14 تموز الوطن \ التاريخ \ الثورة
و
الجالية العراقية في هولندا ومهرجانها الكرنفالي الأول
2007/07/16
أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان
tayseer54@hotmail.com E-MAIL:
1. مهرجان 14 تموز الثورة
مرّ الرابع عشر من تموز يوليو هذا العام وقد تداخلت أمور عديدة بشأنه منها ما ورد بقرار للحكومة العراقية التي قررت تجاوز هذا التاريخ الذي مثَّل منعطفا وطنيا مهما بل تأسيسا لبنية الدولة الوطنية العراقية الحقة لأول مرة في تاريخها.. وذلك باتخاذها من يوم آخر عيدا وطنيا رسميا مواصلة بذلك قرارا سابقا لنظام الطاغية الدكتاتور في محاولته نقل العيد الوطني تغطية على العيد الذي تحتفي به جماهير شعبنا كل عام ونكاية بها وبمنجزها التاريخي المعاصر الذي سطعت بشمسه ثورة 14 تموز...
ويعكس هذا ضيق أفق حزبي ونظرة قاصرة للحدث مثلما يعكس بُعد القرار المتخذ عن الخيار الوطني عندما يتعلق الأمر بالتعبير عن الأغلبية على وفق هويتها الوطنية العراقية لا على وفق أغلبية مصنَّعة على وفق لغة الطبقة السياسية الجديدة ومنهجها الطائفي المنغلق الانعزالي والتقسيمي.. والقرار أيضا يمثل هروبا من استعادة مسيرة الشعب العراقي هويته الوطنية الحقة وسماته التي تمثل جوهره في الوحدة الوطنية ومعدنه في الخيمة العراقية وفي قواسمه المشتركة في الديموقراطية والسلم والفديرالية...
وتفاعلا مع هذا التاريخ الوطني المهم أكدت الجاليات العراقية في مهجرها هذا العام على الاحتفال المخصوص بهذي الثورة الوطنية فعقدت سلسلة من الندوات الجماهيرية والاحتفالات الكرنفالية رافضة بذلك محاولات طمس هذا التاريخ ونهجه باتجاه تحقيق الديموقراطية وبناء الدولة الوطنية الحقة... مثلما رفضت إدخال لغة الشكوك والظنون في صدور أبنائها كافة ورفضت التحليلات التي حاولت إدخال أمور مرضية أو توهمت ما أُشيع بالخصوص للإيقاع بين العراقي وأخيه أو بين الشعبي والرسمي أحيانا...
وكان من بين أبرز تلك الاحتفاليات التي عُنيَت بتوحيد المشهد العراقي وإبراز حقيقته في هوية عراقية راسخة احتفاليتان: الاحتفالية الأولى التي نهض بها اتحاد الجمعيات الديموقراطية العراقية في هولندا في أمسية الرابع عشر من تموز بمدينة لاهاي الذي تضمن أساسا ندوة جماهيرية حاشدة قدم فيها الشخصية الوطنية الأستاذ حامد الحمداني مداخلته الضافية التي أشارت إلى أسباب الثورة ونتائجها ومصيرها وإمكانات استعادة مسيرتها مؤكدا على وطنية الثورة وشعبيتها بالاستناد إلى منجزها من قانون الإصلاح الزراعي والأحوال الشخصية وتحرير الأرض من سطوة شركات النفط وتأسيس الشركة الوطنية إلى تحرير العامل والفلاح والمرأة والعمل على التمهيد لديموقراطية حقة ولفديرالية متينة بين جناحي الوطن كوردا وعربا إلى جانب انعتاق العراق من حلف بغداد والاسترليني وغيرها من الأدوات التي لم تكن ميزة لانقلاب عسكري بقدر ما كانت مؤشرا للثورة الوطنية الديموقراطية التي سارعت مؤامرات معروفة لإجهاضها بانقلاب دموي فاشي في شباط 63....
وطبعا تضمنت الاحتفالية دور الأديب الشاعر كما في قصائد تم إنشادها من شعراء حفروا كلماتهم على ألواح الوطن وأفئدة العشق له.. وكذا صدحت حناجر الحضور مع الفنان سامر عينكاوي وآخرين في أغاني من زمن الثورة فيما ترنمت أجواء لاهاي بعبق آلات التخت البغدادية ومنها سنطور الفنان وسام العزاوي بسحر الرافدين وشهادة ابنة الوطن وغيرهما من ألحان مجد العراق وأهله..
ولم تكن عدسة عين العراق بعيدة عمّا ازدهت به جدران معارض خلدت كل شيء في تاريخ 14 تموز من الزعيم وحياته وشعارات الثورة حتى تفاصيل الشناشيل البغدادية وجنبات شطآن البصرة وزوارق الهور وأكواخه وشموخ النخلة العراقية وصراعها من أجل البقاء والعودة مثمرة بالخير والنصر في عراق جديد...
