النفط والميزانية وسياسة الحكومة الاتحادية: مواقف تفتعل الأزمات وتواصل تعقيد المشكلات!؟
رئيس جامعة ابن رشد في هولندا
رئيس البرلمان الثقافي العراقي في المهجر
هكذا بجرة قلم اتخذت قيادة الحكومة الاتحادية قرار التصويت على الموازنة المالية الجديدة من دون النظر في ملاحظات الوزراء الكورد ولا حتى انسحابهم. ومسألة تجاوز صيغة الشراكة تتكرر في مواقف إدارة الحكومة وهي تستند في تمرير قراراتها على مغازلة طرف على حساب آخر في كل قضية بشكل منفصل أو بالاستناد على ممارسة صلاحيات في فضاء عدم وجود نظام داخلي للعمل!
لقد جاء تمرير حكومة السيد المالكي لموازنة 2014 المالية في إطار من التجييش الإعلامي السياسي الذي اعتدنا صيغ التضليل فيه، وحالات كيل التهم للتشويش على الحقيقة، ولتمرير مآرب بعينها في أجواء العتمة المختلقة. وهنا بهذه الواقعة، جرى الادعاء بوجود تهريب للنفط وعدم التزام بالبعد الوطني وتم توجيه الاتهام ضمن جملة اتهامات أخرى إلى حكومة إقليم كوردستان.
أما قضية النفط وحقيقتها، فأصلها يتعلق بتأخير متعمد لإقرار قانون النفط؛ كونه الضمانة الدستورية لعائدية تلك الثروة للشعب بكل مكوناته وأطيافه وعلى أساس المساواة وسلامة الاستثمار استخراجا وتصديرا وتوزيعا... وفي ضوء ذلك حاولت قوى الشراكة الحكومية وممثلي الإقليم الفديرالي والمحافظات البحث في أسس عمل مؤقتة لحين إقرار القانون؛ وتم الاتفاق رسميا مع رئاسة الحكومة ومسؤولي قطاع النفط الاتحاديين وطبعا في ضوء الالتزام بالدستور جرى العمل في هذا القطاع الحيوي مرحليا.
بالمقابل لم يشهد العراق طوال السنوات المنصرمة في وزارة النفط الاتحادية ببغداد، أية أعمال استراتيجية أو مرحلية تخدم قطاع النفط بخاصة والطاقة بعامة من جهة التحديث والاستثمار والتوزيع ولا من جهة التوجه المفترض نحو إقرار قانون النفط! والنتيجة كانت عادةً التجاوز على الحصص الفعلية؛ فلا المواطن حصل على الخدمات الضرورية ولا المحافظات والإقليم حصلا على ما يدخل في إعادة بناء المدمر وإحياء ما تم إماتته ونشهد محافظات عديدة إهمال مشروعات الاستثمار النفطي فيها فضلا عن مشاهد الخراب وضعف ما يردها على الرغم من غناها بهذه الثروة..!
والقضية ظلت بأيدي معدودة ممركزة تنفرد بالقرار وتوجهه على وفق سياسات قاصرة، ينعكس سوء خططها على المواطن والوطن بوضوح، حيث مشاهد الخراب واستمرار مظاهر الفقر والبطالة وتعطل الدورة الاقتصادية!؟
ومن أجل ترحيل حالات القصور وفشل أداء تلك القوى التي انفردت بالقرار، لجأت بين الفينة والأخرى لافتعال أزمة أو أخرى، فما أن تنتهي واحدة حتى تجد البلاد نفسها في مطحنة أخرى.. وآخرها استغلال الحرب على إرهابيي القاعدة وداعش غطاءً لضرب الحراك السلمي في الأنبار وغيرها من المحافظات بعملية مكرورة من حال التشويش وخلط الأوراق بغية التعتيم والتضليل وتوجيه الأنظار صوب قضايا تخفي الحقيقة، فيما تترك الفرص سانحة لقوى الإرهاب للانتشار والتوسع.......
وفي موضع آخر، فحيثما جاءت لحظة المكاشفة والحوار المباشر، قطعت الطريق عليه.. وتاريخ قضية النفط مثلما غيرها من قضايا، مفتوح الملفات للحوار الوطني. ولكن جهة الانفراد بسلطة القرار الاتحادي، دائما كانت تفتعل ما يقطع سبيل الحوار المباشر للوصول إلى اتفاق.. ومعروف للشعب العراقي وقواه الوطنية أنّ حكومة إقليم كوردستان أرسلت وفدا بأعلى مستوى للحوار.. وكان الوفد بصدد العودة لاستكمال ما بدأ من حوار وما تم التوصل إليه، لتأتي مناورة التصويت بغض النظر عن ملاحظات الوزراء الكورد...!؟
ولم تكتفِ عملية التصويت بقطع فرص الوصول لتصور وطني مشترك موحد، بل أكدت حال الانفراد بالقرار الاتحادي وضرب الشراكة وتجاوزها في الأمور المصيرية التي تخص المواطن العراقي ومصالح مكونات الشعب ومحافظات البلاد، هذا فضلا عن نجاحها في تمرير ما أرادت وفضلا عن ترحيل المشكلة وإلقاء أعبائها على البرلمان في مناورة سياسية بقصد الكسب الانتخابي كما يدور في مضامين مخططات إدارة الحكومة ورئاستها...
