وقفات انتخابية

من واجبات الناخب وحقوقه في مرحلة الحملة الانتخابية والتصويت؟!

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي

أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

2004\ 12 \ 21

E-MAIL: tayseer54@hotmail.com

الانتخابات العراقية الوطنية العامة تجري في ظروف غير طبيعية بالمرة.. فهي فضلا عن كونها انتقال مفاجئ من مرحلة القمع والاستلاب إلى زمن التحرر من سلطة العبودية المطلقة لصوت الدكتاتور الأوحد، فإنَّها فضلا عن ذلك تجري في ظل سيادة التشوّهات التي صنعتها فلسفة الدكتاتورية البغيضة على جميع الصُعُد الفكرية السياسية والاجتماعية الطبقية أي في البنيتين الفوقية والتحتية للمجتمع العراقي.. ما خلق خللا واضحا في التوجهات السائدة وهيَّأ أرضية للوضع المأساوي القائم...

فلنلاحظ سطوة حثالات الجريمة والإرهاب ممَّن يسمّون أنفسَهم مقاومة؛ ولنلاحظ سطوة مافيات السرقة والاختطاف ولنلاحظ أحزاب العزل أو الفصل الطائفي والعنصري بالتحديد ولنلاحظ من ثمَّ حالات ابتزاز الناس في حيواتهم وما يملكون من بقايا (شقا العمر وفـُتاته)؛ ولنلاحظ في ضوء ذلك كيف يوجهون الشارع باتجاه الخضوع بالإكراه لتوجهاتهم ومستهدفاتهم الرخيصة، كما كان الطاغية يفعل بوساطة أجهزته القمعية.. أليست حالة تهديد الناس في حيواتهم وحيوات أبنائهم بجريمة أكبر من أخلاقية سياسية تبتزّ المجتمع وتدفعه بالإجبار والإكراه والقسر نحو غايات لا تخدم إلا سوَقة زمننا المعقد الصعب؟!!

إذن ما واجباتنا اليوم لإجراء انتخابات حرة نزيهة؟ انتخابات يمكنها أنْ تأتي بقوى تكون حقا ممثلة لفئات الشعب وطبقاته، أي مجموع مكوناته المتفاعلة إيجابيا لا تلك التقسيمات المشوَّهة المفتعلة المصطنعة من دينية أوطائفية تعزل العراقي عن أخيه العراقي وتضعه في تناحر معه وتناقض غير مسوَّغ لا موضوعيا ولا بأيِّ منطق عقلي صحيح صائب..

عندما نتعرف إلى حقيقة ما يجري اليوم وما يتمّ من عمليات التحضير له من أشكال التأثير على الانتخابات يمكننا أنْ نتعرَّف إلى واجباتنا وحقوقنا الانتخابية في مرحلة الحملة الانتخابية ولحظة التصويت الحاسمة.. ونحن نعرف سويا وبوعي عميق ما للأموال من تأثير على الانتخابات ومجرياتها.. إذ من المعروف عدم تمكن عدد كبير من الذين يريدون الترشّح ولا يملكون [ضريبة] أو رسم التسجيل وإذا توافر لهم فإنَّهم لا يملكون أموالا تغطي الحملة الانتخابية وإذا امتلكوا شيئا منها فإنَّهم لا يمتلكون ما يمتلكه أولئك المدعومون بأموال طائلة من قوى بعينها محلية أو أجنبية..

فليس من يملك التضحية بشئ من (دنانير) من قوت عيشه وقوت عائلته وببعض الدعم من محبيه من الفقراء والمعدمين بقادر على الحركة مثل الذي توضع بين يديه عشرات ومئات الملايين من (الدولارات) وغيرها من عملات الأرض المغتصبة المسروقة من أفواه الناس وحقوقهم لتكون سلاحاَ َ ضدهم وضد مصالحهم وخياراتهم، سواء بشراء الأصوات مستغلين الظروف المعقدة الصعبة أم في توفير مسيرة حملة مرتاحة ماديا!

