من أجل حملة وطنية وأممية لمكافحة التمييز بأشكاله والعنصرية وخطاب الكراهية

أطلقت الأمم المتحدة اتفاقية لمناهضة التمييز العنصري منذ ستين عاماً ولكن المسيرة جابهتها تحديات لم تنتهِ بالضرورة إلى الإيجاب دائما بل وقعت بسقطات وظروف معقدة.. اليوم وبعد تلك العقود بات لازما وحتميا الانتقال إلى مرحلة حسم جديدة تتطلب حملة وطنية وأممية ضد أشكال التمييز بعد أن باتت نُظمٌ عديدة بيئة خصبة لبشاعات استغلالية تقع بخلفية التمييز العنصري وتحظى بجمهور يؤيدها بخلل في الخطاب المعتمد والذي يجري تكريسه بمنطق الكراهية والتمييز بأشكاله!! إنني أطلق اليوم نداءً من أجل المباشرة بحملة مناهضة التمييز عراقيا شرق أوسطيا وعالميا أمميا كي يمكن لقوى المجتمع المعاصر من تجديد قوة الدفع الكفاحي التي تعاظمت في ستينات القرن الماضي لكنها لظروف مبررة تراجعت ووجب تحفيزها مجددا من أجل الأنسنسة والمساواة والكرامة..

في اليوم الدولي لمناهضة التمييز العنصري: العراق وعالمنا المعاصر ومظاهر التمييز والعنصرية وخطاب الكراهية؟

د. تيسير عبدالجبار الآلوسي

مع تعاظم حركة التحرر الوطني عالميا بعد الحرب العالمية الثانية ومن ثمَّ في ستينات القرن الماضي تعاظمت انعكاسات ذاك الكفاح، بإطار القرارات الأممية وتوجهها نحو تمكين الشعوب والمجتمع الإنساني برمته من وسائل الانتصار للعدالة والمساواة والانعتاق والتحرر.. ولعل من أبرز تلك الانعكاسات القرار الأممي المتخذ من الجمعية العامة للأمم المتحدة في 21 كانون الأول \ ديسمبر1965، الذي اعتمد ((الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري)) الذي جاء بموجب القرار 2106 (د-20).

واليوم تمر ستون عاماً على اتفاقية مناهضة العنصرية ومكافحة التمييز حيث اُختير شعار العام الجاري ليؤكد ذلك بنصه القائل: “الذكرى السنوية الستون للاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري”. احتفالا بتلك العقود التي مرت بكل ما جابهها من تعقيدات وظروف كأداء وما قابلها من تحديات وانتصارات لنضال الشعوب والجماعات البشرية التي تمسكت بمبدأ المساواة وتحقيق العدل والتعايش بقيم احترام الآخر وتمجيد التنوع وأخذ الدروس إيجابا بديلا عن وحشية أشكال الاستغلال..

فلقد شكَّلت الاتفاقية الأممية قيمة جدية مؤثرة بمسيرة (حقوق الإنسان) عبر تمسّكها بالمساواة ودحر التمييز العنصري وممارسات من يتبناه ليخدم مآربه الاستغلالية.. فيما جاءت الاتفاقية بغاية تكريس التفاهم وتعزيز الاحترام القائم على تساوي أطرف البنية المجتمعية البشرية.. ولعل اتفاقية مكافحة التمييز العنصري بعقودها الستة قد وفَّرت فرص مراجعة المسيرة وما جابهها من تحديات مازالت متبقية أو عاودت الظهور بلفية ما جرى ويجري من متغيرات تحكم تلك المسيرة البشرية.. وإذا كانت الذكرى السنوية لاعتداء الشرطة العنصرية على تظاهرة سلمية بجنوب أفريقيا وقتلها حوالي 70 مواطناً سببا في اختيار التاريخ لمكافحة التمييز العنصري وإصدار الاتفاقية فإنّ العقود التالية شهدت ذات الاعتداءات الوحشية وإطلاقها النار على تظاهرات سلمية تختلف في الرؤية مع السلطة أو مع أطراف طائفية تعبر عنها تلك السلطة..

