العراقي
والثقافة بين
الاتصال
والانعزال
أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان
2004\ 06 \14
E-MAIL: tayseer54@maktoob.com
عادة
ما نسمع عبارة
دارجة كتلك
التي تقال بين
اثنين أحدهما
يحاول معالجة
مسألةَ َ بمفاتيح
عقلية فكرية
عامة تلك هي
عبارة "لا
تتفلسف"
ونسمع أيضا
"هذا الكلام
ما يوكِّل خبز أو
بعبارة أكثر
فصاحة هذا
الكلام لا يمنحنا
الخبز الذي
نأكله"
ومثلهما
عبارات من نمط
هذا كلام علية
القوم أو
المتخصصين أو
ناس بطرانة
دلالة على
انفصال
الخطاب
المعني عن واقع
مجريات
الأمور...
وفي
جميع الأحوال
يكون الناطق
بذياك الكلام إنسان
منشغل بتدبير
لقمة عيشه في
كفاح عنيد ضد
الاستغلال
الواقع عليه
وعلى أسرته..
فكأنَّك
بالحديث إليه
عن آخر
المذاهب
الفنية تتكلم إلى
محارب في
ميدان معركة
لتسأله زيارة
فلم سينمائي
أو مسرحية أو
معزوفة موسيقية
أفيلتفت إلى
مناقشة تلك
العبارات والدعوة
أم يواجه
الرصاص
والقنابل
التي تترصده في
الميدان؟!
في
الحقيقة لابد
عند الحديث عن
مسائل الثقافة
والآداب
والفنون وكل
خطابات الفكر
الإنساني
علينا أنْ
نتذكر قولنا
المأثور لكل
مقام مقال
وعلينا في ضوء
ذلك تحديد أو
قياس مدى
التفاعل بين
الخطاب
المعيَّن
وجمهوره.. وليس
صحيحا أنْ
نتحدث عن عزلة
متوهّمة بين
الثقافة
وخطابها
وجمهور
التلقي.. إذ
الحقيقة ظلت
طوال عصور
متعاقبة تدلل
على نهم السوق
العراقية
للكتاب
البحثي
والروائي
والفني والعلمي
بما يعني
المقياس
الجدي الصادق
لقراءة العلاقة
بين خطاب
الثقافة
والآداب
والفنون من جهة
وبين جمهور
التلقي
العراقي...
وعلى
مستوى الفنون
عامة لا نعدم
قراءة حقيقة تلك
العلاقة
القوية
المتينة هي
الأخرى حينما
نقرأ جمهور
معارض
التشكيل
ونتابع نقوش
المساجد
والكنائس
وجدران
الأبنية
الرسمية وحيطان
البساتين عند
الفلاحين
وحتى ألواح
الطين في
الأكواخ فضلا عن
جدران البيوت
والغرف في
المدينة...
ومثل
ذلك يمكن
قراءة ثبات
تردد جمهور المسرح
على أنواع
متعددة
مختلفة من
الأعمال المسرحية
بدءاَ َ
بالكوميديا
السوداء وليس انتهاء
بالتراجيديا
والمسرح
الجاد حتى أنَّنا
كنـّا بصدد مشهد
من أوقى مشاهد
الفعل
الحياتي
عندما كانت تنطلق
المظاهرات
ويندلع لهيب
المعارك السياسية
والاجتماعية
من بوابات
المسرح
العراقي
العريق...
وأهلنا
لا يتوقفون عن
متابعة
الإذاعات
والتلفزة ولا
عن شراء
الجريدة
اليومية ولقد
تغنى جمهور
واسع بــ "أبو
جريدة"
وانتظروه باستمرار
لكي يأتي لهم
بصحفهم التي
تتحدث عن حيواتهم
ومصائرهم يوم
كانت الصحف
ممنوعة عليهم
ويجري سجن
الشخص الذي
توجد في يده
جريدة إنْ لم
يُعدَم ومع
ذلك لم يمتنع
الناس عن
القراءة
والتواصل أو
الاتصال
بخطابات
الثقافة المتنوعة..
ولم
يمنع الناس من
المتابعة
بالأمس والقراءة
حتى حالة
الفقر المدقع
حيث ظل أبناء القرى
والأرياف
والبوادي
يرسلون
أبناءهم إلى
المدارس
والجامعات
وعاد قسم كبير
منهم ليواصلوا
الرسالة في
ميادين عيشهم
القصية ولم يمنع
من التعليم
حتى جدران
السجون التي
كانت يجري
خلفها تعليم
متقدم من قادة
الفكر المتنوِّر
لكثير من جدا
من طالبي
العلم
والمعرفة...
