الحرب ضد الإرهاب بين مزايدة (البعض) ومطالب الفعل الجدي المؤهل
رئيس جامعة ابن رشد في هولندا
رئيس البرلمان الثقافي العراقي في المهجر
القيادات السياسية والحكومية الرسمية العليا تستشير عادة أساتذة خبراء في جامعات البلاد فتتدارس وإياهم بشأن مشروعات ومبادرات لرسم خطط التنمية والبناء؛ وتلك آلية من آليات الاهتمام بدور المعرفي وإمكانات الإغناء والإثراء بوساطة فعله وبوساطة تفعيل أدوار العقل العلمي وقادته ومؤسساته في مسيرة التقدم؛ ومن ذلك أيضا في رسم خطى مكافحة الشائعات المرضية ومعالجة الخطابات السلبية التي تنمو وسط عواصف كما هو الحال اليوم في ظروف تغوّل قوى الإرهاب وجرائمها ومفردات الحرب معها. ولربما كان التنبيه على ما تزايد به بعض عناصر حزبية هو جزئية من الاستشارة المؤملة.
ولعل من بين الأمور التي نلمس الخطأ الفادح في ظهورها بخاصة في الظروف الاستثنائية، هي تلك الأنشطة التي تقوم بها عناصر حزبية لمحاولة كسبٍ ضيقة الأفق. والمشكلة تتفاقم عندما تكون بعض تلك العناصر في مواقع مهمة ويقعون في إطار تصريحات وأفعال تقبل التأويل غير الصحي والأسوأ أكثر أنْ تغزو الإعلام خطابات رديفة تنتصر للحزب قبل الانتصار للشعب والوطن، ولربما لسبب أو آخر تظهر مفردات مثيرة للشقاق والتأزيم في ضوء الأجواء المشحونة المتوترة خارج تلك الخطابات، فما بالنا وبعض الخطابات تسوقها التداعيات وآلية الفعل ورد الفعل ومن ثمَّ التسابق لانتزاع المكان والمكانة الحزبية قبل التفكير بالمهام المناطة بجميع مكونات المجتمع والتدبر لما يجابه الجميع من مخاطر ومن ثمَّ مهام موحدة مشتركة..!؟
وعملياً يمكننا الخوض فيما يجابه كوردستان والمحيط الأوسع بالمستوى العراقي والإقليمي بدول الجوار من هجوم إرهابي بات يمتلك وجوداً ملموسا على الأرض وعلى كواهل أبناء المناطق المستباحة! فضلا عن سلاحين، هما:
* أسلحة وأعتدة غنمها الإرهبيون وشراذمهم بلا معارك!! وهي أسلحة فتاكة متطورة حديثة.
* وخلفية أو أرضية يستغلها هي أرضية الجهل والتخلف وإمكان تمرير خطاب التضليل يساعده في ذلك ماكنة إعلامية وثغرات ومحددات عديدة منها جاءت بها ظروف امتناع تسليح كوردستان طوال المدة السابقة ومحاصرة أية إمكانية لتدريبهم بوصفهم جزءاً رئيسا من الجيش العراقي حتى لحظات قريبة.. وقد جاءت بعض تلك الثغرات الأخرى من تأخرالمجتمع الدولي في تشخيص أو اكتشاف المخاطر التي تهدد الأمن والسلم الدوليين، إذ لم يُعنَ بتكوين جيش وطني وتحديداً هنا بكوردستان التي تتعرض لتهديدات آنية مباشرة. وعندما نركز على كوردستان تحديداً فإنه من الطبيعي أن تأخذ هذه الأولوية من باب توافر بنية مؤسسية سليمة للدولة ويمكنها التقدم بمهمة التصدي للإرهابيين بأفضلية واضحة...
ولكن من أجل أنْ تستجيب القوى الدولية لأجندة تلبي مطالب شعب كوردستان والعراق الفديرالي برمته، ينبغي للقوى السياسية العاملة والمؤثرة ألا تشاغل المجتمع بخطاب حزبي محدود الأفق من قبيل ضخ معلومات تدخل في (المزايدة السياسية الحزبية الضيقة). فمن المؤكد أنّ مثل هذي المشاغلات السلبية ستجرّ إلى منزلقات تتضخم بالادعاءات وبالاختلاقات وأشكال التهجمات التي لا تتوافر على فرصة إلا وكانت للهدم وللصب في مصلحة أعداء الشعب وحتى ضد مصلحة الحزب الذي قد يظن بعضهم أنّه يحصد أصواتاً ولكنه استراتيجياً يخسر أبرز أسباب وجوده بمنح أعداء الوطن والشعب الفرص يغتنمونها للاختراق عبر ما تختلقه الصراعات الحزبية من ثغرات...
