ماالمطلوب اليوم من قادة العراق وحركاته السياسية؟!
أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان
10\03\2006
E-MAIL:
يُشخِّصُ كثير من المحللين السياسيين والساسة المطلوب راهنيا لعراقنا.. فليس صعبا القول: إنَّ الهدفَ المباشر صار يكمن في ضبط الأمن أولا وتحريك ماكنة الاقتصاد من جهتي معالجة مشكلات البطالة والتشغيل وإعادة بناء الركائز الكبرى ومفاصل أو مفردات الاستجابة للأمور الخدمية...
ولكن التساؤل الأبرز يكمن فيما بعد التشخيص.. مَنْ الذي سينهض بهذه المهام؟ وكيف يمكنه ذلك؟ بمعنى أو بصيغة أخرى ما المطلوب الآن؟ وللإجابة عن هذه التساؤلات ينبغي التأكد أو فحص القوى السياسية الفاعلة من جهة.. وامتحان مصداقية الزعامات الموجودة بالفعل على أرض الواقع وتشخيص القوة الرئيسة التي تمتلك القدرات والسلطات التي يمكنها توجيه المسارات أو التدخل بفاعلية والتأثير في موازين حركة القوى.. وهل تمتلك هذه القوة برامج بنَّاءة وإيجابية؟
وهكذا وَجَبَ رسم الرئيس من وقائع الأمور في الحياة العامة.. وأبرز أمر في ذلك ما أقطاب الصراع فيها؟ ومن يمكنه القيام بما يجري من تلك الوقائع السلبية منها والإيجابية، وما مصالحه؟ أو ما طبيعة القوى الموجودة في الميدان؟ وما مصالحها؟ ومن ثمَّ الربط بين ما يجري وبين مستهدفات كل قوة لكي نصل إلى تحديد إمكان الارتباط أو التحالف مع قوة أو تكليفها بمهمة أو أخرى في معالجة أجوائنا...
وينبغي التساؤل أيضا عمَّن يتحكم اليوم في الشارع العراقي هل هو الوضع العسكري الأمني أم الوضع الاقتصادي وآليات وتفاصيل مفرداته القائمة؟ وما دور كل من العاملـَيـْن في سيادة واقع بعينه هو ما نلمسه من واقع يعج بأعمال العنف وانتفاء الاستقرار.. ومن ثم ما دور القوى مالكة أسلحة العسكر والميليشيات وعصابات ومافيات العنف في مجريات الأمور سلبا أم إيجابا؟ وما دور العوامل الاقتصادية المرضية أو الصحيحة في التأسيس لواقعنا المرّ المعاش سلبا أم إيجابا؟ وهل صحيح أنَّنا في دائرة مغلقة عبثية من تعاقب حلقات المصادرة والسلب والهدم؟
كل هذه الأسئلة بحاجة لإجابات من القوى السياسية الفاعلة على الأرض وهي أسئلة بحاجة لدور المثقف في الإجابة عليها وليس عنها لغربة وانشطار بين الثقافة والواقع المتجلي تخلفا .. كما هي بحاجة للإجابة في كيفية تفعيل أدوار الخطابات الإيجابية وإيصالها لممارسة تأثيرها؟
كان يُفتَرَض أن تمضي سفينة التغيير من الطغيان باتجاه ديموقراطية موعودة أو مُتطلَّع إليها بعد سقوط الطاغية.. ولكن الذي جرى هو استبدال الانفلات بالديموقراطية [أيّ ترك الديموقراطية وسيادة الانفلاشية] وهو الأمر الذي استباح الحياة العامة بعمليات تدمير قسرية أخرى بعد عمليات التخريب لسلطة الدكتاتورية والطغيان..
إنَّ عددا من الأسباب وقفت وراء مثل تلك التداعيات منها كون القوات المسلحة الأجنبية التي حلت محل القوات "المحلية" لم تقم بشكل جدي مسؤول بالمهمات التي عادة ما تناط بها في مثل تلك الحالات، وكون سلطة تلك القوات وإرادتها السياسية لم تكن تحمل الأجندة الصحيحة ولا القرار المناسب فضلا عن تبعات تسيّب الحدود وانفتاحها لكل دخيل عدا عن التدخلات الإقليمية ومخططاتها في اختراق الأوضاع والإبقاء عليها في حال من انعدام الاستقرار لحسابات خاصة بالجهات التي فعلت وما زالت تفعل الأمر ذاته..
