المسؤول والنقد بين رؤى العمل الفردي والعمل المؤسساتي
الفردنة أو الشخصنة والموضوعية في العمل
أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان
21\08\2007
tayseer54@hotmail.com E-MAIL:
[1]
يجري اليوم صراع عميق لإعادة ترتيب أوضاع النظام العام والعلاقات العامة في إطار البيت العراقي.. وقد جرى في غفلة من الزمن تمرير شخوص غير مناسبين لمسؤوليات بعينها وهو ما جرى رصده في ميدان العمل؛ ونحن نعرف سويا ما كان من زمن التغييب الذي عُطِّل فيه منطق العقل العلمي الموضوعي الأمر الذي منح فرصا أخرى لتعطيل آخر للطاقات العلمية ومنعها من أخذ مكانها ومكانتها الصحيحة..
والمشكلة اليوم في الخلط بين المجرم والمقصِّر وبين غير القادر على إدارة مسؤوليته بكفاءة لمجيئه إليها بطريقة خضعت لفلسفة المحاصصة [سيئة الصيت] والفلسفات المرضية الأخرى في سياسة التعيين وتوزيع المسؤوليات والمناصب من أعلى الهرم حتى أدناه.. ويجري أيضا التعرّض للشخصيات العامة بطريقة التشهير والتجريح والمهاجمة بأسلوب التقاطع العدمي الذي يقرأ الأمور بلغة الاتهام والإلغاء ومحاولة الإقصاء والتهميش والتعرض [إذلال] لهذه الشخصية أو تلك...
وهكذا يُهاجَم عدد كبير من المسؤولين بطريقة مشخصنة أي في وجودهم الإنساني وليس في طريقة أدائهم لتكليفاتهم وبرامجهم في العمل... والفرق بين أن يجري تجريحهم وأن يجري انتقاد برامجهم يكمن في الفرق بين العمل الفردي والشخصنة من جهة والعمل المؤسساتي والروح الجمعي من جهة أخرى..
وفي الأول [أي في الشخصنة] لا يكون الأمر إلا صراعات مرضية فردية أو شخصية تتعارض ومعاني الإخاء الإنساني والروح البناء في العلاقات الاجتماعية الإنسانية فضلا عن وقوعها في دائرة يطالها القانون ويُحاسِب عليها حمايةَ َ للفرد الإنسان من تهجمات تتعرض لشخصه.. فيما فلسفة العمل المؤسساتي تستدعي معالجة الثغرات والنواقص موضوعيا والابتعاد عمّا يمس الإنسان من إساءة وتجريح وقدح وذم فيه...
في الأولى سيستمر أمر تلك النواقص والثغرات وسندخل نفق صراعات لا تخدم سوى الأنفار التي تسللت إلى مفاصل العمل المؤسساتي وقيادة مؤسسات الدولة بما يمنحها فرصا متجددة لمواصلة عبثها وجريمتها بينما يقع ضحية هذا الأداء النقدي السلبي مواطنين يمتلكون الحق في الحياة بعيدا عن لغة التجريح والتشهير..
أما سرّ الفرصة العبثية فيكمن في أنّ الناقد السلبي وآليات نقده لا يمثل المعالجة الرصينة الشافية كما الحال عندما تعطي مريضا دواءَ َ لمرض غير مرضه!؟ والصحة ليس في البرامج الصحية الصحيحة ولا في النيات الحسنة والأهداف السامية حسب بل في آليات تحقيقها أيضا..
ومن هنا كان علينا أن نميّز بين آليتين في التعامل مع ما يجري في مؤسسات دولتنا التي ما كادت تولد بعد، بعد دمار وتخريب امتد أمده طويلا وهو يتجدد يوميا الآن بشراسة واضحة...
[2]
نموذج في التعاطي مع هاتين الآليتين: خيار السفراء؟؟
تمّ في إطار تسلّم السلطة وإدارة دفة مؤسسة الدولة العراقية تصدي قيادات من أحزاب وقوى مختلفة ومتنوعة في برامجها وأدائها وفي فلسفاتها.. وحتى اليوم لم تستقر مؤسسة الدولة لا بناء ولا أداء بدليل الأوضاع العامة التي يعيشها العراقي. وفي مثل هذه الأجواء تسلّم مناصب عامة ومسؤوليات قيادية شخوصا وشخصيات مختلفة الرؤى والإمكانات.. ومرّ في إطار الدوائر الحكومية وتفاصيل الوظائف والأشغال العامة عدد كبير من طاقات العمل التي عطلتها حروب عبثية مدمِّرة وتجهيل مرير بسبب من عقود العطالة والبطالة...
