إدانة سلطة داعش وممارساتها في إرهاب المجتمع ومكوناته المدنية
رئيس المرصد السومري لحقوق الإنسان
رئيس البرلمان الثقافي العراقي في المهجر
نشطت في السنوات الأخيرة ثقافة تكفيرية من جهة وأخرى طائفية سياسية، مارست أبشع الجرائم في مصادرة الحقوق والحريات؛ وفرض قوانين سلطوية، لا إنسانية، بذريعة تطبيق نصوص الدين والشريعة، وهي في حقيقتها لا تعدو عن عملية مصادرة الحقوق والحريات وأسر مكونات المجتمع وإخضاعها لسلطة رجال الحرب الإرهابيين ومنظماتهم المافيوية وممارساتهم الميليشياوية العنفية الوحشية.
وكان من آخر ما صدر، هو فرض سلطان تلك القوانين على أبناء الوطن من الصابئة المندائيين والأيزيدية والمسيحيين؛ الأمر الذي اضطر كثيرا منهم لترك بيوتهم وممتلكاتهم ووطنهم، وطن تاريخهم والأجداد الذين شادوا الحضارة في بلاد ما بين النهرين وسومر تراث الإنسانية.. وهو وطن حاضرهم سواء في العراق أم سوريا أم غيرهما من بلدان المنطقة، حيث تشتعل حروب تحاول جيوش الإرهاب الهمجية إعمال جرائمها البشعة بلا رحمة ولا هوادة!!
إن إكراه مسيحيي الرقة في سوريا [حيث سلطة داعشية مستبدة] على توقيع عهود، تأسرهم وتضعهم بمستوى مواطنين من الدرجة الثانية يدفعون الأتاوات بمسميات انتهى زمنها في دول العالم المعاصر، وحتى في مبادئ الديانات الصحيحة، وهي عهود تحرمهم من حرياتهم وحقوقهم الإنسانية ومن مبدأ المساواة والعدل؛ إنّ كلّ ذلك يمثل الجوهر الحقيقي للجريمة التي لا تُرتكب بحق المسيحيين وحدهم بل بحق كل المكونات المجتمعية المدنية، حيث تتعامل تلك القوانين المتخلفة الهمجية التي لا صلة لها بدين أو شريعة مع شعوب المنطقة باستعلاء وبامتلاك بني آدم واستعباده كما يمتلكون الأشياء وينهبونها، وتعيد مجتمعاتنا لقرون الظلام والتخلف ودويلات الطوائف التي عانت البشرية من مطاحن حروبها الغبية العمياء..
إنّ جريمة ابتزاز المجتمع بكل أطيافه لم تكن يوماً موجودة في المنجز البشري وحضارات المنطقة سواء منها بجذورها الحضارية الممتدة إلى سومر وبابل وأكد وآشور أم الحضارات الوسيطة التي ازدهر فيها رعاية الفكر والفلسفة والعلوم كما حصل في التاريخ العباسي على عهد بيت الحكمة والجامعة المستنصرية وعهود أندلسية زاهرة بفلسفة التنوير والمدارس المشرقة المعطاءة..
لكن هذا الابتزاز الذي تمارسه داعش وأشباهها من أحزاب الطائفية السياسية المتلفعة زورا وبهتانا باسم الإسلام دينا وهي ليست سوى قوى تأسلم سياسية سواء منها المتشيعة أم المتسننة، إنْ هو إلا ابتزاز، يمتاح من أوسخ الجرائم الهمجية التي جرت في التاريخ البشري، مما لا يمكن لأحد أن يلحقَهُ بأمة أو شعب أو حضارة منذ ولادة دولة المدينة والتحول المجتمعي نحو آفاق التمدن وقوانينه التي صيغت على سبيل المثال لا الحصر في شرائع أورنمو وحمورابي وفي خطابات ابن رشد والنظراء وهم كُثُر في تاريخ المنجز الثقافي لمجمل الحضارات التي ولدت في بلداننا...
إنّ زمر الجريمة وعصاباتها من تنظيمات الإرهاب التي تستغل الظرف الراهن، وتجد بعض مصادرها في ثغرات في السياسات وفي بعض النظم المحلية والدولية، لا تمثل شعبا أو أمة أو دينا فالإرهاب لا دين له ولا مذهب سوى دين الجرائم والأوبئة التي ينبغي أن تتحد الجهود لوقف آثار الخراب والدمار والجريمة التي تشيعها..
ونحن هنا، في وقت ندعو إلى تعزيز ثقافة التنوير والارتقاء بمهام محو الأميتين الأبجدية والثقافية من مجتمعاتنا كي لا تكون منفذا سهلا لتلك القوى الظلامية التي تمرر سياساتها مستغلة التخلف والجهل بضخ الطقسيات الظلامية المصطنعة بغطاءٍ دينيٍّ زائفٍ كاذبٍ لا يقرُّهُ دين ولا شريعة؛ في ذات الوقت ندعو إلى وقفة وطنية في كل بلد لرفض الخطابين: (الطائفي السياسي) و (الإرهابي التكفيري) كونهما منبع سلطة الجريمة الإرهابية وموئل وجودها وتفريخ جرائمها. وندعو القوى الأممية والمنظمات الدولية لتحمل مسؤولياتها تجاه هذه الشراذم الإجرامية قبل أن يسود ظلامها مساحة كبيرة تهدد وجودنا وحضارتنا الإنسانية برمتها.
إنّ هذا المؤشر الذي استغل سطوته على جغرافيا محلية بحدود منطقة الرقة وبعض المناطق في العراق، ينبغي أن يدق ناقوس الخطر ليس لمجتمعاتنا المحلية بل للمجتمعات المتمدنة المتحضرة في أفق وجودها أمميا دوليا، كي تضع خطط مناسبة يمكنها أن توقف الجريمة التي يتعرض لها أبناء المكونات القومية والدينية التي باتت معرضة للانقراض بسياسة التصفية والتهجير... ونضع على طاولة قادة المنظمة الدولية والمنظمات الحقوقية هذا العهد الذي فُرِض كرها وقسراً على أتباع الديانة المسيحية بالرقة وبعض مناطق العراق وسوريا الأخرى مما تسطو عليه غزوات قوى الظلام والتكفير والطائفية السياسية من البصرة وبغداد حتى حلب ودمشق.. مُذكّرين هنا بأوضاع المواطنين المعقدة وبشكل استثنائي على النساء والأطفال وما يجري من استغلال واستعباد بشع هناك بسبب ثقافة التظاهر بفرض سلطة الدين وهي سلطة رجال المافيا والجريمة والفساد بكل مستوياته وألوانه...!
فلتتصاعد حملات شعبية ونخبوية لإعلاء ثقافة التنوير وإنهاء أرضية أولئك المجرمين القتلة، التي توفرها لهم أحزاب التأسلم السياسي، أحزاب الطائفية السياسية المتبرقعة بجلابيب وأعمة عهود أسوأ عهود الظلام ومغاور الجريمة في التاريخ البشري..
ومباركة كل كلمة وفعل وممارسة وموقف من جميع بنات الشعب وأبنائه يعون أدوراهم التي ستصب في وقفة حقيقية ملموسة تُنهي تلك الجريمة التي باتت على أبواب بيوتهم وغرف نومهم تهدد باغتصاب آخر ما تبقى إن لم نقف جميعا معا وسويا!!
فلنكن بمستوى الوعي بقيمنا وبأداءاتنا وبمواقفنا المؤملة ولات ساعة مندم.