انعقد في باريس مهرجان التضامن مع الثقافة والمثقف في العراق للمدة من السادس عشر حتى الثامن عشر من أيلول سبتمبر 2011. وقد تضمن المهرجان حزمة من الأنشطة الفكرية والأدبية والفنية حيث تم الافتتاح بمحاضرة للمفكر العراقي البروفيسور الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي عن ((خطاب الثقافة العراقية الأزمة والتطلعات)) صبيحة الجمعة 16 أيلول ثم توالت مفردات المهرجان من أنشطة أدبية وشعرية وغناسيقية وتشكيلية ومسرحية وسينمائية.. وقد حضر المهرجان العشرات من الشخصيات العراقية الثقافية والسياسية فضلا عن مئات من جمهور جالياتنا من مختلف المهاجر الأوروبية وآلاف الزوار من جمهور مهرجان "الإنسانية" في باريس. وقد صدر في نهاية المهرجان بيان ختامي بعدد من اللغات هي العربية والكوردية والأنجليزية والفرنسية.. وتجدون هنا في أدناه النص الذي تمّ إعداده للمحاضرة التي شهدت تفاصيل وحوارات أخرى وتفاعلات مع المحاضر تركز بعضها على دور اليسار الديموقراطي وعلاقته بالمثقف كان أبرز ما أكده المحاضر أن خطابه ومحاضرته لا تتطرق للإجرائي المحدود بالآنية وبالتجاريب الموضعية بهذا البلد أو ذاك ولكنه يعالج أسئلة الثقافة والرؤى الاستراتيجية التي يُفتقر إليها اليوم.. ولتعميم الفائدة، سيتم نشر التسجيل الصوتي والمرئي في الموقع الرسمي للدكتور الآلوسي قريبا SOMERIAN-SLATES.COM:
سؤال الثقافة يرافق دائما مدنية الحضارة البشرية.. ومن هنا فهي رديفة مع موئل تلك الحضارة الأول حيث سومر العراق القديم وتراث الإنسانية الخالد في وادي الزرع والنماء في وادي الرافدين.. اليوم بتنا مع وضوح في تعريف الثقافة وفهم مصطلحها ولكن حالات الخلط والتشويش تأتي بقصدية لأغراض مبيتة من التضليل. فنحن على سبيل المثال نلاحظ خلطا عجيبا بين الثقافي والسياسي أو فصلا بينهما يوقعهما في التعارض والتقاطع أو التناقض وهو ما لا يمكن قبوله في قراءة معجمية للاصطلاح وفي قراءة مفهومية ناضجة له...
تعود ولادة مصطلح الثقافة إلى رحم عملية تشذيب مسيرة البشرية وانتقالها من عالم الغاب والوحشية إلى عالم التمدن والحضارة.. ومع ولادة الاستقرار ونشوء مجتمع القرية الزراعي وتطوره نحو ولادة دولة المدينة وحضارة الإنسان الجديدة ولدت فكرة الرديف الروحي للزراعة ممثلا في زراعة الروح الإنساني والعناية به وتهذيبه وفي النماء والتشذيب في سلوكياته والتسامي في نزعاته وطبيعته..
وبهذا اقترن أمر ولادة الثقافة ونموها في بنية الإنسان وسلوكه وصياغة رؤاه وطريقة تفكيره بتحولات أشبه بالعناية بالنبات أو بتقويم الطبيعة المحيطة.. فإذا كانت حضارة المدينة هي مجمل المنجز البشري الجمعي في شؤون العلوم والآداب والفنون والنظم المؤسساتية الموظفة فإنَّ جملة المسيِّر المتحكم بكل ذلك لن يكون إلا الثقافة بمعناها الأوسع الأشمل.. ولأن التحضر والتمدن يعني رفض العيش الطبيعي البوهيمي والفطرية المنتمية إليه فإنَّ المنقذ في الأمر والمعالج هو الثقافة... وعليه فالثقافة من هذه الناحية تبقى موضع المنظور الإيجابي الطابع والجوهر في الأداء والتناول حياتيا أو إنسانيا... وهي ليست تعويضا لنقص بالوصف المرضي لحالة التطور البشري بل هي عملية بناء واستكمال إيجابي عبر ديمومتها وتواصل فاعليتها المنتجة (الخالقة) المبدعة..