إذن واجبنا نحن أبناء العراق بخصوص مجابهة ظاهرة الفساد المالي أو ظاهرة اختلال التوازن بين إمكانات غير متقاربة في المصادر المالية، واجبنا يكمن في التصدي لظاهرة الفساد والإفساد بفضح الجهات المرتبطة بمصادر دعم أجنبي ليس فيه من مصلحة عراقنا وعراقيينا شيئ؛ وليس بخافِ ِ على أهلنا هذه الحقيقة سواء من الذين عاشوا ردحا من الزمن في المنفى ولم يكن أصحاب الثروات الطائلة هذه يساعدون المأزوم بوضعه ولو بفتات أم من الذين عاشوا تحت سطوة حصار الدكتاتورية وأسرِها شعبنا معوزا محتاجا ولم تقدِّمْ تلك القوى إلا واجهات منظمات دعائية لم تسد رمق جائع ولم تغنِ بل لم يتدخلوا لا من قريب ولا من بعيد لإنقاذ محتضِر يكاد يُتوفى!

واجبنا ألا ننسى الحقائق وأن نذكرَها كما حصلت معنا ومع غيرنا بغية فضح أولئك القادمين لامتلاكنا بأصواتنا وبيعنا بعد ذلك بأبخس الأثمان.. إنَّهم ليسوا سوى [سراكيل: جمع سركال وأرجو ألا تكون مدن العمارة والناصرية والبصرة بل نحن جميعا ألا نكون قد نسينا الاسم الذي سامنا العذاب والعبودية] بلى ليسوا سوى قوى جديدة تسومنا العذاب وتصادرنا ولكنهم هذه المرة عقدوا العقود والعهود لبيعنا سلفا. لا تنسوا هذا، لاتنسوا مشاهد خنوعهم تحت أقدام قادة المافيات الدولية والإقليمية ينصتون بخشوع لتعليمات أسيادهم ويعقدوا معهم مواثيق البيع [ببلاش] ويا [بلاش بيع شعب ملوي الذراع ببضعة دولارات]!!!

واجبنا ألا نكتفي بفضحهم بل واجبنا فضح من يفلسف لهم ويدافع عنهم اليوم بحجج وذرائع من نمط ورقتهم الجديدة \ القديمة ورقة صكوك الغفران والمرجعيات المقدسة [والمرجعية الدينية الصحيحة منهم براء] و [الدين القويم الصحيح منهم براء] علينا أن نفضح المزيف المتستر بالدين وبالمرجعية مهما علا شأن اسمه فليس الإنسان الفرد إلا بشرا مثلنا يمكن أنْ يتغير وينقلب ويخطئ ويقع في محظور الحياة أخلاقا ودينا فيصير في حقيقة غير حقيقته المعروفة السابقة..

وواجبنا التعرف إلى ما ينفعنا ويخدم مصالحنا شعبا وبشرا لنا حقوقنا في الحياة الحرة الكريمة بعيدا عن المسميات والثوابت المطلقة فلا يكون لدينا من ثابت مطلق إلا حقوقنا نحن العراقيين، حقوقنا الإنسانية التي حُرِمنا منها دهرا فلا نسلِّمها لمرجعية بأي صفة جاءتنا اليوم، لا يمكن لفرد أنْ يستلبنا حقنا وصوتنا ومستقبلنا مثلما أضاعوا منّا حقوقنا وحيواتنا طوال الماضي المقيت باسم العروبة والقومية واليوم باسم الدين أو الطائفية أو غيرهما من مفتعل القيم المبرقعة المقنَّعة..

لا تتركوا اليوم المال يتحكم في أصواتكم! فدينياَ َ، حرام أن نبيعَ أصواتنا للشرّ وأهله وممثليه، ولمن يؤذي أهلنا ويؤذينا. ألا ترون أنَّ بيع الصوت قد يضمن عيش يوم أو أيام ثم يعود بعد ذاك علينا بالشر وعلى أهلنا بالويل والثبور؟ ألا ترون أنَّ بيع أصواتنا بأبخس الأثمان قد يسدّ رمق يوم أو بعض يوم ثم يعود لا ليتوقف بل ليأخذ ما أعطاه لنا أضعافا مضاعفة؟!!

