تجري هذه
الأيام
مناقشة مشروع
الدستور العراقي,
ولعلَّ تلك
المناقشة
ستغتني برؤى
مجموع الطيف
العراقي
المتنوع
ليمثلها هذا
الدستور من دون
انتقاص لطرف
أو غلبة لطرف
أو طيف آخر؛
ومن أجل
الوصول
لقناعات
مشتركة في
صياغة
الدستور ينبغي
أول الأمر أن
نتفق على أن
الدستور الجديد
يجب أنْ يكون
مرجعية لكل
العراقيين
وأنْ يكون
عقدهم الذي
يسمونه
القانون
الأساس هو الاتفاق
الذي لا ينبغي
أن يأتي
بأسبقية طرف
أو بتميِّز
آخر, فلا كبير
ولا صغير, ولا
أغلبية ولا
أقلية؛ الكلّ
سواء فلا
وصاية لجهة
على أخرى, حيث
تثبت أو تسجّل
مرجعيتها ومن
بعد تقدّم منحة
أو صدقة على
الآخر في
العدالة
مؤكِّدة أنَّها ستضمن
له حقوقه..
والإشارة هنا
لمسائل مثل
تثبيت سمة
الدولة
العراقية على وفق
ديانة
الأغلبية أو
القومية
الأكثر نفوسا
وما إلى ذلك.
ومن
العدالة هنا
ضمان حق الإنسان
الفرد كاملا,
لافرق بينه
والآخر في
انتماء لمرجعية
هذا الشخص
وكونه من
الأغلبية
وذاك من
الأقلية, هذا
من القومية
الكبرى وذاك
من الصغرى, هذا
من المسلمين
والآخر من
النصارى أو
اليهود...
والقائمة
التقسيمية
التمييزية لا
تنتهي طالما
أساسها
التمييز
والتفرقة.
فالدستور عقد يتواضع
عليه المجموع
ويكفل المساواة
التامة وليس
لأحدِ ِ أن
يسجِّل
أغلبية اليوم
وأقليته فهذه
الأغلبية لم
تكن كذلك
بالأمس وقد لا
تكون في الغد
والأهم من هذا
وذاك هو
أنَّنا ليس لنا
أن نتحكم في إحالة
حقوق الإنسان
إلى أغلبية
وأقلية فحق
الإنسان في
الحياة الحرة
الكريمة يكمن
في عدالة
ومساواة
تامتين لا
يمكن أن نسمح
له أن يُمس
بميزة أو سمة. فالأساس
في الدستور هو
العدالة
والمساواة,
والحديث عن الأغلبية
والأقلية
لايقع في
الدستور
ولكنه في ظل
دستور عادل
يكفل حق
الإنسان
كاملا, يمكن أن
يكون في مسائل
تخص البرلمان
والحكومة والإدارات
وما إلى ذلك..
ممّا يكفل
التوازن
الاجتماعي
والسياسي
الموجود في اللحظة
التاريخية
المعيّنة.
إذنْ فلنجعل
من أنفسنا نحن
العراقيين
الأقرب
للعدالة التي
نبتغيها
ويفرضها علينا منطق
العقل السليم
وذهنية المرء
العادل.
نعم ينبغي
للدستور أن
يشير إلى
الأديان
والأعراف
العامة في
البلاد؛ لكنَّ
ذلك يتمُّ
بوصف
الاحترام لا
بوصف التقديم
والتأخير
والتمييز
واختراق
العدل
والمساواة,
بحجة أو ذريعة
الأغلبية أو ذريعة
السكان
الأقدم أو
القومية أو
الطائفة الأكبر
وما شابه..
دعونا نتعامل
مع منطق متحضر
نجعل فيه اسم
العراقيين
مميَّزاَ َ
بين أبناء
عصرنا لا هزءة
وسخرية. إنَّ
منطق التفتح
واحترام
الآخر هو
المطلوب
اليوم ولا
مجال للعودة
إلى الوراء
ولا يمكن أنْ
نسجِّل اسماَ
َ لطيفِ ِ أو
طرفِ ِ ونغفل
آخر ـ في
دستورنا ـ على
أنه التالي في
الحجم
والمكانة..
علينا أنْ نضع
الصيغة التي
تؤكد تعادل
الجميع وتساويهم
في اقتسام
العيش الكريم
في وطن الجميع
لا وطن مجموعة
تتفضل متصدقة
على البقية
بحقوق تتحكّم
في وضع حدودها
على وفق
منطلقات
المجموعة
الكبرى فتحذف
من حقوق البشر
ما تشاء على الأرض
بزعم تلك هي
إرادة السماء.