وهذا ما يمنح الحق الأكيد في أن تكون الشعوب النامية هي الأخرى تمتلك ثقافتها ووسائلها الثقافية المناسبة للعمل والبناء والعيش المؤنسن الصحيح.. ولا يمكن لأحد أن يلغي الأعراف والقيم والسلوكيات المخصوصة بمجتمع بعينه (أيا كان موقعه في سلم التطور) بوصف تلك القيم والسلوكيات جوهرا ثقافيا جمعيا؛ لا يمكن إلغاؤه لأن طرفا ما يختلف معه أو يراه آخرا نسبة لوجود بعينه كما لا يمكننا أن نضع مركزا استبداديا يصادرنا جميعا كوننا في افتراضه أطراف هامشية.. وهذه المسألة المهمة تشير إلى مفاهيم تنوع الثقافات وتفاعلها الإيجابي البناء وتعادل حقوق وجودها الإنساني ومسيرة تطورها من دون مصادرات وتدخلات اتلافية خارجية، مع الاعتداد بوحدة مسار البشرية الثقافي بوجهه العام..
وتوكيدا فإنَّ الثقافة تعني زراعة القيم الأفضل بالتعارض مع ترك العفوية الفطرية والعشوائية الطبيعية والاعتباطية في طرائق العيش. إنها مجموعة الظواهر التي نرصدها في العادات والمعتقدات وأشكال التنظيم الفردي والجمعي. بمستوى الارتقاء الفكري الروحي بالإنسان والعمل لتحقيق الكمال في مجالات القيم الروحية الأخلاقية والجمالية لمحو قبح مثالب النظم الاجتماعية وثغراتها العائدة لنفعية سلبية لنظم الاستغلال المادية على وجه التحديد التي تحاكي الغرائزي والطبيعي المسطِّح المفرِّغ للقيم الروحية، اللاهث خلف جماليات القبح الساذجة.. والثقافة من بعد هي:
1. المركب الذي يشمل المعرفة الإنسانية وتراكمها والقيم الأخلاقية والقوانين والأعراف والمعتقدات ومنتجات الآداب والفنون وجملة الإمكانات والعادات الموجهة لسلوك أبناء مجتمع بعينه.
2. والثقافة تشكل الخاصية الأساس لوحدة أسلوب الحياة والسلوك الجمعي المؤنسن.
3. فيما تمثل تاريخيا عامل التقاليد أو الإرث التراكمي والوليد الجديد الذي سيؤسس للتالي أيضا.
4. وهي عملية تربوية نفسية من جهة اكتسابها وتعلمها وتناقلها وتفاعلها ما يمنحها قدرة التكيف والتبني العائدة لخصائص الإنسان الفرد والجماعة..
5. على أنه من المهم دوما مع حال الاعتراف بالتنوع والثراء في الثقافات أن نعود إلى القواسم المشتركة إنسانيا لطابع تطورها جذورا وولادة ومستقبلا وتطلعا بشريا موحدا.. فالثقافة توجه روحي للسيطرة على الطبيعي العشوائي وتدعيم القيمي الجمعي المشترك للوجود الإنساني حيث الأصل الاجتماعي لتلك القيم والأعراف والتقاليد المكوِّنة للثقافة...
6. والثقافة بهذا تنبني على السلوك البشري ومحدداته وشروط نموه وتطوره عندما يستقر وينتظم جمعيا في وجود إنساني مشترك معين... وكذلك على ما ينجم من نتاجات عن هذا السلوك الإنساني مما يبدعه ويخلقه خدمة لجماليات حياته وتهذيبا لها... وعليه فمما تعنيه الثقافة توكيدا هي مغادرة السلوك الغرائزي الطبيعي البحت وولوج عالم التعلّم والاكتساب التراكمي للمعارف والسلوكيات والأعراف..
