العلاقات العربية الكوردية
في ضوء خيار الحوارات الرسمية والشعبية البناءة
زيارة رئيس إقليم كوردستان لعدد من الدول العربية نموذجا
الأستاذ الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي
محلل سياسي أكاديمي
تعود العلاقات العربية الكوردية إلى أركان وجذور متنوعة غنية منها العمق التاريخي لهذي العلاقات ومنها حال التعايش والتفاعل الإنساني القائم على قواسم العيش المشترك... ولطالما تعمَّدت هذه العلاقات بالتضحيات التي سطَّرت سجلا حافلا من مسيرة نضال لبناء الحياة والسير بها قُدُماَ إلى الأمامَ...
فلقد أكَّد العرب والكورد صلاتهما اجتماعيا وفكريا سياسيا في المستوى الشعبي؛ فيما دعمت القيادات دائما مسار التحالفات الاستراتيجية في أحلك الظروف وأعقدها؛ ويمكننا الإشارة إلى علاقات القيادات العربية والكوردية الأهم في التاريخ المعاصر ملاحظين الدور المصري والليبي والسعودي وأدوار قيادات عربية أخرى وعلاقاتها الفاعلة، وهي جميعا مفردات واعية لأهمية العلاقات الإيجابية بين الطرفين..
وتأتي اليوم زيارات القادة الكورد الرسمية لتمثل حلقة أخرى وحدثا حيويا يمد هذي العلاقات بما يعمِّدها ويمنحها العمق الذي يصل التراث المجيد لوحدة الكورد والعرب بالحاضر الذي يتحدى المصاعب والعقبات بخاصة، المفتعل منها، جراء تدخلات أو عبث بعض الأطراف التي تعادي الإنسانية بكل أطيافها أ قصورها عن إمكان التصدي والمعالجة الصائبة جوهرا وأدوات...
وهكذا يمكننا أن نجد توجيه الدعوة للسيد البارزاني من قادة دول عربية، يمثل انفتاحا مطلوبا ومنتظرا كخيار استراتيجي لعلاقة عربية كوردية على المستوى الإقليمي وإبرازا للحقيقة الثابتة في وحدة شعوب المنطقة وشراكتها في تطلعاتها الإنسانية المشروعة.. كما تمثل استجابة رئاسة إقليم كوردستان وقياداته تفاعلا يؤكد حرصا رسميا كورديا على التعاطي مع وحدة مسيرة الطرفين إيجابيا وبروح استراتيجي النظرة لا يقف عند حدود كوردستان عراقيا بل يمتد لكلا العمقين الكوردستاني والعربي...
ويمكننا هنا أن نرصد الأمر من طبيعة الموضوعات التي تمَّ بحثها في الزيارة الأخيرة، وعلى رأسها توكيد وحدة التراب الوطني وسلامته وثبات الاتجاه الكوردي في خيار العراق الاتحادي.. وسيكون مفيدا حيثما لـَـفتـْنا النظر إلى كل تلك الأبعاد البناءة المشرقة التي تغذي العلائق الإيجابية ووحدة التوجهات ومشتركاتها... إذ من مهمة المثقفين ومنهم الإعلاميون أن يُعلُوا من شأن ما يضيف لاستراتيج خيار الوحدة والتفاعل البناء في إطار المنطقة..
ومن هنا أيضا يمكننا ملاحظة موضوعات تشغل بال الإعلامي انعكاسا لانشغالات المواطنين العربي والكوردي.. وقد ظهر الأمر في الحوار الذي جرى بين الإعلاميين وفخامة رئيس الإقليم بما يتعلق بالمحاور المطروحة ميدانيا على المستوى العراقي من مثل قضية الثروة الوطنية (النفط) وانتخابات المجالس (للمحافظات والبرلمان) ورحيل القوات الأمريكية والعلاقة بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم وجملة موضوعات مهمة أخرى..
وفي جميع الأحوال كان ديدن الإجابات يؤكد الطابع الإيجابي المتين الذي يحكم مسار الحدث ومسار العلاقة ومسار النتائج.. وعودته لتفعيل مسؤولية ومكانة المؤسسات الدستورية وسلطتها الرئيسة في توجيه القرار.. مع الإقرار بوجود ثغرات و|أو أخطاء والسعي الحثيث لتلافيها وتطوير مؤسسة الدولة الوطنية عراقيا وبناء المؤسسات الكوردستانية بما يستجيب لمصالح المواطن الإنسان بكامل حقوقه..
إنَّ توكيد خيار وحدة العراق والتقدم بالعملية السياسية ووجهها الديموقراطي الفديرالي وتفعيل الدور المؤسساتي الدستوري واعتماد الدستور في كل تحرك أو نشاط وقراءة متطلبات الواقع والظرف القائم في التعاطي مع أية حالة كما في ربط انسحاب القوات بجاهزية الوضع وبجدولة وطنية عراقية المرجعية، إن هذا وغيره هو توكيد سيسير بالوضع إلى أمام...
وحتى في التعاطي مع العلاقات الإقليمية وتحديدا هنا بين العراق وتركيا وفي الإطار كوردستان؛ كانت التفاعلات تؤكد الحرص على تمتين هذي العلائق وإيجابيتها وتوجيهها بما يخدم أبناء المنطقة عامة وتجنيبهم ويلات أخطاء بعض التوجهات المؤججة للصراعات بما يطبِّع ويحل الأمور سلميا...