نتناول هنا مسألة تنصيب وزراء وسفراء في الحكومات المتعاقبة للأربع سنوات الأخيرة، فمن الممكن أن يكون قد مرَّ شخوص تسللوا في غفلة وهناك شخوص لهم تاريخ يتقاطع ومصالح الشعب العراقي وفي حالات أغلب من هذه الحالة يمكن أن يكون مرّ عدد من الشخوص الذين لا يملكون الكفاءة المؤملة لشغل هذه المسؤولية أو ذاك المنصب.. وأتفق مع تلك الرؤى التي تبحث عن الحل والبديل فهذا أمر طبيعي..
ولكن هل يبدأ الحل بشخصنة الأمور والتجريح؟ وهل تشخيص الحالة يتطلب التشهير بهذه الشخصية أو تلك؟ وهل من العلاج في شيء ممارسة إثارة الغبار والمعارك الهامشية بما يعيد معارك العبث التي أطاحت بمصير مئات آلاف أبناء شعبنا ضحايا أبرياء لها؟ وهل إغداق مزيد من النقد السلبي الجارح يوفر فرصة للتغيير الإيجابي المنشود؟ وهل فعلا يكون التصدي التعريضي الحاد بالشخوص وسيلة لاستبدال الصح بالخطأ [لغة المتروك هو ما بعد الباء]؟
إنّ عديدا من الذين يتألمون لما يجري، ويرون الجريمة المرتكبة بحق أبناء شعبنا ومصالحه في استمرار وجود شخوص على رأس المسؤوليات من دون كفاءة؛ يمارسون ردّ الفعل النقدي السلبي هذا بطريقة [آلية] سلبية تستخدم الشخصنة في التعرض معتقدين أن حدة أو شدة المجابهة هي ما سيمنع هؤلاء عن مواصلة استغلال المنصب والمسؤولية.. وهكذا نراهم يخوضون حربا من الكلمات التعريضية مثيرين غبار معارك التشهير التي لا تخضع لأكثر من سلطة القانون التي ستنقل الأمور بعيدا عن وجهتها المنتظرة وينقلب الميزان!
وإذا استثنينا المتسللين عن عمد ولسابق إصرار لارتكاب جريمة استغلال المسؤولية والإضرار بمصالح الناس والوطن وما ينبغي أن يخضعوا له من حكم القانون وليس انتقامنا القائم على الفردنة والشخصنة.. وإذا استثنينا أولئك الذين يخوضون معاركهم الخاصة في التنافس على مصلحة ذاتية فردية في حرب سرقة المناصب والكراسي لأطماع مرضية؛ فإنَّنا باستثناء هؤلاء بصدد مجموعة من الناس الذين وقعوا في مصيدة إمكاناتهم الهزيلة أو الضعيفة في التصدي لمهام مسؤولياتهم الأكبر من طاقاتهم ما يستدعي البحث بأسلوب متحضر متمدن في التعاطي مع الأمر ومحاسبة التقصير والخطأ بموضوعية تستبدل الشخص من دون تجريحه أو التعريض به أو التشهير وما إلى ذلك كما يلزمنا ألا نخلط بين المجرم والمعادي لمصالح الناس والوطن و بين المقصر أو المحاول النهوض بمهمة ولكنه يعجز عن أدائها لسبب أو آخر..
وفي حالات عديدة يكون الفشل لأسباب موضوعية خارجة عن إرادة الفرد المسؤول ما يتطلب تضافر الجهود الجمعية في البحث عن البدائل لا في الأشخاص بل في الآليات وطرائق المعالجة..
ومن هنا فإن ما يجري اليوم من أسلوب التهجم من أفراد بعينهم من جهة ومن مقاطعة أنشطة هذه السفارة العراقية أو تلك ومهاجمة أدائها بقصد التعرض لمسؤوليها من السفير والوزير المفوض إلى القناصل والموظفين لا يصب إلا في خانة الآليات المرضية ذاتها التي ستوفر الفرص المضافة للمتسللين للبقاء في مناصبهم عبثيا ولن تسير بنا إلى أمام خطوة واحدة..
المطلوب اليوم هو التعاطي مع السفارات العراقية مثلما مع المؤسسات العراقية داخل الوطن بروح موضوعي للبناء عبر كشف الأخطاء والجرائم والنواقص باستخدام لغة القانون وخطابه وآلياته.. وأن نمنح قضاءنا فرصته التاريخية ليبرر وجوده وأن نمنح أنفسنا حقها في الحديث عن مستوى مدني حضاري ومنطق عقلي متمدن نمتلكه شعبا وقيادات اجتماعية وسياسية وفعاليات أكاديمية تخصصية ...