2. مهرجان العراق محبة
كل ما مرّ من احتفالية للرابع عشر من تموز جاء وسط تلاحم كرنفالي للجالية العراقية يجري لأول مرة في الساحات المفتوحة لمدينة السلام الهولندية – لاهاي \ دنهاخ- إذ احتفت الجالية يومي الرابع عشر من تموز والخامس عشر منه باسم العراق محبة مؤكدة لكل الأصدقاء الأوروبيين الذين استشعروا قلقا من الانقسامات المفترضة والاحتكاكات المحتملة والآلام المتوهمة لانشطارات لا وجود لها في جسم شعبنا وجالياته في المهجر...
ومضى اليومان سريعا إذ كان الجمهور يصر طالبا المزيد من الفنانين وفرقهم المبدعة وبمراجعة بسيطة لبرامج الاحتفاليات سنجد أن العراق المصغر قد كان حاضرا في كل مفردة هنا في مدينة لاهاي فالعرب والكورد والتركمان والكلدان الآشور السريان والصابئة والأيزيديين والمسلمين سنة وشيعة والمسيحيين كاثوليك وبروتستانت والمندائيين واليهود.. وانفتحت الأفئدة على بعضها بعضا لم تسأل من أية فئة أو دين أو قومية أو مذهب أو طائفة وتحدث الجميع بكل لهجات العراق ولغاته في بوتقة خطاب عراقي وطني الهوية والمرجعية، لا مرجعية تعلو عليه أو تسبقه كما هو عهد العراقيين دوما وأبدا...
لقد افترض بعض ضيوفنا من الهولنديين أيّ احتمال إلا أنهم لم يشهدوا إلا عراقية الحضور ومصداق العلائق الوشيجة ووحدة الهوية وعميق روح السلم والتآلف والتآخي وشهدوا أن العراقيين أصحاب إبداع لحضارة ولسلوك راق متمدن ومثلما شهدوا الأزياء التقليدية والفلكلور الوطني بكل ألوانه وأطيافه شهدوا رقي فنه الموسيقي والغنائي المعبر عن حاضر يختزن الأمل ويكسر شوكة الألم مبشرا بأفراح تتسع لفضاء الحياة الجديدة..
لقد غنَّت الشبيبة العراقية من أطفال وزهور وفتيات وفتية وشبان وشابات ورقصوا على أنغام المحبة والحلم بعراق يعودون إليه ليحتفلوا هناك في ربوعه مثلما حملوه هنا بين الأضلع وفي الأرواح المتطلعة إلى شمس تموز العراق. وكان عشرات الفنانين والفنانات بأروع ما لديهم وبكل لغات الوطن المطرزة لفسيفساء الأهل يرسلون بما قدموا رسائل الأمل لعراق مستقر يحيا بالهناء والسلم والحرية..
لقد ترنم أطفال فرقة السلام من أبناء كوردستان الحبيبة ورقص أطفال مركز الثقافة الكوردية مع أطفال لايدن ولاهاي العرب والتوركمان والكلدان السريان وأبدع ستار الساعدي بتلوينات إيقاع الوجد لعراقنا وتغنى المبدع محمد البيك بشواطي الفرات ونخيلاته الوارفة وتلاله الخضر بعطاء أهل الدبكة والجوبي اللتين تهزان الأرض طربا وفرحا ورقص سامو البغدادي ومعه كلدو آشور العراق المحبة.. وكان الجمهور على موعد مع المبدع المميز فنان السنطور الأول المطرب وسام العزاوي وفرقة أيام زمان لتعود لسويعة من زمن لاهاي إلى أيام بغدادية وأخرى من الناصرية وثالثة فرابعة من مدن عراق العطاء جميعا... وكل ذلك ما زال يحيا في الأنفس طربا و شدواَ َ فترقص سعادة ومسرات. ويتبع مع وبعد هذه الفرق جمع من مبدعي الوطن ففرقة نوروز وجماعة ميديا وشاعرات الحب والتغزل بالوطن والناس حيث فينوس فائق والسراج ولاوين ........
فيما كان ختام الرابع عشر من تموز بصوت فنانة المقام العراقي الأولى فريدة التي رقصت لها شجيرات أكبر ميدان للفرح والكرنفالات في لاهاي.. وأطربت بما قدمت من تراث الأغنية العراقية جمعا كبيرا احتشد للتفاعل والطرب والرقص على إيقاعات فرقة الأصول الموسيقية العراقية الباقية مجدا وليس سرا يُذاع أن تلك الفرقة وعلى رأسها محمد كمر الذي يمثل عازفا من طراز السلطنة الفنية الراقية ما يجعل الاستجابة كما تلك الليلة التي أشرقت لتتغنى بتموز العطاء وسومر المجد..