ليُضاف أسبوع التضامن مع الشعوب المكافحة ضد التمييز بعد العام 1979 وهو الأمر الذي يمكننا به الإشارة إلى تلك الشعوب والمجموعات القومية والدينية والعرقيةي التي تعاني من أشكال التمييز بخلفيات عنصرية مفضوحة.. لعل الأمة الكوردية بشعوبها أحد تلك الشعوب وعراقيا مازالت الشوفينية تخدم أشد أنواع التمييز تجاه الكورد وتحاول التراجع عن الفديرالية وعن الحقوق الثابتة للشعب الكوردي بذرائع يصورونها بالصيغ التي تخدم خطاب التمميز بل تغذيها خطابات الكراهية واستعداء الآخر ومنعه من أي شكل للمساواة وسحب بساط العدالة من تحت الأقدام وهذا يشمل الانتماءات القومية والدينية والعقيدية الأخرى لمن يطلقون عليهم (الأقليات)، تهميشا ومصادرة وإلغاء شخصية يمكننا ذكر المجموعات التي تحيا في العراق اليوم من تركمان وآشوريين سريان كلدان وأرمن ومن مسيحيين ومندائيين وإيزيديين وزرادشت ويهود وغيرهم من مجموعات وفئات كما النساء والأطفال وفئات المتقاعدين وذوي الهمم وأي سبب للتمييز بما يقترب من عنصرية الأداء..

إن ملايين العراقيات والعراقيين يتعرضون اليوم لأبشع حالات التمييز ومنه التمييز العنصري بما يوقع عليهن وعليهم أشد ظلم ووصم بعار التمييز سواء بدوافعه العنصرية و\أو غيرها.. إنَّ التربية لا تنحصر وتتحدد بالأداء العائلي في داخل الأسرة وهي قضية قائمة نتيجة ظروف بيئية محيطة تتسيَّد فيها قيمي المتحكم من طبقة كربتوقراط رجال الدين السياسي وفسادها المطلق أو تشوه خطابها الذي يظل بحاجة للتضليل والتشويه وإثارة خطاب الكراهية والاستعداء وتمكين أشكال الاستغلال والابتزاز بما يفضي لإلغاء وجود مبدأ المساواة وانتهاك الكرامة ومصادرة الحقوق الأمر الذي يؤدي إلى منع أية مساهمة جدية في التنمية المجتمعية.

إن تربية تقوم على التهميش تصادر شخصية الفعل الإيجابي البنَّاء وتجعل الشخصية تُقاد بمنطق القطيع من جهة وتضعها خارج إمكان المساهمة بأي فعل بنيوي تنموي سواء فرديا أم جمعيا..

إن منطق علوية أو تفوّق شخوص أو جماعة أو فئة أو طائفة أو احتلالها مكان الصدارة (على حساب) الآخر الفردي و\أو الجمعي هو منطق لا يقره منطق عقلي أو علمي ويقوم على أساس من زيف الادعاء المرضي؛ إنه منطق يلزم للمجتمع الإنساني المعاصر أن يوحد الخطاب لفضح ظلمه ووحشيته وسقوطه الأخلاقي مثلما فضح ما يرتكبه اجتماعيا من أوبئة إجرامية إذ تُباح في ظلاله أقسى الانتهاكات القيمية الأخلاقية ومنها الاغتصاب الذي شرعنوه بقوانين وأحالوا مرجعية الشرعنة إلى قدسية دينية متوهمة زائفة كما حصل بما أسموه تعديل قانون الأحوال الشخصية وهو تشويه وتراجع فرض التمييز ضد النسوة وفتح الطريق لأشد بل أخطر حالات استباحتهن واغتصاب طفولتهن وحرياتهن وحقوقهن..

إن عالمنا المعاصر وقيم الأنسنة والتنوير فيه قد تجسد في القرارات الأممية التي حظرت التمييز بأشكاله ومنه التمييز العنصري بما يكفل تلبية حقوق الإنسان كافة ليلزم الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بمهام مكافحة التمييز والقضاء على أشكاله كافة.. وبما يستجيب لتحقيق المساواة والعدل ولا يسمح بانتهاك ذلك بأي شكل أو ذريعة..

