قانون الانتخابات بين الحقيقة والادعاء
أ.د. تيسير عبدالجبار الآلوسي
باحث أكاديمي في العلوم السياسية
رئيس جامعة ابن رشد في هولندا
حان وقت الانتخابات التشريعية الجديدة مذكرا في بعض مجرياته اليوم بتلك العجالات التي فرضت خطابا بعينه على نتائجها في المرات السابقة.. تلك النتائج التي باتت مرفوضة من المواطن العراقي سواء في الشؤون الخدمية أم في شؤون تطمين الخطط الاستراتيجية لإعادة العراق لأهله واحترام مكوناته وأطيافه وإعادة الحقوق كاملة على أساس من المساواة والعدل.. وبمراجعة أولية سريعة سنجد التباطؤ والعزوف عن استيفاء إجراءات المرحلة السابقة وسنّ التشريعات القانونية واستكمال المؤسسات الدستورية ومن ذلكم قضايا الاستفتاء والمادة 140 وإنجاز الإحصاء السكاني والمراجعات التي سجلها الدستور والتوافق الوطني وتطلعات الشعب العراقي..
وبالنتيجة المتحصلة فقد أكد الشعب بتصويته في انتخابات مجالس المحافظات على رفض الخطاب الطائفي الذي تحكم بالبلد، وعلى رفض إعادة برامج الأحزاب الدينية (الطائفية) التي برهنت زعامات فيها لا على بؤس الخطاب وخذلان تطلعات الشعب بل على إمعان في التلاعب بتفسيرات الدستور بما يهضم حقوق المجموعات القومية والدينية وتحجيمها بل مصادرتها وعلى هضم حقوق الفقراء والمنسيين من ملايين العراقيين.. كعزل النساء (وهنّ أكثر من نصف المجتمع) وإضعاف أدوارهن وإرهاب القوى المدنية الوطنية فضلا عن أجواء الانفلات الأمني والتصفيات الدموية الإرهابية ومشاغلة القوى التحررية للمجموعات القومية والدينية بضغوط وأشكال جدل بيزنطي بعيدا عن تنفيذ الاستحقاقات الدستورية..
ومثل هذا لن يتغير بين ليلة وضحاها ولن يتغير (أيضا) لأنه أعلن اسما جديدا لتحالفه أو عنوانا مختلفا لحركته السياسية.. ففلسفة المداهنة والتضليل أو (خطاب التقية) بإعلان أمر وإخفاء آخر لن ينطلي على جمهور الناخبين دع عنك القوى الوطنية الديموقراطية ووعيها النابه لما يحاك للانتخابات. إن وعي الناس بحكاية التسميات ورفضهم لخيار القوى التي تخندقت في برامج جلبت الخراب وماطلت في سن التشريعات والقوانين وفي تنفيذ الاستحقاقات، سيجد هذا الوعي تعرفا دقيقا لحكاية اختلاق الذرائع في التسويف الجديد بشأن سنّ قانون الانتخابات..
ومن ذلك ترحيل السبب الحقيقي لهذا التسويف وإلقائه على عاتق قضية كركوك وعلى مواقف القيادة الكوردية.. فبمراجعة للأمر يمكن التأكد من المواقف الصريحة هنا في إقرار القائمة المفتوحة التي ظلت وسيلة بيد القوى الطائفية وبالون اختبار عبر تصريحات الــ مع والضد فيما هي تخفي أمرَي خشيتها من هذه القائمة ومحاولتها المماطلة لمآرب أخرى!
على أنها تحضّر بالتأكيد في مناوراتها الانتخابية أن تحصد تضليلا لصالح كسب أصوات انتخابية هي متأكدة من فقدانها خارج تلك التكتيكات. وبعيدا عن مثل هذه الصراعات الحزبية الفئوية التي يراد للحوارات أن تحصر فيها.. يبقى المواطن بحاجة لمخرج من المآزق التي وضعوه فيها..
