مع الحكومة أم ضدها.. ليس محدِّدا للموقف من الديموقراطية أو العملية السياسية؟
2007/06/11
أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان
tayseer54@hotmail.com E-MAIL:
يأتي هذا الموضوع في سياق عدد من المواقف التي برزت مؤخرا من القيادات الفاعلة للعملية السياسية وتحديدا قادة جهاز الدولة العراقية والحكومة فيها.
فقد اتهم رئيس الوزراء عمال النفط ونقاباتهم بالخيانة وبتخريب الاقتصاد الوطني تبريرا لتوجهه نحو استخدام الجيش الوطني العراقي لمطاردة قادة الشغيلة والنقابات ووأد أنشطتهم المطلبية التي أرغمتهم عليها مطالب أفواه تعيش تحت مستوى خط الفقر [الأفريقي\الصومالي] عفوا العراقي في مشهده الراهن..
وهوجمت محاولة تشكيل جبهة سياسية عراقية جديدة خارج التشكيل الحكومي من الإئتلاف الطائفي والقومي.. وتمَّ توجيه تهم الخيانة والتحالف مع قوى أجنبية لإسقاط [حكومة المحاصصة الطائفية]...
وأجدني بهذه المناسبة وببساطة مضطرا لتوضيح ألف باء آليات الديموقراطية مشيرا [مع غيري من الباحثين] مجددا وللمرة الألف بعد المليون أن لغة التخوين والاتهامات الجاهزة في خطاب الزعامات السياسية الحاكمة ليس خطابا سليما في التعامل في ظل أبسط شروط الديموقراطية وآليات الحكم بها.
إنَّ الصراع السياسي أمر مقبول طالما تحدد بشروط العمل السلمي والتفاعل البناء لا الهدام الذي يقدم الرأي مشروطا باحترام الرأي الآخر وإدامة التفاعل معه سلميا والاحتكام في النتائج المرجوة إلى صوت الجمهور واتفاقه مع هذا الطرف أو ذاك..
ولا يجوز لأحد الطرفين أن يمسك بالسلطة ومسؤولية القرار ويكون في الوقت ذاته الخصم والحكم في الاختلاف البرامجي السياسي.. ويتصرف وكأن البلاد ضيعة مملوكة لإرادته وقراره وكل من يخالفه خائن يخضع لعقوبة الإلغاء والمصادرة والتصفية سواء الجسدية أم السياسية المعنوية أم كليهما...
وعليه، فإنَّ موقف حزب أو نقابة أو منظمة من الحكومة وسياساتها وبرامجها حتى لو جاء مناقضا لرؤيتها ليس سببا للتخوين والاتهام بكونه معاد للوطن والديموقراطية وللمسيرة السياسية السلمية...
فالحكومة ووزراؤها ليسوا المقياس أو المعيار في وطنية الناس بل العكس تماما هو الصحيح... والاختلاف جزء حيوي من المسيرة لتعزيز العملية السياسية وتعميق مضمونها الديموقراطي في التعاطي مع الرؤى المتنوعة المتعددة ومع الاختلاف بطريقة موضوعية وبآلية هادئة سلمية متفاعلة بنائيا..
والحكم في صحة طرف وخطأ آخر وفي قبول جهة ورفض أخرى هو الخيار الذي تحدده صناديق الرأي العام وتصويتها الحرّ.
إننا اليوم في مجابهة جدية مع الممارسة [الديموقراطية!] للحكم. فموقف رئيس الوزراء الذي يتهم فيه فئة عمالية كاملة بالخيانة العظمى وبعداء الوطن لأنها رفعت الصوت مطالبة سلميا بتلبية الحاجات الضروروية الدنيا لحيوات أبنائها من الشغيلة وحيوات عوائلهم الجائعة المعدمة المعرضة لأنواء الأمراض والمشكلات العصية، هو موقف تبريري سبق لشعبنا بكل أطيافه أن تعرض له في ظل نظام القمع الاستبدادي عندما كان يريد تصفية فئة يوجه لها تهمة جاهزة بالخيانة وينتهي من تنفيذ قراره التصفوي!!
ومن غير المقبول اليوم في ظل حكومة منتخبة أن تجري آليات العمل على وفق النهج الدموي إياه.. ولابد من مرجعيات في الإدارة والحكم والقضاء يجري الاحتكام إليها في مثل هذه القرارات ولابد من التزام بمبادئ الدستور ومحتويات مفرداته ومواده.. وإلا فإنَّ الأمر سيكون عودة فعلية إلى الوراء وتنفيذ لآليات الدكتاتورية في التعاطي مع الأحداث الجارية...