ولابد هنا من التذكير أنه بالإشارة إلى عامل التراكم نشير بوضوح إلى عامل الترابط بين حلقات التطور المعرفي واكتساب التطور التصاعدي المتنامي في التجربة الإنسانية الفردية والجمعية.. وهي السمة التوليدية التي تساعد الإنسان في مسيرته التربوية الثقافية..على أنَّ هذا لا يعني وجود ثقافة واحدة هي الثقافة الإنسانية ثابتة التطور مفتوحته بل هناك ثقافة ندعوها الثقافة المغلقة الجامدة بمقابل الثقافة الحركية المفتوحة التي نتحدث عنها وإشارتنا هنا إلى أشباح؛ شكلا تسمى ثقافة ولكنها آلية يستغلق بها منطق الإنسان والقصد بالتحديد أولئك الذين يريدون السطو على مجتمعات التخلف تحت هذه الفلسفة العقيمة...
ولكن، ستبقى الثقافة الإنسانية بجميع تعريفاتها مميزة بنشاطها المتحرر للنخبة المبدعة التي تمثل المولِّد الأساس لنماذج السلوك والمؤكدة لقيم بعينها تتعمد في الوجود الجمعي للمجتمع الإنساني. إنَّ هذه النخبة هي التي ستضع محددات العلاقات المجتمعية العامة سواء منها السياسية أم الإقتصادية أم الاجتماعية بالمعنى الواسع للكلمة مع الحذر من سطوة الكهنوت الديني وأثره السلبي كما حصل في أوروبا القروسطية والاستبدال بفرض أشباح ما اسميناه تجاوزا الثقافة المغلقة.
وفي ضوء هذه العجالة في قراءتنا نؤكد أن أية مؤسسة ثقافية ومؤتمر للثقافة العراقية الجديدة يلزمه أن يتضمن عناصرها التأسيسية ويوسِّع من حاملي رايته بالانفتاح على جهات الخلق الثقافي المادية والروحية أي بعضوية الأكاديميين التكنوقراط إلى جانب طرفي الإبداع النخبة المميزة بحجم خبراتها وتميّز نتاجها الإبداعي الأدبي والفني الجماليين وجمهور من مبدعي الثقافة وهم يضعون أرجلهم على أول السلَّم مشاركين في المنتج الثقافي ومساره لأن عامل استبعاد الأول أي الأكاديمي يوقعنا في ضائقة جدية مع عمليات البناء الحقة التي نحتاجها لتكون برحابة كافية لمنح فرص الإبداع و استبعاد القوى الأخرى [منتجي الإبداعين الأدبي والفني بتنوعاتهما] يعني وضعهم في خانة سلبية في توكيد مسار الثقافة ومحيطها الحقيقي وبعزل صفوة الثقافة نقع في مأزق الابتعاد عن التأثير في مرحلة يقودها تيار يحتاج لجهود جدية بعيدة لإعادة مسار خلق جماليات حياتنا بعد مآزق قبح المشهد القاسي الذي أحاط بالتغير في العراق..
الثقافة والمجتمع؟ والثقافة والسلطة؟
في المجتمع العراقي هناك قيم متأصلة باحترام العلم والمعلم.. وبتقديس دور الحكيم والعالم. وهناك اعتداد بمكانة التكنوقراط وكذلك يشيع الشعر في المجتمع العراقي ويعيش الشاعر في محيط يتناغم وموسيقا أدائه الأدبي مثلما يتحاور في مضامين إبداعه وقيمه.. ولقد أعلى المجتمع من مكانة النخبة الثقافية وسما بقيم الاحترام تجاه العقل الوطني.. ومن هنا كان التفاف أوسع جمهور للفئات الفقيرة في المجتمع حول حركات شعبية اتسمت بثقافتها وباهتمامها بالمثقف عالما متخصصا أو مبدعا أديبا أو فنانا، وجاء هذا من حس شعبي حريص على التفاعل مع من يحمل مشاعل التنوير فكرا وثقافة...