ولعل هذه الصورة من آليات العمل هي التي مورست طوال المدة المنصرمة من جانب رئاسة الحكومة الاتحادية. وهي الآلية التي مازالت تمنح فرصا مجانية متتالية، مشرعة البوابات على الغارب، لجرائم الفساد والإرهاب وغطائهما السياسي ممثلا بالطائفية وفلسفتها وذهنيتها المرضية القائمة على منطق الغنيمة والمغالبة بقصد أن تحظى بحصة الأسد.. هذا دع عنك ما تتسبب فيه تلكم السياسة الرعناء من مخاطر وتهديدات للوجود الوطني العراقي برمته!
وفي بلدان العالم كانت أية فضيحة من الفضائح التي انكشفت في العراق سببا في سقوط الحكومة واستقالتها وفي محاسبة مسؤوليها عما اُرتُكِب من جرائم حيث يقعون تحت طائلة المسؤولية القانونية. غير أن الأمور لم تجر على هذا النحو في عراق عادت بعض العناصر في الحكومة الاتحادية لفرض منطق المركزية من جهة ومنطق قوة العنف وسطوته من جهة أخرى كما مر في التاريخ القريب عراقيا.
إنّ جملة المجريات، تؤشر أن سياسة القوى الطائفية المتحكمة بالوضع الحالي لا يمكنها أن تكون سليمة تحالفيا؛ ولا أن تكون حريصة على الشراكة الوطنية وهي تقدم مصالحها الحزبية الضيقة على أية مصلحة وطنية مشتركة. وبالنتيجة يجب الحذر من قبول إجراءات تتجاوز على مصالح الشعب بمجمله أو على ما يبدو موجها ضد مكون بعينه وهو فعليا يوجه الأذى إلى هذا المكون، لكنه بالنهاية لن يقف عند حدود مكون بل سنتقل بآثاره مجددا وتاليا نحو مجمل الشعب وكل أجزاء الوطن وأرجاء الدولة الاتحادية وفديرالياتها.
وهذا يدفع باتجاه ضرورة اتخاذ موقف حازم وحاسم منتظر من القوى الحريصة على مصالح الوطن والناس كي لا تترك الأمور والتصويت باتجاه يخدم مآرب ضيقة وحزبية محدودة بل ينبغي أن يصطف الجميع مع الكورد في التصويت الآتي، كون القضية في النهاية ليست ضد الكورد لوحدهم بل ضد الجميع. وأية حسابات تنضوي تحت رد الفعل المباشر للضخ الإعلامي المغرض للحملات ضد كوردستان بخاصة في ملف النفط أو تخضع لتلك الضغوط خشية وخوفا على مصالح انتخابية، ستقع في الخطيئة وستخدم جريمة مبيتة ضد الشعب العراقي برمته.
أما الصحيح ومنطق الحكمة فيقول: إن الوقوف اليوم مع ملاحظات الكتلة الكوردستانية في البرلمان سيمنح فرصا لمعالجة ما جرى من خطأ ويعزز عرى الشراكة الوطنية بين قسمي العراق الفديرالي وسيمنح فرصا باتجاه السير بقانون النفط نحو استكماله وإقراره لمصلحة جميع مكونات الشعب ولمصلحة مستقبل البلاد وإعادة إعمارها بإطلاق الدورة الاقتصادية الأنجع تخطيطا والأنضج أداءً.
إنّ اندفاع قوة أو أخرى نحو صيغ الحسم المنفرد وتجاوز الشراكة أيا كانت دوافعه لا يمكنها أن تؤسس للحل السليم من جهة ولا يمكنها أن تأتي ببديل وطني. وهي بدل أن تنهي قضية فإنها تفتح ملفات مشكلات جديدة وتراكم معضلات وعقبات أخرى فوق تلك الموجودة والملتهبة في ميدان الواقع العراقي.
