أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان
2004\ 02 \ 04
E-MAIL: TAYSEER1954@naseej.com
يعيد
المؤمنون
بنظرية
المؤامرة
كلَّ شئ إلى جذر
واحد مختزلا
أمور الحياة
الأساس
والتفصيلية
في ذلك الشئ
المسمى
المؤامرة
التي يديرها
مركز واحد أو
قوة واحدة.
ففي أمور
الشرق الأوسط
سياسة
واقتصادا
ومجتمعا على
سبيل المثال لا
يقف وراءها
إلا الولايات
المتحدة
الأمريكية
وطبعا اللوبي
الصهيوني
وإسرائيل..
فهما اللذان
يوجهان خيوط
اللعبة
السياسية
ويتحكمون
فيها من وراء
ستار...
والمشكلة
لا تكمن في
خطأ التصور
والتحليل؛ إنَّها
تكمن في الروح
الاستسلامي
الذي يحيل الأشياء
إلى القدرية
عبر ذاك
الاستسلام
المسبق
والاندحار
والتسليم
بالضعف
والانهزام أمام
تلك القدرية
ومن ثمَّ
نتائجها السلبية.
وأول
المقدمات
التي نستطيع
تبيِّنها هي
التوقف عن
إعمال الفكر
والتخطيط
وشلّ قدرة
اتخاذ القرار
أو العمل
والحركة
المفترضَين
في الشخصية
الإنسانية...
ومن الطبيعي
أنْ يمنح مثل
هذا الوضع
فرصا مضافة
للقوى الأخرى
(المستغِلة)
للتجذر في
واقع مهزوم
أصلا...
ولعلَّنا
نصادف في هذا
الإطار
حوارات عدة
تتمّ عبرها
محاولة إبعاد
شبح التعلق
بأذيال تلك
النظرية..
ولكنَّ الطرف
المتمسّك بها
كثرما يسجل وقائع
تأكيد
تصوراته, وهي
وقائع تصادف
التوافق مع
تحليلاتهم
وإنْ كان ذلك
مظهريا
وبعيدا عن
التعمق في
الحقيقة
وبعيدا عن
آلية التناول
والتحليل
الموضوعية..
ونحن
هنا نودّ
الإشارة إلى
حركة الواقع
ومسار تلك
الحركة
وتفاصيلها.
وما يهمنا هو
التأكيد على
وجود قوانين
موضوعية تحكم
كلّ حركة ومنها
الحركة
الاجتماعية
والسياسية
والاقتصادية.
فعلى سبيل
المثال يتحكم
في السوق
قوانين من نمط
العرض والطلب
ومن نمط
معطيات تتسبب
في التضخم
وانهيار أسعار
العملات أو
تحسنها وصعود
أقيامها,
وهكذا. وفي
الحياة
الاجتماعية
تقف
المجتمعات
أمام معطيات
الهزات
الكبرى
ومردوداتها
حسب قوانين درَسَتـْها
في استقراء
مقبول الدقة
نظرياتُ علم
الاجتماع.
أما
في السياسة
فلا تشذ
الأمور إذ
وُضِعت
نظريات في
الإطار
التخصصي
وصارت السياسة
علما يُدرَّس
في الجامعات
والأكاديميات
ولم تعدْ مجرد
أهواء
وتصورات أو
رؤى فردية لهذه
القيادة أو
تلك. ويترتب
على مثل هكذا
فهم شئ مختلف
تماما عن
نظرية
المؤامرة..
حيث يكون استقراء
الأمور
ممتلكا
لأوليات
نظرية تشكل أدوات
تحليل
ومعالجة
وبشكل أكيد
وسائل استنتاج
وتحقق...
وعليه
فيمكن للفرد
أنْ يقعد في
بيته معلـِّقا
إرادته على
شماعة
القدرية
الخاصة
بنظرية المؤامرة
.. ومن المؤكد
بعد ذلك أنْ
تجري الأمور
على وفق ما
ترك المعني
المسائل تجري
في مسارها
الآخر. ومن
المؤكد أنْ
يكتشف
المتابع
سلبية
التعاطي مع
الوقائع
والروح الاستسلامي
هذا المؤدي
نتائج
تعقيدية
معرقلة لحركة
الواقع
التطورية..