وما زال العراقيون يشيرون إلى اليسار العراقي كونه ممثل الثقافة والنخب الثقافية. مثلما تجد جمهور الأغنية والمعزوفة والأنشودة واللوحة والفلم يتمسك بجوهر ما يقدم في سلوكه حتى أن المظاهرات والانتفاضات السياسية والاجتماعية العريضة كانت تنطلق من قاعات المسرح بعد عروض تلهب حماسة الجماهير.. ويهمني قبيل الانتقال للعلاقة بين الثقافة والسلطة أن أؤشر دورا مقبولا لرأسالمال العراقي في تبني مشروعات ثقافية ودعمها والتفاعل معها وإن بقي محاصرا لدواعي ليست بالضرورة عائدة لطبيعته وكينونة تفكيره...
بمقابل هذه العلاقة بين المواطن البسيط والثقافة والمثقف، أدركت السلطة أن التنوير الفكري هو أحد أبرز ما يهدد سلوكها القمعي الاستغلالي.. ومن هنا فلطالما وجدنا تعارضا بين المثقف ومنتـَجه وبين السلطة وسلوكها وإجراءاتها تجاه خطاب الثقافة..
لقد ابتكرت السلطة الكهنوتية أسلوبين في محاولة السطو على العقلين الفردي والجمعي.. فمن جهة عملت على اختراق الوعي بفلسفة التسطيح حيث استلاب الإرادة وحظر التفكير إيجابا وجعل المواطن مجرد متلق سلبي لتستتبع هذا بالتالي من أساليبها كل ما يقوم على التكفير والإرهاب الديني بالتحذير من منع الجنة و وقف رضا الله الذي تدعي النيابة عنه في الحياة البشرية عمّن يخرج عليها ونواهيها.. وطبعا هذا يقطع الطريق على أية حالة لإقامة الصلة بين الإنسان البسيط والمثقف التنويري... على أننا لا ننسى أن للسلطة الدينية أدوات قمع عنفية ممثلة بالميليشيات وأشقياء البلطجة والتخويف عند الاقتضاء استكمالا لغسيل الأدمغة وغرس البدائل البائسة مما أسميناه الثقافة المغلقة أو ثقافة التخلف التي تستلب إرادة التفكير وإعماله إيجابا...
أما السلطة السياسية فهي موجودة بقدراتها المهولة على إدارة كثير من الوسائل ضد المواطن العادي وصلته بالثقافة.. فهي ترهب الناس عبر مطاردة قمعية مباشرة للمثقف من اعتقالات ومطاردات وأشكال التضييق والحرب التي تخوضها ضد الثقافة والمثقف، بل ضد العقل الوطني و أي منتج له.
إن تحالف السلطتين السياسية والكهنوتية يقوم اليوم على هدف مباشر في تدمير البنى الثقافية وتخريبها بشتى الوسائل التي تمتلكها..
لنلاحظ أولا سيادة أشكال الجدران والحجابات أو الأسوار التي تقطِّع أوصال المجتمع وتفرض عليه القيود وتضعه حبيس سجون فكرية سلوكية ثقافية مريضة، وأول ضحايا هذا الحجب هي المرأة العراقية فنصف المجتمع معطل بالسلطتين الدينية السياسية المتحكمة بالمشهد وبفرض قيم المجتمع الذكوري في الثقافة العامة.. وليس القصد هنا بإشارتنا موقف أي دين من المرأة بل موقف رجال الدين [المزيفين تحديدا] منها وفروضهم الوهمية المزعومة عليها... إن هذا أول تخريب في ثقافة المجتمع العراقي المتفتحة وفرض قيود لطالما عطَّلت نصف المجتمع!
من جهة أخرى فإنّ الدين الراديكالي المتشدد يواصل مسيرة إرهاب المجتمع وإشاعة سلطة الخرافة والأسطرة بما يجعل ثقافة الخطاب البياني وآلياته تسود لتهيِّئ فرص السطو على الرأي العام يساعد في تلك الحرب الشعواء أجهزة الإعلام الخاضعة لسلطتهم وما يضخونه من خطاب للتخلف وفلسفته وثقافته..