ولا يمكن الادعاء بأن طرفا هو الوطني الوحيد المخلص وأن الآخرين هم خونة وأعداء المصالح الوطنية، فعملية التخوين تلك مما يتأسس على الاتهام وعلى أوهام سياسية مرضية تحمل أجنة التشظي والتناقض لتخدم بالمحصلة أعداء عراق ديموقراطي فديرالي بمعنى تخدم أعداء الخيار الديموقراطي الذي يحترم التعددية والتنوع وينهض باتحاد الجميع وتشاركهم ومساهمتهم في مسيرة البناء وبخلاف هذا المسار تولد فرص تخدم من يطعن في الآليات الديموقراطية وبالمستوى الآخر تعلو أسهم الأعداء على حساب قوى الاتحاد والتكاتف والتعاضد والبقاء في إطار وجود وطني لدولة فديرالية مركبة .
المطلوب اليوم أيضا، وقف التصريحات الإعلانية وحال الاستعراض الحزبي السياسي في أجهزة الإعلام والتوقف عن حال التعريض بالآخر بخاصة أن ما ينطلق اليوم عبارة عن مراهقة سياسية تتصيد في المياه العكرة معتقدة أن الأمور جميعا سواء.. وأنها جميعا يمكن أن تمر بلا مضاعفات وبلا ردود غير محسوبة العواقب!
وبعض نواب كتلة بعينها راحوا يتشدقون بقرار التصويت على الموازنة وذهبوا بعيدا في تأجيج نيران، حتى شارك بعضهم مشعلي الحرائق في الوطن، لعبةَ افتعال الصراعات متوهمة الأسس واختلاق تناقضات مفتعلة المنطلقات..وهذا يتطلب من الزعامات المعنية أكبر قدر من التحلي بالمسؤولية تجاه اللحظة الراهنة وما تحمله من احتقانات خطيرة، وما يمكن أن تجره لعبة التصريحات غير المسؤولة.
وليكن النموذج هو ذاك الصوت الوطني الفديرالي العراقي الأصيل ممثلا بنواب القائمة الكوردستانية ودورهم في معالجة القضية بهدوء وموضوعية وبالتركيز على مواضع الاتفاق أكثر وعلى مفاتيح الحل الأسلم والأنضج بما يتيح فرص حل عاجل يخدم الجميع بلا حيف يحتمل أن يكون بحق طرف ما.
أما الحل الجذري الذي ربما فات وقته مرحليا في إطار البرلمان الحالي، أما الحل الجذري فيتمثل في إقرار نهائي لقانون النفط الذي سينظم الأدوار والأنشطة والخطط على أن يجري تشكيل لجنة وطنية عليا للطاقة تؤدي دورها في حسم الموضوعات الخلافية وتكون مرجعيتها المجلس الاتحادي كجهة تشريعية وطنية عليا تتركب بالتساوي من مكونات الشعب وممثليهم وتتناصف سلطة القرار التشريعي مع مجلس النواب.
هذه القضايا لا يمكن أن تبقى معلقة إلى ما لا نهاية لأن ذلك يسمح بالعبث بمصير الشعب وتهديد وحدة الوطن وتمزيق وجوده وربما يتركه نهبا لمزيد من أشكال الاستغلال من قوى الكارتلات النفطية وقوى التدخل الخارجي غير المنظور.. ونبقى نحن جميعا بحاجة لضبط توجهات خططنا الوطنية بمستوياتها الفديرالية بما يلبي احترام اتفاقاتنا الدستورية من جهة وتلك التي رسمت التوافق الوطني مع تحقيق مصالح الشعب بكل تركيبه المجتمعي..
وبالمنتهى فإن الشعب العراقي وقواه الوطنية الديموقراطية الحية لن تخشى التضليل والتشويه وستدافع عن كل مكونات الشعب ولن ترضى بسياسة الإملاءات والعقاب الجماعي الذي يتعرض له الكورد لأي سبب أو ذريعة تُطلق بقصد التعتيم على المآرب الحقيقية.
ولابد من إطلاق الموازنة عاجلا في البرلمان بما يتضمن رؤى جميع الفرقاء شركاء العملية السياسية ويخدم وجودنا الفديرالي ومسيرة إنهاء زمن افتعال الأزمات واختلاق المشكلات ومن وقف وراء هذا طوال دورتين انتخابيتين بقصد التمكن من الانفراد بالقرار. ولعلنا نلاحظ أنّ الاعتراض على سياسة الانفراد لم تأتِ من كوردستان ولا من الغربية وحدهما بل من كل أقسام الوطن جنوبا شمالا غربا شرقا ومن كل مكونات الطيف الوطني العراقي.. أفلا يكفي هذا لكشف الحقيقة وإنهاء ما يُختلق من عقبات ومعالجته جوهريا؟؟؟