الدكتور
تيسير
الآلوسي* أستاذ
الأدب
المسرحي
كثيرا
ما تجري
الحوارات عن
أجواء الحزن
التي تصطبغ
بها الأغنية
العراقية
المعاصرة ..
وفي الحقيقة
تعبر الأغنية
مثلها مثل كل
الفنون
الأخرى عن
الواقع بالكيفية
التي يوجد بها
بتفاصيله
ووقائعه المتنوعة
المختلفة ؛
بخاصة منها
تلك المرتبطة بالعامل
الذاتي
وبنائه في
الشخصية
الإنسانية
التي لا تخرج
عن معطيات ذلك
الواقع بل هي
وليدته
المباشرة
وإنْ كانت تلك
الولادة متأتية
عبر تعقيدات
بعيدة.
فالأغنية
مرة أخرى تؤكد
كونها تعبير عن
الجانب
الذاتي
المستمد من
الواقع
الموضوعي
المحيط, وهي
لهذا تركز على
شفافية
ورومانسية في
تعبيرها
فتكون أميل
لانعكاس
الموجود مباشرة
بخاصة منه تلك
العثرات
التراجيدية
للحياة
الإنسانية
وهو ما يطفو
على السطح
أكثر من أغاني
العمل
والأعياد
والأفراح لما
لأغاني الحزن
ارتباط عميق
التأثير
بذائقة المتلقي
الذي
يحيا
في أجواء غير
مستقرة.
لقد
وُجِدت في
تاريخنا
أشكال
الأغنيات
وأنواعها من
تلك التي تلمس
شغاف الحزن في
قلوب العراقيين
ومن تلك التي
ترقص على
حركات الفرح
واستجاباته
الفنية أو
بكلمة أعمّ
الجمالية.
ولكن ما ذاع
منها أكثر
واشتهر مالَ
إلى الحزن
الشفيف
لأسباب
كثيرة...
ومن
تلك الأسباب
الإعلان
الاجتماعي
كثيرا ما يركز
على أغاني
الحزن
ويمنحها فرصا
أكثر في الظهور
سواء في
التناقل
الشفاهي أم في
توظيف وسائل
الإعلام
والاتصال التي
ظهرت في
العقود
الأخيرة.. وقد
يعود بعض هذا
لدواعي إسقاط
حالة
الاحترام
والقدسية على
التراجيدي
وما يعبر عنه
من انعكاسات
تعبيرية فنية
حزينة..
والأمر
هنا يمثل
انعكاسا
موضوعيا
لطبيعة التقاليد
السائدة
وجملة
الأعراف
والقوانين الاجتماعية
الإنسانية
المتوافق عليها
في الوعي
الجمعي
للعراقيين
وما تتناقله أجيالهم
من توارث تلك
الالتزامات
الأخلاقية التي
صارت لازمة لم
يحيدوا عنها
كثيرا على الرغم
من بعض
التطورات
الإيجابية
التي جرت في
الواقع
تارخيا في
بلاد ما بين
النهرين...
ويزيد
من تعميق سلطة
التراجيدي
وسمات الحزن التعبيرية
واقع من
الأحداث
المأساوية
التي عادة ما
كانت تضرب
البلاد من
كوارث
الفيضانات
ونوازل الزمن
والغزوات
الأجنبية منذ
سومر وبابل ودولة
بني العباس
وما تلاها.
ولم يكن
بأيديهم حل
لتلك
المشكلات
والمصائب.. أو
لم يجدوا من يهتم
بمعالجة
الآثار بجدية
تنعكس على
البسطاء
فراحت
أغانيهم
تعبِّر عن
آلامهم وعن
حالة إغفال
وجودهم
وإهمال
مطالبهم..
وهكذا
قرأت الأغنية
مشاعر
العراقي
السومري والبابلي
والأكدي
والكلداني
والآشوري في ردِّه
على آلام
الحروب
وأوصاب يومه
العادي, وقرأت
أحاسيسه
الجياشة
انفعالا تجاه
ضحايا تلك
الوقائع
الفاجعة وتجاه
انعكاسها في
حالات الرحيل
والهجرة ومن ثمَّ
الغربة
المتولِّدة
عنهما بل
انعكاس الاغتراب
في محيط أهمل
تقديم العون
للفرد البسيط
إلا من نزر
يسير لايكاد
يسد الرمق من
زميل أو جار
أو صديق أو
قريب..