إنّ الأداة الأخطر في المعادلة هي طغيان دكتاتورية سلطة سياسية تلتحف الدين غطاء تتستر به وهي سلطة تعقد تحالفها الاستراتيجي مع مرجعيات [هي في الغالب] مهيأة لأدوار مرسومة سياسيا لا علاقة لها بالدين سوى من جهة التضليل فكريا ثقافيا وإشاعة ظلام التخلف بما يكفل لها فرصا للبقاء وممارسة أدوار الفساد ونهب الثروات وإن تطلب الأمر الغرق في جرائم تصفية دموية بشعة...
لاحظوا هنا على سبيل المثال اغتيال كل من كامل شياع الذي مضت سنوات ولم يتم الكشف عن الجناة وها هي جريمة أخرى تقع بتصفية لمسرحي وإعلامي وأحد أبرز منظمي التظاهرات الاحتجاجية ضد الطائفية والفساد والإرهاب وهم بلا حياء يلمحون لتوجيه الجريمة باتهام أصدقائه ورفاقه! وهنا تحديدا نطالب بوجود تحقيق دولي بالخصوص لأن ترك الأمور بيد سلطة الدم والقتل سيعني محو أي شكل و أي مساحة لنشاط الثقافة والمثقفين دع عنك آلاف العلماء من دون أن يتضح ذاك الشبح الذي يقتل ويختفي بلا حسيب ولا رقيب..
مؤسسات الثقافة تختنق ويجري تصفيتها
فمؤسسات التعليم لا يجري تخريب مهامها في التدريس والتعليم العام والعالي حسب بل يجري تفريغها أيضا من مهام الارتباط بالمجتمع وخدمته بخاصة في مجال التنوير والوعي والثقافة حيث إعدام المكتبة وكل أشكال الأنشطة اللاصفية التي تصب في مجال الغنى الثقافي من إبداعات أدبية وفنية وعلمية... من جهة أخرى لم يبق للجامعة حرم حيث الاعتداء على كل شيء بل يجري تصفية اتحادات الطلبة وإخضاع تنظميات مشوهة لسلطة البلطجة الحزبية فضلا عن أدلجة على الطريقة الدينية تبدأ بطقسيات التعازي في رياض الأطفال ولا تنتهي بأشكال استخدام تلك الطقسيات في الجامعة دع عنك مأساة الاختطاف والابتزاز والاغتيالات التي طاولت آلاف الأساتذة والعلماء [على الرغم من حملات التضامن والإدانة التي تتطلب التفعيل]..
المكتبات المحلية والمركزية والوطنية تمّ إحراقها وإتلاف ما تبقى وضخ الكتب الظلامية بديلا عن المصادر العلمية وربما مخطوطات تنويرية من زمن ابن رشد أكثر تقدما وأعظم مكانة من ترهات وخزعبلات تعتلي أرفف المكتبات - إن وُجِدت المكتبة - ولا رواد هنا بسبب من ظروف وواقع معروف اليوم...
ثقافة المعمار مخربة لأن المدن الأهم كالعاصمة بغداد لا طرقات ولا ميادين ولا ساحات ولا عمارة سوى الخراب والمطبات التي صنعتها التفجيرات وتلك التي لم تطلها عمدوا لوضع الحواجز الكونكريتية فيها ماذا ترى العين سوى المياه الآسنة ومدن الخراب؟ أين جماليات التشكيل والعمارة؟ السؤال لمن ينهب المليارات وهو معروف ولا يحاسَب...
ثقافة البستنة والخضرة حيث لا منطقة خضراء سوى المنطقة المحمية المعزولة وثقافة وادي الرافدين وما بين النهرين باتت ثقافة الأرض اليباب فلقد استكملوا ما بدأه الطاغية عندما جفف الأهوار وهم اليوم يجففون الأنهار وليس من يطالب بحق العراقيين في مياههم وأنهارهم...
ثقافة البيئة وثقافة الطفل مفرغة معدومة...
وثقافة المجتمع المدني من الماضي السحيق يوم كان وجود الحركات الأدبية والفنية والنقابية والاتحادات والمنظمات الاجتماعية والسياسية مؤشر رقي الوعي الشعبي وتقدمه لمستويات التعاطي مع الدولة المعاصرة، باتت اليوم ثقافة الميليشيا والمنظمة المعسكرة بالعنف والسلاح...