إنَّنا لا نتعامل مع فرصة صيد نطبخ بها زاد يوم وينتهي الأمر.. إنَّنا نتعامل مع سرقة حياة أبنائنا! يجب أنْ ندرك أن التصويت لأصحاب الأموال الطائلة أمر أعظم من خطير وأكثر هولا من جريمة بحقنا وحق أهالينا.. إنَّنا بذلك نمكِّن السوقة من المجئ ليكونوا أسيادنا فيسرقوا كل ما تبقى لنا ولأهلنا ونعيد دورة من الاستغلال والقسوة والعنف والدمار.. فهل يرضى ناخب بهذا؟

علينا أنْ نتذكر أنَّ قوى الاستغلال تبتزنا بـِليِّ أذرعتنا عبر الفاقة والعوز وعبر الرشوة والابتزاز المادي.. ولا يمكن أنْ نقبل بفوز تلك القوى بأصواتنا فنحن الشعب الذي حارب واستشهد أبناؤه من أجل الحرية والانعتاق والفوز بخير أبنائه لا يمكنه أنْ يأتي اليوم ويبيع تضحيات أبنائه بأبخس المبالغ التافهة الرخيصة.. لا يمكن أنْ نسلِّم رقابنا وحقوقنا بأيدينا لهؤلاء..

لقد سنحت اليوم الفرصة لكي يكون التصويت فيصلا لفوز الشعب بحقوقه... فإنْ لم نفعل ، وإنْ لم نفُزْ بأصواتنا فبماذا سنعيد حقوقنا؟ هل بتضحيات جديدة أخرى نحمِّلها لأبنائنا ولجيل آخر بل لأجيال أخرى؟ ليس منطقيا أنْ تكون الفرصة متاحة لفوزنا نحن الشعب ونستعيد مصالحنا وحقوقنا ونضيع الفرصة وتخدعنا الأموال أو تبتزنا لمجرد مبلغ يقضي لنا حاجة يوم ويبيعنا لباقي عمرنا!!

أيها السادة النبلاء من معدمي عراقنا من الذين أفقرهم زمن الطغاة لا تسلِّموا رقابكم ورقاب أبنائكم وبناتكم لطغاة جدد.. لا تتركوا المال يلعب لعبته فيستبيح شرف بناتنا وأخواتنا وأمهاتنا وبيوتنا وكراماتنا وأعراضنا ووجودنا.. لا يمكن للمال أن يُخضِعنا بعد أنْ فزنا على الطاغية وزمنه ومؤسساته القمعية..

هذا نداء ليصرخ في ضمائرنا ألا نترك المال ينتصر؛ فلماذا أنتخب قائمة أو فردا يملك المال فيغريني به أو يخدعني بدعايته أو بتشويهاته لمرشح يمثلني بصدق؟ علينا أن نصل إلى ذاك الذي لم يملك أجور نقله ليصل به إلينا، علينا أنْ نبحث عن المرشح الفقير الذي يمكن أنْ يمثلني بحق، هذا هو واجبنا في الوصول إليه ومحضه أصواتنا بعد أنْ نقرأ بتمعّن في برامجه وتاريخه وحقيقته، وفيما يمكن أن يقدمه لو ذهب إلى حيث مجلس تمثيلنا الوطني.. لندعم قوائم الفقراء والجياع، لننصر قوائم المظلومين والمضطهدين، ولنترك أحابيل المال وقوة تأثيره الدعائية..

نعم سيستغل المال الفضائيات وكل أجهزة الاتصال والوصول لا ليعلن عن نفسه حسب بل ليشوّه الآخرين وليهاجمهم بطريقة يعرف الناخب العراقي بذكائه كيف يكشف الغث من السمين؛ لابد لنا من بذل الجهد ولكن بمقابل واجبنا في دعم القوائم التي لا تملك المال لابد من السؤال عن حقنا في التعرف إلى إجابة كل مطلب من مطالبنا وسؤال من أسئلتنا..

فمثلا لابد لنا من ميثاق نعقده مع من ننتخب وهذا الميثاق هو برنامج انتخابي يقدم لنا بالتفصيل وآليات عمل وتعريف بالذات فليس كل من ادعى برنامجا صار صادقا؛ فعادة ما لبس الذئب ثوب الحَمَل، إذن لابد من أن نتعرف إلى تاريخ المعني وتفاصيل سيرته وشهود وثائقه.. على أن يكون شهود الوثائق ممن يكونوا من الذين لا يُشك في أمر شهادتهم ولو قيد شعرة.. لابد أن نعود للتدقيق في أمرنا مرات ومرات وألا ننخدع بدعاية أو وثيقة تستند إلى صناعة المال وسلطته الخادعة...