إنَّ أي مؤسسة ومنها السفارة العراقية هي ملك الشعب العراقي وممثليته يعمق دورها اليوم وجود جاليات ضخمة تتعاطى معها ما يتطلب ألا نترك الأمر لفرد ممثل في سفير أو وزير مفوض أو قنصل أو جيش موظفين فهم حتى في حال التضحية بأنفسهم لا يمكنهم التصدي لوحدهم للمهام والمسؤوليات ما يوجب أن نمضي سويا في أداء تلك المهام والنهوض بها تجاه الجاليات وتجاه شعبنا وتجاه تمثيل بلادنا رسميا بأعلى منطق البروتوكولات التي وصلتها مؤسسة الدولة المعاصرة..
وسيكون من المجدي الحديث عن مشكلاتنا ونواقصنا بيننا بلا طرائق الفضائح وبما يخضع للقانون من جهة وما يجعلنا الأجدر بحمل اسم الوطن العراقي والهوية العراقية بما يعود علينا بالخير وبمعالجة ناجعة تخضع للموضوعية من متابعة الجريمة وحتى سد الثغرات والنواقص الهامشية..
إنَّ وجودنا في قلب المؤسسة ومتابعتنا لها ووقف لغة التشنجات والانفعالات والتقاطعات والمقاطعات والعزل والمحاصرة ومحاولات الإقصاء والإلغاء لهو أمر مرضي لا يليق بنا وبمنطقنا الموضوعي المتحضر.. ومن المجدي والمفيد أن نتخذ مواقف الإيجاب من الأنشطة التي تمثل مرجعيتها للناس من الجالية والشعب مع الحيطة والحذر من حالات التجيير لصالح فرد أو شخص انتهازي متسلل لهذه المسؤولية أو تلك. ومفكرو جالياتنا وقادتها يمكنهم الالتفات للأمر من دون الوقوع في أفخاخ اللعب والتصيد المرضي..
أما حصر أبناء الجالية في زاوية المعارك المشخصنة والفعل ورد الفعل المرضيين فأمر لن يجدينا وسيضعنا في خانة متخلفة من النظر القاصر في التعاطي مع العمل المؤسساتي للدولة المعاصرة الحديثة.. ولن يجدينا الحديث عندها عن طاقاتنا الكبيرة [التي نساهم بهذه الآليات المفردنة في تعطيلها] ولن يجدينا نياتنا الحسنة وطيبتنا ولا مقاصدنا النبيلة فنحن حينها في مصيدة عدو الشعب والإنسان الممثل في الآليات المرضية التي تلغي العمل الجمعي الخاضع لخطاب القانون وفلسفته الصحية الصحيحة...
لنعالج [بدلا من لغة نهاجم السلبية] سويا بخطاب موضوعي كل ثغراتنا وما يعترضنا من جرائم ولنتحد يدا بيد للتصدي الحازم لكل ذلك ولا نهادن ولكن باستخدام لغة العقل لا لغة الانفعال. وبهذا نقطع الطريق على تواصل الخطايا والجرائم مثلما نعالج أنفسنا من أدران زمن علقت بنا؛ لنبدأ صفحة مسيرتنا نحن أبناء الشعب المتحرر من قيود الاستغلال التي علقت بنا أنفسنا نحن الذات الجمعي بصفات من أمراض الأمس وخطاياه...
النقد السلبي لن يفلح في المعالجة والنقد الإيجابي يعني أن نعود لقمة الهرم ونعالج فيه ما ينبغي ودائما بوجود قضاء عادل نزيه وبوجود هرم إداري صحي وصحيح بما نستطيع فيه وعبره معالجة ما ينتظرنا ويأمل فينا العمل الحريص المتسامي على لغة الحط من الآخر لخطأه أو لعدم كفاءته وحتى عندما يكون الأمر يخص نزاهة فرد فينبغي أن يمر عبر القانون وسلطته لما يعزز مبدأ احترام الإنسان كونه القيمة الأسمى في حياتنا...
فهل سنجد فرصتنا في احترام بعضنا بعضا؟ وفي التعاطي الموضوعي لا المفردن المشخصن مع الحالة؟ وفي النقد الإيجابي البناء لا التجريح ولا الاتهام والتعريض؟ وهل سنجدنا في مسيرتنا نتعاطى مع حالتين جزئية محدودة محددة تتطلب التعاطي المباشر وكلية شاملة تتطلب النظر الاستراتيجي البعيد لمعنى التغيير؟ ولكل حادث حديث وبقية............