بينما
ظلت المؤسسة
الاجتماعية
الكبرى ممثلة
في دولة
المدينة والدول
الامبراطورية
التالية
بعيدة عن
الاهتمام به
وبحاجاته؛
ومن الطبيعي
أنْ نجد
الاغتراب حتى
عن المحيط
المباشر
للعراقي, أي
في وطنه وفي
حواضر أهله
ولكن
المستلبة منه
سلطتها لصالح
حفنة من
المستغلين.
ألم يكن
العراقي يحيا حياة
الغريب في
وطنه طوال عمر
الأجيال
الثلاثة
الأخيرة؟!
ولعلنا
لا نجانب
صوابا حين
نقول إنَّ
الثقافة
الشعبية
السائدة
كثيرا ما كانت
تؤصِّل لتلك
الحالة في
الأغنية
العراقية من
جهة تراجيديا
أو جهة
النهايات
المأساوية
لأبطالهم ومقاتلهم؛
فمن ديموزي أو
تموز وطقوس
انتظار عودته
حيا, ومرورا
بطقوس المقتل
الحسيني وحتى
شهداء زمننا
من قادة
وبسطاء من
أبناء الفقر
وضحاياه ذوي
إرادات العدل
والحقوق, كل
هؤلاء شكلوا
مخزونا مهولا
من الأنين من
متاعب الزمن..
إذن,
فموضوعات
الحزن
متوافرة تضغط
على الذائقة
الشعبية من
جهة وهي
موجودة في
أرضية مادية ملموسة
من بعيد الوعي
الجمعي
وعميقه
تاريخيا..
ولكن الأبعد
أمرا هو في
توجه مقصود باستمرار
لدفع الأغنية
إلى طابع
الحزن يُراد
من ورائه
مزيدا من
إضعاف
الإرادة
الشعبية بإبقائها
في حال من
العزلة
والتراخي
والفتور وكل
ما يمكن أنْ
يولده الحزن
والأنين من
انعكاسات
سلبية مع تضخم
حجمه ومع
سيادته على
أجواء
التعبير
الإنساني
طوال يوم
العراقي وتفاصيله..
وبمقابل
هذه الحالة
عمل
العراقيون
على إيجاد
ردودهم
المناسبة
التي تخترق
سلبية الآثار
التي تنجم عن
بعض أغاني
الحزن والوجع
المتراخية..
فكانت
الأغنية
(السياسية) أو
الوطنية أو
الثورية وهي
جميعا أشكال
من الأغاني التي
تستثير حماسة
الإنسان
وتعمل على
تفعيله ودفعه
للحركة
والتغيير
والانتفاض
على واقعه المريض..
وتحتفظ
الذاكرة
الشعبية
اليوم بتلك
الأغاني التي
تمجد البطل
الشعبي
والبطولة
الشعبية وتؤكد
على قيم العمل
الجماعي وعلى
العلاقات الإنسانية
النبيلة
والتضحيات
المخلَّدة وآثارها
الإيجابية في
النفس
الإنسانية..
ولقد تناقل
العراقيون
بينهم تلك
الأغاني على
الرغم من
تجريم
الأنظمة لتلك
الأغنية
وحظرها وتحريمها
لتداولها...
ولم
يكن ذاك
التجريم
والحظر بسبب
من موضوعات الأغنية
ومضامينها
المباشرة
ولكن بسبب من
معرفة تلك
الأنظمة
للآثار القوية
الفاعلة لتلك
الأغاني في
بنائها للروح
وللمعنويات
ما يعني مزيدا
من تعزيز قوة
الحركة والفعل
والتوجه إلى
التغيير ورفض
طبيعة الواقع
السكونية
المفروضة من
أعلى قسرا
وإكراها..
ومع
كل محاولات
التخريب من
جهة ظهور
أغاني الدعاية
والإعلان
الرخيص سواء
عن النظام
الدكتاتوري
وهذه وريثة
غواني
الأباطرة
وأغانيها؛ أو
الإعلان عن
الأشياء
والحاجات
الاستهلاكية
كما هو
الإعلان
اليومي الذي
استباح الإنسان
وشيـَّأه [من
تشييِّئ]. مع
كل هذه الأبواق
الزاعقة التي
سطَّحت
الأغنية
وأبعدتها عن التعبير
عن أحاسيس
البشر فقد
أصرَّ
العراقي على الارتباط
بأغنيته
الملتزمة
قضاياه
وهمومه..
