الفديرالية بين مبدأ تعميق الديموقراطية وآمال نهَّازي الفرص والتخريب؟
أكاديمي ومحلل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان
16\09\2007
كتب السياسيون والمتخصصون كثيرا بشأن التطلع لعراق فديرالي وبشأن توظيف الفديرالية لتحقيق تطلعات شعبية راسخة بخاصة في ضوء تثبيت الفديرالية مبدأ دستوريا وسمة للجمهورية العراقية الجديدة.. وقد تقدمت قوى سياسية تعدّ أساسية في مسيرة العراق الجديد بمشروعات تنفيذية على وفق برامجها الحزبية وتطلعاتها لفرض صيغة بعينها لتطبيق مبدأ الفديرالية...
وما ينبغي الخوض به اليوم هو في شروط تنفيذ مبدأ الفديرالية في عموم العراق وتحديدا في جنوبه ووسطه؟ بوصف فديرالية إقليم كوردستان حالة مفروغ منها ومؤسسة على تجاريب واقعية وتمتلك ظروفها الموضوعية المخصوصة فضلا عن التوافق عليها بأغلبية توفر الغطاء الشرعي لتوطيدها والعمل بها على وفق مجريات الواقع الميداني المخصوص...
فما مشكلة توسيع حال تنفيذ الفديرالية عراقيا باتجاه الوسط والجنوب؟ وهل سيكون من الصائب الحديث عن مثل هذه الحال فوريا كما تبيّت قوى سياسية معينة النزوع لفرض الأمر الواقع ميدانيا عبر العمل الفعلي خارج إطار المدارسة والحوار الوطني وخارج الشرعية القانونية الدستورية كدأبها في أغلب أنشطتها!؟
ينبغي لنا هنا القول: إنَّ الفديرالية مبدأَ َ أمر متفق عليه وهو بالمعطى العام سيكون فرصة لتوطيد الديموقراطية وتعميقها في الحياة العراقية الجديدة.. ولكن هذا من جهة العموم والأمور مبدئيا. أما من جهة الواقع فأي ديموقراطية موجودة ليجري الحديث عن تطويرها؟! وأي ظروف يمكنها أنْ تحمي الدولة العراقية وهي في أعمق شرخ في تاريخها المعاصر من جهة انتقاص السيادة الوطنية خارجيا وداخليا!؟ وأي ظروف يمكنها أن تحمي الوحدة الوطنية في ظل حال الانقسامات القائمة وسطوة ميليشيات الطائفية وعصابات المصالح الحزبية الضيقة ومافياتها التي باتت تتمتع بصلاحيات الدولة وحكومتها سواء بشكل مباشر عبر وجودها ميدانيا وسطوتها فيه أم غير مباشر عبر اختراق أجهزة الحكومة على أعلى المستويات..؟
إنَّ أولئك الذين يتحدثون عن الفديرالية وتشكيلها في الجنوب والوسط يتعكزون على لغتهم وخطاباتهم الطائفية تحديدا في التعاطي مع الأمور مثيرين فكرة خطر [عودة؟!] حكم [أقلية] مزعومة يسمونها الأقلية السنية [لأغلبية] مدّعاة يسمونها الأغلبية الشيعية. وفي جميع الأحوال تظل البرامج الطائفية تلك مرفوضة جملة وتفصيلا وقد أعلن الشعب موقفه من الأمر مرارا وتكرارا بأنشطته وفاعلياته المتنوعة حتى باتت الأحزاب الطائفية تخشى التصريح المباشر برؤاها وبرامجها وصارت تتحدث عن برامج وطنية عبر تعبئة جهازها الطائفي!!
ومن التضليل والاستغفال الحديث عن برامج وحدة وطنية عبر أجهزة تقسيمية طائفية تلك الأجهزة والقوى الحزبية التي لم تثبت غير الفشل الذريع في التصدي لمعضلات واقع العراق ما بعد خراب العقود الأخيرة.. وعليه فإنَّ الصحيح المنتظر من جميع القوى إذا ما كانت تمتلك مصداقية التوجه يكمن في الاعتراف الصريح بفشل معالجاتها والتوجه للبدائل حتى لو كان يعني وقف برامج الطائفية المقيتة (التي تتبناها) وبدء برامج الوحدة الوطنية (التي تخشاها!)..
وطبعا لابد لذلك من بدء مسيرة الوحدة الوطنية بعيدا عن التزييف والتخفي وراء أقنعة الغش والتضليل؛ فما عاد خطاب الأبطال القوميين أو الوطنيين أو الدينيين يجدي أو ينطلي على معدم يعاني الأمرَّين في يومياته الملتهبة قيضا والمنجمدة زمن البرد والصقيع!