إنَّ
مردود تسجيل
حجم المجموعات
ومن ثم مرجعية
التشريع في
البلاد نسبة
لديانتها أو
صياغات
منطقها
القانوني التشريعي
أمر يستلب من
حقوق الآخرين
البشرية
الإنسانية
الشئ الكثير؛
وفضلا عن ذلك
يعيدنا إلى
مربع البداية
من جهة الموقف
من العدالة
تجاه من أطلِق
عليهم
الأقليات,
ويشعرهم بالمهانة
والانتقاص من
وجودهم
الإنساني ومن
موقعهم
ودورهم في
الحياة
العامة, في
زمن يبتغي القانون
الأساس
(الدستور)
إشاعة العدل
والمساواة في
التعامل ووضع
الشخص
المناسب في
الموقع والمسؤولية
المناسبة من
أقل درجة
وظيفية حتى أكبرها,
فالعدالة
جوهر الدستور
ولا أفضلية
لمجموعة على
أخرى ومن ثم
لانتماء فرد لهذه
المجموعة على
الأخرى وهذا
لن يتعارض مع
أحقية فوز من
يحصل على
أغلبية اليوم
في الشأن
الحياتي العام
من جهة
الحكومة
والإدارة وما
إليها وعلى
الجميع
احترام منطق
الأغلبية في
الاختيار
للإدارة
الحكومية
ولتوجيه
السياسة
العامة مع
الأخذ بمنطق
المشورة
واحترام دور
الأقلية في
تلك الإدارة
حسب مرجعية
دستور يكفل
مثل هذا
الاحترام
ومنطقه, وليس
غير الدستور
هو الكفيل
لإدارة
التداول
والتشاور
وعدم التجاوز
على الآخر.
فإنْ لم نستطع
اليوم إنجاز
اتفاق تاريخي
مشترك هو
دستور
العدالة
والمساواة
فلن تستقيم
أمورنا وسيظل
قسم أساسي من
شعبنا يشعر بالظلم
والمهانة
والجلوس على
مقاعد الدرجة الثالثة
في ملعب
الحياة. حيث
تسير العدالة
آنذاك عرجاء
على وفق سلطة
الغالب
الأقوى
المسيطر, وليذعن
الآخر
بمشيئته أو
بالقهر
والمصادرة المشرعنة
بقانون
التصويت
(الديموقراطي؟!)
حيث تفرض
الأغلبية
منطق شريعتها
وتشريعها على الجميع!
وهو ما
سيكلفنا
انشطارا
جديداَ َ لمرحلة
لا نعلم مداها
هذه المرة بعد
آلاف السنين التي
مضت ونحن نرى
كيف تُصادَر
فيها العدالة
على الأرض ـ
زعماَ َ ـ
باسم عدالة
السماء. وشتان
بين الاثنتين
فعدالة
السماء
لطالما فرضت علينا
ألا نُشعر
الآخر بأنه
ضيف مؤقت أو
وجود زائل أو
فضلة وجود
وهامش
متصدَّق
عليه...
ألا
يجدر بأبناء
سومر الذين
طالما حملوا
راية
الموضوعية
والتنوّر
وطالما توحّدوا
في قوانينهم
ودساتيرهم أن
يعودوا لجذور
وحدتهم
التاريخية
الوطيدة وروح
التنوير
وعدالتهم
تجاه كلّ
مكوّنات
حضارتهم غنية
التنوع؟ إنَّ شعبنا
أجدر بتحقيق
ذلك ويستطيع
تحقيق الأفضل
على الرغم من
محاولات
البؤس التي
تتستر وراء
منطقها
الأعوج الذي
يبتغي فرض
التقسيم
مسبقا في
الدستور واستبعاد
العدالة
والمساواة
منه تحت
ذرائع شتى
ولكنَّ
الغاية
الحقيقية
تظلّ هي هي .. انتقاص
الدستور
وعدالته وفرض
الفرقة والتشتيت
والاحتراب
وإضعاف قوة
شعبنا بضرب
وحدته عبر مثل
هذه الأفكار.