وما
وقف بوجه
الاتصال
والتواصل بين
الثقافة والإنسان
العراقي كل
مصاعب حياته
وأوصاب يومه
المثقل
بالهموم..
وحتى العجائز
والشيوخ كانوا
يتاسءلون عما
ينطق بع
المذيع من
كلمات وعبارات
وعمّا تقوله
الصحيفة من
أشياء ويطلبون
إلى أبنائهم
تخصيص وقت
لإجابة
تساؤلاتهم
تلك, ولم تقف
الأمية
الأبجدية دون
التواصل
والاتصال
بخطاب
الثقافة
والمعرفة...
إذن
الحكاية في
قضية ثقافتنا
واتصالها
بالناس ليست
محكومة بتلك
العبارات
التي تـُطلق بقصدية
العرقلة
وإشاعة
الاضطراب
والتشويش والتضليل
ومحاولة قطع حبال
العلاقات
الوطيدة بين
الناس
وثقافاتهم وتهديم
الجسور بين
الناس وبين
نتاجات الثقافة
وخطابها..
وحقيقة تلك
العبارات
تكمن في طريقة
قراءة إياها
حيث هي
إما ذات
طبيعة معادية
وإما مؤوَّلة
التفسير
بطريقة
خاطئة..
والصحيح
يكمن في قراءة
الوقائع التي
أشرنا إليها
وهي وقائع
ساطعة بيِّنة
تؤكد منزلة
العلاقة بين العراقي
والثقافة
وخطاباتها
المحلية والإنسانية..
إنَّ العراقي
العامي
البسيط
ابن المدينة
أو الريف ظل
دائما حريصا
على دفع أبنائه
للتعلّم
والمعرفة منذ
كانت سومر حيث
أنشأ أول
مدرسة وتشير
المدوّنات
التي وصلتنا
إلى وجود
أبناء
الفلاحين
والرعاة
الفقراء إلى
جانب أبناء
الأغنياء
والنبلاء في
تلك المدرسة
التاريخية
مثلما تشير
إلى وجود
المكتبة
والكـَتـَبـَة
والقراء..
وبالأمس
الوسيط
والقريب كان
لدينا النسبة
الأعلى من
المتعلمين في
العالمين الأقليمي
المجاور
وعالم
البلدان
النامية, وكان
يقتـِّر
الرجل من
طعامه لأجل
شراء كتب المدرسة
وزيارة
المسرح
والمكتبات,
وكان لدينا من
الصحف
والمطابع شئ
كبير ولم يكفِ
السوق العراقي
فكان يقولون
بيروت تطبع
وبغداد تقرأ.
واليوم لدينا
من الصحف ما يشير إلى
لهفة العراقي
لمتابعة آخر
نتاجات
الثقافة وخطاباتها
المعرفية
الفكرية..
ولدينا من
الجماعات
الفنية
والمسرحية
والأدبية
تنوعا وكما
يرتقي بوجوده
لأفضل القيم
النوعية
ومستوياتها
الإنسانية
العالمية..
وعلى
الرغم من
خصوصية الظرف
الراهن وعلى
الرغم من هجمة
شرسة فيه لم
يتوقف
العراقي عن
القراءة
وزيارة
المسرح
والمعارض وهو باحث
دائب عن
المكتبة
المحترقة من
أجل إعادتها
لمجدها وهاهم
العراقيون في
الخارج يتطلعون
لرفد أخوتهم
بالمعرفي
مثلما ينظرون
لأزمة الخبز
النظيف
واللقمة
الغنية وها
نحن نرى أساتذتنا
وخبراءنا
وعلماءنا
يعاودون
العمل ليل
نهار من دون
أنْ تخيفهم
رصاصات الموت
وطعنات الغدر
إنَّهم
يواصلون
العطاء
لأبنائهم من
طلبة المعرفة
والعلم وخطاب
الثقافة
ببحوثهم وقراءاتهم..
تلك
البحوث
والدراسات
التي لا تنفصم
أبدا عراها عن
متلقيها من
العراقيين
المشدودين
بقوة إلى طلب
العلم ولو كان
"في الصين"
بمعنى ولو اشتدت
كل أزمات
الحياة عليهم
بمعنى التعامل
والتعاطي مع
الثقافة
بطريقة
القدسي بوسيلة
الاعتقاد
والإيمان
الديني فليس
من العراقيين
مَن يرى
الثقافة إلا
من منظار
اعتقاده
وإيمانه
ومقدساته
وليس من
العراقية بشئ
ومن الاعتقاد
الديني مَن
يؤذي عالما
ويمنعه عن
عمله فكيف به
يغتاله إنَّه
الكفر
والإلحاد دينا
ودنيا
فالعراقي كله
إيمان
بالمقدس
واعتقاد بالعلم
والحياة
الصحيحة
القويمة..
