يحل يوم الرابع والعشرين من آذار مارس في كل سنة وعام بوصفه اليوم الدولي لحق معرفة الحقيقة فيما يتعلق بالانتهاكات الجسيمة الصارخة وما يخص امتهان الكرامة وعراقيا يعلو الصوت الحقوقي مجددا من أجل تلبية هذا الحق بوصفه حقا أصيلا مستقلا غير قابل للتصرف بخاصة تجاه ما اُرتُكِب طوال ما يناهز ربع القرن من جرائم اغتيال فردية وجمعية طاولت الحراك السلمي من أجل المطالب والحقوق ومنها مئات وآلاف ضحايا ثورة أكتوبر العراقية ومعها ضحايا السجون السرية والتغييب والإخفاء القسري بعشرات ومئات الآلاف.. إن مطلب الكشف عن الحقيقة سيبقى إلزاما ثابتا حتى تلبيته ما يتطلب موقفا حقوقيا ييتحول لسلسطة الأداء الفعلي المنتج المؤثر ولا يكتفي بالبيانات والتقارير وإلا فإن مجزرة الوحشية ستواصل الإيقاع بضحايا جدد بلا رحمة أو سلطة وقانون يحميهم بخاصة مع تفاقم سطوة سلطة باتت تشرعن لفعالياتها وللتستر على ما يُرتكب من انتهاكات بلا حدود كابحة!! وفي أدناه معالجة موجزة للتذكير ولإطلاق نداء للمجتمع الدولي كي يتخذ القرار المناسب..
الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ولكرامته بين واجب معرفة الحقيقة والكشف عنها وبين إخفاء الجرائم والتعتيم عليها 24 آذار مارس
د. تيسير عبدالجبار الآلوسي
معرفة الحقيقة بكل ما يحيط بالإنسان وقضاياه تبقى إشكالية لا تقف عند فضوله في الكشف عن تلك الحقيقة والتعرف إليها بصورة عامة وبلا تفاصيلها، بل هي أبعد من ذلك وأعمق من ذاك الفضول المعرفي بعموم ما قد يتبدى؛ إذ تصبح معرفة الحقيقة، سبباً في الكشف عن أسرار مسار الإنسان وتمهيد دروب العيش بصورة أنجع هذا من جهة ومن جهة أخرى فإنَّ معرفة الحقيقة عندما تتعلق بالإنسان وقد وقع ضحية تصير مهمة جوهرية لكشف الجناة ومحاسبتهم وتطبيق القوانين بما يردع الجريمة ويوقف إمكانات تكرارها أو استمرار وقوعها..
ومثلما أكدنا في مطلع هذي المعالجة فإنَّ (معرفة الحقيقة بما يتعلق بالانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ولاحترام كرامة الضحايا)، تؤكد المعطيات الاستثنائية المهمة في تشخيص الانتهاكات الجسيمة الصارخة لمجمل الحقوق والحريات ولكل تلك التجاوزات ووقائع الاعتداء على القيم الإنسانية وعلى كرامة البشر ومن ذلك ارتكاب الإعدامات بلا محاكمة والإخفاء القسري وعدم الكشف عن المفقودين والمختطفين وتغييب أثرهم وارتكاب جرائم التعذيب الوحشية بضمنها الاغتصاب وانتهاك الكرامة..
ولعل تشخيص تلك الجرائم ومواضع ارتكابها ووسائل التعتيم عليها ومحاولات إخفائها والكشف عن أدق تفاصيلها هي مهمة ما اختارته الأمم المتحدة من مناسبة سنوية للتذكير بتلك المهمة الجليلة بإطار الدفاع عن الكرامة ومنع الانتهاك وكبح جماح الجريمة والمجرم وتقديمه للعدالة. ولا يكتمل تلبية (حق) معرفة الحقيقة إلا باستكمالها وعرضها من دون نقصان في ما يخص مجمل الوقائع المكشوف عنها، بكل ما أحاط بها من ظروف وتداخلات بضمن ذلك كل من شارك بالانتهاك وما ارتكب جرائمه وما كانت دوافعه وأسباب ارتكابه ونتائجه.
وفي ضوء ذلك فإن كشف الحقيقة هو حق يلبي مهامنا حقوقياً إنسانياً:
- بالنهوض، بمهمة الاحتفاء بذكرى ضحايا الانتهاكات المنهجية الجسيمة لحقوق الإنسان عبر ما سيعرفه المجتمع الإنساني والقضائي منه بهذا الشأن.