ولظروف تخصّ قوى سياسية عراقية بعينها فقد استطاعت قوى إقليمية أنْ تخترقها و \ أو أنْ تلزمها بأجندة لصالح تلك القوى الإقليمية والدولية.. وصار لبعض الزعامات القادمة إلينا ارتباطات ومصالح بعض مفرداتها ليس وطنيا ولا عراقيا بالمرة.. من هنا ينبغي أن نجد مخرجنا المناسب من حقيقة وجود أجندات مفروضة قسرا أو مبرقعة بأقنعة الخداع والتضليل السياسيين عند قوى عراقية محددة..
أولا لابد من الاعتراف بعراقية الهوية لمجموع القوى العاملة في الميدان العراقي وهذا ليس منَّة من أحد. وثانيا علينا القبول بحرية التزام أجندات سياسية متنوعة مختلفة بحسب القوى المعنية بالأمر.. وثالثا لابد من الإقرار بآليات العمل في ظل التوجه لبناء مؤسسات العمل الجمعي في ظل نظام ديموقراطي فديرالي تعددي غني التنوّع.. ورابعا ينبغي الدفاع إنْ لم يكن ضمان حق العمل واحترام صوت المواطن في خياراته ومن ثم القبول بالاستحقاقات الانتخابية [ولكن؟] بناء على اعتبارات المرحلة وخصوصية الظروف المحيطة...
هنا بالتحديد سنجابه عقبة في البحث عن الفهم الأصوب لخيار معقد يتلاءم مع تلك الظروف الشاذة التي نمرّ بها وهي ليست حجة أو ذريعة بقدر ما هي شروط مفروضة قسرا على الوضع وناجمة عن عقود من التشوهات في آليات الحكم إلى جانب سنوات ثلاث من الخضوع لأجندة اختلط فيها الوطني بغيره للأسباب والظروف سالفة الذكر..
وعلينا هنا في ثنائية القبول بالآخر والحذر مما يحمل من خطايا واختراقات أو سلبيات التعامل مع غير الوطني في أجندته أن نشجع قواعد جميع الحركات السياسية وجماهيرها لتلعب دورها الجدي المسؤول اليوم في ضبط بوصلة تلك الأحزاب وخطوات قادتها وليس العكس...
وعليه فإنَّ أول أمور الديموقراطية تكمن في وضوح الالتزام بأجندة تخضع لمطالب المواطن العراقي وحقوقه وتستمع إليه مباشرة بخلاف ما كان معهودا من جهة تشديد لغة المركزية ورفع شعار نفِّذ ثم ناقش وبتمظهرات جديدة ومسميات من نمط إخضاع الجماهير الواسعة لمنطق المرجعيات السياسية والدينية وهو منطق يتعارض مع أيّ شكل من اشكال احترام المواطن وعقليته وأهليته لإدارة مصالحه وتفاصيل يومياته العادية..
يجب أن تلتزم الأحزاب في برامجها وأنظمتها الداخلية لمقررات الدستور ومفرداته لكي نمنع ظهور طغاة جدد ونقطع الطريق على حالات التوجيه المركزي الرأسي لزعيم فرد يختزل مواطني البلاد في شخصه وتحليلاته وتصوراته.. وبخلافه لا تُعاقب تلك الأحزاب المارقة بل توقف تماما لأننا في ظرف لا يسمح بالتساهل مع الخروقات التي تجري اليوم..
إذن نحن بصدد القوى التي تتوزع الساحة العراقية وهي بعامة كما رأينا قوى فقدت وجودها الطبيعي في داخل الوطن باستثناءات حالات العمل السري بكل تفاصيله ومفرداته المختلفة عن طبيعة العمل اليوم.. وتلك القوى بهذه التوصيفات بحاجة لمزيد من التغييرات لتتواءم مع طبيعة المرحلة ولتطهر بنيتها من الاختراقات التي حصلت بانضواء قوى وعناصر انتهازية أو متعارضة مع البرامج الخاصة بها..