إنّ الوضع الكوردستاني في الوقت الحاضر هو ركن الصمود بين أقاليم المنطقة من حيث الاستقرار وبنى الدولة المؤسسية التي تنمو وتتقدم تدريجاً. لكنّ ما يعترضها اليوم هو تلك الخطابات النارية الراديكالية التي تزايد مُتاجِرةً بأرواح الضحايا وقرابين الدم التي يدفعها الشعب من وجوده في المعركة مع قوى الإرهاب.
فعندما تتقدم في المعارك الميدانية وتلتحم بقوى الأعداء المدججين، لا يمكنك الالتفات إلى الوراء والانشغال بأمور تفصيلية قد يكون في بعضها جانب من الصواب ولكن الأمور لا تقبل الجدل البيزنطي في ميدان المعركة الوطنية المصيرية. ولنتذكر هنا أنّ الأمر لا يتعلق بالدفاع عن زعيم أو حزب أو انحياز لطرف على حساب الآخر ولكنه قانون يشمل جميع الشعوب والبلدان.. وأيّ طرفٍ يقوم بالاستعراضات الحزبية الإعلامية يكون كحصان طروادة في خدمة الأعداء! كما أنّ الأمور موضوعيا نقرأُها كالآتي: هناك خطأ عكس الصواب وهناك غلط ؛ والغلط يعني أمراً صحيحاً ولكنه يوضع في غير موضعه وغير مكانهن بالإشارة إلى من يبرر حديثه عن نواقص الآخر وأبعد من ذلك في خضم المزايدة يندفع لا للمعالجة بل للتهجم..!!
والمعركة الجارية اليوم تتعلق بالتصدي للجريمة الإرهابية وهجومها الدموي وعليه ينبغي هنا تجنب استغلال أو انتهاز ظرفٍ لتحقيق تغيير بواقع أحجام حزبية قررتها صناديق الاقتراع وميادين الحراك الشعبي والتي يجب أن تبقى مسألة تقريرها حصرا بتعزيز منطق الديموقراطية وآلياتها وتفعيل مفرداتها في أسقفها الزمنية وليس خارجها.
إنّ من واجب القيادات الحزبية اليوم أن تقود باتجاه وقف المزايدة التي تُمارَس من بعض العناصر ووقف أيّ خطاب حزبوي يتعرض بالتشويه للآخر. لأنّ ما بعد الانتخابات، حتى في الظرف العادي، هو المضي جميعاً معاً وسوياً في مسيرة البناء وأداء المهام على وفق الاتفاقات والتحالفات الحكومية التي حُسِمت بنيوياً ومنطقياً. ولأنّ الظرف القائم استثنائي وطارئ بل بمستوى مصيري يخص مستقبل كوردستان وتحديد طابع وجودها، فإن المهام تتضاعف في الالتزام بوحدة الكلمة ووحدة الجهد والتكاتف معا وليس فتح القنوات لأخطاء إعلامية تجرّ الوضع لتلك الثغرات التي أشرنا إليها ومخاطرها الجسيمة!
ولابد هنا من توكيد أنّ ما جرى بكل تفاصيله، انطوى على دروس مبكرة ضرورية لاحظتها القيادة الكوردستانية وعالجتها بحزم وحسم وباتت تتواجد (ميدانياً) في المعارك البطولية للبيشمركة؛ ونهضت بمهامها على خير وجه.. وسواء كان الجهد محليا وطنيا أم في الإطار الدولي فقد نجحت سياسة القيادة الكوردستانية بجذب مصادر الدعم الدولي ومازالت تمضي بخطط موضوعية سديدة لتفعيل الجهد وطنياً أممياً بعيدا عن ادعاءات عناصر حزبية محدودة تتاجر بالأرقام في معركة تعبر عن مسار مصيري لا يقبل التغطية على جوهره وطابعه بخطاب تضخيم سطحي..
إنّ القضية الكوردية التي شهدت تقدماً مميزاً يمكن أن تخسر كل ما أنجزته مسيرة التحالف على مدى العقود الأخيرة بسبب من ثغرات تتسبب بها عناصر [وإنْ كانت محدودة] إلا أنها، ربما بإدارك أو بغيره، تفوِّت خطابات وأجندات خارجية [إقليمية أو دولية] لا تخدم تلك القضية استراتيجياً. ومن الواجب اليوم قبل الغد تفعيل العناصر الثابتة للقاء والتحالف الاستراتيجي بدل أيّ فسحة أو ثغرة سلبية مهما بدا أنها صغيرة أو غير ظاهرة..
وللشعب في كوردستان حق التمسك بقيمه وبوحدته وبجهوده التي عُرِف بها في النضال القومي التحرري وذياك السير المظفر ببناء مؤسسات دولة مدنية تلتزم بتلبية مطالبه وحاجاته ومن المشرف دفاعه عنها اليوم بقواه وبالاستناد لسداد فعل القيادة ومنجزها.