واجبنا دعم المرشح من غير أصحاب الأموال، وحقنا أن يُقدَّم لنا كل إجابة نريدها في أيّ أمر ذكرناه للتو أو يحتاجه ناخبنا.. ابحثوا عن الشرفاء الأنقياء لوقف تأثير الدعم المالي المشبوه ولوقف جريمة بيع أصواتنا ولنتواصى في أمرنا ونمنع التصويت الجريمة..

المال الانتخابي قد يكون بعضه طريق فساد وإفساد ولكن خطورته في وضعنا العراقي تكمن في كون انتخاباتنا تؤسس للاحق من مسيرتنا فإذا سلمناها بيد لا تؤمن بالتداولية لم يعد ممكنا لنا أنْ نعيد الوضع إلى حال طبيعي مقبول لأننا سلمنا الرأس ووضعنا دستورا بصياغة من تلك الجهات المشبوهة.. لا تنتخبوا جهات القوة المالية، ومرجعياتها ومصادرها ليست مجرد من خارج البلاد بل ضد وجودنا الإنساني ومطالب عوائلنا وحقوقها في الحياة..

لا علاقة لنا بهوى ولا بدولة نشترك معها في الدين أو المذهب أو اللغة أو التاريخ أو أي سبب آخر إلا ما يمكنه أنْ يصبَّ في مصالح مشتركة لا تنهب منا وجودنا وحقوقنا الإنسانية، ولا يكون ذلك إلا بإبعاد القوى الممالئة للأجنبي لأيِّ سبب كان ومثالنا أولئك الذين يطالبوننا أن ندفع تعويضات لدول الجوار بمئات المليارات تعويضا عن جرائم صدام وحروبه!! ومثالنا أولئك الذين يريدون لنا أن نتخذ من نموذج الجيران وغيرهم قدوة لنا في وقت نعرف جميعا بأنَّ ملايين من شعوب تلك البلدان قد تضررت فكم منّا سيتضررون بمجئ ذاك النموذج أو حين يلحقوننا به؟! وكم هي خسارتنا وهزيمتنا الجديدة وبأيدينا نسلِّم رؤوسنا للعبودية الجديدة؟!!

لا يكوننَّ مال قارون وهارون بمقابل حرياتنا وحقوقنا أي أعراضنا وكراماتنا وشرفنا ووجودنا الإنساني.. لا تنسوا ما سيعقب انتخابكم الذي يمر من بوابة خداع المال الذي يسطو برشوة وبيعة وتشويه.. فواجبنا تجاه أنفسنا وليس تجاه المرشح أن نصل إليه حيث لا يملك وسائل الوصول إلينا.. وحقنا الذي لا ننساه هو أن نطالب ببرامج وعهود ومواثيق مجربة ومشهود عليها ومحكك ومدقق في أمر مصداقيتها وصوابها وصحتها .. وليكن لنا تصويت لطرف يمكننا تغييره حيث أخطأ أو خادع أو لعب بذيله عبر منفذ التداولية ..

هل انتخاب أصحاب الأفكار الجامدة المستندة إلى مقدسات يصطنعون التمسك بها وهم أبعد الناس عن المقدسات، هل انتخابهم يؤدي لخير ونحن نعرف خداعهم ومرجعياتهم الحقيقية؟ إذن لنتعرف إلى واجباتنا بدقة وأولها خرق سلطة المال ومنعها من التأثير السلبي الخطير في نتائج التصويت ولنعلن وقوفنا الأكيد مع خيارنا خيار النزاهة وقوائم الإيمان الحقيقي بالتعددية والتداولية...

لنتلمس طريقنا بالضد من الصحف التي باعت الصوت لسلطة المال وخداعه، ومع الفضائيات التي تقدِّم من يمثلنا وتمنحنا فرص محاورته، ومع أجهزة إعلام غير مباعة ومع قوى لا تلعب بالمال حيث تشويه الآخر ولبس أقنعة التخفي المؤقت.. المال المال فاحذروه أيها العراقيون.. فواجبكم واضح في مقاومة الجريمة وحقكم لا يحفظه إلا البدء بهذا الواجب في دعم النزيه وقطع الطريق على الخداع والتشويه..