إنّنا بحاجة جدية وفعلية لتلمس خطى الديموقراطية وآليات ممارستها في مستويات متقدمة فلقد حصل في البرلمان العراقي بالأمس ويحصل حتى اليوم ما يشير بوضوح إلى نواقص جدية في فهم تلك الآليات وتطبيقها..
بل وصل الأمر إلى خرق فاضح عندما تعلق الأمر باستخدام أسلوب لا يمكن وصفه إلا بالجلف المعادي لمبادئ الديموقراطية كما في مثال خطاب رئاسة البرلمان واستخدام ألفاظ نابية ما أطلق عليه [البعض ديموقراطية القندرة!]
وعلينا أن ندرك أن الطريق إلى تطبيق الديموقراطية فلسفة ونهجا بشكل ناضج لن نصل إليه بقفزة ولا بحال إلغاء ومصادرة وفي وقت نؤكد ونطالب بالعودة لآليات الديموقراطية في التعاطي مع الآخر ومطالبه، لا نجد أن الخروقات التي تجري بالضرورة ناجمة عن عداء مستحكم مبيت ومقصود مع سبق الإصرار..
بل قد يكون الأمر ناجما عن حداثة التعاطي مع الممارسة الديموقراطية وحتى عن حرص وخوف على مسيرة جديدة ترى شخصية سياسية أو أخرى أو قيادة حزبية أو زعامة وطنية أو قومية أن وسيلة الدفاع عن مصالح المسيرة الجديدة في عراق اليوم تقتضي مثل هذا الموقف الشديد أو ذاك...
والمهم هنا أننا سويا مسؤولون عن مراجعة لا تصريحاتنا بل وخططنا وتصوراتنا ومستهدفاتنا التكتيكية والستراتيجية. ومسؤولون عن تقديم المعالجات واشكال النقد البناء؛ وفي الوقت ذاته ننتظر من الزعامات ومن المسؤولين الحكوميين وزراء وغيرهم أنْ يتمعنوا في الملاحظات التي تردهم بخصوص أدائهم برحابة صدر وتفاعل إيجابي يتأسس على قاعدة وقف القرارات الخطأ والعمل بالرؤية النافذة البصيرة لتجاريب المفكرين والمتخصصين حيثما وردت...
والأمر لا يعني بالمرة وعظا أو نصيحة ولا يعني أكبر أو أصغر ولا يعني أيضا تقليلا من مكانة شخصية أو إساءة لمقام زعامة.. كل ما يعنيه الأمر هو تفاعل رؤى وأفكار في إطار ممارسة حقيقية لآليات الديموقراطية..
فالمسؤولية وطنيا هي مسؤولية جمعية ومضمونها عمل مؤسساتي جمعي تتعاضد فيه الجهود وتتداخل بنائيا لا إتلافيا.. وحين يشير رأي إلى خطل فكرة صدرت وتعارضها مع فلسفة الديموقراطية ونهجها لا يعني هذا مهاجمة الجهة التي بدرت منها الفكرة الخطأ بقدر ما يعني التعاضد والتفاعل معها من أجل أفضليات قد تكون موجودة لا الفكرة ولا في البديل بل في رؤية ثالثة تأتي بعد سجال ومناقشة وحوار وتفاعل...
ومن هنا فإنَّ الأمل في تغيرنا وتطورنا وفي دخولنا مرحلة التأسيس لبنية المسيرة الديموقراطية يقوم بوضوح على عميق احترامنا لأطراف المسيرة السلمية الديموقراطية كافة ونحن عندما نعرض رؤانا ومعالجاتنا نثمن ونحترم الآخر ولا ننتقص منه بل نترك لقامته مكانتها..
وعلى سبيل المثال فإنّ تفسيرنا لتشدد السيد المالكي نرى فيه انطلاقه من قلق داخلي على انفلات الأوضاع ومحاولة لضبطها وقد يكون لدوافع أخرى سليمة النية ونحن نبحث معه ومع الآخرين كل الوسائل التي تؤدي إلى التناول الأفضل والمعالجة الأمثل لأية مسؤوليات تجابهنا..