بملخص القول وجملته الأكثر تركيزاً، هناك مؤشرات لمواقف تظهر هنا وهناك من بعض عناصر حزبية في خطابها السياسي والإعلامي يقوم على أسس تتعارض والظرف الراهن وما يتطلبه من موقف جدي مسؤول ومن دربة واستقطاب خبرات دولية ووطنية للتمترس حول مهمة الدفاع عن كوردستان حرة آمنة مستقرة تمضي في طريق البناء بدل مشاغلتها بالحروب العبثية التي جاءت هذه المرة مع فشل مؤسسات دولة الطائفية السياسية وانهيارها التام بالذات حول تخوم كوردستان التي وضعوها في حصار وعزلة غير مبررة قطعاً!
إنّ القرار الشجاع اليوم يتمثل في إصدار قرار بـ سدّ أي ثغرة وحظر أية مشاغلات سلبية تعترض مسيرة تحصين كوردستان ضد الخطر الداهم. ذاك الخطر الذي لا يكتفي بوقوفه جغرافيا على أبواب كوردستان بل ينوي التسلل مثلما فعل بالوصول لمناطق أخرى، مستغلا تلكؤ المجتمع الدولي بشأن تحول نوعي بجسر الإمداد الذي تأخر وهو يأتي مقصورا على ما يتفق وتحليلهم للظاهرة وأجندة بقائها لعقود أخرى تالية! ويستغل الإرهاب هزال مؤسسات الدولة الفديرالية بل انهيارها في المناطق التي استباحها وسيواصل استغلال ثغرات أخرى كي يندفع أكثر!!
فهل بعد هذا يوجد من يريد التمترس خلف أمور هامشية لا تكتفي بلسبيتها المرضية في الظرف العادي بل تمتد في الظرف المحيط الراهن لتكون جريمة بحق القضية التي ضحى من أجلها أبطال الأمة الكوردية وشعوبها بمختلف أقسام كوردستان وذهب ضحيتها ملايين القرابين طوال تاريخ كوردستان القديم والحديث..!؟
لقد خبر شعب كوردستان قيادته طوال مراحل نضالية مختلفة وسجل توكيدا لخياره عندما أعادها وولاها قيادة المسؤولية في الانتخابات الأخيرة وهو مازال يمنحها بثبات دعمه والتفافه حولها في المعركة مع أعداء كوردستان وسيكون من الحاسم أن تلتزم القوى الحزبية ببيانات صريحة واضحة بسيرها بثبات معاً وسوياً لمواجهة العدو المتربص وأن تلجم أيّ صوت يتعرض لوحدة الموقف الاستراتيجي والجهود التكتيكية أيضا. ومثلما اتفقت تلك القوى على برنامج حكومي فإنّ شعب كوردستان بوعيه وإدراكه لما ينتظره، يتطلع إلى موقف حازم لا يقبل بالمزايدة من أي عنصر ربما فكَّر أو يفكر باغتنام أو انتهاز للموقف فيسمح بتسلل ما يعبث بالجبهة الداخلية.
وكل تجاريب الدول في مختلف المراحل التاريخية تقول: إنه في اللحظات الشبيهة لا صوت يتقدم على صوت الدفاع عن الوطن والشعب ضد خطر العدو وحربه الظالمة. ولابد لنا هنا من عدم الاكتفاء بالتنبيه على الطابور الخامس بل على الأخطاء والأغلاط التي قد تطفو بسبب وجود عناصر حزبية متعصبة أو تؤدي مهامها بروح المراهقة السياسية أو بما يسمح لأحصنة طروادة أن تظهر وربما تتضخم فتتسبب بتعقيدات غير محسوبة العواقب..
ولدينا الثقة، في هذه المعالجة المتواضعة، بجميع الأطراف والحركات وقياداتها بأنها تدرك بأن الخطر الذي ينتظرها هو خطر مصيري يجب أن تواجهه موحدة متكاتفة وبأنها جميعاً لا تقبل إلا القتال بخندق موحد ضد عدو يستهدف الجميع ويسعده أنْ تأتيه ممزقة. وأيّ ثغرة مهما صغرت فإن العدو سيتسغلها بخبثه وبوجود ما يخدمه من أدوات!
إذن، لابد من تسجيل الثقة بوحدة المسيرة ونصاعة بطولات الكوردستانيين وقيادتهم والتفافهم حولها وبوحدة الجهد وهناك ثقة بأن ما يرصده الأصدقاء تدركه القيادات الحزبية وستعمل بجدية أكثر على منع وقوع أية مزايدة إعلامية وتناحرات سياسية وأنّها ستبقى موحدة في خندق المعركة المصيرية.