هي داعش الإرهاب والخراب وليست دولة ولا إسلامية؟
رئيس جامعة ابن رشد في هولندا
رئيس البرلمان الثقافي العراقي في المهجر
بدأت بعض وسائل الإعلام تردد تسمية (الدولة الإسلامية) في إشارة لقوى إرهابية وعصابات مافيوية دموية بشعة. وربما ردَّد بعض المسؤولين الدوليين أو المحليين هذه التسمية عن قصد أو غير قصد. والحقيقة أنّ من يستخدم مصطلح (الدولة الإسلامية) وربما يستخدم أيضا في ضوء ذلك مصطلحات أخرى لاحقة مثل تعبيره عن وجود تلك الأنفار الإرهابية الفوضوية على الأرض العراقية أو السورية بتوصيفه بــ(الاحتلال)؛ إنَّ ذلك فضلا عن مجافاته الصواب يخدم مهمة تكريس وجود إجرامي ومنحه اعترافاً رسمياً وتوصيف (دولة) بما لا يقرّه قانون محلي أو دولي ولا أية شرعة مدنية أو دينية.
ولنبدأ من مصطلح (إسلامية) لتوصيف تلك العناصر الإجرامية المريضة بإسْباغ الغطاء الديني عليهم. إنّ ذلك غير صحيح ولا صائب فلم يكن الدين أيّ دين ومنه الدين المحمدي عبارة عن ذباحين أوباش وجرائمهم. ولقد دفع المؤمنون بالإسلام ديناً عن أنفسهم هذه اللطخة الوسخة.. وأكدوا أنَّ هذه الفئة الضالة لا تعبر عن صحيح دينهم وأنّهم يرفضون القبول بتسمية تلك الأنفار الوحشية المجرمة بالمسلمة وبالمسلمين. وإنْ هم إلا مجموعة من الأنفار الضالة التي أرادت اِلتحاف الدين غطاءً لجرائمهم في منطق يعادي الاعتدال والسماحة والتآخي والاعتراف بالآخر بما تؤكده التعاليم السمحاء للإسلام ولغيره من الديانات في جوهر وجودها.
إنَّ التعايش بين البشر وقبول تعددية وجودهم وتنوعهم وهوياتهم المختلفة واللقاء في ميادين حوار سلمي على أساس الإخاء والمساواة وعلى أساس التعاون على البرّ ومسيرة البناء وحرية الاعتقاد والإيمان، هي حقيقة ما تعبر عنه حوارات أتباع الأديان والمذاهب الجارية على وفق منطق العقل والحكمة.. أما أولئك الهمج المرضى بسادية لم تشهدها البشرية فـهُم ليسوا أكثر من أدعياء تأسلم. وإنْ أردنا تسميتهم بما يتفق وجوهرهم وحقيقتهم فهم التكفيريون الأنكى في معدنهم وهويتهم من توصيف متطرفين متشددين.. فهم ليسوا أكثر من جراثيم مرضية أخطر فتكاً من جراثيم الجمرة الخبيثة أو الطاعون الأسود أو الفيروسات القاتلة التي تكافحها البشرية بين الفينة والأخرى.
إذن، هم ليسوا بمسلمين إلا بالادعاء والزعم تضليلا لبعض أناس ربما يخضعون لسطوة تفكير مرضي في ظل ذاك التضليل! وتنظيمهم لا ينتمي إلى دين أيّ دين ولا إلى أيّ مذهب.. إنهم يحاولون أن يكونوا طائفة قوى الظلام والإجرام وحتى في هذا أيّ في محاولتهم أن يكونوا طائفة واحدة موحدة لن يستطيعوا تحقيق ذلك. ومَن يتابع أخبارهم يجد العجب في صراعاتهم الدموية وتصفيات بعضهم لبعض.. ولا عجب، فهم ثلة أنفار مريضة مولعة بالجريمة والدم حتى فيما بينهم...