الأمل الحقيقي في الحديث عن الفديرالية هو باعتماد برامج بعيدة عن الأسقف المتكلسة أو المتجمدة في ضوء مصالح من كتب تواريخ تنفيذها لتحقيق مآرب مرضية خاصة لا تلبي أي مصلحة وطنية.. فالحديث عن الأسقف الزمنية المطلقة غير القابلة للجدل أمر جربه شعبنا عندما قبل بالانتخابات من أجل إعلاء شأن صوته والتعبير عن إرادته فيما جرى اغتيال ذياك التعبير بفرض موعد الانتخابات (من جهة بعينها) على الرغم من عدم استكمال الاستعداد لها من جهة إخراج سطوة العصابات والمافيات والميليشيات التي استباحت كل شيء؛ إلى جانب توظيف بل استغلال المرجعيات الدينية وخروقات خطيرة أخرى وصلت حدّ استبدال صناديق الصوت الشعبي بصناديق زعيق سلطة رصاص الميليشيات وامتداداتها الإقليمية وغيرها...
ومجددا كان الحديث عن الأسقف والمواعيد المفروضة قسرا بأجندات كلها موجودة وحاضرة إلا أجندة واحدة تختفي ونهائيا لا يُسمح لها بفرصة الوجود تلك هي الأجندة الوطنية العراقية! وقدرنا اليوم ألا ندخل في لعبة (سنوفر الشروط الصحية الصائبة فقط وقـِّعوا على التنفيذ في السقف الزمني؟) فسوف المستقبلية هذه هي خديعة أخرى: ولا يمكن التوقيع على تنفيذ أو إجراء من دون توافر الشروط مسبقا لتنفيذ أي أمر أو برنامج وطني..
ولا قدسية للسقف الزمني أو لغيره؛ المقدس الوحيد المقبول اليوم وغدا هو شروط الشعب ومحدِّداته ومصالح الناس والتوجهات التي تخدم تحقيق تلك المصالح بأفضل الوسائل والأدوات وبعيدا عن إضافة آلام جديدة فوق ما طفح الكيل بها...
وننبه هنا القيادات السياسية وأبناء شعبنا على ما يجري خلف الكواليس من أنشطة وأعمال على قدم وساق حيث يجري اليوم تطبيق التهيئة لفديرالية المحاصصة والتقسيم لا فديرالية تعميق توجهات العراقيين الديموقراطية عبر بناء تشكيلات وتنظيمات ميدانية وترتيب الأمور لمصلحة فرض الأمر الواقع بتمكين القوى التقسيمية الطائفية من الأجهزة الانقسامية (القصد ما يسمونه أجهزة حكومة المحافظة؟؟!) في محافظات الجنوب والوسط العراقي..
وكما ترون فإنَّ كل المجريات تتم حتى من دون العودة لحكومة المحاصصة التي يقودونها جنبا إلى جنب ولكن بتطاحن خفي في الغالب حتى هذه اللحظة على حصص تحقق أوهام برامج أحزاب الطوائف التي جاءت في لحظة عاصفة بالسفينة العراقية المتهالكة المتعبة..
فمرة تمنع محافظة مرور شاحنات النفط ومرة تسطو أخرى عليها وفي ثالثة أو رابعة يعلنون مجالس وحكومات عاملة بانفصالية تامة ترفض التعاطي مع الحكومة الاتحادية؟! وجميع وسائل الإعلام والقوى المحلية الشعبية ونصيراتها تحيا في ظلال مجالس المحاصصة الحزبية الأبعد تقسيما من محاصصة الطوائف وحكومة التقسيم والمحاصصة التي سمّت نفسها في بدء مشوارها حكومة وحدة وطنية ولم نعد نسمع من يعيد علينا الاسطوانة بعد الفضائح والنكسات والانقسامات لم تحمِ لا مسيحيا ولا مندائيا ولا أيزيديا ولا سنيا بل ولا حتى شيعيا كما تدعي أنها تمثل طائفة الأغلبية التي ما زالت تعيش المرار والشرار!!