نحن
إذن ما زلنا
بخير وما زلنا
بتواصل حقيقي
مع الثقافة
وخطاباتها
المتنوعة
والعقل العراقي
عقل ثقافي
معرفي
متنوِّر
وإيماننا
بالدين
الحنيف
إسلاما أو
مسيحيا أو
غيره من كل
الأديان
الموجودة في
عراقنا هو
إيمان لا
يكتمل بغير
اتصال وثيق
بالثقافة
والمعرفة
فالمؤمن
العراقي لا
يقرأ القرآن
الكريم
ويكتفي بل
يقرأ تفاسيره
والمؤمن
العراقي لا
يقرأ الإنجيل
ويكتفي بل يقرأ
تعاليمه
وتأويلاتها
الصحيحة
والمؤمن العراقي
بدين لا قرأ
ويمر على
قراءته من غير
تمعن وتدبر
وتفكر, إنَّه
يعرف ان
إيمانه لا
يكتمل ولا يتم
بغير الفكر
والمعرفة
والفسلفة
بغير خطاب
الثقافة..
والعراقي
يؤمن أنَّه
ليس بلقمة
الخبز وحده يحيا
ويعيش
والعراقي
يعتقد بالعلم
والثقافة طريقا
لإنصاف حياته
وتحسينها
والارتقاء بها
والعراقي لا
يفخر بشئ قدر
فخره بعلمه
ومعرفته
وثقافته
والعراقي لا
يعتدّ بشئ قدر
اعتداده
بنفسه غنية
مكارم أخلاق
وبروحه غنية
ثقافة وبعقله
غني علم
ومعرفة..
أليست
هذه هي
الثقافة
العراقية
الإنسانية الرحبة
التي تشرق على
العراقي مرحا
وفرحا وسعادة
وهي على صلة
بكل تفاصيل
يوميات
العراقي وهمومه
وإشكالاته.
إذن نحن بصدد
علاقة متينة
قوية بين ثقافتنا
ووجودنا
الإنساني ولا
انفصام ولا
عزلة.. أما تلك
الغيوم
الملبدة بها
أجواء عراقنا
اليوم فهي
غيوم زائلة
سريعا ستعصف
بها قوة ريح
المعرفة
والثقافة
والعلم
العراقية
الوجود والمعطى..
وسيرفض
العراقي
البقاء حيث
الظلمة والعتمة
والضلال
والخروج على
المعتقد الذي
يؤمن به ويقول
له لا يكتمل
إيمانك بغير
علم ومعرفة
وثقافة
فاطلبها ولو
كانت في أقاصي
الأرض ولو
حالت بينك
وبينها عقبات
الدهر
والعراقي بكل
تأكيد سيدفع
بأبنائه
وبناته إلى
مدارس الإيمان
ونوره مثلما
فعل أباؤنا
وأجدادنا ولن
يخضع لتضليل
بائس خرِف
قادم إلينا من
مغارات الظلمة
ومجاهل الكفر
بالإنسانية
ومعتقداتها
ومقدساتها..
العراقي لا
يستغني عن
عقله وفكره
وفلسفته
وثقافته وهذه
لا تحيا ولا
توجد إلا بين
العراقيين
وحيواتهم
وتفاصيلها...
تلك
هي الثقافة
بعيدة عن
العزلة
والانعزال بعيدا
عن محاولات
الوأد
والاغتيال
قيربا حيث
الصلة والتواصل
مع العراقي
ودأبه وشيمته
ورفعة قيمه
ومبادئه
ومعتقداته
وليست ظلمتها
وتراجعها ..
العراقي كان
في الحضارة
القديمة
رائدا وفي
الحضارة
الوسيطة
محجَّا يأتي
الناس إليه ليرتشفوا
المعرفة من
أهله وكانت
بيوت بغداد الحكمة
دار السلام
وبصرة
المعارف
والعلوم
وكوفة الفقه
ونور العقل
وليس عتمته
كانت تلك
البيوت مفتوحة
الأبواب لكل
طالب مكارم
العلم والثقافة
والمعرفة
كريمة مع
الضيوف وهي
اليوم مغلقة
بوجه كل دخيل
يقوم
بالتخريب
والتضليل
والتجديف
ديانة
واعتقادا
وفكرا لأنها
ستظل مفتوحة
مشرعة للخير
كريمة بأهلها
وأخلاق السلم
والعلم لا
غير.. نحن هنا
إذن لسنا خارج
التاريخ ولم
نمُت ولن
يلفَّ الظلام
وجودنا ما
تمسكنا بنور الثقافة
إيمانا
وتقديسا...
خاص
بالأخبار