أما توصيف (دولة) فهذا غير صائبٍ بالمرة وهو ينتفي أكثر من انتفاء صفة التدين ومحاولة الظهور بمظهر كونهم مسلمين. فالدولة تنحكم بوجود جغرافي مخصوص بشعب له تاريخه وبوجود مؤسسي قانوني. فيما أولئك هم أخلاط من سقط متاع لفظتهم شعوبهم ودولهم ووضعتهم على قوائم أعتى مجرميها وأوسأ عناصر وُجدت فيها. فكيف يمكن أن يكونوا شعباً؟ ولأنّ ذريعة اللقاء على أساس ديني تنتفي عنهم فلا يبقى مما يوحدهم سوى العداء للشعوب ولقيمها السامية النبيلة، ومن ثمَّ إيقاع أفدح الخسائر فيها لتركيعها، مثلما يُرتكب اليوم من مذابح ومجازر ومقاتل واغتصابات جماعية: فهل هذه سمات شعب يستحق بناء دولة أو حتى استيلادها...؟
وإذا كنا ندرك أنَّ الدولة وجود مؤسسي له ضوابط وقوانين تتسق والقوانين الدولية المرعية مثلما تحترم وجود أبنائها ومصالحهم وحقوقهم.. فما براه ويلمسه أبناء المناطق المستباحة ليس فيه من تنظيم سوى أوامر أمراء الجريمة ورؤساء المجاميع من عصابات الموت وأهوال الاغتصاب واستعباد الناس. كما أن مبادئ وجود تلك القوى تقوم على ترويع البشرية وتهديد السلم والأمن الدوليين بتكوين بؤر هي نواة الحروب وهم مشعلو حرائقها. إنَّهم بحجم مازال أصغر من محدود ومع ذلك فـ هم يطيحون برؤوس أبناء مختلف الشعوب ويهددون ويتوعدون مختلف الدول كبيرها وصغيرها...
إن الحقيقة تكمن في أنّ الدولة العراقية التي حكمت عاصمتها الطائفية السياسية انشغلت بنزاعات من ذات الاتجاه؛ فتحكمت ميليشيات الطائفية بالسياسة العامة للبلاد حتى انهارت مؤسسات الدولة العراقية التي عمرها التاريخي يقارب عشرة آلاف عام وعمرها الحديث يناهز القرن. ومِن الطبيعي أنْ تبقى بعضُ المحافظات بأيدي من يتحكم بالعاصمة فيما يجري ما شهدناه في محافظات لا تركتها سلطة الطائفية تُطحن بين مطرقة العصابات وسندان جيش الطائفية، وهذا ما هيَّأ الأجواء لتأتي تلك القطعان من العناصر الإرهابية السوقية وتستبيح الأرض التي (انهارت) بها مؤسسات الدولة فوجدت فيها ما يلائم استنباتها من فوضى وعدم وجود قوات ضبط الأمور فاغتصبت واستعبدت مَن وقع بين يديها مختلِقةً ذرائع ومبررات منها ما يتعكز على الدين ومنها ما يتعكز على المذهب وتضخمت فرص وجودها فالتحفت اسم (دولة) وصبغتها بالأسلمة؛ مستبيحةً وجود دولتين عضوتين في الأمم المتحدة وفي الحاضرة الدولية لإقليم الشرق الأوسط...
وفي ضوء هذه الرؤية، فإنّ ما يجري ليس احتلالا بل هو انهيار لكل شكل من أشكال وجود الدولة وانسحابها من ميدان بعينه، تاركة للفوضى والجريمة أن (تستبيح) الأرض والعِرض ومفسحة المجال لاستعباد الناس وإذلالهم واغتصاب حقوقهم ووجودهم.. فمن لم يخضع جرت تصفيته جسديا بطريقة وحشية همجية بالذبح حتى بما لا يقبله منطق لحيوان فما بالنا بما يجري لبني آدم في ظل ذاك المرض الإجرامي الذي ينزلق بعضُهم لتسميته دولة! وليصفها [أيّ الدولة] بالإسلامية!!
لا يوجد منطق يسمح بتسمية تلك الفوضى ومن يرتكب الجرائم في ظلالها باسم دولة؛ إذ لا وجود لأي أساس من أسس تسمح بتسمية دولة في الفضاء المنفلت إجراما والمنهار مؤسسيا والمعادي لضوابط القانون الدولي ولأي قانون يقبل بالاعتراف بتسمية دولة لجملة الفعاليات الغابوية المنبعثة من عفن كهوف الظلام وأزمنته الميتة.. ومن جهة أخرى، لا يوجد مؤمن سليم التدين يقبل بتشويه إيمانه بتوصيف جرائم وبشاعات وأهوال بكونها تعاليم دينه!
بالخلاصة ينبغي لنا ألا نسمح بتزكية مصطلح (الدولة الإسلامية) والسليم يتمثل في استخدام مصطلح جريمة (استباحة) و (اغتصاب) بدل مصطلح (احتلال) في محاول لضبط دقيق للمصطلح القانوني الذي يصف الحال الجاري في بعض الأراضي العراقية وأخرى من الأراضي السورية، حيث لا وجود لاحتلال قوات دولة أجنبية لأراضي إحدى الدولتين العراق وسوريا مثلا هنا.
والموجود أو الجاري فعليا على أراضي الدولتين هو انهيار لمؤسسات الدولة العراقية في منطقة بعينها من الأراضي العراقية؛ وتملأ فراغ هذا الانهيارعصابات تقوم بــ جرائم ((استباحة واغتصاب وتخريب)) وتوكيد فإن (الاستباحة) أنسب وأدق صوابا بدل (الاحتلال) في توصيف الواقع. ذاك الواقع الذي يقوم على ارتكاب الجرائم والتخريب لا البناء ولا يمكن للمجتمع الدولي أن يحاسب دولة بجريرة ما يسمى (احتلال) أرض واستعباد شعب وارتكاب ما يرتكب بحقه. ومن ثمَّ لا وجود لدولة بالمعنى الاصطلاحي والقانوني المعترف به أممياً كما يحصل خطأً في حديث بعضهم عن (دولة)!
لذا يجب ضبط المصطلح قانونياً، من أجل ضبط التشخيص للحال وضبط المهام المنتظرة منا رسمياً وشعبياً. والمهمة المنتظر النهوض بها في ضوء رفضنا مصطلح دولة تكمن في إعادة سلطة الدولة التي انهارت وانسحبت وإعادة سلطة قوانينها وإنهاء مرحلة الانهيار والانفلات وسطو قوى الجريمة وميليشيات الإرهاب التخريبية. وتطهير الأرض من نفايات الجريمة ومقاضاتهم وإيقاع أقسى العقوبات بحق ما ارتكبوه من بشاعات بحق الإنسسانية وبحق العراق ومكونات شعبه.
فهلا انتبهنا إلى ما يجري وإلى ضرورة ضبط خطابنا ومصطلحاته؟ أقصد ما يستخدم من قبل مؤسسات الدولة وإعلامها ومن قبل مؤسسات المجتمع المدني ومنظماته ومن قبل خطاب الأحزاب السياسية المدنية التوجه والشخصيات الوطنية الديموقراطية سواء بالمستوى المحلي المباشر أم بالمستوى الدولي.
متذكرين دوماً أنّ صواب الخطاب الفكري السياسي هو المقدمة الضرورية للانتصار على قوى الظلام، قوى التخريب، قوى الهدم لاستعادة بنية الدولة وسلطتها حيث البناء والتقدم. وعمليا لابد من التذكير أن الخطاب الغربي قد بات يستثمر دقة الخطاب برفض مصطلح دولة إسلامية مثلما ورد على لسان رؤساء دول كبرى وعلى لسان الأمين العام للأمم المتحدة فيما مازال بعض الساسة عندنا وجهات إعلامية تستخدم المصطلح خطأً.