ومن هنا كانت
المعركة الجديدة
في ظل
التطورات
المعاصرة في
تركيز القوى
الدخيلة على
عراق الحداثة
تكمن في قمع أجهزة
التعليم
وتخريب هذه
الأجهزة
العلمية سواء
منها
المدرسية
والجامعية أم
الممثلة بالمكتبة
والاتصال
المعرفي
وأبعد من ذلك
خيضت معارك
مهمة وكبيرة
وبطرائق
مختلفة ضد
الحركة الفنية
والمسرحية
تحديدا
بمحاولات تشويه
المسرح أو
محاولة
إفراغه من
محتواه
ومهامه وظلت
أعمال
التخريب في
الوعي الشعبي
من جهة محاولات
العبث به؛
فتارة
باختلاق
التندر والتنكيت
الذي يذكي
السخرية من
أطياف عراقية
أو أية فقرات
تحاول تهشيم
جسور العلائق
بين مكونات
الشعب وضرب
خطاب التسامح
وسمات
الإيجاب بين
الشعب وأطيافه
ومكوناته..
وهو عبث على
مستوى
الثقافة
تحديدا..
إنَّ من بين أخطر ما قامت به القوى المعادية للشخصية الإنسانية المتفتحة في الهوية العراقية ومنطقها العقلي المتفتح هي مسألة تخريب ذهنية العمل المؤسساتي وتعزيز قيم الفعل الفردي العزلوي التقسيمي وتفعيل دور الشللية المرضية بدل الحركات الفكرية والأدبية السليمة...وكان للمحاولات العدائية تلك نصيبها من تسيّد المشهد بفعل إفراغ مؤسسات الدولة والمجتمع من قيمها الإيجابية الحقة وتجييرها لمؤسسات حراسة وخدمة للنظام القمعي الذي طارد كل ما هو ثقافي ومعرفي وعقلي إنساني الجوهر...
ماذا تبقـَّى للشعب بعد ذلك وكيف الخروج من تلك المعركة؟
الإجابة ستوحي بتوصيف حاضرنا الثقافي ومستقبلنا أيضا... إننا اليوم في حال من أزمات جدية بمقابل مشهد دموي تصفوي قمعي من الإرهاب المنظم والانفلاتات الأمنية السائدة.. ولا تعايش بين فقدان الاستقرار وبين الثقافة.. ولا تعايش بين حياة العزلة والفردنة وبين الثقافة... ولا تعايش بين الثقافة وبين تردي التنظيمات الخاصة بها من نقابات وروابط واتحادات ومن تجمعات فنية وأدبية ومعرفية ومن مؤسسات أكاديمية ومعاهد علمية..
ومشكلتنا الأولى اليوم هي في آلية بناء المؤسسة الصحيحة تعليميا وإعادة الثروة الوطنية من مكتبة مدمرة محروقة مبادة ومن معالم فنية وآثار جرى استكمال النهب فيها ومعروفة جريمة سرقة متحف تراث الإنسانية ىالمتحف العراقي ببغداد ولابد من أجل الحل من إحياء حركة جدية فاعلة لتمكين الشعب من تراثه وثروته الغنية بعيدا عن التسطيح القائم على الطقسية الدينية البحتة والإيقونية التقديسية الجامدة والانتقال من منطق التفكير الأسطوري المرضي المستلِب لمنطق التفكير العقلي العلمي...
إنَّ
استمرار
تداعيات
التفريغ
والتسطيح واستمرار
العبث بحركة
الثقافة
واختراقها
وتجييرها
ومحاصرتها واستلابها
الحرية
الحقيقية
للفعل
والانتاج، لأمر
من الخطورة
بمكان؛ يظل
يهدد لا
حاضرنا المباشر
بل ومستقبلنا
القريب والبعيد..
كما أن بقاء
حال الشرذمة
وانقسام حركة
الثقافة
وتشظيها في
تجمعات عليلة
أو شلل مرضية
بديلا
للروابط الفاعلة
هو الآخر
سيمثل ضربة في
مقتل من وجودنا
العراقي
الصميم...