ويمكن
للفرد أنْ
يحلم وأنْ
يخطط لتحقيق
حلمه, ومن
الطبيعي ألا
يحقق النجاح
والتوفيق
مَنْ لا يجدّ
ولا يجتهد
فيما سيحقق
الإيجابي
المنتظر الذي
يعمل ويستخدم
ذكاءه في
معالجة
الأمور وفي
استقراء
مفردات قضية
ومتطلباتها
للوصول إلى
النتائج المرجوة...
خذ
مثلا الحركة
الصهيونية ..
هل كانت
موجودة من
الأزل؟ وهل
وُجِدت في
إطار نظرية
المؤامرة منبثقة
من قوة
أسطورية؟ أم
وجدناها تخطط
وتحبو وتنمو
وتتعقد
مشكلات
وجودها في
الواقع
المعاصر حتى
صارت على ما
هي عليه
اليوم؟ من جهة
أخرى ألم تنمو
القوى وترتقي
سلّم الذرى العليا
حتى أتاها وقت
انحدرت
واضمحلت حيث
انتهت القوى
التي
مثـَّلتـْها
وجسَّدت
مصالحها؟
إنَّنا
بعد هذه
اللمحات
السريعة لا
نتحدث عن مؤامرات
تُحاك بين
أطراف وقوى
سياسية محلية
ودولية عبر
تحالفات
واصطفافات
اقتصادية أو
اجتماعية أو
سياسية أو
بتواشج
العلاقة بين
تلك المسميات
حيث السياسي
تجسيد للوجود
الاقتصادي
ولقوانينه..
بل نتحدث عن
إشكالية القدرية
الممثلة في
نظرية يستسلم
فيها المرء لسلطة
شمولية مطلقة
تمتلك حسب
تصوره مقاليد
الأمور وحركة
الواقع بكل
التفاصيل..
وليس
من الفكر
الإنساني
الصحيح ما
يعلق مصيره
على التعطل
والتبطل
والقعود..
وليس منه ما يمتنع
عن العمل من
أجل لقمة
العيش
النظيفة ومن أجل
الدفاع عن
الوجود
الإنساني
القويم. فالعمل
قيمة أساس
للإنسان وهي
المحدد
الرئيس للنتائج
التي تنتظره
وعلى صحة
العمل ودقته
وصواب
تقديراته تتوقف
طبيعة
المردودات
المبتغاة..
وبخصوص
الخسائر التي
تصادف قوى
وطنية صادقة في
معالجاتها
ودقيقة في
تقديراتها
الداخلية
يمكن القول
إنَّ النقص
المحتمل هنا
يكمن في مفاجآت
عدم حساب قوة
التدخل
الأجنبي في
زمن صار
لتداخل القوى
دوليا سطوة
جدية وفعل
عميق الأثر
ولم يعد للكيانات
المحلية
الحدود
المغلقة غير القابلة
للاختراق...
إنَّ
طبيعة
التوازنات
الدولية
والقوى الكونية
المسيطرة
تدفع اليوم
لمركزة شديدة
الوطأة من جهة
وأحادية
الاتجاه من
جهة أخرى.
ومثل هذا
الوضع يخدم
حالة عولمة
الرأسمال
وسلطته
الاستغلالية
المستبدة
الجشعة ويلحق
بهذا وحشية
قاسية في
العلاقات
وانتشار للمافيات
التي تجسِّد
همجية العصر
في التعامل مع
قوى الآخر
التي ما زالت
عولمتها لم
تظهر بمستوى
المسؤولية
الحقيقية
للمجابهة
المتوازنة مع
عولمة
الرأسمال
المشار
إليها...
ويهيئ
وضع كهذا
لترشيح أو
تأكيد تصورات
أصحاب نظرية
المؤامرة .. إذ
أنَّ قوة سحق
شمولية تدعو
مظهريا لهذا
القول ولكنها
في حقيقتها
ليست إلا تأكيدا
لمنطق الصراع
بتفاصيله وهي
كذلك التي تؤكد
ضرورة العمل
ومراكمة
الوقائع
والأفعال الضرورية
اللازمة
للفوز في
نهاية المطاف
بتسريع الوصول
إليه من منطلق
تعزيز العامل
الذاتي ودوره
إلى جانب مسار
الحركة
الموضوعية
وقوانينها...
وبالخصوص
لا يمكن
التحول من
المجتمع
الاستغلالي
إلى مجتمع
العدالة
والسلام
والتكافؤ والمساواة
والحرية إلا
عبر منافذ
الوعي وارتقائه
وعبر قوة
الفعل وجديته
وتطوره
النوعي .. فكيف
بنا ونحن أمام
استسلام مطبق
لصالح الهمجية
والوحشية؟ لا
يمكن أنْ نصل
إلى نتائج صحيحة
بمقدمات غير
صحيحة ..