ولا تكاد تخلو أية جهة حزبية من هذه الحالة على مختلف المستويات التنظيمية والبرامجية.. وقد تكون مراكز الدراسات المتخصصة الجهة التي يمكنها المساعدة على التخلص من عديد من أمراض كالتي نمر عليها هنا.. وسيكون من الخطل عدم اعترافنا بنواقصنا وببقائنا على التصدي للأصوات العقلانية التي تحاورنا في أجنداتنا وبرامجنا.. في وقت سيكون أروع ما في الأحزاب ومتغيراتها أن تتفاعل إيجابيا مع لغة الحوار والنقد البناء بآليات ديموقراطية..
وبمقدار التزامنا بتعزيز النهج الديموقراطي نتقدم نحن استقرار أوضاعنا.. وعليه صار على جميع القوى ألا تسكت عن تعرية الأخطاء وفضحها عندما يتطلب الأمر وإدانة ما يجري من جرائم بحق أبناء شعبنا من دون التساهل والتبرير مخافة زعل هذه الفئة أو تلك القوة.. كما أننا عندما ننتقد أونفضح أمرا فلأننا نقصد البناء في جهة ومنع استمرار جريمة في جهة أخرى.. ولا نتركن لنعرات التخلف التي تأخذ الأمور بطريقة الفردنة والشخصنة والاعتزاز بكرامة أو الاعتداد بموقع أو مكانة وكأن تصويب أو تقيوم أمر هو طعن في شخص ووجوده وحقوقه الإنسانية..
كما عندما جرى الحديث عن استبدال السيد الجعفري من رئاسة الوزارة على وفق طلب أطراف بعينها، إذ أخذ الأمر بعضهم كونه قضية فردية أو شخصية وليس كونه ضغط من أجل برامج بعينها ينبغي أن ينهض بها من يؤمن بها لا من دلت التجربة على رفضه العمل بمفردات بسيطة منها..
إن القوى الموجودة هي قوى وطنية عراقية تختلف في برامجها وتطلعاتها ولكنها بأغلبها لم تتخذ بعد من أدائها البرامجي طريقا للعمل الجمعي بآليات ديموقراطية بقدر ما توقفت عند حدود حقيقة واحدة جامدة في تصورها هي حقيقة كون كرسي السلطة وسيلتها لترسيخ نفوذها وأيديولوجيتها ومنطقها الخاص فضلا عن مصالحها الضيقة التي إنْ توسعت فلن تشمل أكثر من جزء من الفئة التي تزعم تمثيلها..
وسنواجه في مثل هذه الحال عقبات ليست قليلة لتطبيق دستور هو الآخر ما زال بحاجة لتطوير وتغيير.. ما يعني أننا لا نقف عند تشخيص قوانا وأنفسنا وهو الأمر الأول بل ننتقل إلى تشخيص المطلوب من تلك القوى في اللحظة الراهنة.. وهنا ننتقل بعد أن تعرفنا إلى طبيعة قوانا التي تتحكم بالوضع ومساراته إلى تشخيص المطالب والشروط التي تدفعنا إلى أمام وتحل كثيرا من مشكلات راهن يومنا وثغراته.
لدينا شعب غير آمن يكاد الجوع والمرض يفتك به ولدينا سلطة وطنية بلا مؤسسات يمكنها أن ترتقي إلى مستوى مسؤوليات المرحلة وأمامنا زعامات سياسية تمَّ توصيفها للتو.. فما المطلوب؟ ما العمل؟ وبمَ نبدأ؟
نتذكر أنَّنا سنتعامل مع أية ظروف وتطورات مفروضة علينا أو ستجابهنا لاحقا وذاك هو منطق الواقعية والحنكة أو الخبرة السياسية المؤملة.. ونعرف أن علينا وضع مطالبنا على وفق حاجات الواقع المباشرة وأول ذلك الأمن وهو أمر يقوم على دعائم مباشرة وأخرى غير مباشرة.. فالمباشر هو قوات وزارات الداخلية والدفاع والمخابرات الوطنية ولتفعيل كل هذه الأجهزة ينبغي الارتقاء مرحليا بها بتطوير الكفاءة وبإخضاعها لشروط انتساب وطني لا طائفي ولا قومي ولا يمرِّر أي شكل من أشكال الاختراقات المرضية الداخلية والخارجية. ومن الطبيعي أن يكون لنا مجلس الأمن الوطني الذي يشترك بسبب من ظروفنا المحيطة في بنية الرئاسات الوطنية [رئيس الدولة ورئيس مجلس الوزراء ورئيس البرلمان] لإدارة البلاد حاليا..