وسيأتي يوم
يتحدث فيه
أناس عن وجود
تاريخي لنا
وانمحاق
معاصر لغدنا
حتى لا يكون
لنا من وجود
إلا مسمى في
كتب التاريخ،
وما لجيلنا أن
يكون ممثلا
لمرحلة القطع
بين نهر
التاريخ
القديم
والوسيط
والمعاصر وبين
الغد القادم
لأنه جيل يعي
ما يدور حوله
ولكن عليه ألا
يكتفي بوعي
الظاهرة
وقراءتها أو
تفسيرها بل
ينبغي ويجب أن
يتصدى
للتغيير
والفعل الحق...
إنَّ أنشطة رائعة ومهمة تجري على المستوى الفردي والتراكم العام يتجه إيجابيا؛ وما تبقى سوى تحويل هذا التراكم الكمي المتعدد المتنوع إلى حصيلة نوعية موحدة تُعلي من شأن حركة الثقافة العراقية مؤسساتيا وجمعيا مؤثرين بذلك على خط السير العام للمجتمع ولتقاليده..ومقاييسنا هنا تتعدد فمثلا سطوة التفكير الأسطوري ومنطقه أو الديني الطقسي السطحي يعني أن حركة الثقافة ما زالت أضعف من التأثير والتقدم على السياسي القمعي ودوره في توجيه ذهن المجتمع في غالبيته.. والثقافة لا ينبغي أن تنتظر القرار السياسي وإن كانت تتبادل التأثير معه..علينا أن نعرف مدخلات القرار المنتظر وآلية تحقيقه وكسبه كيما نسطيع تعزيز قدرات حركة الثقافة من أول الطريق ممثلا في الفعاليات الأولية الابتدائية وحتى كبريات الأمور فيه من إقامة مهرجان واحتفالية وكرنفال شعبي وحتى التجمعات الأدبية والشعرية والفنية وما يوسع من اتصال المنتج الثقافي بالمواطن العراقي ويمنحه فرصته في غذاء الروح...
ولعلي هنا أرى
لمعالجة
الشأن
الثقافي
العراقي بضع
تصورات
مقترحة تقبل المناقشة
والحوار
الأوسع في هذا
الميدان
المهم
والحيوي:
1. فأولا لابد من معالجة الخروقات في تولي مسؤوليات الثقافة في مؤسسات الدولة من شخوص كثيرا ما كانوا بلا كفاءة أو بلا قناعة إيجابية بالجوهر الإنساني التنويري للثقافة أو حتى كونهم في حقيقة وجودهم دخلاء بقصد التخريب المتعمد؛ وهو ما يحيلنا ايضا إلى مسألة مكافحة تسلل الفساد إلى هذا الميدان الأهم في حياة الشعب والوطن..
2. تفعيل وجود الروابط والاتحادات وتنسيق العلائق فيما بينها وتطهيرها من أمراض الفردنة والشللية ودعم تلك المؤسسات الجمعية تنظيميا وماديا بما يتيح فرص الأداء الأنجع والنظر للمتاح وعدم الركون للسكون واليأس من حال المراوحة والتراجع أحيانا..
3. إيجاد المسابقات والمنافسات والجوائز التشجيعية الوطنية والمحلية على مستوى الانتاج بإطار هويات الطيف العراقي من المنتج في لغات حية كالكوردية والسريانية والتركمانية وغيرها ولابد اليوم لنا من جائزة وطنية بمستوى دولي ربما بمسمى جائزة سومر للآداب والفنون والثقافة...
4. العناية بثقافة تعددية وخطاباتها وتعزيز مساحة الدعم لمؤسسات الثقافة المحلية في المحافظات والأقاليم العراقية وكذلك تحديدا في اللغات العراقية المتعددة في إطار خصوصيات الهوية للمجموعات القومية والدينية كافة وبلا استثناءات أو تهميش أو تجيير ومتاجرة فارغة.. وانعقاد مؤتمرات بحثية دورية بالخصوص...
5. تحديث مؤسسة التعليم الأولي والعالي وإدخال أنماط التعليم الأحدث من مثل التعليم الألكتروني ومن الطبيعي الإشارة لإشكالية المناهج والخطاب التنويري ومنع تشويه خطاب التعليم بتسييسه أو بغير ذلك من تدخلات مرضية وإطلاق مجالات البحث والأنشطة الثقافية في إطارها...
