وأذرع لها تمثل فروعا لشغيلة المنافي والمهاجر، وأن تضع الخطط المناسبة للتعاطي التنظيمي معهم فضلا عن عقد الأنشطة وأشكال التضامن والمؤازرة اللازمة في عرض مشكلاتهم على الجهات المعنية ما سيشكل الفرصة الأنسب لدفع الحكومة العراقية باتجاه تبني حاجات هؤلاء المواطنين وإعادة ترتيب أوضاعهم تدريجا لربطهم بالوطن وتوفير فرص عودتهم الاختيارية عند نضج الظروف...
إنَّ من بين أبرز الحاجات المهمة في ربط شغيلة الخارج يتمثل في توفير التعليم المدرسي والجامعي لأبنائهم أسوة بحقوق كل عراقي كما هو حاله في داخل الوطن.. وتبقى ذريعة وجوده خارج البلاد حجة باطلة لأن ذلك لا يُسقط عنه هويته الوطنية وانتاسبه للعراق وحقوقه عليه.. وليس سليما معاقبة هذا المواطن بقطع الخدمات ومنع تلبية حقوقه لأنه اضطر للهروب بعائلته بعيدا عن جحيم الظروف المعقدة في الداخل...
وبالمناسبة فإنَّ أغلب بلدان العالم التي لها شغيلة في المهجر تبقى على صلة بأبنائها وتجذبهم بتسهيلات كبيرة كثيرة للإبقاء على تلك الصلات وبما يحقق الفائدة للطرفين. في وقت تطفو على السطح بين الفينة والأخرى صرخات همجية تتهجم على عراقيي المهجر وتتهمهم بأسوأ النعوت في محاولة للتخلص من الالتزامات القانونية الملقاة على عاتق الحكومة ومؤسساتها المعنية..
ولعل مما يسهل أمر التعليم وأشكاله توظيف آلاف من الخريجين بمختلف التخصصات ممن يعيشون في كنف الجاليات المهجرية فضلا عن إمكان افتتاح فروع جامعية واستخدام التعليم الألكتروني وتوظيف الاستثمارات الأكاديمية المناسبة لهذا الأمر.. ومن جهة سيكون وجود مكاتب متخصصة في القنصليات العراقية وصناديق دعم للطوارئ أمرا مهما وعاجلا في التعاطي مع تلبية حقوق شغيلة المهجر..
إنّ هذه القضية ستظل إشكالية تضيف زخما تراكميا من المشكلات النفسية والاجتماعية وفي التعاطي مع الهوية الوطنية بحساسية بعد أن يستشعر المواطن بأنه جرى اقتلاعه من بيته في الوطن ويتم تركه لضواري زمن المهجر ومسكنه فتنقطع السبل بطريقة سلبية سيترتب عليها (الكثير) من المشكلات التي لن تبقى بعيدة عن التأثير على الوضع العراقي في الداخل سلبيا...
وما يمكن اليوم الدعوة إليه يتمثل في التصديق على الاتفاقات والمعاهدات الدولية بالخصوص.. والشروع بتشكيل تنظيمات وتركيبات مؤسسية مناسبة لمتابعة الأمر ومعالجته بوسائل موضوعية ناجعة سديدة.. وأن تتم معالجة هذه الإشكالية الحديثة على واقع مجتمعنا في التشريعات العمالية وفي القوانين المرتبطة وتلكم مهمة قد تجابه صعوبات من أي نمط إلا أنها أهون من تركها على عواهنها بلا معالجة ما يخلق التراكمات التي أشرنا إليها وإلى مخاطرها...
ونذكِّر هنا ببعض المطالب المستندة إلى الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين و أفراد أسرهم من مثل:
1. الحق في الحياة الحرة الكريمة للعمال المهاجرين وأفراد أسرهم ) المادة 9(.
2. الحق في الحماية من جميع أشكال التعذيب والمعاملات السيئة والمهينة والحاطة بالكرامة. )المادة 10(.
3. الحق في الحرية والأمان والحماية الفعلية للدولة من العنف والأضرار الجسيمة والتهديدات... )المادة 16(.
4. الحق في التمتع بمحاكمة عادلة في حال التعرض لاعتقال) المادة 18(.
5. الحق في عدم التعرض للطرد الجماعي... ) المادة 22(.
6. الحق في الحصول على الرعاية الصحية والعلاج الطبي الطارئ في الحالات المستعجلة ) المادة 28(.
7. الحق في دخول أطفال المهاجرين المؤسسات المدرسية والجامعية العامة المبغطاة بدعم حكومي )المادة 30(.
8. الحق في التمتع بمعاملة متساوية مع عمال البلد المضيف سواء في الأجر أم ظروف التشغيل... )المادة 25 ).
للاطلاع على الاتفاقية يرجى الذهاب لهذا الرابط: http//:www.somerian-slates.com/v185idhr.htm
* رئيس البرلمان الثقافي العراقي في المهجر \ رئيس جامعة ابن رشد في هولندا \ مستشار رابطة الكتّاب والفنانين الديموقراطيين العراقيين في هولندا