- الإشادة بكوكبة الناشطات والنشطاء ممن كرَّس حياته لتعزيز حقوق الإنسان وحمايتها وقدموا أرواحهم قرابين بطريق الحقوق والحريات.
- ولابد من التذكير هنا بأنَّ الحق في معرفة الحقيقة بشأن الانتهاكات الجسيمة للحقوق والحريات هو (حق مستقل غير قابل للتصرف)، يُلزِم الدولة بحماية حقوق الإنسان وضمانها وكفالتها ويوجب إجراء كل التحقيقات المثمرة الفاعلة لضمان تحقيق العدالة وإنصاف الضحايا وتعويضهم ..
- ولابد من النهوض بأفضل الجهود الكفيلة بإعمال الحق في معرفة الحقيقة بصورة فاعلة مثمرة، بخاصة هنا إلزام واجب وحتمي بشأن حماية المحفوظات والسجلات التي تخص الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وتوفير حماية الشهود وكل المعنيين باستكمال إجراء المحاكمات العادلة.
إن إشكالية حق معرفة الحقيقة بهذا المعنى وبالمهام المناطة بيومها الدولي الذي اُختير له يوم 24 آذار مارس من كل عام قد جاءت للإشادة بدور المونسنيور أوسكار أرنولفو روميرو، الذي قُتل في هذا التاريخ من عام 1980في ضوء مساهماته بحيوية ونشاط في إدانة انتهاكات حقوق الإنسان للأفراد الأكثر ضعفا في السلفادور. ومن ثمَّ جاء هذا اليوم للإشادة بأدوار كل المكافحات والمكافحين في الدفاع عن الفئات الهشة المستضعفة الواقعة تحت سطوة البلطجة وعنف القوى المسلحة وتساهل مؤسسات الحكومة تجاه تلكم الانتهاكات الجسيمة..
نشير هنا على سبيل المثال لا الحصر إلى تغافل الدولة ومؤسساتها في العراق عنما تم ارتكابه من تصفيات إجرامية بحق المتظاهرات والمتظاهرين بروح سلمي في العراق في انتفاضة أكتوبر وعلى الرغم من مرور سنوات على تلك الجرائم وانتهاكاتها الحقوق والحريات وامتهانها كرامة مئات آلاف بل ملايين من شارك بتلك الثورة السلمية وإصابة ما ناهز الثلاثين ألف منهن ومنهم بلا رحمة، عدا عمن تم اعتقالها أو اعتقاله أو إخفاؤه وتغييبه..
إنَّ معرفة الحقيقة في بلاد تتحكم بمساحات واسعة منها، ميليشيات وعصابات اتجار بالبشر وفرق موت وقتلة من الذئاب البشرية لا يمكن أن تحمي الفئات الهشة وهو ما نراه في ارتفاع نسب الجريمة وعدم الاستقرار والخشية من المجهول وحال الخنوع لتوجهات تتسيد الشأن العام خوفا من عمليات ثأرية انتقامية لوحشية وجود تلك التشكيلات المسلحة وزهي تشكيلات إرهابية بكل توصيفاتها، بضمنها ظواهر التخفي وراء مصطلحات وشعارات مضللة سواء منها الدينية أم السياسية وهي بالمحصلة استغلال بشع لآليات الدين السياسي ومنظومته..
إن تعداد مئات وآلاف الضحايا ممن تم اغتيالهن واغتيالهم طوال السنوات العجاف أمر كارثي مازال يلطخ المشهد العراقي (الحاكم) بالعار ولم يجرِ حتى يومنا أي كشف عن أية جريمة أو انتهاك..
ومن المحال في ظل سلطة طائفية لكربتوقراط الأكليروس المتأسلم، أن نصل إلى تلبية (حق) التعرف إلى الحقيقة المتكونة من عشرات آلاف المغيبين والمخفيين قسريا وعن عشرات السجون السرية وما تسترت عليه من مقابر جماعية وعن التعذيب في السجون والإعدامات والمحاكمات الصورية وعن الاغتصاب والابتزاز وعن امتهان الكرامة بذريعة تمثيل العصمة والقدسية الإلهية وعن كل الاغتيالات الفردية والجمعية التي وقعت بخلفية الصراعات الميليشياوية مرة والعمل بكنف السلطة في أخرى..