فبمقدمة
الهزيمة والاستسلام
لا نصل إلى
التغيير
المنشود. في
حين بمقدمة
مغايرة يمكن
تحقيق ما يصبو
إليه جمهور الناس
وعامتهم...
من
هكذا تأسيس
يمكن القول
أنَّ أولئك
الذين يعولون
على
الاستسلام لنظرية
المؤامرة
يقعون في
قراءة حركة
واقعنا
العراقي
الجديد بين
أمرين سلبيين
لا ثالث لهما
الأول يقول
بأنَّنا
نجابه
الأمريكان وهم
جهة سحق
شمولية بالغة
القدرة أو
لامتناهيتها
وهي من
الوحشية
بأنَّها لا
يمكن أنْ
تنسحب من بلادنا
من دون العنف
المسلح على طريقة
المراهقة
السياسية
التي نراها في
أفعال بعض
العناصر التي
تحسب أفعالها
مقاومة وطنية
أو تؤسس لها!
والآخر يرى في
مجريات
الأمور بأنّها
حالة من
المؤامرة
الأمريكية
والصهيونية مع
السلطة
الدكتاتورية التي
أدت دورها
لمدة وهي تسلِّم
الدور لطرف
آخر يتبع
الجهة الأساس
نفسها التي
تحرك الواقع
من وراء
الكواليس..
وعليه فقوى
العنف
الدائرة
اليوم هي جزء
من تلك
المؤامرة حسب
تلك القراءات
القدرية
المطلقة..
وللحقيقة
فما يجري من
وقائع في عراق
اليوم ليس إلا
حلقة من مسلسل
التداعيات
السببية المتعاقبة.
ولكلِّ نتيجة
دافع جاء بها
وسبب أدى
إليها.. ومن
الصحيح القول
بأنَّ
تعقيدات
الوضع كان ناجما
عن رعونة
سياسة
الطاغية
الدموي من جهة
وعن اندفاعات
القوة
الأمريكية
المحافظة التي
تسلمت السلطة
وتفرّدها
بالقطبية
الدولية بُعَيد
انهيارات
وتحولات في
المشهد
العالمي كاملا..
فيما
نحن يمكن أنْ
نجد في
تعاملنا مع
واقعنا الجديد
ليس من حال
انغلاقه
وانقطاعه عن
المحيط
الإقليمي
والدولي, بل
من انتمائه
إليه وتواصله
معه حيث يتطلب
الوضع منّا
تدارك
التوازنات
بما لا يلغيها
أو يغمض العين
عن الحقائق الموجودة
وكيفية تحقيق
أهداف
الاستقلال
الوطني
وإعادة
الإعمار
وبناء ما
خرّبه زمن طويل
من الطغيان
والاستلاب..
وبالعودة
لتقويمنا
القراءتين
نجد واحدة تعول
على مفهوم
نظرية
المؤامرة
التي وجدنا
خطلها
واستنادها في
التحليل على
مقدمات خاطئة
وعلى أرضية
غير موضوعية..
فيما القراءة
الأخرى تستقرئ
وتستنتج على
وفق مفردات
حركة الواقع
وتراتبيتها
السببية
موظـِّفةَ َ
موضوعيتها في
التوصل إلى
الوسائل
الكفيلة
بمعالجة ما
تجابهه من
واقع والتباساته
وإشكالاته
المتنوعة...
وفيما
يخص هذا
المقال يُعنى
بمقاربة تدعو
من حيث
المحصلة
للتعاطي مع
تشغيل الفكر
الإنساني
وتقديرات
حركة الواقع
بما يسجل
احتراما
لشفافية قد لا
تبدو لأول
وهلة على مسار
واقعنا
المعاصر
ولكنها ليست
عصية على
الفكر
النيِّر
والبصيرة
الثاقبة
ولعلّ تجاريب
الحياة
وحنكتها التي
تُمنَح لفرد
أو جهة أو
نظرية هي ما
ينبغي لها أنْ
تتعمق وتكشف
للعامة ما
يساعدهم على
التعاطي الموضوعي
الصحيح مع
محيطهم وعدم
الركون
للسلبية والاستسلام....
خاص
بإيلاف
www.elaph.com