وتلك الحلول تكمن في الإقرار بالتوصيات الدستورية وواجب تنفيذها في أسقف زمنية مناسبة لتطمين المعالجة النهائية وبمعزل عن تأخير إقرار قانون انتخابي بضمنه قانون جديد للأحزاب يضمن تطمين وتنفيذ الدستور وحقوق جميع المكونات العراقية الاجتماعية (الفئات الضعيفة مهضومة الحقوق) والقومية (المجموعات المصادرة والمتجاوز على حقوقها ووجودها التاريخي والإنساني القائم)..
إنَّ موضوع القلق المفتعل بشأن النوايا يحسمه الالتزام بالنصوص الدستورية واستكمال سنّ القوانين والمؤسسات الدستورية.. ويكفله تعزيز بناء دولة مؤسسات تقررها الإرادة الشعبية لا إرادة الأحزاب وبرامجها التي فُرِضت على البلاد بكيفية فوقية استلبت إرادة القرار الشعبي في كل الحالات التي جرى فيها التجاوز على الأسقف الزمنية والقانونية المقرة المعروفة..
وتجنبا لمزيد من التسويف واحتمال تعريض الوضع لتأجيل انتخابي أو فرض قوانين تتعارض وتطلعات أقسام مهمة ورئيسة من الشعب العراقي كما في المجموعات القومية المتآخية فديراليا ينبغي إصدار عاجل للقانون الانتخابي في ضوء الأمور الرئيسة الآتية:
1. إقرار حاسم وأكيد لموعد الانتخابات المعلن في 16 يناير القابل.
2. اعتماد القائمة المفتوحة واتخاذ القرار الحاسم بالخصوص بعيدا عن المزايدات المعلنة من فريق التحالفات الطائفية بمسمياتها الجديدة والقديمة..
3. تدقيق سجل الناخبين بإشراف لجنة مشتركة من البرلمان والمفوضية مع وجود ملموس للأمم المتحدة وأن يكون ذلك شاملا لمحافظات العراق وليس مقصورا على تمرير الادعاءات بشأن كركوك والاحتماء بخطاب الاتهامات أو التضليل..
4. اللجوء للحلول القانونية الدستورية بخصوص تحديد نسب النواب في البرلمان في ضوء الحجم (السكاني) والمعطيات الإحصائية المحسوبة بدقة..
5. فصل نتائج الانتخابات عمّا أقره الدستور بشأن الحقوق العادلة للمجموعات القومية والمواد القانونية التي تحمي مستقبل بعض المحافظات من احتمالات التغيير بفعل ضغوط لا تحترم الوجود الحقيقي السكاني والهوية التاريخية المعروفة.
وفي ضوء التحول العملي والفعلي لهذا التوجه ستثبت القوى المعنية أنها تخلصت من تكتيكات التسويف والمماطلة ومن استغلال الأمر لمصالح حزبية محدودة أو لتضييع الوقت لمآرب خاصة مخفية ولكنها تشي بوضوح للحصيف والمتمعن بما تنوي عبره من اعتداء على أمور دستورية مقرة ومن ذلك تحديدا على الحقوق الثابتة المكفولة في التشريعين الوطني والدولي.
إن بقاء معضلة التأخير ليست كركوك وهي لا تنحصر بمواقف القيادة الكوردستانية التي أكدت مرارا على التفاعل الإيجابي مع جميع الموضوعات المطروحة للنقاش ولكن التأخير ومعضلته يعود لسلسلة من التسويفات على مدى الأعوام المنصرمة الأمر الذي بات اليوم أرضية يجري الدفع بها والتمترس وراء ذرائعيتها لإلقاء التهم على الآخر ولحصد مكاسب على حساب الحقوق الثابتة وعلى حساب دستورية القوانين وموضوعيتها..
وسيبقى المخرج المناسب هو منع التعاطي مع الأمور من خلفية امتلاك أية جهة صلاحية التأخير أمام مطالب باتت واضحة وبدهية وتنتظر الإقرار والإعلان في أقرب فرصة متاحة.. ويتوقع أن يعيد المجلس السياسي ومجلس الرئاسة القانون للإقرار بإدخال هذه المفردات المتوافق عليها في ضوء دستوريتها وصواب تعبيرها عن مطالب الجميع بقواسم مشتركة صحيحة.. على الرغم من أنها لا تمثل إلا الحدود الدنيا لتطلعات القوى الشعبية ومكونات الطيف العراقي التعددي...