ويخرج المتابع للحدث بخلاصة تفضي إلى أهمية النظر في الصحي والصحيح الصائب من التوجهات وفي توكيد المشتركات كقواسم تعمّد الحلول السلمية لأية قضية أو معضلة.. وطبعا تختار طريق الحوار والتفاعل وتبادل الرؤى والقبول بالآخر وبحقه في الحياة على أساس مبادئ الإخاء والمساواة وعلى أساس من حريته التامة الكاملة في اتخاذ قراره..
كما يفضي الأمر إلى وجوب الإشاحة عن أية مواضع تؤجج الاختلاف أو تتحول بالاختلاف إلى التناقض والصراع فيما الاختلاف ذاته هو أمر طبيعي يدخل في إطار حقوق البشر في إبداء الرأي وفي اتخاذ القرار بحرية واستقلالية وهو أي الاختلاف يتحول إلى تنوع يُغني ويفيد عندما نحترم الآخر ونمنحه ما نمنح أنفسنا من حق.. وفي هذا الموضع علينا تذكر أن الثغرات والمثالب لا تكمن حتى في الخطأ نفسه أو في الرؤية المختلفة التي تتعارض وتصوراتنا ولكن الثغرة تكمن في التركيز على إبراز التعارض مع التصورات التي يحملها طرف أو آخر بطريقة سلبية مضخَّمة وكأنها هي الواقع بأكمله..
ومثالنا في هذا ما يتعرض له الكورد وحركتهم التحررية وقواهم بالتعكز على اختلاف في موقف زعيم أو تأويل غير موضوعي لتصريح مسؤول كوردي.. ويطالب المتذمرون العربَ باتخاذ موقف (عدائي) في ضوء تبريراتهم وافتعالهم التصورات المتناقضة وتعارض الأهداف.. وفي مثل هذا المثال سيبقى الرد بأن وحدة الشعوب والمجموعات القومية هي أكبر من أن تُختزل في مشكلة تستند لتصريح أو لموقف زعامة أو حركة أو حزب.. كما أن مصالح البشرية جمعاء تظل ثابتا يقوم على القواسم المشتركة الراسخة لا على الطارئ في العلاقات..
ومن جهة أولئك الذي يطالبون الرأي العام بمشاركتهم التحليل بشأن مواضع الأخطاء لدى مسؤول أو آخر فإن الرد يأتي ليشدد على أن أولويات الوضع تتطلب أمرين: الأول الاهتمام بالإيجابي على حساب السلبي بخاصة في ظروف كالظرف العراقي وكما هو الحال في كوردستان التي تتعرض لهجمات داخلية وخارجية (بالإشارة للعمليات الحربية من إيران وتركيا) وبالإشارة لهجمات تحاول استغلال النواقص المحلية.. والأمر الآخر يكمن في أن المنطق يقول إنَّ النقد البناء في جميع الأحوال هو الأداة الأسلم لإصلاح الخطأ إن وُجِد فيما النقد السلبي القائم على الامتعاض والتهجم والتجاوز لا يعلن خطله حسب بل لا يعالج أمرا وهو يدين أسلوبه وجوهره.. ونتائجه سلبية تعمِّق الفجوة ولا تزيح خطأ ولا تعالج ثغرة أو منقصة...
وبعامة وفي تعليق موجز بخصوص حدث قد يكون مر بشكل عابر عند بعض الإعلاميين؛ لابد من القول: إنَّ نجاح تبادل الزيارات العربية الكوردية الرسمية سيوفر أجواء التطبيع لعلاقات تعاني من ضربات التشويه والتشويش والتضليل، مثلما تعاني من أخطاء بعض المتشددين في كلا الطرفين، وتمثل هذه الزيارات والحوارات الرد الموضوعي الأنجع.. وسيبقى نجاح تلك الزيارات يصب لصالح العراق ولصالح استراتيج العلاقة العربية الكوردية بعامة.. وهي جزئية مهمة في فلسفة برامجية لمسيرة العمل الرسمي والشعبي..
وفي ضوء ذلك أنتظر من جميع المعنيين توظيف وقائع هذه المسيرة بما يفعل البعد الأهم فيها وهو محور المشتركات الراسخة والثوابت الباقية بما يُراكِم من لبنات البناء ليعلو صرح العلاقات الودية الأخوية إنسانية الطابع والجوهر.. وتلكم هي نتيجة من نتائج تمتين العلاقات العربية الكوردية الرسمية والشعبية فيما مروق مفردات البحث عن أخطاء وثغرات وتضخيمها سيبقى حالا من التجني على الصحي الصحيح فمن يعمل يخطئ وظاهرة الخطأ ظاهرة طبيعية ومن الخطأ يولد الصواب ومن التجربة العملية الميدانية بثغراتها وأخطائها تولد التطورات ويولد التقدم.. وعربيا كورديا سيمضي قطار التقدم والوحدة وعراقيا سيعلو صرح البناء لأن الأساس يكمن في الموضوعي والإيجابي والرشيد من منطق العقل التنويري في معالجة مفردات المسيرة...
وبورك في كل خطوة من جميع أطراف العلاقة شعبيا ورسميا وبلا استثناء أو تحفظ فالجميع يمضون في ظلال راية المحبة والسلم والديموقراطية والتآخي وسيبقى علم الوحدة الوطنية خفاقا في العلا ما دمنا نحيا بلغة التسامح والإخاء والعدل والمساوة....