ليبيا: شعب السلام يتطلع لبناء دولته المدنية وعقبته الكأداء هي الميليشيات
أوردت الأنباء أنّ نحو مائة ألف ليبي قد أجبرتهم جرائم الميليشيات وحربها الدموية على النزوح القسري من مدينة طرابلس في الأسابيع الثلاثة الأخيرة ما يفاقم مشكلة النزوح في عموم البلاد، بعد أن كانت هناك موجات سابقة. فمع تصاعد حدة القتال بين الجماعات المسلحة المتناحرة وعصاباتها الميليشياوية في عدد من المدن الليبية رصدت المنظمات الإنسانية نزوحاً كبيراً - يُقدر في اللحظة الراهنة بحوالي 287 ألف شخص في 29 مدينة وبلدة في شتى أنحاء ليبيا. ولعل أبرز حالات النزوح الأخيرة التي رُصِدت هي من حي ورشفانة بطرابلس فيما نزح نحو 15 ألف من حول بنينة على أطراف بنغازي.
ولابد من التوكيد من جهة الحال الإنسانية أنَّ معظم النازحين يقيمون بكنف عائلات في المناطق التي يتجهون إليها قسرياً؛ لكنّ آخرين يفترشون المدارس والحدائق وفي بعض مبانٍ غير سكنية مهجورة فتحولت اليوم إلى ملاجىء طارئة لا تتوافر فيها أسس العيش والحماية، الأمر الذي يعرض الفئات الهشة لمخاطر جمة وأولهم النساء والأطفال.
وعلى وفق المتحدث باسم المفوضية الأممية للاجئين السيد أدريان إدواردز فإنّ المنظمة الدولية المعنية تجد صعوبات جمة في الوصول إلى النازحين وفي الحصول على معلومات عنهم.. ولا يتوافر وضوح إن كان النازحون سيعودون قريباً إلى بيوتهم مع توكيد أنّ تلك المناطق السكنية التي استقبلت النازحين لايمكنها استيعاب النازحين مع تزايد التدفق عليها.
وهذه المشاهد المأساوية تجري في ظل عجز خطير للمنظمة الدولية في دعم المهجرين قسرياً والنازحين. وفي ظل استمرار وضع العقبات بوجه الحكومة المنتخبة التي تحاول لملمة المتناثر من القوى ومعالجة الجراح الفاغرة وصبها في جهود بناء مؤسسات الدولة المدنية، لكنّ استباحة الميليشيات للمدن والأوضاع العامة يبقى العقبة الكأداء الأبرز بوجه الاستقرار والسلام. إن شعب ليبيا يدرك عميقاً أنّ الحل يكمن في تحقيق السلام ومن دون السلام لن تنطلق عمليةُ بناءٍ بأي شكل كانت، فالعقبة الميليشياوية هي ما يقف بوجهه.
ومن الطبيعي أن تأتي هنا مسؤولية المجتمع الدولي ودول الجوار في التصدي لهذه المسؤولية أولا بتجفيف منابع تسليح تلك الميليشيات وإرسال قوات الشرطة الدولية لضبط الأوضاع الأمنية في داخل المدن وتأمين المؤسسات المدنية للدولة وتسهيل ممارستها لمهامها الطبيعية. مع مهمة استراتيجية كبرى بواجبين رئيسين هما:
1. تفكيك الميليشيات ونزع أسلحتها وتحويلها للسلطة الشرعية المنتخبة.
2. تدريب جيش وطني وتسليحه سواء في داخل البلاد أم بدول صديقة شقيقة كما في مصر.
