العراقي المسيحي و يوم الشهيد الآشوري
أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان
07\08\2007
tayseer54@hotmail.com E-MAIL:
العراق اسم آخر بل وجه آخر لوجوده الحضاري التاريخي ولحاضره الذي يؤسس لغد الممتاح من جذوره.. وجذوره تلك لا مراء فيها وعليها فهي سومرية لآلاف من الأعوام [نستخدم العام والأعوام بمعنى الخير والعطاء] والسنوات [ونستخدم السنة والسنين والسنوات بمعنى الشدائد والانكسارات] وهي بابلية كلدانية آشورية لأخرى مماثلة من مسيرة بناء هذا الصرح الذي نحيا في أفيائه وباسمه... وليس بمنصف ولا بمصيب من لا يرى العراق بكينونته الآشورية محيلا على أوهام الأقلية والأغلبية وواقع الحال وحلم المآل حيث تشتهي بعض الأنفس الغريبة على العيش البشري والمعطى الإنساني وقوانينه...
في العراق الحديث المعاصر جرت اشكال من الاستلابات والمصادرات وأنماط القمع والإبادة، وإذا راجعنا دفاتر هذا العراق بحكايات السلطات المتعاقبة سنجد أولها ينفتح على مذابح أكثرها همجية في ثلث القرن المنصرم [تحديدا سنة 1933] مذابح سميل!! ويا لهول القصص والحكايات من أعاجيب الجرائم ما جرى فيها!
ولسيرة من الفتك الجماعي وجرائم الإبادة التي أوقعت في الآشوريين وفي مسيحيي العراق الفضائع المهولة، فقد خلَّدت الذاكرة الجمعية تلك الفضائع مذ أول تغييرات العراق الوسيط وحتى أول تغييرات العراق المعاصر والحديث.. ونكاية مزيدة ظهرت في يومنا جرائم أخرى باسم الإرهاب الدموي وتعطشه لدماء أبناء وادي الرافدين وبناة حضارته ومنها ما يريد الانتقام لحسابات تاريخية منقرضة [مذ بابل] ومنها ما يعود لأيديولوجيات معاصرة جوهرها الدم والفتك بالبشرية...
ولعل أنسب خيار لمسيحيي العراق والشرق أن يكون لجرائم سميل منطلقا لتوكيد أن القضية لا تتعلق بأمور تاريخية منقرضة ولتوكيد أن الأمر يتعلق بشعب حي موجود ما زال يبدع وينتج ويبني ويعلي من شأن مسيرة الإنسان وحياته الكريمة.. شعب آشور من الكلدان الآشوريين السريان هو شعب يحيا بين ظهرانينا بين وادي الرافدين وبين سفوح جباله وامتدادات سهوبه وأهواره...
ولأن اختيار هذه الذكرى الأليمة لم يأتِ في إطار بكائية الجراح والمآسي فإنَّ الشعب الآشوري هنا اختارها لتوكيد حب الحياة وتشبثه بما يتيح له حقوقه وينصفه وصرنا نجده يحتفي بالذكرى في احتفاليات للرياضة والفنون ولأشكال الإبداع في الخطابات الجمالية والإنسانية المتنوعة اجتماعيا وسياسيا وفكريا ولم يتوقف عند حال اجترار الماساة الثقيلة جرحا عندما لم تقف عند من تم ذبحه بطرق همجية إرهابية في إرهاب الدولة وإرهاب العصابات المافيوية، بل شاء هذا الشعب الخلاق أن يوجد له خصوصيته في الاحتفاء بالذكرى..
وصار ذلك مضرب مثل للقول إن الشهداء أحياء يرزقون ويمنحوننا التجاريب والمثل للحياة.. لقد قرعت أجراس الكنائس بيوم الشهيد الآشوري إيذانا بعطاء آخر للحياة وولادة أخرى لها. وإعلانا عن وجود الكنيسة الحية في عراق الحياة والربيع .. وإعلانا لوجود الشعب بكل مفردات حياة البشر وتفاصيل يومياتهم العادية...
كما دقت نواقيس الآشوريين أسطورة أزلية خالدة باقية معلنة احتفالية ضد الموت الأسود وضد الموت المجاني وضد المصادرات ومحاولات ترحيل آخر الملايين من هذا الشعب الذي نعرف له أكثر من 14 مليون مهاجر في شتات العالم بسبب من مذابح الأمس القريب. وطبعا هذا الإعلان ناقوس ربيع جديد لحياة أبدية لشعب لا يٌُهر لإرادته الفذة في الخلق والتجديد ومنح الجنان الباقية لأجياله المتجددة..
لكي لا نبقى عند الوصف ننتظر كلمات حق من كل الأحزاب الوطنية ووقفة عندما يُرتكب اليوم بحق الآشوري المسيحي من محاولات تهميش ومحاولات إبادة وتشريد ومصادرة، ومن كل المرجعيات بمختلف الخطكابات السياسية والفكرية والدينية لقول كلمة الحق ولوضع برامج جدية مسؤولة توقف جريمة كنهر عارم غاضب يحاول جرف شجيرات الحضارة الآشورية من تربة تبادلت التمسك والثبات مع الآشوريين...
لابد من العودة لقراءة كل المشروعات المسؤولة المنصفة التي تحل مشكل محاربة المسيحي دينا والآشوري الكلداني السرياني قومية ووجودا إنسانيا حقا..
لنفتح اليوم قبل الغد وبهذه المناسبة الجلل أوراق اعتراف بجوهر تلك الجريمة وما يلحقها اليوم ونبدأ مشروعا وطنيا للحل بالتداول في مختلف البرامج وأولها ما يقوله الآشوري الذي يحيا بيننا حاملا آلامه وآلامنا مضاعفة كمسيح يتجه لصلبه ولكن هذه المرة ممثلا في شعب لا يموت...
لنبدأ البحث في ولادة برلمان وطني للقوميات المتآخية متساوية النسب في تقرير المصير العراقي كما كانت شعوب سومر المبدعة لقوانين الحياة ولننتخب هذا البرلمان الاتحادي استكمالا لديموقراطية ننتظر ولادتها وهي لن تولد ما لم تبدأ بمكونات عراقنا المعاصر والحديث ولنقرأ في مشروعات تجريم الاعتداء على المسيحي العراقي بمضاعفة الجرم كما يتحمل هو الجريمة مضاعفة مرتين مرة لمسيحيته وآشوريته ومرة لعراقيته..
انعلي من كلمة الحق ونكون عراقيين سواء وأسوياء نصيب هدفنا في العيش الوطني ما فوق التطرف وهمجية الإرهاب وما بعدها وإلا فإننا في طريق آلام مفتوح لا انفتاح لأفق عيشنا المستقر من غير معالجة مشكلنا الوطني فالعقدة ليست في أقلية بل في كل عراقيينا وأطيافهم حيث اعترفوا ببعضهم بعضا وإلا لن يكونوا عراقيين ولن يضمنوا غدهم لا يومهم المفقود...
محبة لذكرى الشهيد الآشوري والحياة الأبدية للبطون التي بقرتها سكين إرهاب سميل الباقية على الرغم من الجريمة وسيبقى عراقنا وعراقيونا وآشوريونا كلا واحدا يعاضد كل جزء فيهم الجزء الآخر من الجسد الواحد حتى يكون لنا السلم والحرية والديموقراطية والعيش الرغيد لأجيالنا والقادمة أبدا....