لقد جرت أنشطة كبرى أمميا لمكافحة التمييز العنصري سواء من أصول أفريقية أم غيرها وسواء جماعات موصومة بالأقليات أم بخصوصية ما تحمل من سمات بعضها يُحمَّل تفسيرات غير سوية لا تأخذ من العلم ومواقفه قراءة لطبيعتها وهنا يلزمنا تفهم الأمور بطريقة موضوعية وبعقل علمي متفتح لا يسمح لاجترار تفسيرات متوهمة من ماضويات قد تكون متخلفة لا يبررها سوى عنف الإكراه ومنطق القوة في فرض الإلغاء والمصادرة ومنع المساواة وما علينا سوى مغادرة تلك الذرائعية المقيتة التي تمنح تفوقا لطرف على الأطراف الأخرى لتمنحه سلطة تتحصن العصمة وبالفوقية والاستعلاء بما لا يمكن إقراره على وفق الاتفاقية التي تتبنى مكافحة التمييز..

ولابد من التذكير أن ظاهرة الجاليات سواء منها المتفتحة المندمجة بالمجتمعات المستضيفة أم المتلكئ أفراد فيها من الاندماج لأسباب موضوعية أحيانا جابهت ببعض الظروف ومع تفاقم الأزمات الاقتصادية العائدة لمناهج الحكومات والخلل فيها قد تأتت باليمين المتطرف ووسعت من وجوده على الرغم من أنَّ خطابه يقوم على استعداء المجتمعات للظاهرة وإشعال خطاب الكراهية والاعتداءات والصراعات المتخمة توترا وتأزماً.. وهنا تتبدى ظاهرة التمييز العنصري من جهة بمختلف أشكال تبريراتها غير الصائبة والتي لا تمتلك المصداقية بل تقوم على أكاذيب وذرائع مضللة.. ولعل ذلك مما يلزمنا تأشيره عندما نترك جاليات بأحجام كبيرة ممتدة لتلك الظروف القاسية فتجابه ظروف وضغوطا بشعة تشوه طابع ما تعيشه الجاليات ومرجعياتها وصلاتها بالمجتمع الأم وبالمجتمع المضيّف انطلاقا من تلك الأحكام المسبقة التي باتت تتعالى اليوم.. إنَّ هذا المسار هو ما أضافه الاجتماع الأممي في العام 2011 بمناسبة الذكرى العاشرة لإعلان ديربان لتصير المهمة  الأوسع والأشمل ممثلة بـ:  “مناهضة العنصرية والتمييز العنصري وكراهية الأجانب وما يتصل بذلك من تعصب وحماية ضحايا تلك الممارسات “..

ويمكنني هنا بهذه المعالجة الموجزة أن أشير إلى ما يتعرض له الأجانب في العراق من ابتزاز لإدماجهم بمشروعات السلطة الطائفية وتجييشهم بميليشيات وجيوش يجري إعدادها لحرب لا تبقي ولا تذر كما هو حال المستقدمين من باكستان وبنغلاديش ودول يتم استغلال فقرائها  

ما ينبغي الاهتمام به اليوم عراقيا يكمن في حملة وطنية لا تقتصر على ما يسمونهم ظلما الأقليات بل تتطلب اتساعاً يشمل كل العراقيات والعراقيين بحملة ضد التمييز بأشكاله وهي حملة تتطلب خطاب التعايش السلمي بمبدأ المساواة وإنصاف أتباع المجموعات القومية والدينية والانتماء للعصر وقيمه الإنسانية السامية وترك كل تلك المبررات والذرائع التي ينسبها أصحابها للقدسية وعصمتها وهي ليست سوى أوهام مضللة..

فلتطلق هذا العام حملة وطنية شاملة

  1. ضد التمييز على أساس قومي وتتحدث بوضوح عن العرب والكورد والتركمان والكلدان اشوريين السريان والصابئة والعبرانيين وأية مجموعة قومية أو عرقية تحيا في البلاد ..
  2. ضد التمييز على أساس ديني أو مذهبي وترفض الطائفية وتتحدث عن مساواة بين أتباع الديانات والمذاهب مسلمة ومسيحية ويهودية ومندائية وإيزيدية وزرادشتية وسنة وشيعة وكاثوليك وأرثدوكس وأية ملة دينية أو مذهبية.
  3. ضد أشكال التمييز الواقع على أتباع فئة أو مجموعة أو أخرى مثلما يقع: ضد النساء الأطفال ذوي الهمم الوظائف المختلف مثل العاملين بالنظافة أو أية مهنة بعينها ..