بمعنى أن تقديمنا البدائل وقراءتنا تجاريب التاريخ الوطني والأممي لا تأتي بتهمة لطرف ولا يعنيها أن تتهم بعمالة أو برجعية وبمعاداة لمصالح الشعب في شخص عيني أو أدبي.. ولكن ما يشكل الأهمية والأولوية هو وضع بديلنا الموضوعي ودفاعنا عن مصالح الناس وعن عراق ديموقراطي جديد من دون التعرض الشخصي تحديدا لطرف مسؤول أو زعامة...
فمسألة التهم والاتهامات من مسؤولية جهة مؤسساتية معروفة في أية دولة ديموقراطية.. ومسألة إقناع برأي هي مهمة مختلفة هنا تكمن في التعاطي النقدي البناء وفي التفاعل الإيجابي مع مجموع أطراف الحياة والتعايش بينها في وطن واحد يعود للجميع...
وخلاصة قولي هنا إنَّ محدِّد أن يكون طرف أو آخر مع العملية السياسية ومع مصالح الشعب وعراق ديموقراطي جديد يستند على قواعد دستورية القوانين ومطابقتها آليات الديموقراطية وتحديدا العمل المؤسساتي واحترام الآخر ومنع خطابات التشهير والاتهامات الجاهزة بالتخوين...
ولا يمكن للديموقراطية أن تسير في طريقها الصائب إذا ما تمسك من يجلس على كرسي المسؤولية الحكومية بموقف وضع من يختلف معه موضع خائن الوطن والشعب.
وفي وقت لا يمثل المسؤول الحكومي مهما كانت مسؤوليته معيار الديموقراطية لا نجد هذا المسؤول إلا جهة تنفيذية للدستور والقوانين الدستورية ولمرجعية الشعب ومؤسسات المجتمع المدني واحترام أدوارها في معالجة الأمور...
كما ينبغي أن يكون اتفاقنا جمعيا مشتركا على أن مصالح فئات الشعب محدد جوهري لمسارنا وآلياته.. وأن أنشطة مؤسسات المجتمع المدني السلمية المكفولة دستوريا تظل آلية محترمة لا ينبغي التجاوز عليها كما في حالة التظاهرات والإضرابات وأشكال التعبير السلمية الصحيحة المكفولة قانونيا....
ومثل ذلك اتفاقنا على احترام أية ممارسة سياسية حزبية تخضع لآليات العمل الديموقراطي ولظروف بلادنا الراهنة من مثل تشكيل الأحزاب والجبهات [بالتأكيد الحديث هنا عن الذي يختلف معنا] للعمل المنظم في إطار دستوري وفي موقف يتبادل الرأي والتفاعل سلميا على أساس من العمل لكسب رأي صوت المواطن بطرائق ديموقراطية معروفة ومختبرة...
إنني لأشدد على ضرورة أن تكتب الشخصيات الوطنية ومفكرينا من المتخصصين اليوم في تناول مثل هذه الإشكالات ومعالجتها لمزيد من تعضيد مسيرة العملية السياسية وتعميق بعدها الديموقراطي ومفاعلة الرأي بطريقة موضوعية مؤملة في تلك المعالجات...
كما ينبغي للقوى السياسية تحديدا المشاركة في العملية السياسية وفي الحكومة بوزراء ومسؤولين أن تعلن رايها وألا تترك الأمور تجري بين مسؤول فرد محولين إياه إلى ممارسة دور الزعيم الفرد ومورطين إياه في مأزق اتخاذ القرارات غير الصحيحة..
وستكون الخشية من التعبير عن الرأي في إشكالية وطنية كحالات التعبير عن الرأي ورفع المطالب بوسائل التظاهر والإضراب والاعتصام وغيرها بسبب من حالة تقديم أولوية التحالف مع الحكومة أو تمرير ضغوط سياسية وأمنية بعينها ستكون تلك الخشية لهذه الأسباب أو لغيرها مشكلة تنبني عليها مشكلات أكبر..
ومن نؤكد أهمية أن تتصدى القوى المؤسساتية الحزبية وغيرها وتعلن موقفها من أنشطة الجماهير الشعبية. وأود بالمناسبة التوكيد مرة أخرى ومجددا على أن الحركة الشعبية ومؤسساتها بدت أكثر وعيا من المؤسسة الحزبية وأكثر تقدما في الحركة والنشاط وفي الإعلان عن ردودها ولا ينبغي للقوى الوطنية أن تتخلف عن هذه الحركة وعن التفاعل معها من منطلق أداء المسؤوليات التي ينبغي لها التصدي لها...
وللحديث دوما بقية، فالحديث هنا ذو شجون!!!