أفي ظل هذه الأوضاع الكارثية يمكن الحديث عن تطبيق الفديرالية واللامركزية؟ ألم يقرأ أحد جهابذة وضع برامج المحاصصة والتقسيم أن الظروف اللاهبة الطارئة في أي بلد حتى لو كان الواق واق سيعني اتخاذ إجراءات وقف العمل بالدستور وبالديموقراطية وبالحياة المنفلشة لكي تمركز الأمور وتعيد الضبط والحل والربط قبل أن تواصل النظر باستهتار إلى مجريات الأمور؟
أي جهل وضلال يمكن الدعوة في ظله لمزيد من اللامركزية في عراق اللهيب من الجنوب والوسط في زمن انفلات الأمور في هذه المناطق حد تشريد خُمس الشعب وترهيب جموعه وقمع نخبه كافة ومصادرة الحريات جميعا بل استلاب حق الحياة فلا أمن ولا أمان ولا عمل ولا مصدر عيش والجموع تمضي في مسيرة غاب تأكلها قبل أن يحصل فرد من هذي الجموع على قوت أبنائه أو يسطيع حماية أو ستر بناته!!
ماذا يريد المضلل من وراء دعواته باسم حماية [الأغلبية!؟] الشيعية أو [الأقلية!؟] السنية؟ إن الطائفي الدعي سواء نسب نفسه زورا إلى الشيعة أم السنة لا ينتسب إلا لمصالح طائفية فئوية ضيقة تتناقض مع زعمه المقنَّع به وتخدم طرفا واحدا هو المستغِل البشع من أولئك الذين يتحكمون اليوم بالشارع والحياة ورقاب الناس في ظل غيبة السلطة المركزية والحكومة الاتحادية الحقة ودولة الوحدة الوطنية المغيبة قسرا وقهرا...
فلكي نتحدث عن برامج فديرالية الوسط والجنوب ولكي نتحدث عن اللامركزية وأشكال فدرلة الحياة العراقية ينبغي أولا أن توجد سلطة اتحادية حقة سلطة دولة قوية بمؤسستها فكيف وهي لا تمتلك أصلا اليوم مؤسسة وطنية حقيقية.. وكل ما موجود هو أشكال من التشوهات التي تحمل اسم العراق قناعا فيما هي مؤسسات أسوأ من مخترقة حيث يسطو عليها كل دخيل من شرق البلاد وغربها؟!
إنَّ المنتظر من قوانا السياسية الوطنية الحقة أن تلتفت لفضح مجريات أمور التقسيم الميداني الفعلي وتعمل على وقف تداعياته وأن تتحمل قوات الاحتلال مسؤولياتها تجاه ترك العراق أو تسليمه نهبا وفريسة لعناصر باتت اليوم تخضع بما عملت لحق مقاضاتها رسميا أمام القضاء الوطني المنتظر أن يعود يوما..
ومن الطبيعي ألا تُقرأ هذه الكلمات إلا من جهة تحذيرها من مخاطر ومغبة تداعيات السنوات الخمس المنصرمة وما سبقها من عقود وألا تُقرأ إلا في ضوء احترام وطيد لفديرالية كوردستان وتقدمها ولوتدريجا نحو بناء مؤسسات دولة تتجه لتنفيذ تطلعات أبناء الشعب فيما اللعب يجري هناك في الوسط والجنوب على حبال استكمال جريمة ذبح أبناء الشعب وأولهم أبناء شيعة العراق الأحرار الأماجد وطليعة الروح الوطني العراقي وجذوره الحضارية العريقة...
لنعلن بوضوح أهمية وقف التداعيات الخطرة ومنها أفكار وضع السلاح بايدي قوى ستندفع أو تُدفَع غدا لعملية التقصسيم السعيدة لطائفيين من شرق العراق وغربه من أدعياء الدفاع عن شيعة العراق كذبا وسنته نفاقا.. لنتأكد من أن الطريق الوعرة التي سلكناها بحاجة لتقويم باستمرار ولاستعداد للتعاطي مع الجريمة التي يعاني منها شعبنا من الإرهابيين والطائفيين وهما سواء في الجريمة..
لا فديرالية لا في وسط العراق ولا في غربه ولا شرقه ولا جنوبه حتى تستقر الأوضاع ويجري تطمين الشعب وطبقاته وفئاته ويعود المهجرون إلى بيوتهم بكل طمأنينة وسلام وتدور عجلة العمل والبناء وإعادة الإعمار وتنبني مؤسسات الدولة الوطنية الموحدة المستقرة القوية عندها بلى وألف نعم سنمضي لتعزيز مؤسساتنا الوطنية وتطويرها ديموقراطيا ومن ذلك اختيار الشكل الفديرالي المناسب الذي يمنح فرص توسيع الديموقراطية وتعميقها بوجود من وما يحميها لا بوجود سلطة التضليل والنهب وتسويق الأجندات التي تتقاطع ومصالح الناس وتحويلهم إلى قطعان تأتمر بأوامر أشقياء جيوش وميليشيات الخراب الوطني.......