6. تحديث المكتبة واستعادة مكانتها وإدخال التكنولوجيا الأحدث والاتصال الأهم مع مثيلاتها عالميا... مثل مشروع المكتية الوطنية الذي يضم المعارف منذ سومر الحضارة ومرورا بدار الحكمة البغدادية وحتى آخر عمل مكتبي متخصص عالميا مما نأمل أن يتاح لنا وضعه بين أيدي جمهور المعرفة والخبرة والثقافة...
7. عناية بمستوى نوعي جديد بالتراث وبالآثار واستحداث استراتيجيات في إطار شامل للثقافة العراقية، على أن قضية الآثار المنهوبة تبقى قضية جوهرية ويبقى أيضا أمر إحياء المواقع الأثرية منعتقا من النواهي والمحظورات الطارئة وغير الموضوعية كما هو الحال مع العوامل الدينية والمواقف المسبقة فيها...
8. التنسيق مع المنظمات الدولية والإقليمية المختصة بالتربية والثقافة والآداب والفنون وتوظيفها في حملات وطنية واسعة ومهمة...
9. مفاعلة جهدنا بالآخر عبر مهرجانات محلية ومشاركات إقليمية ودولية...
10. العناية بثقافة عراقية مهجرية وبمؤسساتها وربطها بالمنتج المحلي الوطني وعدم التخلي عن منظمات الثقافة وجمعياتها وتجمعات الإبداع أينما كانت ومن دون مسبقات وشروط بيروقراطية أو حكومية أو أجندات حزبية أو فئوية تمثل عارضا مانعا للعناية المؤملة...
11. تفعيل أدوار الفضائيات ووسائل الإعلام وتعزيز القدرات الانتاجية والاتجاه للتلفزة والسينما في مشروعات عملية لانتاج إبداعي ثقافي بدل التصريحات والكلام الذي لا يغني ولا يسمن....
12. وقد كانت محاولتنا أن يكون عام 2011 عاما لتأسيس المجلس الوطني للثقافة وهنا أرى ضرورة مناقشة سبب إهمال الفكرة.. ولابد الآن من التوكيد على صياغة مذكرة بمطلب المجلس الوطني للثقافة موجهة إلى الرئاسات والجهات التنفيذية والتشريعية المعنية.. وهي عمليا موجودة على أن توقع عليها الشخصيات والمنظمات الثقافية كما يجري التنسيق معا وسويا ببرمجة تنظيم وقفات مطلبية دورية مستمرة لحين تلبية المطلب..
13. أن يجري اختيار يوم وطني للثقافة العراقية يكون موعدا للانعقاد الجمعي لأنشطة وطنية الهوية..
14. لكن الأهم اليوم في ملتقانا أن نوجد فرص لقاء وتنسيق مع المحيط الأوروبي والأممي لكي نؤمِّن تضامنا مناسبا نتمكن عبره من مد يد العون لوقف حمامات الدم في بلادنا التي تطاول المثقف والثقافة قبل غيرهم.. وربما تمكنا من ذلك مع مد جسور مشروعات الإبداع الأدبي الفني باتجاه بلادنا ولدينا ذخيرة نوعية كبرى يمكنها أن ترسل بموضوعات الإبداع ما يؤثر في أوضاع الداخل ثقافيا..
وخلاصة
الإجابة عن
تساؤلنا: هل
للثقافة مستقبل
في وطن المجد
الثقافي
السومري؟
تشير إلى أننا
بقدر وجود
ثوابت
استراتيجية
وخطط موضوعية
دقيقة وبقدر
ظهور ثقافة
التنوير
والتسامح
واحترام
الآخر والغنى
في توطيد التعددية
والتنوع يكون
لنا القدر
ذاته من النجاح
والتوفيق
وكسب
المستقبل
بروح إيجابي بناء
أنقى وأفضل...
وللهمِّ
الثقافي أن
يعلي صوته
بانه أزلي
أبدي مع وجود
الناس ومنطقهم
العقلي
المدني...........