ويعوَّل
على عودة
أغنيتنا
لتلعب دورها
في التعبير عن
الفرح بزوال
غمَّة
الطغيان
ولابد من
أغاني الفرح
الصادقة التي
تحترم
الإنسان وتكرّمه
لا تمتهنه
وتهينه مضاف
إليها أغاني الحركة
والتغيير
التي تقارع
أزمات
التغيير وقسوته
وما تحاول
الريح الصفر
من اختلاق
أخطر الأزمات..
ونحن
بالفعل بحاجة
إلى أغنية
تستطيع تمثيل
أحاسيس
العراقي في
اللحظة
الراهنة
وتستطيع أن
تحرِّك فيه كل
قواه الكامنة
وبدل خيار
الاحباط ينهض
خيار
المشاركة
الجمعية
ويستذكر ما يجب
أن يورثه
لأبنائه, فهو
مطالَب
بتوريث الفرح
لا الحزن
وبقطع طرق
الألم وفتح
آفاق السرور
والانتعاش
ولديه الفرصة
التاريخية
بزوال أخطر
طاغية سبَّب
له كل ذاك
الهول من
الأحزان
والآلام
والمتاعب..
أية
أغنية نقرأ
اليوم
ونستمع؟ إذا
تركنا الأمر
كونه قضية
هامشية أو كون
بعض الرؤى لا
تنظر بارتياح
إلى الأغنية بل
بعضها
يحرّمها
فإننا سنترك
لأغنية غريبة على
مسامعنا
وأخلاقاياتنا
تغزو أبناءنا
وأذواقهم وهو
خطر غير سهل
العلاج..
بخاصة في زمن الفضائيات
ولا حدود
بيننا وبين
الآخرين..
فنخرج
من أغنية بوق
الطاغية
الرخيصة لنقع
في أغنية
الرخص
والابتذال
العائدة
لثقافة استهلاكية
وضيعة..
وليحذر أولئك
الذين يحرمون
الأغنية من
هذه الحقيقة
حيث يقصدون
بفعلهم
التحريمي التكفيري
شيئا ويدفعون
لأسوأ منه!
وما علينا إلا
توسيع دائرة
البحث في
الأغنية
العراقية بألوانها
المعبرة عن
مختلف
الأطياف لغات
وأفكار ورؤى
ومشاعر
وأحاسيس ..
وليكن
لدينا أماسي
أسبوعية
للأغنية
ولنحتفل
شهريا
بفنانينا ولنوجد
مهرجانات
موسمية
وسنوية
للأغنية العراقية
السريانية,
الكردية,
التركمانية,
العربية ولكل
فئات بلادنا
وبكل موضوعات
تهمّنا شيبا
وشبيبة..
ولتصدح في
أروقة حياتنا
أغاني الفرح
واحتفالياته
ولنوقف دائرة
الحزن السلبي...
وفي
هذا الموضع
لابد من القول
بأنَّ التهمة
الجاهزة
للطابع
الكئيب
لأغنيتنا ليس
صحيحا ولا صائبا
حتى منها
أغنيتنا
العراقية
التراثية.. وليس
كل ما هو حزين
شفيف كئيبا
كما أن أمر
سلبية بعض
موروثنا أو
مجرد حزنه لا
يعني تكلسا وجمودا
على ما كان
معبرا عن
لحظته
التاريخية ..
وما
يرافق طبيعة
بعض الآلات
التراثية من
نغم مخصوص
بعينه ليس
حالة مطلقة من
الأداء غير ممكن
التلوين
بطابع آخر
مختلف أو
تغييره وتطويره
من دون
الإجحاف بحق
اللون القديم
أو الكلاسي
بما يحتفظ
بوجوده
وبخصوصيته
ولكن بما لا يمنع
من توظيف
التراثيات
ذاتها في إطار
تعبيري
يستجيب
لزمننا ويصدر
عنه بإبداعات
مناسبة
ملائمة..
لقد
غنى المقام
العراقي
للفرح وغنى
السنطور والقانون
والعود وكل
آلاتنا
الأخرى
للمسرات
ولأيام العمل
ووقائع
الانتصار
والبناء ولفعل
الزراعة
والحصاد في
بلاد السواد
أو الثروة
النباتية
الزراعية
بتفاصيلها..