ففي حقيقة
الأمر لا يضير
المسلم والتزامه
بأداء فروض
دينه أن يحترم
دستوراَ َ وعقداَ
َ اجتماعيا
عادلا.. ولا
ينقص منه أنْ
يكون الدستور
وضعياَ َ
مدنياَ َ فهو
في حقيقته كذلك
من وضع البشر
ينطلق من
التوافق بين أبناء
البلاد
بوصفهم
الإنساني
البشري لا بأية
صفة أخرى,
لأنَّ
الدستور هو
خيار الحياة
البشرية.. وهو
ليس ديناَ َ
ولا شريعة
أومنهجا طائفيا,
وهو ليس
أيديولوجيا
طرفِ ِ أو
طقوس مجموعة
بل هو القانون
الذي يحكم
علاقات
الأفراد في
بلاد محدّدة؛
فإذا هم شكلوا
مجموعات ذات
خصائص سارت
تلك
المجموعات
القومية أو
الدينية على
قدم المساواة
في الحرية
والحقوق والواجيات,
وليس لأحد أن
يستلب الآخر
حقا وإنْ كان
يعِدُ بأنْ
يقدمه له كما يقول لا صدقة
ولامِنّة ..
فلِمَ هذه
الصدقة
والمنة؟
لماذا يستلب
الحق
باليسرى
ليَعِدَ التقديم
باليمنى؟!
إنَّه مجرد
وعد يتمظهر به
طرف بحالة من
الادعاء
والزعم .. وحتى
لو صدق الوعد
فأرض الوطن
ليست ملكا
للأغلبية
تتصدق فيه على
الأقلية بحقوق
ما؛ إنَّه
موئل الجميع
لا كبير فيه
ولا صغير كلّ
يأخذ حقه
بالعدل
والمساواة.
إنَّ
الحلَّ
المنطقي
الوحيد هو
علمانية
الدستور,
وإقرار
بأنَّه ليس
أكثر من اتفاق
بشري يجري على
الأرض بين
أبناء الوطن
الواحد بغية
تنظيم حياتهم
في عقد
اجتماعي يكفل
العدالة
والمساواة في كلّ
شئ ولا يمكن
الانتقاص من
حق أو إحالته
لطرف تحت أيّ
مسمى.
والعلمانية
ليست تغليبا
لطرف على آخر
إنَّها ضمانة
للعدالة
والتساوي والتكافل
والتعاضد
والاحترام
المتبادل. إنَّها
ليست كفراَ َ
بالأديان
والأعراف
والتقاليد
الإيجابية..
إنَّها تعضيد
لمنطق
الحريات والحقوق
بأبعد ما يكون
حيث لا ضيم
يقع على طرف
مهما صغر حجمه
ونسبة وجوده
لأنَّه موجود
بفعل الواقع
الذي سيكون
تجاوزا عليه
وعلى حقوقه أنْ
نضع توصيف
الأقلية
لوجوده ومن
ثمَّ نحجِّم أو
نقلِّل من حجم
حقوقه
الإنسانية في
ضوء الأقلية
التي تمَّ
توصيفه بها.
وبعد,
فهل سيبقى
لمنطق
العدالة والمساواة
وجود في ظل
تثبيت مرجعية الدستور
للأغلبية؟؟
وهل سيبقى
لمنطق حقوق الإنسان
وجود في ظل
تثبيت سيادة
طرف وتقدمه لمجرد
انتمائه
للأغلبية على
طرف لاينتمي
إلى تلك
الأغلبية؟! ثم
لماذا يمتلك
طرف تحديد
حقوق الآخر
وكيفية عيشه
ويتدخل في
خصائص حياته
ومعتقداته
وتقاليده؟! لا
ضير لأيّ طرف
في علمانية
الدستور ولكن
هناك ألف ضير
في تثبيت
مرجعية التشريع
لطرف دون آخر!!
وعليه فمن
الواجب أنْ نلتزم
مبادئ العدل في
دستور واحد
يتساوى فيه
الجميع ولا
حصة لطرف فيه
أكثر من الآخر
إنَّه دستور
اليوم والغد
دستور العرب
والكرد
والتركمان
والكلدوآشور
وأبناء
البلاد كافة
بكل الأطياف,
دستور
العدالة
والحرية
والمساواة
حيث ضمان كلّ
حقوق الإنسان
بلا تحفّظ ولا
شروط ولا
محدّدات تسلب
وتنتقص لا
بتمييز ولا بغيره.
أكاديمي
ومحلّل سياسي
\ ناشط في حقوق
الإنسان
2003\ 08
\ 26
E-MAIL: TAYSEER1954@naseej.com