دعوات سافرة لِتُتابِع قوى أجنبية سياسة التدخل المباشر هذه المرة؟!
أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق
الإنسان
19\03\2006
E-MAIL: tayseer54@hotmail.com
استطاعت القوى الوطنية بسياسة حكيمة أنْ تفرضَ بعضَ
مفردات أجندة الوطن والشعب بالتحديد منها تغليب الاستحقاق الوطني على الاستحقاقات
الأخرى التي لا يُراد منها إلا ما يختفي عن الأنظار من مطامع مُبيَّتة.. ونتيجة
تراجع مساحة سطوة الأجندة التي تهيِّئ لتعزيزِ سلطةِ التدخل الإقليمي في شؤون
البلاد والعباد فإنَّ القوى الطائفية التي تصدت لتلك المهمة ونهضت بها وجدت نفسها
غير قادرة على متابعة حلقات العمل بتلك الأجندة...
فانطلقت تصريحات قادتها مستنجدة بمرجعيتها الأجنبية
للتدخل المباشر بعد أنْ استشعرت عدم تمكنها من أداء المهام المنتظرة منها لصالح
"الجارة" [المرجع] الحقيقي لكلِّ فلسفة القادة [المعنيين] السياسية
ومطالبهم البرامجية... إنَّ تصريح فرد من ايِّ موقع يدعو فيه قوة أجنبية
للتفاوض مع قوة أجنبية أخرى لتحديد مصير الوطن لأمر لا يدعو للاستغراب والقلق حسب
بل يدعو للاستهجان؛ بخاصة بعد أن انطلقت مسيرة تحرير العراق أولا من الطاغية
الدكتاتور وتاليا لتعزيز استقلال البلاد وحرية الشعب من كل تبعية واية حالة خضوع
لجهة خارج إرادة الشعب العراقي...
لقد
كانت دعوة السيد الحكيم
لقادة إيران سافرة بدرجة لا يمكن فيها السكوت على ما تضمنته تلك الدعوة؛ وإذا كانت
بعض القوى الوطنية قد مررت تصرفات سابقة للحكيم من قبيل قرارات تعويض إيران التي
تراجع عنها علنا لينفذها بطرق أخرى فإنَّ إعلان موقفه السافر الجديد لم تتمكن أية
قوة تدعي وطنيتها إلا أنْ تعلن رفضها إياه بوضوح لأنَّ من يقرر أوضاع البلاد
والعباد هم العراقيون أنفسهم وقواهم وحركاتهم الوطنية وليس أية قوة أجنبية أو
ممثليها...
إنَّ
الدرسَ الذي يجب أن يقرأه
الشعب العراقي وفئاته جميعا لا يحتاج بعد تلك التوجهات السافرة ما يعينه على
تبيِّن الحقائق والسياسات التي يحملها هذا [الزعيم السياسي] أو ذاك.. وإذا كان
بعضنا قد توجه انتخابيا لصالح حركة أو حزب لأسباب طائفية وتحت وطأة الخوف والقلق
الذي ولَّدته سياسات طائفية وحملات إعلامية سياسية مغرضة، فإنَّ هذا الـ [بعض]
سيكون بالتأكيد قد تحسَّب لمحيطه الجديد وطبيعة اصطفاف القوى السياسية والاجتماعية..
إنَّ
إعادة قراءة المواقف هي في
النهاية من طبيعة النهج الديموقراطي وآلياته فضلا عن أهمية تلك المراجعة من جهة
التأكد من المواقف المعلنة فضلا عن افتضاح المستور المختفي كما في حال حديث السيد الحكيم
بدعوته إيران للتفاوض مع الولايات المتحدة الأمريكية حول الأوضاع العراقية الراهنة
والمستقبلية.
ولسنا
من الاستغفال لكي ننسى
أنَّهم سيعملون على تأويل توجهاتهم كما فعلوا في المرات السابقة لجملة سلوكياتهم
السياسية وعليه فإنَّ ادعاءات التعاطي مع واقع الحال لن تكون سببا جديا مقبولا
للقبول بتلك العلاقات الشائنة على مستويات وطنية أو دينية مذهبية..
ولو
كان صحيحا وحلا لأوضاعنا أن
نترك العراق وطنا لنا وأن نفتته ونمزقه وأن نلحقه بجار أو آخر أو أن نفصِّله على
مقاسات مفروضة من جهة أو أخرى لفعلنا ولكن من منّا الذي سيقول بمثل هذه الحلول
المرضية؟ أو الذي سيقول إنَّ تبعيتنا لملالي إيران وارتدائنا جلابيبهم من شادور
وأعمّة وجبب هو التوجه المنقذ لنا من بلائنا والمستجيب لمطاليبنا؟؟؟
الكارثة
ليست في أن يوجد بيننا
أشباه الحكيم من الذين يرون مصالح العراق والعراقيين في إلغاء هويتهم الوطنية
وإلحاق مصيرهم بمقررات ومقدرات ملالي إيران ولكن المصيبة والكارثة في أنْ يبقى
منّا من يسكت على تلك السياسات الطائفية السقيمة التي تريد لنا الانتهاء عند
مفردات أجندة السيد الحكيم وجماعته.. وعندها سيتمكن ملالي الشر الذين لم يعد
يكفيهم استغلال شعوب إيران فجاؤوا ليستكملوا نهم أطماعهم في شعبنا
العراقي...
