كلمة افتتاح احتفالية اليوم العراقي للمسرح في لاهاي
الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي
أستاذ الأدب المسرحي
رئيس الجمعية العربية لأساتذة الأدب المسرحي
tayseer54@hotmail.com
نحتفل اليوم بــ لاهاي في المهجر الهولندي بـ((اليوم العراقي للمسرح)) لنؤكد أمرين: عمق الارتباط بالهوية الوطنية وطابعها الإنساني بمدنية وجودنا وبجذورنا التي شادت تراث الحضارة ومنحنتنا منطق العقل العلمي بجماليات منجزه. ولنؤكد في الأمر الثاني وقفتنا الثابتة بالضد من إفرازات ما يجابهنا من تعقيدات طاولت فيما طاولته من آثارها السلبية، مسرحَنا العراقي. ولطالما صادر العقلَ الإنسانيَّ وقمع إبداعاته فعلُ التخلف وهمجية ُالنظم وتقاليد الجهل وأمراضه، فكانت سبباً في تعطيل مسرحنا ومحاولة اغتياله.. إلا أنَّ المسرح كائن حي معطاء بأركانه وعناصر إبداعه ومن هنا فإنه السنديانة الحية التي لا تموت وهو كما العنقاء يعود ويولد من جديد باستمرار.. وهكذا هو مسرحنا العراقي الأصيل.
لقد حفلت مسيرة المسرح العراقي وتاريخه برواد مهمين، لا لمنجزه وطنيا بل للإبداع المسرحي في نصّيه العربي والكوردي وكذلك المساهمة الجدية في الدراما المعاصرة وتطور بنيتها إنسانيا عالميا.. ومن بين قائمة بهية الأنجم لرواد مسرحنا تم اعتمادُ تاريخ لطالما احتفلنا به سنويا لا ليمثل شخصيةٍ مسرحية فذة كيوسف العاني بمنجزها المركب إبداعياً مضمونياً وجمالياً بل ليلخص رمزيا منجز أولئك الرواد ومرحلة النشأة العراقية الأنضج فنيا درامياً، محتفين بهذا المنجز الإبداعي (المسرحي) طوال عقود دامت منذ النصف الأول للقرن المنصرم وحتى يومنا..
إنَّ مسيرة التفكر والتدبر لإطلاق احتفالية سنوية دورية باسم اليوم العراقي للمسرح؛ اقتضتها مكانة المسرح تاريخيا في التراث السومري للعراق القديم والولادة الأولى ببواكير المسرحية العراقية منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر؛ مثلما اقتضتها مهمة استعادة تفعيل الجهود المسرحية الجديدة بما تمتلكه من جذور تاريخية عريقة ومنجز نوعي مميز؛ وهو الأمر الذي تنتظره هذه المناسبة اليوم بجهد استثنائي يمكنه تحقيق هذه الأداة وإطلاق شرارة الفعل وتلبية المطلب..
وفي ضوء مجمل القراءة البنيوية لمسيرة النشأة النوعية للمسرحية العراقية بمرحلتها الثانية تحديدا تم الاتفاق على عدّ يوم صعود الفنان الرائد المجدد يوسف العاني لخشبة المسرح يوما عراقياً للمسرح.. يجري فيه تقديم احتفاليات مخصوصة ومهرجان سنوي يُعنى بتكريم مسرحيينا وتعضيد جهودهم وإعلاء شأنها.عونحن ندرك أن هذا اليوم اعتلى فيه فرسان مسرحنا الرواد الكبار خشبة المسرح وقدموا فيه الانطلاقة الجديدة وما تشكلت فيه الولادة أو النشأة النوعية الأغنى جمالياً بنيوياً..
لقد كان ومازال يوم 24 شباط فبراير 1944 فرصة للحوار في الريادة والخصوصية وطابع هوية مسرحية مجدِّدة ساهمت فيه قراءاتٌ غنية كرَّمت الرائد يوسف العاني واتسعت لتكريم الريادة برمتها وأنجمها الساطعة كافة.. ونحن هنا ندعو من احتفاليتنا هذي بلاهاي لإطلاق موسم عروض مسرحية ومؤتمرات وندوات وسمينارات وجهود تكريمية تتوَّج في اليوم العالمي للمسرح بُعيْد شهر فقط من هذي الاحتفالية بكرنفال مسرحي تكريمي مخصوص.