وما علينا
اليوم إلا منح
تلك الأغنية
وتلكم الآلات
لفرصها
الإبداعية
المطلوبة لكي
تعبِّر عن
جديد
واقعنا
فالجيل الذي
يحتفي بالتراثيات
ما زال حيا
والضرورة
المرتبطة
بدراسة تلك
الفنون ما
زالت قوية
ولازمة..
كما
إنّ تفعيل
الأغنية
التراثية
سيكون له انعكاساته
التربوية على
مستويي
الذائقة
والأخلاق وما
ينجم عنهما
ويرتبط بهما
من حياتنا
الإنسانية..
فضلا عن تقديم
الجذور
بوصفها
منطلقا
تأسيسيا
مقبولا إن لم
نقل متينا
وقويا
للحاضر..
وسيجري التعريف
بالقيم
الروحية
الثقافية
الجمالية لشعوب
وادي الخير
والنماء
للأجيال
الجديدة بعد أنْ
طمس تراثنا
الغنائي
الموسيقي عن
عمد وتشويه من
قبل طاغية
الأمس القريب
وأبواقه
الزاعقة..
هنا
تسجل هذه
القراءة
السريعة
ضرورة البدء بمشروعنا
الوطني
بتنوعاته
وألوانه
وأطيافه وتحقيق
دعم جدي
لمؤسسة
تراثية فاعلة
ومنحها الاهتمام
الكافي من
الدرس والبحث
والانتاج الإبداعي..
مثلها في ذلك
مثل بقية
فنوننا
الجديدة التي
تحاول إعلاء
صوتها في زمن
السوق وفلسفة
التشييئ
والقدرات
الانتاجية
الموجهة إلى
ميادين
بعينها..
وبالعودة
إلى أغنيتنا
المعاصرة
فإننا سنجد بقايا
قدرات مؤسسات
زمن الطاغية
مع وجود مسروقات
ثروتنا
الغنائية
والمادية بوصفها
أرضية
لمواصلة
إنتاج غنائي
موسيقي من نمط
التراخي
المرضي
المشوِّه أو
المبتذِل لقيمنا
الفنية
الجمالية
العالية
لأنَّه يستند إلى
فلسفة
المستغلين
الطغاة من جهة
وإلى ما يتساوق
معه من أغاني
الهبوط في زمن
كل شئ مباح طالما
خضع للبيع
والشراء
وامتهنَّ
الإنسان وأهانه..
كما
نجد محاولات
اختراق
بتصنيع [نجوم]
عراقية ولكنها
على النهج
ذاته لما يدخل
في سوق ما يُسمى
العولمة خطأ
وهو في
الحقيقة ليس
أكثر من عولمة
فلسفة
الرأسمال
الاستغلالي
فلسفة
التشييئ
تشييئ
الإنسان
وعرضه للبيع
كما كان يحصل
زمن العبودية
ما قبل
الاقطاعية
التي ولّت
وتحاول
العودة بطرق
جديدة..
والسؤوال هو ما
دورنا في
تحديد [النجم]
العراقي..
هنا
ستكون العودة
إلى تعزيز
الهوية
الغنائية أو
الشخصية
العراقية في
الأغنية مهمة
تستند إلى
أرضية فاعلة
من النشاط
الجدي في مجال
الفن
والجمال.. وبأمل
قراءة متأنية
أخرى ومفصلة
نضع التساؤلات
الآتية
مفتاحا
للدارسين
المتخصصين
عساهم
يفعِّلون
بحثهمخ
ودأبهم بالخصوص:
فمتى
نجد
مهرجاناتنا؟
التراثية
والمعاصرة الحداثية؟
ومتى وكيف
ستظهر
أغنيتنا
بقيمها المصححة
الصحية
الصحيحة؟
ومتى يكون لنا
نجومنا
المعبرين عن
همومنا
أتراحنا
وأفراحنا بما
لايضعنا من
جديد على سكة
السلبية؟
ومتى تُدعم
الجهود الفردية
لفنانينا
الكبار وهم
يحاولون تقديم
إبداعاتهم في
غرباتهم
البعيدة
مكانا الساكنة
في القلوب
وجعا وألما
منتظرة
تحولها إلى فرح
وأغنية طرب
وسرور وحياة؟
خاص
بإيلاف\
الثقافة