أما
كيف يبقى من يتبع جماعة
ميليشيات القتل والخطف والاغتصاب فيأتي بالتظاهر تحت رايات شعاراتها حقوق الناس
وجوهرها ومنطقها خدمة أجندة ملالي فتاوى التكفير وأطماع لا التدخل في الشؤون الداخلية
بل استلاب العراق حرياته وثرواته كما جرى ويجري بسرقة بترول الجنوب وتقديمه
بلا ثمن للجارة "غير الطامعة" في شئ عندنا أكثر من مصادرة هويتنا
ووجودنا الوطني وإلحاقنا لنكون بقية عربستان الإيرانية!
إنَّ
موقفنا الراسخ من رفض التعاطي مع علاقات غير وطنية المردود أمر ينبغي أن يدكون
درسا لنا جميعا.. ومن ضمننا قوى كالسيد الحكيم ورهطه.. ذلك أن الأجنبي الذي يستبيح
أهلنا ويصادر حقوقا لهم سيأتي على المتعاون ويصفيه في مرحلة لاحقة كما فعل في
حاضرنا وأمسنا القريب والسيد الحكيم يعرف تلك الحقيقة ويلزم أنْ يفيد منها..
ونحن
نملك الثقة بأن موقفنا من أجندة الحكيم لا يكون بالتقاطع معه وضربه لأنه يسفر عن
مواقف غير وطنية ولكن بتصويب وتقويم بعضنا بعضا ومناقشة ما يدور بموضوعية حتى
نتوصل لأفضل الحلول التي تعود علينا جميعا نحن العراقيين بالخير وبتحقق هويتنا
الوطنية..
إنَّ
تخلينا عن فئة من فئاتنا وعزلها أمر يدخل في مجال ترك الأوضاع في حال من الاحتراب
والتمزق والتفتيت ولكن فضح البرامج الخطرة التي تهددنا وفي الوقت ذاته الإبقاء على
العلاقات الوطنية مع الأطراف كافة سيدفع جميع الأطراف لمزيد من الدخول في التمسك
بالأجندة الوطنية وبمصالح فئات الشعب جميعا..
فأية
قوة وطنية يهمها توكيد برامجها الإيجابية ومنع البرامج المعادية لمصالح
شعبنا ولكنه ليس مما يكون وطنيا ومفيدا إيجابيا بناءَ َ أن نقبل بالتقاطع والتضاد
والاحتراب.. ومن هنا فإنَّ نقد قويا وحاسما لبرامج بعينها لا يعني التقاتل
والقطيعة بقدر ما يعني مزيدا من فرض لغة الحوار والنباحث ومناقشة ما ينبغي أن نتجه
إليه سويا..
وتجربتنا
في فرض توجه حكومة الوحدة الوطنية وإمكان التقدم على مختلف تفاصيل الأجندة التي
تحقق مصالح الشعب وفئاته العريضة هي تجربة مساعدة على اتباع منطق التصدي لما يعادي
مطامح شعبنا وقواه والنهوض بمهمة تعزيز التعايش بين مجموع القوى التي توجد في
الساحة السياسية العراقية أوالوطنية العراقية منها بالتحديد..
من
هنا كانت الإدانة لتصريحات خطيرة تهمل رأي الشعب العراقي وتمنح قوى الزعامات
الأجنبية الإقليمية والدولية دور التدخل السافر ليست كافية لأن المنطق يدعونا إلى
مواصلة توكيد أجندتنا في الاستقلال وفي تحرير إرادة الشعب وفئاته من التبعية ومن
ضعف سلطة القرار أو اختلاله لي سبب ومع أي طرف كان..
ويُنتظر
من جميع القوى ألا تتوقف عند تصريحات زعاماتها في الرد ولا حتى عند حدود البيانات
والبلاغات بل ينبغي أن نتقدم نحو وضع البدائل في موضع أكثر فاعلية يمكننا من خلاله
التصدي لاحتمالات المستقبل القريب والبعيد بالخصوص.. ولن ينتقص من طرف أن يعود
لدائرة الفعل الوطني بدخوله تلك الدائرة فعليا عبر تصويب مساراته وتعديل سلوكياته
وأجندته السياسية... وهذا الأمر ممكن إذا ما تمَّ تفعيل دور الحركات ودمقرطة
الحياة التنظيمية بخاصة بشأن اتخاذ القرارات وتوجيهها توجيها سليما وعدم ترك
الأمور تجري بطريقة فرض إرادة فرد بمسمى الزعيم المقرِّر الآمر الناهي كما جرى
ويجري في إطار سلطة المرجعية المطلقة بقدسية دينية مفروضة في الحياة السياسية..
وبعد
فلنسأل: هل نقبل أنْ يفاوِض ملالي إيران قادة قوات أجنبية أخرى باستغفال وإغفال
لرأي الشعب العراقي تماما بشأن مصيره؟ إذا قبل أحدنا فبئس وجوده عراقيا بل إنسانا
يهمه كرامته ووجوده وهويته ومصالحه أما إذا أجبنا حقا بماهو أصح وأصوب فعلينا
اتخاذ قرارنا وموقفنا ممن يزايد ويبيع أو يضعنا في مزاد البيعة الرخيصة وسوق
النخاسة السياسي الراهن........................ ولا بقية بغير موقف حاسم مع
أنفسنا ومع الآخر أيا كان ذاك الآخر....