أما في اليوم التالي فقد احتشد مزيد من جديد جمهور الجالية العراقية من أقصى شمالها حتى أقصى جنوبها ليلتقي الأحبة وليعلنوا أن العراق محبة وسلام وخير وعطاء وأنه ليس العنف الدموي ولا الإرهاب وعناصره الظلامية ولا الطائفية والشرذمة والانقسام كما تصوره وهماَ َ مفترضا بعض الفضائيات..
وتبدأ الرقصات بفرقة دانا التي تنبض مع أبناء الجالية في جميع مدنهم ثم الفنان فراس وفرقة كركوك ففرقة النوارس وشعراء المحبة باللهجة الشعبية الدارجة وأزياء بإبداعات ساحرة للناشطة السيدة سلوى بدن ومجددا مع شعر من أجوائنا العراقية وجماعة كركوك وجماعة آزادي والفنان رزكار ثم تقدم الفنانة المبدعة ميديا رؤوف وفرقة إينانا معزوفة مسرحية كأنها أغنية بعنوان "دم شرقي" وينطلق بعدها الفنان دلشاد بجمهوره العربي والكوردي والتوركماني فتكون هذي التجربة عماد الخيمة العراقية البهية
ويكون مسك ختام المهرجان الكرنفالي الكبير فنان الشعب العراقي المبدع جعفر حسن الذي لم يكن خياره اعتباطا بل جاء توكيدا لتاريخ عريق من الارتباط بين الفن والالتزام بقضايا الناس والوطن وتهنئة مقصودة بعيد الثورة وبُعََيد تهنئة الفنان بعيد الرابع عشر من تموز التي قوبلت بتحية أكف المدرجات الممتلئة تماما انطلقت حنجرة الرائع جعفر حسن بكلمات الخالد محمد مهدي الجواهري لتحية شطآن دجلة الخير فكانت مدرجات غصت بجمهورها تُسمِع مدينة السلام الهولندية أغاني حناجر هذا الجمهور مع فنان الشعب وليرددوا سويا أيضا أغان في حب بغداد وعشقها [يافرح أيامي يا كل أحلامي الشوق بينا زاد يا حبي يا بغداد] وليعلو صوت الحناجر مرة أخرى [هربجي كورد وعرب رمز النضال] وتتجاوز السهرة المواعيد مصرة على احتفالية المحبة والسلام..
وهو ما أكدته الكلمة الرسمية ملخصة بخطاب سعادة سفير الجمهورية العراقية بقوله إن المهرجان عبر عن رموز شعبية عميقة مشتركة "بدجلة والفرات بالتشاي والجرداغ بالباجة وجالغي بغداد باللاوند والسيكاه بالرصافي والجواهري وكوران بفريدة وجعفر" وتأكد أمر تلك الهوية الواحدة لعراقيي الوطن والمهجر بإنشاد جماعي علا في أرجاء الميدان المفتوح وفضاء المدينة لنشيد "موطني موطني" فهل أحلى وأبهى من هذا اللقاء...
وهل أروع من عقد العزم على أن يكون اللقاء في العام القابل كرنفالا لا يقف عند العراقيين والعراقيات من أبناء الجالية بل ينفتح ليستقبل مئات ألوف الهولنديين وجميع الأصدقاء من مختلف الجاليات والهويات.. وحتى نلتقي عيدكم سعيد وكل عام وأنتم بخير تنتصرون للخير والسلم والديموقراطية....
ولقول خلاصة في هذه التجربة فإنَّ اللقاء الوطني الهوية الديموقراطي الجوهر ابتعد عن الشعاراتية وعن رفع رايات سياسية قد تعني الانشطار وقد توحي بالتقسيمات الطائفية التي تمثل الطبقة السياسية لا الشعب فيما أُريد للاحتفال بالثورة وبالعراق محبة أن يبقى بعيدا عن انقسامات الطبقة السياسية الجديدة وعن أمراض الواقع ومخلفات الماضي ليبرز وجه العراقيين الموحد وحقيقة الوطن الهوية رافض الانقسام.. والجميع في بوتقة واحدة، سفينة واحدة هي سفينة الإبداع العراقي ثقافة وجمالا وفنونا تعبر عن المعدن العراقي الناصع المشرق بشموس للخير والعطاء لا تحجبها الظنون بل تعمّدها أجواء الثقة الراسخة بين جميع العراقيين لا استثناء ولا إقصاء ولا تهميش بل ساعد يشد أزر ساعد آخر وقلب ينبض على معزوفة قلب آخر والكل ينشد للعراق محبة للعراق الديموقراطي الفديرالي الجديد. فغدا سننظر وراءنا لا بغضب بل بوجد لهذه النسمات النورانية لأهل العراق محبة وسلام.........