اقتربنا من ربع القرن من سلطة تتخفى بممارسات شكلية لانتخابات ثبت يقينا زورها وتفصيلها على مرام المتمسكين بسلطة مشوهة تشرعن ما يلبي انتهاكاتها مثلما شرعنة اغتصاب الأطفال وتزويجهم قسرا وكرها وهم بعمر الطفولة و\أو القاصرين فضلا عن شرعنة كثير من الأمور التي تمرر الانتهاكات بالمخالفة مع الشرعة الدولية الإنسانية والحقوقية..
إن العراق اليوم بحاجة لتضامن أممي دولي بما يفرض تشكيل لجان تقصي الحقائق والكشف عن الجناة في كل تلك الجرائم ومع أن الشعب وقواه الحية وحركته الحقوقية يدرك الحقيقة إلا أن الكشف عن تلك الحقيقة وتشخيصها بوساطة لجان متخصصة يبقى حق للشعب ويبقى مُلزِماً لكل الأطراف كي ترضخ لإرادة القانون الدولي الإنساني والحقوقي ولكل تلك الاتفاقات التي تتملص منها السلطة بخطاباتها التي تشتت التركيز على الأولويات الصحيحة لإحداث التغيير والشروع بتلبية الالتزامات الحقوقية تجاه الشعب وتجاه ضحاياه وهم ليسوا بأعداد فردية بل بعشرات ومئات آلاف الضحايا ومنهم الناشطات والنشطاء بالحركة الحقوقية بل الحركة الحقوقية اليوم مغيبة قسرا وبألاعيب ليس أقلها إلغاء منظومة العدالة الانتقالية وتشويه مفوضية الحقوق وتعطيل دورها ومصادرة الحركة الحقوقية وفرص عملها..
لابد بعد ذلك من التأكيد على فروق بين الوضع العراقي العام والأوضاع كوردستانيا ولابد من الإشارة إلى تضحيات النشطاء ودفاعهم عن الحقوق وعن حق الاطلاع على المعلومة وكشف الحقيقة وبين من يصادرها أو يواصل العمل على التعتيم والتضليل وإضاعة ملفات الحقيقة واتلافها
إن الحركة الحقوقية العراقية مطالبة بوحدة الجهد والارتقاء لمستويات التحدي والتحول لمنطقة اجتذاب قرارات أممية يمكنها مساندة الفعل المؤثر المثمر أو المنتج للجان تقصي الحقائق والمحاسبة والمقاضاة لكل مرتكبي الجريمة وأيا كانت مواقعهم ومستويات وجودهم بالسلطة حاليا أم طوال ربع القرن الماضي..
إن حق معرفة الحقيقة عراقيا هو مثلما حق كل شعوب العالم ودوله يبقى ملزما لجميع الأطراف المعنية وبعيدا وبصورة مستقلة عن تشويهات وأضاليل أي طرف لندخل بمنطقة الكشف عن كامل الحقيقة بلا نقصان أو تشويه أو أباطيل تضليل ومخادعة.. وهذا ما سيتحقق عاجلا أم آجلا بانتصار الشعب لضحاياه ولمعرفة الحقيقة كاملة.
فعاليات ذات صلة
- اليوم العالمي للعدالة الاجتماعية
- اليوم الدولي لمساندة ضحايا التعذيب
- اليوم العالمي للعمل الإنساني
- اليوم الدولي لإحياء ذكرى ضحايا أعمال العنف القائمة على أساس الدين أو المعتقد
- اليوم الدولي لضحايا الاختفاء القسري
- اليوم الدولي للاعنف
- اليوم الدولي لإنهاء الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين
- اليوم الدولي لمكافحة الفساد
- يوم حقوق الإنسان
- اليوم الدولي للتضامن الإنساني
روابط ذات صلة
مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان
المقال بموقعي الفرعي بالحوار المتمدن زوار الموقع 5308670 إجمالي القراءات
***************************
اضغط على الصورة للانتقال أيضاً إلى موقع ألواح سومرية معاصرة ومعالجاته
********************يمكنكم التسجيل للحصول على ما يُنشر أولا بأول***********************
تيسير عبدالجبار الآلوسي
https://www.facebook.com/alalousiarchive/ تيسير عبدالجبار الآلوسي
سجِّل صداقتك ومتابعتك الصفحة توكيداً لموقف نبيل في تبني أنسنة وجودنا وإعلاء صوت حركةالتنوير والتغيير