إن حملة وطنية ضد التمييز العنصري وأشكال التمييز الأخرى ستكون جهدا كبيرا للتوعية والتثقيف والتنوير بمبدأ المساواة واحترام الآخر والتعايش بين أطراف التنوع المجتمعي وتدحر قوى خطاب الكراهية وتئد محاولات التمييز قبل أن تستفحل مثلما ستكون إعدادا مجتمعيا لخطاب السلام ليس داخليا حسب بل وشرق أوسطيا أو عالميا..

عن أي عراق جديد مختلف سنتحدث في العام التالي؟ ونحن نقف مشدوهين أمام عتاة خطاب الكراهية وإشعال فتن التمييز بينما نردد بسلبية أننا بشر متساوون من دون فعل ما يتناسب والرد المؤمل؟؟

إن كلا منا يمكنه أن يكون قوة لا تقهر بوجه التمييز الذي أخذ مداه على مدى قرون وعقود وتمظهر في كل مرة بشكل فرضته سلطة استغلالية أو أخرى..

اليوم يوم الشعوب الحرة الأبية التي تُعلي الكرامة ومكانها ومكانتها فهل سيكون ذلك سببا في ثورة وعي تنويري يحمل هموم الأنسنة والمساواة وحظر التمييز ومكافحة العنصرية وخطاب كراهية تفرزه بحقدها على الإنسان وحقوقه؟؟

هل سنتجنب تبرير سلبية موقف أو آخر بألا نرى مواقفنا إلا خطاب بناء وتنمية وعدالة بدل أن نرى أنه خطاب يدخلنا صراعا في صميم مصيرنا وليس مما يقع خارج الصندوق؟؟

فلنتحد جميعا ضد التمييز بأشكاله وعلى رأسه التمييز العنصري ولنُبعد شبح التطهير العرقي العنصري كالذي جرى طوال أكثر من عقدين في العراق وكالذي يجري التأسيس له في سوريا أو في فلسطين أو في محافل دول متقدمة بات يحكمها اليمين المتطرف وخطابه ما يتطلب عودة نحو السلم الأهلي والمساواة ودمقرطة الحياة بما يحظر كليا ونهائيا التمييز والكراهية وما ينجم عنهما من استغلال قهري ومن آثار محيقة إلى هلاك..وطبعا  لا يمكننا إقناع طرف مبتلى بالمساواة ما لم نسعى فعليا عمليا نحو تمكينه من الحصول على الوظائف العامة والعليا منها وعلى التعليم وخدمات الرعاية الصحية والانتصاف له في المحاكم أمام القضاء وكل ذلك ينبغي أن يكون جزءا رئيسا في حملتنا التي لا تكتفي بالتثقيف بل تمتد نحو فرض إرادة تتبنى المساواة والعدل وكرامة الإنسان وحقوقه!

فإلى حملاتنا البنيوية في مناهضة العنصرية والتمييز ومعا وسويا نبدأ الحملة وكلنا مسؤول عن إطلاق الحملة والمساهمة بها..

روابط مفيدة:

 

اليوم الدولي لمناهضة التمييز العنصري يصادف يوم (21 مارس آذار) من كل عام

المقال بموقعي الفرعي بالحوار المتمدن زوار الموقع 5270111 إجمالي القراءات 

***************************

اضغط على الصورة للانتقال أيضاً إلى موقع ألواح سومرية معاصرة ومعالجاته

********************يمكنكم التسجيل للحصول على ما يُنشر أولا بأول***********************

تيسير عبدالجبار الآلوسي
https://www.facebook.com/alalousiarchive/              تيسير عبدالجبار الآلوسي

سجِّل صداقتك ومتابعتك الصفحة توكيداً لموقف نبيل في تبني أنسنة وجودنا وإعلاء صوت حركةالتنوير والتغيير

للوصول إلى كتابات تيسير الآلوسي في مواقع التواصل الاجتماعي

...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *