العراق المنكوب بكماشة الطائفية والإرهاب ومهام إنقاذ النازحين
رئيس جامعة ابن رشد في هولندا
رئيس البرلمان الثقافي العراقي في المهجر
قرَأْنا وسمعْنا وعشْنا بعض لحظاتِ أوضاعِ مناطق منكوبةٍ، وعملْنا من أجل إنهائِها بوجهٍ عاجل؛ فهذا التوصيفُ لا يسمحُ بالتراخي والتلكؤ ولا أية سجالاتٍ من أيِّ نوعٍ.. إذْ المنطقة المنكوبة تعني تَعرُّضُ حياةِ الإنسان فيها لخطر الهلاك. ولهذا فإنّ أولَ الإجراءاتِ يكمنُ بوقفِ كلّ شكلٍ للحوارات السياسية المجتمعية (السجالية) والتركيز على نقل المعونات المباشرة والتدخل الفوري لإنقاذ الأرواح من أنْ تُزهق بعامل الوقت والإهمال وبتهديد المخاطر التي تسببت بالنكبة. وللبحث في القضية العراقية، سنجد أنّ البلاد بأغلب مساحاتها باتت اليوم منطقة منكوبة! وصار ملايين العراقيين من أغلب أطيافهم محكومةً بقوانين النكبة وسلطان استغلالها الأبشع لوجود هذه الأطياف بحجةِ أو ذريعةِ الحكم باسم الأغلبية! والحكم طائفيٌّ لا أثر فيه لخير حتى للأغلبية المُدَّعَى تمثيلهم. وما نراه هو استبداد باسمهم ولكنه في وقت يوجه حربه ضد من يسميهم الأقليات من العرب السنّة ومن الكورد والتركمان والكلدان والصابئة ومن المسيحيين والأيزيديين وحتى الشبك يوجه في الوقت نفسه طعناته وحربه غير المباشرة ضد من يدعي تمثيلهم من الشيعة بإرسالهم إلى ميادين حرب مفتعلة مصطنعة؛ فضلا عن إهماله كل أشكال الخدمات الضرورية للوجود الإنساني الكريم.. فمدن الجنوب والوسط مازالت تحيا وكأنها من أحياء المجاعة بدولة إفريقية فقيرة!!؟
اليوم، وبسبب رعونة الخطط والفشل الذريع لسياسات الحكومة الطائفية التي تحصر الصلاحيات بين يدي قائدها الضرورة الجديد إنْ لم نقل السياسة المتعمدة فيما يجري من جرائم كما هو حال تحويل الجيش العراقي إلى مجموعة ميليشيات تمعن في الأداء الطائفي وتخترق الشرطة زمر انتقامية تُمارس الاعدامات الجماعية على السجناء بلا محاكمات وبلا وازع من ضمير، طبعاً إن لم نقل بأوامر عليا.. اليوم، تنفلت الأمور بانسحابات متعمدة من المحافظات والمدن العراقية الغربية وشمالها من الأنبار ومرورا بصلاح الدين وليس انتهاء بنينوى. وبعد نزوح نصف مليون من الأنبار ينزح نصف مليون آخر من نينوى وربع مليون من مناطق أخرى.. ويصبح ملايين من أبناء المنطقة أسرى بين فكي لعبة قوات حكومية وميليشيات إجرامية إرهابية يمارسون الاختطاف والاغتصاب والتقتيل ويتابعون إيقاع مزيد الجرائم بحق الأبرياء ممن لا حول لهم ولا قوة وممن لم يتمكن من النزوح بعيدا عن المناطق المنكوبة!
ما يُدمي الأنفس والضمائر أنَّ السلطات المحلية وما يُسمى الاتحادية العراقية لا تقدم لقمة العيش المنعدمة ولا حمايةً لاستغاثة من اغتصاب! بل عناصر فيها هم مَن يمارس الجريمة ذاتها! ويدميها أكثر عدم وصول أصوات القوى الحريصة على حيوات الناس وأمنهم وكرامتهم إلى الجمهور حيث لعبة أسْرِهِ بالتجييش الطائفي الذي يقطع كل أشكال الاتصال والنشاط الإنساني الحقوقي؛ ولا يتبقى للمنكوبين من أغلبية بنات الشعب وأبنائه إلا بعض مساعدات خارجية لا تحمي من اعتداء ولا تُغني من جوع بل لا تصلهم قطعاً.. وبالأمس جاءت بيانات المنظمة العالمية للهجرة تُنذر من كوارث ما يجري بمنطقة منكوبة بين كماشتي الطائفية والإرهاب...
ما يحصل ميدانيا أنّ المدن العراقية في الغربية وشمالها وفي ديالى معها تتقطع الطرق لاحتلالها من طرفين ميليشياويين الأمر الذي قطع السبل على أية حالة نزوح من دون مغامرات أطاحت دائما بأرواح أفراد تلك العوائل فضلا عما يجابه نسائها من حالات اغتصاب سادية قبيل القتل والتمثيل بالجثث!! ومن هنا تأتي دعوة المنظمة العالمية للهجرة لتوفير ممرات إنسانية لمساعدة نازحي العراق. إذ وجهت المنظمة نداءً يوم 27 حزيران يونيو في جنيف من أجل العمل على توفير كل الفرص والآليات لفتح ((ممرات إنسانية)) من أجل الوصول إلى عشرات آلاف العراقيات والعراقيين الذين فروا من المناطق المنكوبة بالحرب الجارية بين القوى الطائفية الإرهابية.. وقد سجلت تلك المنظمة الدولية نزوح باتجاه 17 محافظة مع تعرض أربع محافظات حتى الآن لتلك الزلازل الحربية. تقول المتحدثة باسم المنظمة العالمية للهجرة كريستيان برتياوم: إنَّ الاضطراب الأمني وحواجز الطرق من كلا طرفي الصراع الهمجي هو ما منع الناس من الوصول إلى مراكز التوزيع فيما أكدت ماندي الكسندر، منسقة المساعدة الطارئة للمنظمة العالمية للهجرة في بغداد، أن "المنظمة العالمية للهجرة وبرنامج الغذاء العالمي واليونيسف، لم تتمكن هذا الشهر من توزيع مساعدات إلا لحوالي 10 آلاف شخص فقط، لكن هذا لا يشكل سوى نقطة ماء في بحر، حيال مئات آلاف النازحين الذين هربوا من المعارك في الموصل وتلعفر وتكريت وعلى الطريق الجنوبي لبغداد". بينما بات اليوم الواقع يفرض نفسه بتوكيد أنّ ((الوسيلة الوحيدة لتلبية)) لإيصال حاجات النازحين العاجلة، هي بــ((فتح ممرات انسانية)).
إنَّ النداء الذي نرى صواب آلياته يطالب بإعلان المدارس والمساجد والمستشفيات ((أماكن محايدة وآمنة)) ليتمكن النازحون من اللجوء إليها. لكن واقع الحال يشير إلى أن الطرفين عرَّضا أكبر مستشفيين في الموصل للتدمير وسبق أن كررت قوات المالكي تعريض مستشفى الفلوجة للقصف فضلا عما يجري من تدمير وتخريب للأماكن العامة المشار إليها ومنها دور العبادة التي يجري تخريبها وتعيث بها قوى الجريمة فساداً.
أما المنظمة العالمية للهجرة فيتشكل طاقمها من 250 شخصاً بمن فيهم عراقيون، ويُفترض أن تصل جهودهم إلى 240 الف نازح في 240 قرية إلا أنهم واقعيا لم يستطيعوا الوصول لأكثر من 10 آلاف كما أوردت الأنباء الماساوية. وتكشف المسؤولة الدولية أن:"العراق لم يعد البلد الذي نعرفه، والعراق الذي كنا نعرفه لن يعود أبدا. وهو الآن بلد مختلف تماما". فلقد "عدنا إلى فترة الأوضاع الطارئة بين 2003 و2006 وما لدينا الآن هي ((حالة طوارئ إنسانية معقدة جداً)) مع عقبات كبيرة يتعين تجاوزها". من هنا فقد أعادت الأمم المتحدة في 25 حزيران/يونيو، النظر في ندائها لجمع أموال من أجل تلبية الحاجات الإنسانية في عراق 2014، حيث ارتفع تقديرها للمبلغ من 103 ملايين إلى أكثر من 312 مليون دولار على وفق التقديرات الأولية العاجلة.
وهذا المبلغ لن يغطي حجم تهجير 1.2 مليون عراقي منذ بداية السنة من محافظات الأنبار ونينوى وصلاح الدين وديالى ولكنه يضع أرضية للفوري العاجل المنتظر من جهة وعلى افتراض توافر الممرات الآمنة من طرفي حرب الميليشيات الطائفية الإرهابية. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه كيف يمكن أن تنتقل تلك الخطط العاجلة إلى أرض الواقع وتصل السكان والمسؤول الأول في رئاسة الحكومة (الاتحادية) ببغداد مازال يتحدث عن انتخاباته التي فصَّلها على مقاسه مواصلا التذرع بفوزه فيها فيما الواقع مضى إلى أمام وطوى صفحات سود على عراق الطائفية وأسرها العراقيين غنائم مستباحة للطائفيين بجناحي وجودهم!!؟
وذاك المسؤول يكتفي بتوصيف المجريات بلا قرار فعلي للتصدي لمسؤولياته على وفق ما تفرضه القوانين.. وها هو يتحدث عن انتشار قطعان غربان الموت الداعشية ليعلن في اليوم التالي انسحاب قواته لهم وهو اليوم (يرجح!؟) حدوث مشاكل أمنية في العاصمة قبيل انعقاد الجلسة الأولى للبرلمان، وسنرى أية أمور ستقع في ظل خطل الخطط وفشلها وتقديمها أفضل الخدمات لأعداء الشعب وأمنه وسلامته.. وما نراه ونسمعه ليس سوى ترحيل المسؤولية باتهامات جوفاء لا تقدّم حلا ولكنها تثير مزيداً من الاضطرابات والشحن الطائفي.
إنّ هذا الحجم من النازحين وتداعيات الأوضاع ميدانياً يتطلب فعلا فورياً بحجز تخصيصات مالية من مجمل الموازنة ودفع تلك المساعدات عبر فتح ((ممرات آمنة)) لتلك المساعدات يُلزم بها طرفا المعارك ويتحملان مسؤوليات جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في ضوء تعريض هذه الجموع الحاشدة للجريمة.. ويجب فوريا وقف الادعاءات والمزاعم السياسية القائمة على تبادل الاتهامات الفارغة في وقت يدرك الحكماء أن ما يجري خلفيته ليست مقصورة على الحل الأمني فسببه الطائفية السياسية وخطل برامجها وتوجهاتها.. الأمر الذي يتطلب أوسع حراك جماهيري شعبي يقف بوجهه وجبهة عريضة تمتلك شجاعة الموقف للحديث عن محاكمة المسؤولين وإن بوقت مناسب بعد الاستجابة للفوري العاجل من الحاجات وضرورة إنقاذ حيوات الناس.
إنّ حيوات مئات الآلاف معرضة لخطر الموت بمختلف الأشكال فضلا عن جرائم الاستغلال والابتزاز في ظل الظروف القائمة وجرائم الاختطاف والاغتصاب والاعدامات الجماعية بكلا جانبي الحرب الإرهابية.. وتوفير تلك الممرات وإيصالها الفوري لمختلف أماكن الاحتياج مع فتح المجال واسعاً لانتقال العوائل وترحيلها إلى مخيمات ومناطق أكثر أمناً هي من مهمات الحكومات المحلية والاتحادية وليست قضية مواقف أو سجالات سياسية حزبوية ضيقة لهذا المسؤول أو ذاك والكارثة تتعاظم هولا بوجود مضلَّلين هم أنصاره الطائفيين من ميليشيات الحرب وأسراهم الهاتفين بشعارات الثأر الطائفية..
وسيكون علينا التفكر مليا بأوضاع المخيمات في ظروف طبيعية كارثية حيث يتعرض الأطفال والفئات الضعيفة لخطر ضربات الشمس ولمخاطر الأمراض الوبائية وتأثيرات الظروف على أصحاب الأمراض المزمنة.. دع عنك حالات الابتزاز وما يجري في الخفاء وحتى العلن بانكشاف جرائم الاستغلال الجنسي بحق الأطفال وغيرهم.
لن أذكّر هنا بالنتائج الكارثية اللاحقة لإدامة هذي الحرب الهمجية ولكنني أكتفي هنا فقط بالتركيز على المهام العاجلة لتوفير الدواء والغذاء وتوفير المياه الصالحة للشرب ومن ثمّ الطاقة المتاحة وإدخالها عبر ممرات آمنة ولتوفير فرص نقل المهددين بخطر الموت عبر ممرات إنقاذ وتحت حماية قوات تؤدي واجباتها لا جرائم الانتقام الطائفية، مثلما تنهض به اليوم من مهام إنقاذ فعلية سامية قوات البيشمركة.. وإلا فإنّ البلاد متجهة إلى الخضوع لجريمة الذبح على قبلة مخططات قوى التدخل الخارجي واستباحة ما تبقى من وجود عراقي...
فلـْـتعِ القوى الوطنية مسؤولياتها بشأن البرامج الفورية العاجلة قبل أن يجروا أرجلها باتجاه سجالات مقيتة لن تنتهي على نتيجة (عراقية) بل ستنتهي بكوارث (إنسانية) بحق من كانوا يوما يُسمون (عراقيين) وسيكونوا ضحايا وسبايا قوى الطائفية قطعان ماسورة مستباحة لقوى الجريمة تتشرذم بين كانتونات محتربة طائفيا!!!
تلاحموا واتحدوا وتذكروا أن صمام أمان وحدة البلاد وتحرير العباد والركن المكين موجود في وحدة وطنية وحكومة إنقاذ وأن المسيرة ستتعمد قوةً عبر أربيل قلعةً لعراق الغد الديموقراطي الفديرالي يحيا بظل السلم الأهلي منعتقا من بلاء الطائفية..