ولابد هنا من التوكيدعلى أن التلكؤ في دعم الشعب الأعزل سيعني انهيارا شاملا ونهائيا للدولة وتسليمها لشراذم العصابات الميليشياوية واستيلاد وجود ورم سرطاني مرضي خطير لن يكون الشعب الليبي لوحده ضحيته بل سيتهدد الأمن والسلم الدوليين عبر عبثية فكر الأسلمة التكفيري الإرهابي وخططه الإجرامية بحق شعوب المنطقة والعالم. إنّ المجتمع الدولي اليوم هو المسؤول عن حسم المعركة مع تلك الشراذم بذرائع وهمية تتستر بالتدين وبالتأسلم ولكنها بجوهرها جريمة سياسية ضد المجتمعين المحلي والدولي.
إنّ على الحكومة المكلفة ألا تتهاون في وضع طلبات محددة لمجلس الأمن وكون ليبيا مازالت بوضع مخصوص قانونيا تجاه المجتمع الدولي ومسؤوليته فينبغي استثمار الأمر فوريا وعدم التلكؤ أكثر. لا يمكن ترك ليبيا لمجاميع من الشلل الوضيعة التي لا تمتلك لا الفكر السياسي ولا القدرة حتى على تنظيم رؤية لإدارة الدولة المدنية ما يعني بقاء أنشطتهم في إطار جرائم السلب والنهب والاغتصاب والقتل، تلك الجرائم المغطاة بمختلف الخطابات المتأسلمة التي لم تنطلِ على أبناء ليبيا الأحرار وهم يقارعون الجريمة بصدورهم العارية ولكن الصائب والأجدى يتجسد في رسم خطة إنقاذ شاملة تكون فيها القوة الدولية، العسكرية والأمنية، جوهرية في مهام مطاردة فلول الجريمة وزعران السياسة القادمين بأوامر خارجية من دول معروفة الاتجاه بعضها يفكر بإعادة إمبراطوريته المهزومة منذ قرن...
لليبيا وشعبها أن يقررا الخطى التي تلائمهما في شق طريق البناء والتنمية بعد تحقيق السلام والاستقرار وإطلاق مشروعات البناء بمشاركة محصورة بالأصدقاء. ولابد هنا لليبيين أن يختاروا وسط اللعبة الدولية الجارية أدواتهم التي تضبط ما يرد من مساعدة بأجندة وطنية لا بأجندة خارجية بأي مظهر تمظهرت..
إنّ الصورة قاتمة ولكنها ليست عصية على القراءة.. ومن أجل انتصار إرادة الشعب الليبي وتطلعاته يجب أن يوحد الجهود بعيدا عن خطاب التمزيق القائم على الثأر والانتقام وعلى الإيقاع بالآخر وكأنه عدوه فيما العدو اليوم ليس غير عصابات الجريمة التي تقف بوجه بناء الدولة التي تخدم جميع الليبيات والليبيين. ولابد للقوى المدنية القائدة أن تشيع خطاب التسامح والإخاء خدمة لتوحيد الكلمة في هذه المعركة الخطيرة؛ كما ينبغي للقيادة الليبية أن تحدد أجندتها في التفاعل مع المجتمع الدولي بطريقة تضمن جذب الدعم ومنع التدخل السافر المتعارض مع مصالح الشعب وليبيا السلام والحرية.
فكونوا معا وسويا قبل الوصول إلى حيث لات ساعة مندم! وأنتم أيتها الليبيات وايها الليبيون الأجدر بحسم المعركة بفضل تماسككم وبفضل العقل العلمي والفكر التنويري الذي تمتلكونه مدركين به ما يدور من ألاعيب تضليلية في ادعاءات ما يسمى الإسلام السياسي وهو جوهر الجريمة والغطاء الذي يلزم رفعه نهائيا وإلى الأبد. فلقد خبرتم جرائمه ولم ينقلها لكم أحد.. والقصاص اليوم هو من تلك الشرائم الإرهابية واستعادة وجود الدولة المدنية بأسس توحد الجميع بمسيرة التنمية والتقدم. ولتحيا ليبيا السلام شمسا من شموس السلم في المنطقة والعالم وتحية لأهلها بميادين الخير والتصدي للإرهاب وقواه.