وعليه كان لدعوات تشكيل مجلس الأمن الوطني من جهة واشتراكه في الرئاسة من جهة أخرى اي بمنحه صلاحيات أوسع وقع موضوعي لمعالجة أوضاعنا السائدة.. ومن الطبيعي ألا يخضع وزراء هذه المهمة لأي حزب أو حركة أو اتجاه بل وجب أن يكونوا مستقلين تكنوقراط متخصصين بالمهمة المناطة بهم.. إلى جانب أهمية دراسة برامج المجلس ومتابعتها باستمرار برلمانيا وشعبيا..
أما الأسباب غير المباشرة التي نريد تسليط الضوء عليها هنا فتكمن في معالجة مستعجلة مؤقتة لأوضاع حاجات كل المواطنين بلا استثناء حيث يجب الصرف الفوري برواتب إعانة وتحمل نفقات الرعاية الصحية والخدمية بكاملها من قبل الدولة.. لمنع توجه جيش العاطلين إلى أفعال تدخل في سياق استغلال ظاهرة البطالة من جهات التمويل الإرهابية وغيرها المحلية منها والخارجية.. والسعي لتوفير الخدمات العامة ومعالجة مشكلات الماء والكهرباء والصرف الصحي وشؤون ركائز الحياة اليومية للإنسان..
الخطوة التالية تكمن في الشروع الفوري بمشاريع البناء الكبرى ومنح الاستثمارات الأجنبية والمحلية الضوء الأخضر لبدء حملة إعادة الإعمار التي تأخرت كثيرا جدا وامتد زمن انتظارها حتى باتت واحدة من معضلات التسويق لأوضاعنا المنفلتة القائمة.. فلتنطلق أعمال الإعمار وليتم معالجة الحماية الأمنية لكل مشروع باستقلالية وكفاية لحين استقرار الأوضاع التي ستتبادل فعل الاستقرار وتأثيره بين المباشر وغير المباشر من المسارات..
وسيكون من المخيب للآمال أن تتلكأ مرة أخرى عمليات الشروع بالبناء وليكن أول إعلان لتشكيل الحكومة الجديدة منصبا على أمرين: هما الحملة الأمنية والحملة الاقتصادية...
المطلوب كما نرى على تعقيده يكمن في مزيد من الحنكة والتعامل الموضوعي مع الوقائع والتفاعل بين الزعامات والقوى المحركة للأحداث بطريقة أكثر عقلانية وبروح أكثر انفتاحا ومداخلة الرؤى ومفاعلتها بنائيا لا هدميا.. ومن سيفرض هذا التوجه ليس تغييرا مفاجئا منتظرا من شخصياتنا ذاتها بل ضغطا شعبيا جديا بتعبير عن مصالح فئات الشعب سواء بالمظاهرات أو بغيرها من أشكال الضغط داخل الأحزاب وخارجها..
وعلينا أن نستثمر علاقاتنا الوطنية والدولية لتحريك الأجواء إيجابيا وتحصين تجاريبنا ضد مزيد من الاختراقات بل تطهيرها من واقع الاختراق الذي بات آفة تكاد تنهي وجودنا الوطني.. وكل ذلك لا يأتي بغير مواصلة العمل مثابرين على أجندتنا الخاصة (الوطنية بالتأكيد لا الفئوية ولا الحزبية الضيقة) مع تنفيذ أو تفعيل قناعة الاستحقاق الوطني على كل الاستحقاقات الأخرى على أهميتها لأن الأهم اليوم مطلب ضمان أمن حيوات الناس وحقوقهم المستلبة...
وسيكون من المفيد في ظل دعواتنا هذه أ، تسود الشفافية والمصارحة ومؤتمرات الوفاق الوطني وتصعيد وتائر الاحتفاء الوطني بكل محافظة وأهلها وبمعالجة الثغرات والنواقص فيها.. وهو بالتأكيد ما يمر عبر تفعيل المجالس البلدية والمجلس النيابي وأدوارها بشفافية وملتقيات مباشرة بجمهور المواطنين..
لنبحث عن لقاءات مباشرة دائمة ولنرفع صوتا بمطالبنا واضحا قويا ولنتبادل الرأي واحترامه ولنلتزم بمصالح جمعية مقدمة على أية مصالح أخرى، وذلكم ما سيأتينا بالتغيير والعلاج....................