إننا نتوقع بل نثق بأن مبادرة جدية من مسرحيينا في داخل الوطن وخارجه ستجري اليوم وستزيح عنهم صورة السلبية تجاه أنفسهم ومبدعيهم ويعلنوا اليوم كلمة تحية إلى رواد حركتنا المسرحية توكيدا للوعي بأهمية ولادة الفنان بمجتمعنا وأهمية دوره وخطورته ليس في دفع حركة المسرح وتكريم العاملين فيه حسب بل في إطار بنيوي أشمل على مستوى مسيرة بناء الإنسان ووعيه ومن ثم بناء وجودنا بأسس المعاصرة والحداثة وقيم التنوير والتقدم.
وفي وقت اعتمدنا لاحتفالية اليوم العراقي للمسرح يوم اعتلاء ((عميد المسرح العراقي وفارس المسرح العربي الفنان المبدع الرائد يوسف العاني وزملائه الرواد الكبار)) لخشبة المسرح فإننا نؤكد مجددا ودائما على كوننا نكرّم فيه الريادة بعامة ومنجزها برمته..
دمتم لهذا المنجز وعسى نلتقيكم في الأعوام القابلة باحتفاليات كبرى لمسرحنا العراقي في صالات العرض المسرحي ببغداد وأربيل وفي الوركاء التاريخية حيث أول معلم مسرحي زمن سومر وفي البصرة ومسرحها المطبوع بقيم السلام والتسامح وأنسنة وجودنا وبجميع مسارحنا في داخل الوطن والمهجر.
وبالعودة إلى احتفاليتنا هنا في المهجر الهولندي، اسمحوا لنا في هذا العام أن نفتتح احتفاليتنا في لاهاي بمناسية (اليوم العراقي للمسرح) باستقبال مبدع عراقي طبع منجزه تفاعل واضح بين التجربتين العراقية والهولندية مثلما جسد عمقه وجذوره وانتمائه لتجربته الأم التي جاء فيها وعبْرها. ونحن نثق أنّ احتفاليتنا ستزهو بما جسدته تجربة فناننا المبدع الأصيل صالح حسن كما في منجزه المعرفي النقدي المتخصص مسرحيا واليوم سيشهد ولادة كتابه وتوقيعه مباركين له مجمل منجزه ومتطلعين لمزيد من تلك الإبداعات الجمالية المهمة..
ونحن نحتفل به في المهجر نتطلع إلى نقل هذي التجربة وتجاريب فناناتنا وفنانيننا من مختلف أجيالهم إلى داخل الوطن ليرفدوا المسيرة وليؤكدوا أن نهر العطاء لم ينقطع البتة.. فمن الرائد المبدع الكبير الأستاذ خليل شوقي الذي نتشرف بوجوده مهجريا بيننا إلى الرائد المميز هادي الخزاعي والرائدة المسرحية المعطاءة مي شوقي إلى المبدع الدكتور أحمد شرجي و المبدع الجميل رسول الصغير وليس انتهاء بمبدعنا صالح الذي تنشد احتفالية اليوم له نشيد الألق والفرح والمسرة، جميعهم يمثلون كواكب وأنجم مسيرة مسرحية مهمة وكبيرة..
تحايا لكم جميعا ولاحتفاليتكم ولتكن إلى جانب احتفاليات مسرحية أخرى تجري اليوم بهاء المهرجان الكرنفالي بمناسبة اليوم العراقي للمسرح.. إنه يومكم الذي يعالج جراحات العراقيين ويتنوع بمنجزه بتنوع الطيف العراقي.. بمسارحه العربية والكوردية والتركمانية والسريانية وبجماليت غنية المضامين رائعتها..
أختتم بالتهنئة بفلاح نور الثقافة وجمالياتها على ظلام العنف وتخريبيته .. وكل عام وأنتم بخير وبمزيد إبداع وتقدم مسيرة مسرحية بهية.